الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمني: نجس.
منحة السلوك
وعند الشافعي يغسل
(1)
.
[حكم المني]
قوله: والمني نجس
(2)
.
وعند الشافعي طاهر؛ لأنه أصل الآدمي المكرم، وليس من الكرامة تنجيس أصله
(3)
.
ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغسل الثوب إلا من خمس: وعد منها المني"
(4)
.
وإيجاب الطهارة، لا يكون إلا بخروج النجس
(5)
.
(1)
وهو مذهب الحنابلة.
زاد المحتاج 1/ 82، المنهاج 1/ 81، منتهى الإرادات 1/ 99، شرح منتهى الإرادات 1/ 99.
(2)
وهو مذهب المالكية.
الكتاب 1/ 51، رؤوس المسائل للزمخشري 1/ 124، المختار 1/ 32، الاختيار 1/ 32، تنوير الأبصار 1/ 310، الدر المختار 1/ 310، أقرب المسالك ص 3، التلقين ص 19.
(3)
وهو مذهب الحنابلة.
كفاية الأخيار 1/ 41، متن أبي شجاع ص 32، نيل المراد ص 26، حاشية المقنع 1/ 86.
(4)
رواه الدارقطني في السنن 1/ 127 كتاب الطهارة، باب نجاسة البول رقم 1، قال: حدثنا أحمد بن علي بن العلاء، ثنا محمد بن شوكر بن رافع الطوسي، ثنا أبو إسحاق الضرير إبراهيم بن زكريا، ثنا ثابت بن حماد، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن عمار بن ياسر قال: أتى عليّ رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وأنا على بئر أدلو ماء في ركوة لي فقال: "يا عمار ما تصنع؟ قلت: يا رسول الله بأبي وأمي أغسل ثوبي من نخامة أصابته، فقال: يا عمار، إنما يغسل الثوب من خمس: من الغائط، والبول، والقيء، والدم، والمني، يا عمار: ما نخامتك، ودموع عينيك، والماء الذي في ركوتك إلا سواء".
قال الدارقطني: لم يروه غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جدًا، وإبراهيم وثابت ضعيفان.
(5)
رؤوس المسائل للزمخشري 1/ 124، تحفة الفقهاء 1/ 49، الهداية 1/ 37، تبيين الحقائق 1/ 71، شرح الوقاية 1/ 31، مراقي الفلاح ص 196. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= * اختلف العلماء في مني الآدمي هل هو طاهر أم نجس على عدة أقوال:
القول الأول: ويقضي بأن مني الآدمي، طاهر.
وهو المذهب عند الشافعية (أ)، والحنابلة (ب)، وبه قال: أبو ثور، وابن المنذر، وهو قول سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن المسيب (جـ).
أدلتهم:
1 -
استدلوا: بما رواه مسلم في صحيحه (د): من طريق علقمة، والأسود، أن رجلًا نزل بعائشة رضي الله عنها فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة رضي الله عنها: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله فركًا، فيصلى فيه.
وجه الاستدلال من الحديث: قالوا: هذا الحديث نص في عدم نجاسة المني؛ لأنه لو كان نجسًا، لوجب تطهير الثوب منه؛ لأن الأصل تطهير الثياب من الأنجاس، قليلها وكثيرها، فلما جازت الصلاة به دل على طهارته (هـ).
2 -
واستدلوا بما روته عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه، ويحته من ثوبه يابسًا، ثم يصلي فيه (و). وسلته له من خصائص المستقذرات، لا من أحكام النجاسات (ز).
3 -
واستدلوا بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: قال: سئل النبي -صلي الله عليه وسلم- عن المني يصيب =
_________
(أ) روضة الطالبين 1/ 17، مغني المحتاج 1/ 80، نهاية المحتاج 1/ 243، حاشية القليوبي وعميرة 1/ 70، الأم 1/ 48، الوسيط 1/ 319.
