الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واقتصرت فيه على عشرة كتب، هي أهم
(1)
كتب الفقه له، وأحقها بالتقديم.
منحة السلوك
أي: جمعته بقدر ما وسع هذا المختصر وقت المختصر. فالضمير في وسعه، منصوب على المفعوليّة، وفاعله قوله وقته، والضمير في وقته، مجرور بالإضافة
(2)
وكلاهما
(3)
عائدان إلى المختصر.
وفي بعض النسخ بقدر ما وسعني وقته
(4)
.
والحاصل أن هذا اعتذار من المصنف في سبب الاختصار، وهو عدم وسعه الوقت على أطول من هذا، إما باعتبار أن المختصر مطلوب مرغوب فيه، وإما باعتبار كونه مشغولًا بخلافه أيضًا، ولم يساعده وقته إلا بهذا المقدار. وهذا هو الظاهر، فافهم.
[سبب اختصار المتن على عشرة كتب]
قوله: واقتصرت على عشرة كتب، هي أهم كتب الفقه له، وأحقها بالتقديم.
أقول: هذا بيان لقوله: هذا مختصر في علم الفقه؛ لأنه لما قال ذلك ألقى في ذهن السامع أنه مختصر، ولكن ما تحقق عنده كيفية اختصاره ولا كمية أبوابه، ولما قال: على عشرة كتب، انتقش في ذهنه أنه على عشرة كتب، ليس إلا.
وقوله: "هي أهم كتب الفقه".
(1)
في د من أهم.
(2)
وجملة بقدر ما وسعه وقته متعلق بجمعت.
(3)
أي الضمير في وسعه المنصوب على المفعول والضمير المجرور في كلمة "وقته" عائدان إلى المختصر.
(4)
لم أعثر على تلك النسخة.
وهي كتاب الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج.
منحة السلوك
أي: الكتب العشرة التي أذكرها أهم كتب الفقه لبعض إخواني.
وكونها
(1)
أهم كتب الفقه ظاهر.
أما الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج؛ فلأنها قواعد الإسلام وأُسُّه
(2)
، لما روى البخاري
(3)
في صحيحه
(4)
بإسناده
(5)
إلى ابن عمر رضي الله عنهما
(6)
،
(1)
أي: الكتب العشرة.
(2)
الأسُّ: أصل البناء، وجمعه آساس، مثل قفل وأقفال.
لسان العرب 46/ 46 مادة أسس، مختار الصحاح ص 7 مادة أس س، المصباح المنير 1/ 14 مادة أُ سَّ، القاموس المحيط 1/ 145 مادة أس س.
(3)
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري، حبر الإسلام، والحافظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد سنة 194 هـ ببخارى، ونشأ يتيمًا، كان حاد الذهن، مبرزًا في الحفظ، ورأسًا في الورع، والعبادة، رحل في طلب الحديث، صنف الصحيح في ست عشرة سنة، وله أيضًا التاريخ، والضعفاء، والأدب المفرد، وغيرها توفي سنة 254 هـ.
تذكرة الحفاظ 2/ 555، تاريخ بغداد 2/ 4، وفيات الأعيان 4/ 188، شذرات الذهب 2/ 134، سير أعلام النبلاء 12/ 391، مرآة الجنان 2/ 1467.
(4)
1/ 12 كتاب الإيمان باب أمور الإيمان رقم 9.
(5)
قال حدثنا عبيد الله بن موسى، قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال
…
(6)
هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد سنة 10 قبل الهجرة، شهد الخندق وما بعدها، وشهد فتح أفريقية، كان من زهاد الصحابة وأكثرهم اتباعًا للسنة، كان شديد الورع شديد التحري، والتوقي في فتواه، كُفَّ بصره في آخر حياته، توفي سنة 73 هـ بمكة.
الإصابة 2/ 347، الاستيعاب 2/ 341، شذرات الذهب 1/ 81، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 279.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان". فهذه أركان خمسةٌ للدين.
أما الشهادتان: فموضعهما الكلام
(1)
، فلذلك لم يذكرهما المصنف؛ لأنه علم برأسه مستقل بنفسه
(2)
.
وأما الصلاة فلا شك أنها تالية الإيمان، وتاليته في الكتاب، والسّنة.
(1)
أي علم الكلام.
