الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبياضا وعمى وانطلاقا، وأجود منه إدراكا (1)، وقد شذّ أفعل من الرباعي (2) في نحو قولهم: هو أعطاهم للدرهم وأولاهم للمعروف، وأنت أكرم لي من زيد، وهذا المكان أقفر من غيره، وفي الحديث «جوف اللّيل أجوب دعوة» أي أشدّ إجابة (3).
ذكر استعماله للفاعل والمفعول
(4)
قياس أفعل التفضيل أن يبنى للفاعل، كما أنّ فعل التعجّب لا يكون إلّا للفاعل، لأنّ الفاعل هو المقصود بالنسبة إليه في المعنى، والمفعول فضلة، فوجب أن يبنى لما هو المقصود، وقد يجيء أفعل التفضيل للمفعول كقولهم: هو أعذر وأشغل وأشهر، أي يعذر كثيرا أو معذور كثيرا وكذلك مشغول ومشهور (5).
ذكر الأمور الثلاثة التي لا يستعمل أفعل إلّا بأحدها
(6)
لا يستعمل أفعل التفضيل إلّا مضافا، أو بمن، أو باللّام كقولك: زيد أفضل القوم، وزيد أفضل من عمرو، وقد يحذف من (7) إذا كان معلوما كقولهم: الله أكبر، أي من كلّ كبير (8) وأمّا استعماله باللام فنحو: زيد الأفضل (9) وإنّما وجب ذلك لأنّ الغرض بوضعه الزيادة على المفضّل عليه وذلك، لا يتأتّى إلّا بأحد هذه الثلاثة، أمّا
(1) شرح المفصل، 6/ 91 وشرح الكافية، 2/ 213 وشرح الأشموني، 3/ 44.
(2)
الكتاب، 4/ 100 وشرح المفصل، 6/ 92 وقد أوجز ابن هشام في الأوضح، 3/ 266 - 287 الآراء في «أفعل» بقوله: فقيل: يجوز مطلقا، وقيل: يمتنع، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل».
(3)
النهاية، الابن الأثير 1/ 215 ونصه: أنّ رجلا قال يا رسول الله: أي الليل أجوب دعوة قال: جوف الليل الغابر أجوب. وشرح ابن الأثير الحديث بقوله: أي أسرع إجابة كما يقال أطوع من الطاعة وقياس هذا أن يكون من جاب لا من أجاب، لأنّ ما زاد على الفعل الثلاثي لا يبنى منه أفعل من كذا إلّا في أحرف جاءت شاذة. وانظر الكتاب، 4/ 99 واللسان، جوب، وشرح المفصل، 6/ 92.
(4)
الكافية، 414.
(5)
شرح الوافية، 331 وشرح الكافية، 2/ 214.
(6)
الكافية، 414.
(7)
زيادة يتضح بها المعنى من شرح الوافية، 332 والنقل منه.
(8)
يدل على ذلك أنه لو لم تكن «من» مرادة لوجب صرف الاسم، لأنه على أفعل ولا معنى للوصف به، وإذا لم ينصرف دل على أن من مرادة. شرح المفصل، 6/ 99.
(9)
شرح الوافية، 332.