(ب) المحرر 1/ 6، الشرح الكبير لابن قدامة 1/ 336، الإنصاف 1/ 340، منتهى الإرادات 1/ 102، المغني 1/ 771، الإقناع للحجاوي 1/ 194.
(جـ) المغني 1/ 771، الشرح الكبير لابن قدامة 1/ 341.
(د) 1/ 238، كتاب الطهارة، باب حكم المني رقم 288.
(هـ) مغني المحتاج 1/ 80، الأم 1/ 48، نهاية المحتاج 1/ 243، الشرح الكبير لابن قدامة 1/ 342، المغني 1/ 77، كشاف القناع 1/ 194.
(و) رواه الإمام أحمد في المسند 6/ 243، وابن خزيمة في صحيحه 1/ 149 وإسناده صحيح.
(ز) تنقيح التحقيق 1/ 313، فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 589.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الثوب، قال:"إنما هو بمنزلة المخاط، والبصاق، وقال: إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة، أو بإذخرة"(أ).
4 -
قالوا: إن الله كرم بني آدم، ومن كرامته أن يكون طاهرًا من أصل طاهر، فجعله الله أصلًا لجميع أنبيائه، وعباده الصالحين. فكيف يكون أصلهم نجسًا؟ لذا كان المني مخالفًا لجميع ما يخرج من الذكر في خلقته، فإنه غليظ، وتلك رقيقة، وفي لونه أيضًا فإنه أبيض شديد البياض، وفي ريحه فإنه طيب كرائحة الطلع، وتلك خبيثة، ثم ليس شأنه شأن الفضول، بل شأن ما هو غذاء، ومادة في الأبدان إذ هو قوام النسل، فهو بالأصول أشبه منه بالفضل، وهو في بني آدم، كماء البيض في الطيور، واللبن (ب).
5 -
ولأن حرمة الرضاع شبهت بحرمة النسب كاللبن الذي يحصل به الرضاع طاهر، والمني الذي يحصل به النسب أولى؛ لأنه أصل، والرضاع محلوبه (جـ).
6 -
ولأن الأصل في الأعيان الطهارة، فيجب القضاء بطهارته، حتى يجيء النص بنجاسته. =
_________
(أ) رواه الدارقطني في سننه 1/ 124 ولم يصح رفعه إلى النبي -صلي الله عليه وسلم- وإنما ثبت وقفه على ابن عباس، فرواه موقوفًا عليه، والشافعي في الأم 1/ 56، وابن أبي شيبة في المصنف 1/ 83، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 53، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 418، قال -أي البيهقي-: هذا صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد روي مرفوعًا، ولا يصح رفعه.
وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق 1/ 311: والصحيح أن هذا الحديث موقوف.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 21/ 590: وأنا أقول: أما هذه الفتيا، فهي ثابتة عن ابن عباس، وقبله سعد بن أبي وقاص، وأما رفعه إلى النبي -صلي الله عليه وسلم-، فمنكر باطل، لا أصل له؛ لأن الناس كلهم رووه عن شريك موقوفًا، ثم شريك، ومحمد بن عبد الرحمن وهو ابن أبي ليلى، ليسا في الحفظ بذاك، والذين هم أعلم منهم بعطاء، مثل ابن جريج الذي هو أثبت فيه من القطب، وغيره من المكيين، لم يروه أحد إلا موقوفًا، وهذا كله دليل على وهم تلك الرواية.
(ب) الشرح الكبير لابن قدامة 1/ 342، المغني 1/ 772، فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 601، بداية المجتهد 1/ 82.
(جـ) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 594.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومعلوم أن كل ما لا يمكن الاحتراز عن ملابسته، معفو عنه، ومعلوم أن المني يصيب أبدان الناس، وثيابهم، وفراشهم بغير اختيارهم أكثر مما يبلغ الهر في آنيتهم، فهو طواف الفضلات، بل قد يتمكن الإنسان من الاحتراز من البصاق، والمخاط المصيب ثوبه، ولا يقدر على الاحتراز من مني الاحتلام، والجماع، وهذه المشقة الظاهرة توجب طهارته، ولو كان المقتضى للتنجيس قائمًا (أ).