(2)
إلا أنه علم مذموم، ذمه السلف، لاشتماله على أمور كاذبة مخالفة للحق، مصادمة لنصوص الكتاب والسنة، ولما يتولد منه من الشر، وإثارة الشبهات، وإفساد الدين، والشك فيه، والحيرة، وله ضرر في تأكيد اعتقاد البدعة، وتثبيتها في الصدور، بحيث تنبعث الدواعي، ويشتد الحرص على الإصرار عليها، وهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وصفوه الشبه، والشكوك، والفاضل، الذي يعلم أن الشبه، والشكوك زادت بذلك، ومن المحال أن لا يحصل الشفاء، والهدى والعلم، واليقين من كتاب الله، وكلام رسوله، ويحصل من كلام هؤلاء المتحيرين، بل الواجب أن يجعل ما قاله الله، ورسوله، هو الأصل، ويتدبر معناه، ويعقله، ويعرف برهانه ودليله العقلي، والخبري السمعي. وقد شدد السلف في التحذير من هذا العلم، فعن أبي يوسف أنه قال لبشر المريسي:"العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم، وإذا صار الرجل رأسًا في الكلام، قيل زنديق". وعنه أيضًا أنه قال: "من طلب العلم بالكلام تزندق"، وقال أبو زرعة، وأبو حاتم:"من طلب الدين بالكلام ضل". وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب، والسنة، وأقبل على الكلام" ا. هـ.
وإقحام المصنف الشهادتين في علم الكلام خطأ، فإن موضعهما علم التوحيد، أو علم العقائد، ونحوهما لا علم الكلام.
كتاب الرد على علم المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 14، صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام ص 464، شرح العقيدة الطحاوية ص 11، 1465.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
أما في الكتاب فقوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [البقرة: 3].
وأما في الحديث فما رويناه
(1)
وأنها أحد شطري الإيمان
(2)
، ألا يرى أن تاركها جاحدًا: كافر بالإجماع
(3)
، وكسلًا وتهاونًا، فاسق فيؤدب، ويضرب
(4)
، وعند الشافعي
(5)
:
(1)
يشير إلى حديث ابن عمر السابق في 1/ 57.
(2)
لعل المؤلف رحمه الله، يشير إلى ما رواه الإمام مسلم في صحيحه 1/ 203 رقم 223 عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله، والحمد لله، تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك".
وقد اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان":
فقيل معناه: أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان.
وقيل معناه: أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا، وكذلك الوضوء؛ لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان، فصار لتوقفه على الإيمان، في معنى الشطر.
وقيل معناه: أن الإيمان تصديق بالقلب، وانقياد بالظاهر، وهما شطران للإيمان، والطهارة متضمنة الصلاة، فهي انقياد في الظاهر.
قيل المراد بالإيمان هنا: الصلاة كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 143]، والطهارة شرط في صحة الصلاة، فصارت في الشطر، وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفًا حقيقيًا.
قال النووي عن القول الأخير: "وهذا القول أقرب الأقوال".
شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 100، جامع العلوم والحكم 7/ 2 تحفة الأحوذي 9/ 349، فتح المبين بشرح الأربعين ص 183.
(3)
الإفصاح 1/ 101، رحمة الأمة 1/ 30.
(4)
تنوير الأبصار 1/ 352، الدر المختار 21/ 352، حاشية رد المحتار 1/ 352.
(5)
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس المطلبي القرشي، أحد أئمة المذاهب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
يقتل
(1)
. فقيل: حدًا، وقيل: كفرًا
(2)
.
وقد ورد في تاركها وعيد شديد لما روى مسلم
(3)
في صحيحه بإسناده إلى جابر رضي الله عنه
(4)
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بين الرجل
= الأربعة، وإليه ينتسب الشافعية. ولد سنة 150 هـ بغزة، فحمل إلى مكة لما فطم، فنشأ بها، وأقبل على العلوم. كان شديد الذكاء، جمع إلى علم الفقه، القراءات وعلم الأصول، والحديث، واللغة، والشعر، كان من أحذق قريش بالرمي. من تصانيفه الأم، والرسالة، وأحكام القرآن، واختلاف الحديث، وغيرها توفي سنة 204 هـ.
تذكرة الحفاظ 1/ 3461، الانتقاء ص 4646، صفة الصفوة 2/ 248، طبقات الشافعية للسبكي 1/ 192، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 55، سير أعلام النبلاء 10/ 5.