من والإضافة، فظاهر، لأنّ المفضّل عليه مذكور معهما، وأمّا اللام فلأنّها تفيد تعريف المعهود على الصّفة التي هو عليها، وهي تلك الزيادة، فتدخل الزيادة في المعهود (1) واعلم أنّه لا يجوز اجتماع اثنين من هذه الثلاثة فلا يقال: زيد الأفضل من عمرو وأمّا قول الأعشى: (2)
ولست بالأكثر منهم حصى
…
وإنّما العزّة للكاثر
فمؤول بأنّ المراد بقوله: منهم؛ من بينهم، وإذا أضيف أفعل التفضيل فله معنيان:(3)
الأول: وهو ما حدّ باعتباره أن يقصد به الزيادة على من أضيف إليه (4)، فيشترط أن يكون المفضّل داخلا في جملة من أضيف إليه، أعني أن يشترك المفضّل والمفضّل عليه فيما اشتقّ منه أفعل ليتميز بالتفضيل نحو: زيد أفضل الناس، وقد توهّم بعضهم (5) امتناع ذلك، لأنّ زيدا مفضّل على من أضيف إليه أفضل، ومن جملة الناس زيد، فيلزم تفضيل زيد على نفسه، وليس بجيّد، لأنّ لأفعل جهتين، الأولى:
ثبوت أصل المعنى للمفضّل والمفضّل عليه، والجهة الثانية: ثبوت الزيادة في ذلك المعنى للمفضّل، فزيد إنّما ذكر في الناس للتشريك معهم في أصل الفضل المشترك فيه، لأنّه مشارك للمفضّل عليه في أصل الصفة، ولم يشاركه المفضّل عليه في أصل
(1) بعدها في الأصل مشطوب عليه «إلا إذا كان المفضل عليه معلوما فإنه يجوز بدون الأمور الثلاثة كقوله تعالى: يعلم السر وأخفى أي أخفى من السر قيل هو حديث النفس» من الآية 7 من سورة طه. وانظر شرح المفصل، 6/ 97 وكان ينبغي أن تأتي بعد قوله: من كل كبير لأنها مرتبطة به، ولولا الشطب الواضح عليها وقراءة المخطوطة على المصنف لعددناها من الأصل.
(2)
ديوانه، 193 ورد منسوبا له في الخصائص، 1/ 185 وشرح المفصل، 6/ 100 - 103 والمغني، 2/ 572 وشرح التصريح، 2/ 104 وشرح الشواهد، 3/ 47 وورد من غير نسبة في الخصائص، 3/ 234 وشرح المفصل، 3/ 6 - 6/ 5 وشرح الكافية، 2/ 215 وشرح ابن عقيل، 3/ 180 وشرح الأشموني، 3/ 47 وحاشية الخضري، 2/ 47.
(3)
الكافية، 414.
(4)
بعدها في شرح الوافية 332 «في الخصلة التي هو وهم فيه شركاء فلا بد أن يكون أحدهم» .
(5)
وعبارة ابن الحاجب في شرح الكافية، 2/ 639 وقد توهم بعض الناس أنه من قبيل التناقض». وانظر شرح الكافية، للرضي، 2/ 216.
الزيادة، فهو مفضّل عليهم باعتبار الزيادة على أصل الفضل (1).
والمعنى الثاني: (2) أن يقصد به زيادة مطلقة أي غير مقيّدة (3) بأصل مشترك فيه، بل هو زائد على من أضيف إليه/ مجموع تلك الصّفة، أي هو منفرد بها، ويضاف للتوضيح لا للتفضيل، أي ليتضح أنّ الصفة مخصوصة به دون المضاف إليهم، كما يضاف ما لا تفضيل فيه نحو حسن قريش (4) وإذا أضيف أفعل التفضيل بالمعنى الأوّل وهو أن يقصد به الزيادة على من أضيف إليه، يمتنع: يوسف أحسن إخوته، لأنّ شرط هذه الإضافة أن يكون المفضّل بعضا من المفضّل عليه ويوسف ليس هو بعض إخوته، فيمتنع كما امتنع: زيد أفضل الحجارة، لأنّه ليس منها بخلاف الياقوت أفضل الحجارة، والتحقيق أن يقال: إنّ يوسف خرج حينئذ عن الحسن بإضافة إخوته إلى ضميره، إذ القاعدة أنّ المعنى إذا قصد ثبوته للمضاف عند الإضافة خرج المضاف إليه عن ذلك المعنى، بدليل قولهم: جاءني إخوة يوسف، فإنّ يوسف خرج عن المجيء الذي قصد ثبوته للإخوة، لكن يجوز يوسف أحسن إخوته إذا أضيف أفعل التفضيل بالمعنى الثاني وهو أن يقصد بإضافته الزيادة من غير نظر إلى أصل مشترك كما ذكرنا (5). أعني أن يضاف للتوضيح لا للتفضيل فقولك: يوسف أحسن إخوته، معناه حسن إخوته مثل: حسن قريش، ومنه قولهم لنصيب (6)«أنت أشعر أهل بلدتك» أي شاعرهم، لأنّ نصيبا كان حبشيّا ولم يعلم في الحبش شاعر سواه، ومنه قولهم: النّاقص والأشجّ أعدلا بني مروان» أي عادلا بني مروان (7) واعلم
(1) الظاهر أن أبا الفداء ينقل من شرح الكافية، لابن الحاجب 2/ 640 وانتهى النقل هنا بتصرف.