7 -
ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحتلمون على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمني يصيب بدن أحدهم، وثيابه وهذا مما تعم به البلوى، فلو كان ذلك نجسًا؛ لكان يجب على النبي -صلي الله عليه وسلم- أمرهم بإزالة ذلك من أبدانهم، وثيابهم كما أمرهم بالاستنجاء، وكما أمر الحائض بأن تغسل دم الحيض من ثوبها؛ بل إصابة الناس المني، أعظم بكثير من إصابة دم الحيض، لثوب الحيض، ومن المعلوم، أنه لم ينقل أحد أن النبي -صلي الله عليه وسلم- أمر أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم بغسل المني من بدنه، ولا ثوبه فعلم يقينًا أن هذا لم يكن واجبًا عليهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا قاطع لمن تدبره (ب).
القول الثاني: ويقضي بأن مني الآدمي نجس.
وهو مذهب الحنفية (جـ)، والمالكية (د)، والقول: المقابل للأصح عند الشافعية (هـ)، ورواية عن الإمام أحمد (و)، وبه قال: الثوري، والأوزاعي (ز). =
_________
(أ) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 591.
(ب) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 605.
(جـ) فتح القدير 1/ 196، تبيين الحقائق 1/ 71، حاشية رد المحتار 1/ 312، المبسوط 1/ 81، بدائع الصنائع 1/ 60، الهداية 1/ 35، رؤوس المسائل للزمخشري ص 124، المختار 1/ 32.
(د) بداية المجتهد 1/ 82، القوانين الفقهية ص 48، الخرشي على خليل 1/ 92، حاشية الدسوقي 1/ 56، المعونة 1/ 168، الكافي لابن عبد البر ص 18، منح الجليل 1/ 53، مواهب الجليل 1/ 104.
(هـ) مغني المحتاج 1/ 80، نهاية المحتاج 1/ 243، حاشية القليوبي وعميرة 1/ 70، الوسيط 1/ 319، روضة الطالبين 1/ 17.
(و) المغني 1/ 772، الإنصاف 1/ 340، المبدع 1/ 254، المحرر 1/ 6.
(ز) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 587، الشرح الكبير لابن قدامة 1/ 341، المغني 1/ 771.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أدلتهم:
1 -
استدلوا بقول النبي -صلي الله عليه وسلم- لعائشة رضي الله عنها: "إذا وجدت المني رطبًا فاغسليه، وإذا وجدتيه يابسًا فحتيه".
2 -
واستدلوا أيضًا: بقول: عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: مر بي رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، وقد تنخمت، فأصابت نخامتي ثوبي، فأقبلت لأغسل ثوبي، فقال لي النبي -صلي الله عليه وسلم-:"يا عمار، ما نخامتك، ودموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك، إنما تغسل ثوبك من البول، والغائط، والمني، والدم، والقيء"(أ).
وجه الاستدلال من الحديث: قالوا: إن النبي -صلي الله عليه وسلم- أمر بغسل المني، كما يغسل البول، والغائط مما يدل على نجاسته كالبول، والغائط (ب).
3 -
قالوا: ولأنه خارج يوجب طهارتي الخبث، والحدث فكان نجسًا، كالبول، والحيض، فإيجاب نجاسة الطهارة، دليل على أنه نجس (جـ).
4 -
ولأنه يجري في مجرى البول، فإذا استويا في المجرى، وجب أن يستويا في النجاسة، ولو كان طاهرًا في الأصل، لوجب أن ينجس لجريه في مجرى نجس، فيكون كاللبن في الظرف النجس (د).
5 -
ولأنه دم، استحال بالنضج من حرارة الشهوة، ولهذا من كثر منه الوقاع، حتى فترت شهوته يخرج دمًا أحمر والدم نجس (هـ).