(1)
رحمة الأمة 1/ 30، مغني المحتاج 1/ 327، الحاوي الكبير 2/ 525، الوسيط 1/ 832، روضة الطالبين 2/ 1446.
(2)
مغني المحتاج 1/ 327، الحاوي الكبير 2/ 525، نهاية المحتاج 2/ 428، روضة الطالبين 2/ 1446، الوسيط 1/ 832.
(3)
هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري أبو الحسين، الإمام، الحافظ، صاحب المسند الصحيح، من أئمة المحدثين. ولد بنيسابور سنة 204 هـ رحل إلى الشام، ومصر، والعراق في طلب الحديث، ولازم البخاري وحذا حذوه. صنف صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. توفي سنة 261 هـ بنيسابور. من مصنفاته: صحيح مسلم، والمسند الكبير، وكتاب العلل، وكتاب الطبقات، وغيرها.
تذكرة الحفاظ 2/ 588، سير أعلام النبلاء 12/ 557، وفيات الأعيان 5/ 194، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 2464، طبقات الحنابلة 1/ 337، الفهرست ص 2846.
(4)
هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة الأنصاري السلمي. صحابي جليل، ولد سنة 146 قبل الهجرة، شهد بيعة العقبة، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، وهو أحد المكثرين الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مفتي المدينة في زمانه، كف بصره قبل موته. وتوفي بالمدينة سنة 78 هـ.
الإصابة 1/ 213، سير أعلام النبلاء 3/ 189، التاريخ الكبير 2/ 207، أسد الغابة 1/ 307، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 142، تذكرة الحفاظ 1/ 40، شذرات الذهب 1/ 84.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
والكفر ترك الصلاة"
(1)
(2)
.
وأما الطهارة: فهي شرطها، فلا تنفكُّ عنها.
وأما الزكاة: فلا ريب أنها تالية الصلاة، وثانيتها في الكتاب، والسنة.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43].
وأما في الحديث فما رويناه
(3)
، وأنها من أعظم أركان الدين، وكيف لا؟
وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ما من صاحب إبلٍ، ولا بقرٍ، ولا غنمٍ لا يؤدي زكاتها، إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت، وأسمنه، تنطحه
(1)
رواه الإمام مسلم 1/ 88 كتاب الإيمان باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة رقم 134 بلفظ "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
(2)
ومما ورد في تاركها من الوعيد الشديد قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [سورة المدثر، الآيتان: 42، 43] وقوله جل وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [سورة التوبة، الآية: 5]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله" متفق عليه (أ)، وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (ب).
(3)
يعني حديث ابن عمر السابق 1/ 57، "بني الإسلام على خمس
…
".
_________
(أ) البخاري 1/ 17 رقم 25 كتاب الإيمان باب فإن تابو وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم رقم 25، ومسلم 1/ 53 كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
(ب) جامع الترمذي 7/ 283 كتاب الإيمان باب ما جاء في ترك الصلاة رقم 2623.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
بقرونها وتطؤه بأظلافها
(1)
، كلما نفدت
(2)
أُخراها، عادت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس" رواه مسلم، وابن ماجه
(3)
، وفي صحيح مسلم أيضًا
(4)
، عن أبي هريرة رضي الله عنه
(5)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح
(6)
من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين
(1)
الأظلاف: من الشَّاء والبقر ونحوه، كالظُّفُر من الإنسان، ويقال: للبعير المنسم، وللفرس السنبك، وللطير: المخلب، وللسبع البرثن.
المصباح المنير 2/ 385، القاموس المحيط 3/ 125 مادة ظ ل ف، معجم مقاييس اللغة 3/ 4467 باب الظاء واللام وما يثلثهما مادة ظلف، فقه اللغة 1/ 110.
(2)
في حاشية الأصل: "قوله: كلما نفدت بالدال المهملة من باب علم يعلم" ا. هـ. مصنف.
(3)
مسلم 2/ 4685 كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة رقم 28، (998) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وابن ماجه 1/ 5469 كتاب الزكاة باب ما جاء في منع الزكاة رقم 1785 عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.
(4)
2/ 4680 كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة رقم 987.
(5)
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وقيل: في اسمه غير ذلك، صحابي جليل، راوية الإسلام، ولد سنة 21 قبل الهجرة، ونشأ يتيمًا أسلم 7 هـ، وهاجر إلى المدينة، ولزم صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى عنه أكثر من خمسة آلاف حديث. كان رأسًا في القرآن، وفي السنة، وفي الفقه. توفي سنة 57 هـ بالمدينة.