(2)
الكافية، 414.
(3)
في الأصل غير مفيدة.
(4)
كذا في الأصل وفي شرح الوافية، 333 «كما يضاف ما لا تفضيل فيه كحسن وقبيح» والمذكور هنا أوضح.
(5)
شرح الكافية، 2/ 216 وهمع الهوامع، 2/ 103.
(6)
هو نصيب بن رباح مولى عبد العزيز بن مروان، شاعر مشهور والخبر كما رواه ابن سلام في طبقاته، 2/ 675 أنّ جريرا مرّ به وهو ينشد، فقال له: اذهب فأنت أشعر أهل جلدتك وكان نصيب أسود، فقال:
وجلدتك يا أبا حزره. وانظر أخباره وترجمته في الأغاني، 1/ 305 - 344.
(7)
لأنه لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل، والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك من مروان سمي بذلك لأنه نقص الناس العشرات التي زادها الوليد وقررهم على ما كانوا عليه أيام هشام والأشج -
أنه يجوز في أفعل إذا أضيف بالمعنى الأول الإفراد والمطابقة (1) مثال الإفراد قولك:
الزيدان والزيدون أفضل القوم بإفراد أفضل (2) ومنه قوله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ (3) فأفرد أحرص مع أنّ المفعول الأول لتجدنّهم جمع، ووجهه؛ أنّ أفعل هنا لمّا كان بعضا من المضاف إليه أشبه لفظة بعض، وبعض لا يثنّى ولا يجمع نحو قولك: الزيدون بعض القوم (4) وأمّا المطابقة فنحو: زيد أفضل القوم، والزيدان أفضلا القوم، والزيدون أفاضل القوم، ومنه قوله تعالى: أَكابِرَ مُجْرِمِيها (5) وكذلك هند، وإنّما جازت المطابقة فيه لأنّ الإضافة تشبه (6) المعرّف باللام من جهة اختصاص كلّ منهما (7) بالأسماء، فحمل المضاف في المطابقة على المعرّف بالّلام، والمعرّف بالّلام يلزم فيه المطابقة، فجازت المطابقة والإفراد في المضاف لما ذكرنا.
وأما المضاف بالمعنى الثاني والمعرّف باللام فلا بدّ فيهما من المطابقة (8) وإنّما وجبت المطابقة فيهما لتجرّد أفعل عن شبه الفعل بتجرّده عن من المعديّة له إلى المذكور بعده فلمّا خرج أفعل عن شبه الفعل باستغنائه عن تعدية من، وجب فيه ما يجب في سائر الصفات من المطابقة لموصوفه (9) ومثال المطابقة في المعرّف باللام:
زيد الأفضل والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، وهند الفضلى، والهندان الفضليان والهندات الفضل.
وأمّا إن أتى ما يضاف إليه أفعل التفضيل نكرة نحو: زيد أفضل رجل، فيطابق
- عمر بن عبد العزيز بن مروان سمي بذلك لشجة أصابته بضرب الدابة، حاشية الصبان، 3/ 49 وانظر شرح الكافية، 2/ 216 والمختصر، 2/ 217.