6 -
قالوا: ولأنه من جنس المذي، فكان نجسًا كالمذي؛ لأن المذي يخرج عند =
_________
(أ) رواه ابن عدي في الكامل 1/ 370، والدارقطني في سننه 1/ 127، والبزار في مسنده 1/ 131، وابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 331 من طريق ثابت بن حماد، ثنا علي بن زيد، عن سعيد ابن المسيب عن عمار ....
(ب) المبسوط 1/ 81، بدائع الصنائع 1/ 60، بداية المجتهد 1/ 82.
(جـ) المبسوط 1/ 81، الاختيار 1/ 32، بدائع الصنائع 1/ 60، المعونة 1/ 68، حاشية الدسوقي 1/ 56، الإنصاف 1/ 341.
(د) المبسوط 1/ 81، الاختيار 1/ 32، بدائع الصنائع 1/ 60، الذخيرة 1/ 186، المعونة 1/ 168، المغني 1/ 778.
(هـ) تبيين الحقائق 1/ 71، حاشية الدسوقي 1/ 56، فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 593.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مقدمات الشهوة، والمني أصل المذي عند استكمالها، وهو يجري في مجراه، ويخرج من مخرجه، فإذا نجس الفرع، فلأن ينجس الأصل أولى (أ).
7 -
قالوا: ولأنه خارج من الذكر، أو خارج من القبل، فكان نجسًا، كجميع الخوارج، مثل البول، والمذي، والودي، وذلك؛ لأن الحكم في النجاسة منوط بالمخرج (ب).
القول الثالث: أنه كالدم نجسٌ يعفى عن يسيره. وهو رواية عن الإمام أحمد (جـ).
القول الرابع: أن مني الجماع نجس، دون مني الاحتلام. ذكره القاضي من الحنابلة (د).
القول الخامس: مني المرأة نجس، دون مني الرجل، بناء على نجاسة رطوبة فرجها، وألحق مني الخنثى بمني المرأة. حكاه بعض أصحاب الحنابلة (هـ).
القول السادس: أن مني المستجمر نجس، دون غيره. حكاه المرداوي في الإنصاف غير منسوب، وصدره بقوله: "وقيل
…
" (و).
والراجح: القول: بطهارة مني الآدمي؛ لقوة أدلتهم، وصراحتها، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (ز).
وللرد على أدلة القول الثاني:
نقول:
أما استدلالهم بقول النبي -صلي الله عليه وسلم- لعائشة رضي الله عنها: "إذا وجدت المني رطبًا فاغسليه وإذا وجدتيه يابسًا فحتيه".
فنقول:
إن هذا غير معروف عند المحدثين. فقد قال ابن الجوزي: إن هذا الحديث لا يعرف، =
_________
(أ) الذخيرة 1/ 186، الشرح الكبير للدردير 1/ 56، فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 593.
(ب) حاشية الدسوقي 1/ 56، الشرح الكبير للدردير 1/ 56.
(جـ) المغني 1/ 771، الشرح الكبير لابن قدامة 1/ 341، الإنصاف 1/ 341.
(د) الإنصاف 1/ 341.
(هـ) الإنصاف 1/ 341، مغني المحتاج 1/ 80.
(و) الإنصاف 1/ 341.
(ز) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 587.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وإنما المنقول: أنها هي كانت تفعل ذلك من غير أن يأمرها (أ). ا. هـ. وفعلها ليس فيه حجة على نجاسته؛ لأن غسله؛ للاستقذار، واستظهار النظافة، لا تنجسًا، كما يغسل الثوب من النخامة، والمخاط، ونحوه، وفي هذا جمع بين الأحاديث الصحيحة الوارد فيها الغسل، والفرك (ب).
وللرد على دليلهم الثاني:
وهو ما روي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه، قال: مر بي رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وقد تنخمت
…
".
فنقول:
إن هذا الحديث لم يصح عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.
قال عنه البيهقي: "هذا باطل لا أصل له"(جـ).