سير أعلام النبلاء 2/ 578، أسد الغابة 46/ 318، الإصابة 4/ 202، شذرات الذهب 1/ 463، حلية الأولياء 1/ 3746.
(6)
في هامش الأصل؛ قوله: "صفايح الصفايح جمع صفيحة مثل اللوح" ا. هـ. مصنف.
لسان العرب 2/ 513 مادة صفح، القاموس المحيط 2/ 827 مادة ص ف ح، مختار الصحاح ص 153 مادة ص ف ح، معجم مقاييس اللغة 3/ 293 باب الصاد والفاء وما يثلثهما مادة صفح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
العباد
(1)
، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار".
وأما الصوم فلا زيغ
(2)
أنه من جملة ما يبتنى عليه الإسلام، وأنه هو العبادة التي أضافها الله تعالى إلى نفسه، وإن كان جميع العبادات له في الحقيقة على ما روي في صحيح مسلم
(3)
، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".
وأما الحج فهو أيضًا من شعائر الإسلام، وتُقام به شعائر الله تعالى، ويحصل به الجنة؛ لما روى مسلم في صحيحه
(4)
، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
وفيه أيضًا
(5)
، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى هذا البيت فلم يرفث
(6)
،
(1)
كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [سورة التوبة، الآيتان: 34، 35].
(2)
الزيغ: الميل. يقال: زاغ عن الطريق يزيغُ إذا عَدَلَ عنه.
لسان العرب 8/ 432 مادة زيغ، المصباح المنير 1/ 2461 مادة زَاغَتِ، مختار الصحاح ص 118 مادة ز ي غ.
(3)
2/ 8046 كتاب الصيام باب فضل الصيام رقم 1151.
(4)
2/ 983 كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة رقم الحديث 1349.
(5)
أي في صحيح مسلم 2/ 983 كتاب الحج باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة رقم الحديث 1350 لفظ مسلم "ومن حج فلم يرفث ولم يفسق".
(6)
الرفث: الجماع وغيره، مما يكون بين الرجل، وامرأته، ويطلق على الفحش من القول.=
والجهاد
منحة السلوك
ولم يفسق
(1)
، رجع كما ولدته أمه".
وفي رواية ابن ماجه
(2)
: "من حج هذا البيت" إلى آخره.
وأما الجهاد فلا مِراء أنه من قواعد الإسلام
(3)
، ألا يرى أن التولي من الزحف كيف عُدّ من الكبائر؟
(4)
وكيف رغّب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه؟ وقال:
= لسان العرب 2/ 152 مادة رفث، مختار الصحاح ص 105 مادة ر ف ث، المصباح المنير 1/ 232 مادة رَفَثَ.
(1)
الفسق: هو الخروج عن الطَّاعة.
معجم مقاييس اللغة 4/ 502 باب الفاء والسين وما يثلثهما مادة "فسق"، المصباح المنير 2/ 473 مادة فَسَقَ، القاموس المحيط 3/ 490 مادة ف س ق.
(2)
في السنن 2/ 964 كتاب المناسك، باب فضل الحج، والعمرة رقم الحديث 2889 وهو عند البخاري 2/ 645 أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب قول الله تعالى:{فَلَا رَفَثَ} [سورة البقرة، الآية 197] رقم الحديث 1723 بلفظ "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
ولكونه سعيًا في إظهار كلمة الله بدار الحرب.
وهو ذروة سنام هذا الدين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (أ). عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
(4)
روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"(ب).
_________
(أ) الترمذي 7/ 280 كتاب الإيمان باب ما جاء في حرمة الصلاة رقم 2619.
(ب) 3/ 1017 كتاب الوصايا باب قول الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [سورة النساء، الآية 10] رقم 2615.
والصيد مع الذبائح والكراهية
منحة السلوك
" تضمَّن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهادًا في سبيلي، وإيمانًا بي، وتصديقًا برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلًا ما نال، من أجرٍ، أو غنيمةٍ، والذي نفس محمدٍ بيده، ما من كَلْم
(1)
يُكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كُلِم، لونه لون دم، وريحه ريح مسكٍ"، الحديث بتمامه في صحيح مسلم
(2)
(3)
.