(1)
الكافية، 414.
(2)
شرح الكافية، 2/ 217 وشرح التصريح، 2/ 105.
(3)
من الآية 96 من سورة البقرة.
(4)
شرح الأشموني، 3/ 49.
(5)
من الآية 123 من سورة الأنعام.
(6)
غير واضحة في الأصل.
(7)
أتى الطمس على حروف الكلمتين.
(8)
شرح الوافية، 333 - 334 وانظر شرح المفصل، 6/ 196.
(9)
شرح الكافية، 2/ 217.
بين النكرة والمفضّل نحو قولك: زيد أفضل رجل، والزيدان أفضل رجلين، والزيدون/ أفضل رجال وهند كزيد، كأنّ جنس العدد المفضّل عليه وهو الرجل في مثالنا هذا، قد قسّم رجلا رجلا ورجلين رجلين ورجالا رجالا، ثم فضّل ذلك على مطابقه (1).
واختيار ابن الحاجب أن المفضّل عليه في هذه الصور محذوف وهو الجنس العامّ (2) ويكون التقدير في زيد أفضل رجل: زيد أفضل رجل من جميع الرّجال، وفي الزيدون أفضل رجال، الزيدون أفضل رجال من جميع الرجال.
واختيار ابن مالك (3) أنّ المفضّل عليه مذكور، وهو النكرة المضاف أفعل إليها والتقدير: زيد أفضل من كلّ رجل قيس فضله بفضله، فحذفت من وكلّ وأضيف أفعل إلى ما كان مضافا إليه كل (4).
واعلم أنّ إضافة أفعل التفضيل عند الأكثرين لا تفيد تعريفا في نحو قولك:
أفضل القوم، وهو اختيار أبي على الفارسي بل هي إضافة لفظيّة في تقدير الانفصال، وقال بعضهم: إنّها تفيد التعريف كسائر المضافات إلى المعارف، وهو اختيار البصريين فتكون إضافة معنويّة وقال بعضهم: ما أضيف والتقدير فيه معنى اللّام فهو معرفة، وما أضيف والتقدير فيه معنى من فهو نكرة وهو مذهب الكوفيين (5) والحقّ أنه إن أضيف إلى معموله نحو: ما رأيت رجلا أحسن الكحل في عينه من عين زيد، فهي إضافة لفظيّة لا تفيد التعريف، وإن لم يضف إلى معموله نحو: زيد أفضل القوم، فهي إضافة معنويّة تفيد التعريف لأنّه من باب إضافة الصفة إلى غير معمولها نحو:
مصارع مصر.
(1) شرح التصريح، 2/ 105.
(2)
شرح الوافية، 333 وفيه:«واستغني عن الجنس العام للعلم به» وانظر شرح التصريح، 2/ 105.
(3)
هو محمد بن عبد الله جمال الدين الطائي، النحوي المشهور، توفي سنة 672 هـ انظر ترجمته في البداية والنهاية، 13/ 267 والنجوم
الزاهرة، 7/ 243 والبغية، 1/ 130.
(4)
تسهيل الفوائد، 134 والنص في شرح التسهيل، 3/ 62 (بتصرف يسير) وانظر همع الهوامع، 2/ 103.
(5)
قال ابن يعيش في شرح المفصل، 6/ 97: واعلم أنه متى أضيف أفعل على معنى من فهو نكرة عند بعضهم وعليه الكوفيون، وإذا أضيف على معنى اللام فهو معرفة، وفي قول البصريين المتقدمين أنه معرفة على كلّ حال إلّا إذا أضيف إلى نكرة، والمتأخرون يجعلونه نكرة لأنّ المضاف إليه مرفوع في المعنى والأول القياس. وانظر همع الهوامع، 2/ 48 إذ قال:«والأصح أنها محضة» .