وعلي بن زيد، غير محتج به، وثابت بن حماد متهم بالوضع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما حديث عمار بن ياسر فلا أصل له (د).
وللرد على دليلهم الثالث: وهو قولهم: إنه خارج يوجب طهارتي الخبث، والحدث، فكان نجسًا كالبول، والحيض.
نقول: أما الخبث: فممنوع؛ بل الاستنجاء منه مستحب، كما يستحب إماطته من الثوب، والبدن. فسبب الاستنجاء منه، ليس هو النجاسة؛ بل سبب آخر. فقولهم: يوجب طهارة الخبث وصف ممنوع في الفرع، فليس غسله عن الفرج للخبث، وليست الطهارات منحصرة في ذلك، كغسل اليد عند القيام من نوم الليل، وغسل الميت، والأغسال المستحبة، وغسل الأنثيين، وغير ذلك، فبطل قياسه على البول؛ لفساد الوصف الجامع. =
_________
(أ) يشير إلى ما رواه البخاري 1/ 91، ومسلم 1/ 239 عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي -صلي الله عليه وسلم- فيخرج إلى الصلاة، وإن بقع الماء في ثوبه". وفي مسلم 1/ 238 عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله -صلي الله عليه وسلم- فركًا، فيصلي فيه".
(ب) تحقيق أحاديث التعليق لابن الجوزي 1/ 312، الذخيرة 1/ 186، فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 589.
(جـ) السنن الكبرى للبيهقي 1/ 14.
(د) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 594.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأما إيجابه طهارة الحدث: فصحيح؛ لكن طهارة الحدث، ليست أسبابها منحصرة في النجاسات، فإن الطهارة الصغرى تجب من مس الفرج، ومن لحوم الإبل، ومن الريح، ومن الردة، وقد كانت تجب في صدر الإسلام من كل ما غيرته النار، وكل هذه الأسباب غير نجسة.
والطهارة الكبرى: تجب بالإيجاب إذا التقى الختانان ولا نجاسة، وتجب بالولادة التي لا دم معها، والولد طاهر، وتجب بالموت، ولا يقال: هو نجس.
فقولهم: إنما أوجب طهارة الحدث، أو أوجب الاغتسال نجس. منتقض بهذه الصور، فبطل طرده (أ).
وللرد على دليلهم الرابع:
وهو قياسهم المني على جميع الخارجات بجامع اشتراكهن في المخرج.
فنقول: الجواب عليه من عدة أوجه:
الوجه الأول: لا نسلم أنه يجري في مجرى البول، فقد قيل: إن بينهما جلدة رقيقة، وأن البول إنما يخرج رشحًا، ولا بد من بيان اتصالهما، وليس ذلك معلومًا إلا في ثقب الذكر، وهو طاهر، أو معفو عن نجاسته.
الوجه الثاني: أنه لو جرى في مجراه، فلا نسلم أن البول قبل ظهوره نجس؛ بل طاهر.
الوجه الثالث: أنه لو كان نجسًا، فلا نسلم أن المماسة في باطن الحيوان موجبة للتنجس.
يؤيد هذا قوله تعالى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [سورة النحل، الآية: 66]. ولو كانت المماسة في الباطن للفرث مثلًا، موجبة للنجاسة؛ لنجس اللبن، فخروج اللبن من بين الفرث، والدم أشبه شيء بخروج المني من مخرج البول (ب).
وللرد على دليلهم الخامس:
وهو: النظر إلى أصله، بأنه دم استحال إلى مني.
نقول: إن هذا منقوض بالآدمي، وبمضغته فإنهما مستحيلان عنه وبعده عن العلقة وهي =
_________
(أ) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 564.
(ب) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 598.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= دم، ولم يقل أحد بنجاسته، وكذلك سائر البهائم المأكولة، ولا نسلم أن الدم قبل ظهوره، وبروزه يكون نجسًا، فلا بد من الدليل على تنجيسه، ولو سلمنا أن الدم نجس، فإنه قد استحال وتبدل (أ).