وأما الصيد، والذبائح، فلا ريبة أنهما يكثران من الخلق بالنسبة إلى غيرهما من المباحات، لا سيما الذبائح، فتكون الحاجة ماسة إلى علمه.
وأما الكراهية: فلا غَرْوَ أن
(4)
فيها بيان الحل، والحرمة، ولا شك أنَّ تمييز الحلال من الحرام، والاجتناب عنه
(5)
.
(1)
الكَلْمُ هو: الجُرْح، وكلمته كلمًا من باب قتل جرحته: ومن باب ضرب لغة، ثم أطلق المصدر على الجرح، وجمع على كلوم وكِلام، مثل بحر، وبحور، وبحار.
لسان العرب 12/ 524 مادة كلم، مختار الصحاح ص 240 مادة كلم ك ل م، المصباح المنير 2/ 540 مادة كلَّمتُهُ.
(2)
وتمامه: "والذي نفس محمد بيده، لولا أن يشق على المسلمين، ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم، أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده، لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل".
(3)
3/ 1495 كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد، والخروج في سبيل الله رقم 1876 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
أي لا عَجَبَ.
المصباح المنير 2/ 446 مادة غَرِي، مختار الصحاح ص 198 مادة غ ر ا، القاموس المحيط 3/ 389 مادة غ ر و.
(5)
أي عن الحرام.
والفرائض
منحة السلوك
من قواعد الإسلام
(1)
.
وأما الفرائض فلا عندد
(2)
أنها نصف العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا الفرائض، وعلموه فإنه نصف العلم، وهو يُنسى، وهو أول شيء ينزع من
(1)
ففي الصحيحين (أ) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، إلا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
وهذا الحديث، من القواعد التي يدور عليها الإسلام. قال ابن دقيق العيد: "هذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة
…
وأجمع العلماء على عظيم موقعه، وكثير فوائده".
قال إسحاق بن راهويه: "أربعة أحاديث هي من أصول الدين: حديث عمر: إن الأعمال بالنيات، وحديث: الحلال بين والحرام بين، وحديث: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه، وحديث: من صنع في أمرنا شيئًا ليس منه فهو رد".
وقال أبو داود: "الفقه يدور على خمسة أحاديث: الحلال بين والحرام بين، وقوله: لا ضرر ولا ضرار، وقوله: الأعمال بالنيات، وقوله: الدين النصيحة، وقوله: وما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم".
جامع العلوم والحكم 1/ 62، شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد ص 24.
(2)
فلا عنددَ: أي لا سبيل، ولا شك، ويقال: عندَدٌ وعُندد أي بد وما لي عن ذاك عندَد وعندُد، أي: محيص.
لسان العرب 3/ 310 مادة عند، القاموس المحيط 3/ 322 مادة ع ن د، مجمل اللغة ص 487 باب العين والنون وما يثلثهما مادة عند، معجم مقاييس اللغة 4/ 154 باب العين والنون وما يثلثهما مادة "عند".
_________
(أ) البخاري 1/ 28 رقم 5، ومسلم 3/ 1219 رقم 1599.
والكسب مع الأدب.
منحة السلوك
أمتي" رواه ابن ماجه
(1)
.
وقال عليه الصلاة والسلام: "العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضلٌ، آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة" رواه أبو داود
(2)
.
وأما الكسب مع الأدب فلا معلندد
(3)
أنَّ طلب الكسب فريضة، فيكون
(1)
2/ 908 كتاب الفرائض باب الحث على تعليم الفرائض رقم 2719، وابن عدي 2/ 383 في ترجمة حفص ابن عمر بن أبي العطاف والدارقطني في السنن 4/ 67 كتاب الفرائض رقم 1، والحاكم في المستدرك 4/ 332 كتاب الفرائض، والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 209 كتاب الفرائض، باب الحث على تعليم الفرائض. من طريق حفص بن عمر بن أبي العطاف، ثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال البيهقي في السنن الكبرى 6/ 209: "تفرد به حفص بن عمر وليس بالقوي".
قال ابن عدي عن الحديث: "لا يصح".
وقال ابن كثير في تفسيره 1/ 457: "وفي إسناده ضعف". وقال الذهبي -في تعليقه على المستدرك الحاكم 4/ 332: "حفص واه بمرة، والحديث ضعيف".
وقال الذهبي أيضًا -في تعليقه على مستدرك الحاكم 3/ 79 - : "ومداره على حفص بن عمر بن أبي العطاف، وهو متروك".
(2)
3/ 119 كتاب الفرائض، باب ما جاء في تعليم الفرائض رقم 2885، وابن ماجه 1/ 21 في المقدمة، باب اجتناب الرأي والقياس رقم 54، والدارقطني في السنن 4/ 67 كتاب الفرائض رقم 2، والحاكم في المستدرك 4/ 332 كتاب الفرائض، والبيهقي في السنن الكبرى 6/ 208 كتاب الفرائض باب الحث على تعليم الفرائض، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 29. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وفي إسناده: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وقد تكلم فيه غير واحد، وفيه أيضًا عبد الرحمن بن رافع، وقد غمزه البخاري، وابن أبي حاتم.
قال الذهبي في التلخيص على المستدرك 4/ 332: ضعيف.
تهذيب الكمال 17/ 102، ميزان الاعتدال/ 560.
(3)
أي: لا سبيل، وما لي عنه معلندد: أي سبيل. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
داخلًا في القواعد
(1)
.
والأدب: التخلق بالأخلاق الحميدة.
ولا شك أن التأدب بالآداب الحسنة واجب، وترك الآداب في كثير من المواضع يوجب الفسق، ويسقط العدالة.
هذا بيان وجه اختيار المصنف هذه الكتب العشرة، على
(2)
أنَّا نقول: إنها
(3)
أكثر وقوعًا بالنسبة إلى غيرها، فإن المكلَّف يمكن أن لا يقع له في عمره شيء، من الوكالة
(4)
، أو الكفالة
(5)
، أو المضاربة
(6)
،
= لسان العرب 3/ 310 مادة عند، القاموس المحيط 3/ 322 مادة ع ن د، مجمل اللغة ص 528 باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاث أحرف أوله عين.
(1)
ولأن الكسب سبب القوت، والطاقة، وهي: سبب إقامة الطاعة.
(2)
في هامش الأصل: "على: إشارة إلى جواب ثانٍ بمعنى مع أنا نقول. هـ. مصنف".
(3)
أي الكتب العشرة.
(4)
وكلتُ الأمر إليه (وكلًا) و (وكولًا): فوضته إليه، واكتفيت به.
واصطلاحًا: أن يكل المرء أمره إلى غيره ممن يقوم مقامه.
المصباح المنير 2/ 670 مادة وكلتُ، القاموس المحيط 4/ 653 مادة وك ل. مختار الصحاح ص 306 مادة وك ل، حلية الفقهاء ص 145، الدر النقي 3/ 513، لغة الفقه ص 206، طلبة الطلبة ص 281، المطلع ص 258، النظم المستعذب 2/ 6.
(5)
الكفيل: هو الضامن، أصلها من الضم.
المصباح المنير 2/ 536 مادة كفَلَتُ، القاموس المحيط 4/ 68 مادة ك ف ل، مختار الصحاح ص 239 مادة ك ف ل، طلبة الطلبة ص 284، المطلع ص 249.
(6)
المضاربة: لغة هي القراض.
واصطلاحًا: معاقدة دفع النقد إلى من يعمل فيه، على أن الربح بينهما على ما شرطا، مأخوذ من الضرب في الأرض، وهو السير. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
أو الرهن
(1)
، أو الهبة
(2)
، أو العارية
(3)
، أو نحوها
(4)
، ولا يمكن شرعًا أن لا يقع له شيء في مسألة الطهارة، أو الصلاة، أو الصوم، أو الفرائض، أو الكراهية، أو الكسب؛ وعدم الوقوع في حق البعض، لوجود المانع، نادر بالنسبة إلى الوقوع في حق الأكثرين، والنادر كالمعدوم عند وجود الأكثر، فافهم.
= مختار الصحاح ص 159 مادة ض ر ب، المصباح المنير 2/ 359 مادة ضربه، طلبة الطلبة ص 301، المطلع ص 261.
(1)
الرهن: في اللغة: الثبوت والدوام، وقيل: من الحبس.
وفي الشرع: المال الذي يجعل وثيقة بالدين، ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه.
المغرب ص 203 مادة رهنت، التعريفات ص 125، طلبة الطلبة ص 297، حلية الفقهاء ص 141، الدر النقي 2/ 483، المطلع ص 247، النظم المستعذب 1/ 263.