وللرد على دليلهم السادس:
وهو قياسهم: المني على المذي.
فنقول: هذا قياس مع الفارق، فالمني يخلق منه الولد الذي هو أصل الإنسان، والمذي بخلافه، وعدم الإمناء عيب يبنى عليه أحكام كثيرة، منشؤها على أنه نقص، وكثرة الإمذاء ربما كانت مرضًا، وهو فضلة محضة لا منفعة فيه، كالبول.
وأما كونه فرعًا: فليس كذلك؛ بل هو بمنزلة الجنين الناقص، كالإنسان إذا أسقطته المرأة قبل كمال خلقه، فإنه وإن كان مبدأ خلق الإنسان فلا يناط به من أحكام الإنسان إلا ما فعل.
ولو كان فرعًا فإن النجاسة استخباث، وليس استخباث الفرع بالموجب خبث أصله، كالفضول الخارجة من الإنسان (ب).
وللرد على دليلهم السابع:
وهو قياسهم: المني على جميع الخوارج، كالبول، والمذي، والودي. بجامع اشتراكهن في المخرج.
فنقول:
هذا منقوض بالفم، فإنه مخرج النخامة، والبصاق الطاهرين، والقيء النجس، وكذلك الدبر مخرج الريح الطاهر، والغائط النجس، وكذلك الأنف مخرج المخاط الطاهر، والدم النجس، ولماذا قالوا: إن الاعتبار بالمخرج ولا يقال: الاعتبار بالمعدن، والمستحال فما خلق في أعلى البدن فطاهر، وما خلق في أسفله فنجس، والمني يخرج من بين الصلب، والترائب، بخلاف البول، والودي، وهذا أشد اطرادًا؛ لأن القيء خارج من الفم لكن =
_________
(أ) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 597.
(ب) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 594.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لما استحال في المعدن كان نجسًا (أ).
القول الثالث: أنه نجس، يعفى عن يسيره. وهذا رواية عن الإمام أحمد (ب).
دليلهم: قياس المني على الدم، فكما يعفى عن يسير الدم، كذلك يعفى عن يسير المني (جـ).
وللرد على هذا القول:
نقول: إن هذا قياس مع الفارق، فالمني لا يجب غسله إذا جف، فلم يكن نجسًا كالمخاط، وهو بدء خلق آدمي، فكان طاهرًا، كالطين لا كالدم، هذا على القول بنجاسة الدم، وأما من قال إن الدم طاهر، فالمني طاهر عنده أيضًا (د).
القول الرابع: قالوا: إن مني الجماع نجس؛ لأنه لا يسلم من المذي دون مني الاحتلام. وهذا القول: ذكره القاضي من الحنابلة (هـ).
والجواب عنه: نقول: إن مني النبي -صلي الله عليه وسلم- إنما كان من جماع، وهو الذي وردت الأخبار بفركه، والطهارة لغيره إنما أخذت من طهارته (و).
قال ابن قدامة عن هذا القول: إنه قول فاسد (ز).
القول الخامس: قالوا: إن مني المرأة نجس، دون مني الرجل، بناء على نجاسة رطوبة فرجها. وهذا القول: حكاه بعض أصحاب الحنابلة (حـ).
والجواب عليه:
نقول: إن هذا تفريق بلا دليل، فالطهارة، والنجاسة لا يفترقان فيه؛ لأن كل واحد منهما مني وهو بدء لخلق آدمي خارج من السبيل. =
_________
(أ) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 597.
(ب) المغني 1/ 771، الشرح الكبير لابن قدامة 1/ 341، الإنصاف 1/ 340، المبدع 1/ 254.
(جـ) المغني 1/ 771، المبدع 1/ 254، الشرح الكبير لابن قدامة 1/ 341.
(د) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 21/ 600.
(هـ) الإنصاف 1/ 341.
(و) المغني 1/ 773، الشرح الكبير لابن قدامة 1/ 342.
(ز) المغني 1/ 773.
(حـ) الإنصاف 1/ 341.