(2)
الهبة: لغة: هي العطية بلا عوض. يقال: وهبتُ لزيدٍ مالًا (أهبُهُ) له (هِبَة) أي أعطيته بلا عوض.
واصطلاحًا: تمليك عين، بلا عوض.
المصباح المنير 2/ 673 مادة وهب، القاموس المحيط 4/ 661 مادة وهـ ب، مختار الصحاح ص 307 مادة وهـ ب، طلبة الطلبة ص 221، التعريفات ص 257، أنيس الفقهاء ص 255.
(3)
العاريَّة: لغة الخلو، والمفارقة، وتطلق ويراد بها الثبات، والملازمة، والغشيان.
واصطلاحًا: إباحة منافع أعيان، يصح الانتفاع بها مع بقاء عينها.
معجم مقاييس اللغة 4/ 295 باب العين والراء وما يثلثهما مادة عروى، مجمل اللغة ص 516 باب العين والراء وما يثلثهما مادة عرى، لسان العرب 15/ 44 مادة عرا.
المصباح المنير 2/ 406 مادة عراه، التعريفات ص 160، أنيس الفقهاء ص 251، المطلع ص 272، النظم المستعذب 2/ 16.
(4)
كالمزارعة، والمساقاة، والوقف، والشفعة، والسلم، والحوالة، والجعالة، والإيلاء، واللعان.
نفعه الله به، وجعله سببًا لترقيه إلى أعلى مراتب سعادة الآخرة، والله الموفق.
منحة السلوك
قوله: نفعه الله به، وجعله سببًا لترقيه
(1)
إلى أعلى مراتب سعادة الآخرة.
أقول: أي نفع الله بعض إخواني في الدين بهذا المختصر.
هذه جملة دعائية إخبار في معنى الإنشاء، تقديره: اللهم انفعه به، أي: وفقه وارزقه العمل بما فيه؛ لأنه حين يعمل بما فيه، يهديه إلى صراط مستقيم، ويرشده إلى منهج قويم.
قوله: "وجعله سببًا لترقيه": أي جعل الله هذا المختصر، سببًا لترقي بعض إخواني في الدين، الذي يشتغل فيه، ويعمل بما فيه، إلى أعلى مراتب الآخرة، وهو نظره إلى ربه الكريم
(2)
، من غير كيف ولا تشبيه
(3)
، ولا قرب
(1)
رقى إلى الشيء رُقيًّا ورُقوًّا، وارتقى يرتقي وتَرَقَّى: صَعِد.
لسان العرب 14/ 331 مادة رقا، مختار الصحاح ص 107 مادة ر ق ي، المصباح المنير 1/ 236 مادة رَقَيْتُهُ.
(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ورؤيته سبحانه هي أعلى مراتب نعيم الجنة، وغاية مطلوب الذين عبدوا الله مخلصين له الدين، وإن كانوا في الرؤية على درجات على حسب قربهم من الله ومعرفتهم به".
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/ 485.
(3)
لقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم رؤية الشمس والقمر، برؤية الله، من حيث أنهم يشاهدون الله عيانًا دون حجاب، كما يشاهدون الشمس والقمر عيانًا، دون سحاب. يقول أبو هريرة رضي الله عنه إن ناسًا قالوا لرسول الله: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم-قال: فإنكم ترونه كذلك "متفق عليه"(أ). فشبه الرؤية بالرؤية، لا المرئي بالمرئي. =
_________
(أ) البخاري 1/ 203 كتاب مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر رقم 529، مسلم 1/ 163 كتاب الإيمان باب معرفة طريق الرؤية رقم 299.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منحة السلوك
قريبٍ، ولا بعد بعيدٍ
(1)
، نازلًا في دار البقاء، وحالًا في دار الكرامة.
اللهم ارزقنا ذلك يا خير الناصرين، ويا رب العالمين.
وهذه أيضًا جملة دعائية، إخبار في معنى الإنشاء.
ومعنى الترقي: هو التصعد، والتدرج، وهو: الوصول من الأدنى إلى الأعلى، على سبيل التدريج. فافهم.
= الرسالة التدمرية ص 180، العقيدة الواسطية ص 140، حادي الأرواح ص 326، مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ص 200.
(1)
قوله: "ولا قرب قريب، ولا بعد بعيد" هذا من الجمع بين المتناقضات، فكيف يكون لا قريبًا ولا بعيدًا! بل إن من دخل دار الكرامة، فهو قريب من الله جل جلاله.