الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُطَّة البحث
قد انطَوَت هذه الرِّسالةُ على تمهيدٍ، في تَضاعيفِه ثلاثةُ مَباحث، يتلوه ثلاثةُ أَبوابٍ، مَدارُ الأوَّلَيْن حول الجانبِ التَّأصيلي للبحث، حيث تطرَّقتُ إلى دراسة أصول الفِرق المُعاصرةِ في اعتراضِهم على أحاديث «الصَّحيحين» .
فكان بدء توجُّهي إلى نقدِ كُليَّاتهم وبيان ما فيها مِن فسادٍ، ليبطُل معها تبعًا لها ما ابتُنِيَ عليها مِن جُزئيَّاتٍ تتعلَّق بأفراد الأحاديثِ المَردودة.
وأمَّا الباب الثَّالث: فمخصوصٌ للجانبِ التَّطبيقيِ، درستُ فيه اعتراضاتِهم الجُزئيَّة على آحادِ الأخبار في «الصَّحيحين» ، تكملةً للجانب التَّأصيلي، وبرهنةً على صِحَّة ما كنتُ ضمَّنته مِن أحكام.
وفيما يلي بيان خُطَّة البحثِ -على وجهِ الإِجمال-:
* التَّمهيد:
ويندرج تحته ما يلي:
* المبحث الأوَّل: مفهوم مُفردات العنوان المُحدِّدَة لنطاقاتِ البحث.
* المبحث الثَّاني: إشكاليَّة الاستشكالِ المُعاصِر للأحاديثِ النَّبويَّة.
* المبحث الثَّالث: الأصل العقلي الجامعِ لمُخالفي أهلِ السُّنةِ في رَدِّهم للدَّلائلِ النَّقليَّة.
* الباب الأوَّل: الفِرَق المُعاصِرة الطَّاعِنة في أحاديثِ «الصَّحيحين» ، ونقدُ أصولِها وأبرزِ كِتاباتِها في ذلك.
* الفصل الأوَّل: الشيعة الإماميَّة، ومَوقِفهم مِن «الصَّحيحين» .
* الفصل الثَّاني: القرآنيُّون مُنكِرو السُّنة، ومَوقفهم مِن «الصَّحيحين» .
* الفصل الثَّالث: العَلمانيُّون، ومَوقفهم من «الصَّحيحين» .
* الفصل الرَّابع: العقلانيُّون الإسلاميُّون، ومَوقفهم مِن «الصَّحيحين» .
* الباب الثَّاني: المُسوِّغات العلمية المُتوهَّمة عند المُعاصرين للطَّعنِ في أحاديث «الصَّحيحين» .
* الفصل الأوَّل: دعواهم الخَلل التَّوثيقي في تَصنيفِ «الصَّحيحين» وتَناقُلِهما.
* الفصل الثَّاني: اعتقادهم بظنيَّة آحاد «الصَّحيحين» مطلقًا.
* الفصل الثَّالث: توهُّمهم إغفالَ الشَّيخين لنقدِ معاني المتونِ.
* الفصل الرَّابع: الاحتجاج بسَبْقِ نقد العلماءِ «للصَّحيحين» قديمًا وحديثًا.
* الباب الثَّالث: نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ لأحاديث «الصَّحيحين» .
وفيه ثمانية فصول:
* الفصل الأوَّل: نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بالإلهيَّات.
* الفصل الثَّاني: نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بالتَّفسير.
* الفصل الثَّالث: نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بالغَيبيَّات.
* الفصل الرَّابع: نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بالنَّبي صلى الله عليه وسلم.
* الفصل الخامس: نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بباقي الأنبياء.
* الفصل السَّادس: نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بالطَّبيعيَّات.
* الفصل السَّابع: نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُتعلِّقة بالمرأة.
* الفصل الثَّامن: نقدُ دَعاوى المُعارضاتِ الفكريَّةِ المُعاصرةِ للأحاديث المُدَّعاة أنَّها مِن الإسرائيليَّات.
ثمَّ الخاتمة بنتائجها وتوصياتها.
وبعدُ:
فإنِّي -أنا العبدُ الضَّعيف- لأرجو في قَرارةِ نفسي أنِّي قد قَصدتُ وجهَ الله تعالى في هذا البحثِ بالذَبِّ عن السُّنَنِ النَّبوية وتثبيت الأصولِ الحديثيَّة.
وليس يَضُرُّني بعدُ وقوفُ أهلِ المَعرفةِ على ما لي فيه مِنَ التَّقصير، ومَعرفِتهم أنَّ باعيَ في هذا الميدانِ قصيرٌ، لاعترافي أنِّي لستُ مِنْ نُقَّادِ هذا الشَّان، ولا مِنْ فُرْسَان هذا الميدان؛ غير أنِّي لم أجِد في الأسفارِ ما يجمعُ شتاتَ الرَّدِ على كثيرٍ مِمَّا أحدثه أهل زمانِنا مِن مُعارضاتٍ لأحاديث «الصَّحيحين» ، فتَصدَّيتُ لذلك مِن غيرِ إحسانٍ ولا إعجابٍ، ومَنْ عُدمَ الماءَ تَيمَّم التُّراب!
عالمًا بأنِّي لو كنتُ باريَ قوْسِهَا ونِبالها، وعَنترةَ فوارِسها ونِزالها، فلن يخلوَ كَلامي مِنَ الخطأِ عند الانتقادِ، ولن يَصفو جوابي مِنَ الغَلطِ عند النُّقاد؛ «فالكلامُ الَّذي لا يأتيه الباطل مِنْ بين يَدَيْه ولا مِنْ خَلْفِهِ، هو كلامُ الله في كتابِه العزيزِ الكريم، وكلامُ مَنْ شَهِد بعِصمَتِه الذِّكرُ الحكيم، وكُلُّ كلامٍ بعد ذلك، فله خَطأٌ وصَواب، وقِشْرٌ ولُباب»
(1)
.
ولو أنَّ طَلبةَ التَّعليمِ العالي مِن أمثالِي تَركوا الذَّبَّ عن الحقِّ استعجالًا في طَلبِ الرُّتَب الجامعيَّة وشَواهدِها، واستثقالًا للذَّبِ عن أصولِ المِلَّة وقواعِدها، لكانوا قد أضاعُوا كثيرًا، وطَلَبوا -والله- حقيرًا! لكنْ حَسبيَ الله، وأنِّي مَحفوفٌ بثُلَّة عالِمةٍ مُبارَكة مِن علماء المغربِ والمشرق -حَرسَهم الله مِن كلِّ سوء-
(1)
«العواصم والقواصم» لابن الوزير اليَماني (1/ 223).
يُصَوِّبون فيه خَطَلي، ويُقوِّمون فيه زَلَلي، فلا عدِمناهم -حفظهم المَولى، وبارك فيهم-.
وكنتُ مُتردِّدًا أوَّل أمري في كيفيَّةِ نقدِ تلك المُعارضاتِ المُترامِيةِ على «الصَّحيحين» بين الإيجازِ فيها والإطناب، إذْ كان في كلٍّ منهما مَحامِد، ولكلٍّ فيها مَقاصد؛ ففي الإيجازِ تأليفُ النُّفوس، وفي الإطنابِ توسيعُ دائرةِ الفوائد!
لكن صَدَّني عن التَّوسيعِ والتَّكثيرِ، خشيةُ التَّنفير والتَّأخير.
فأمَّا التَّنفير: فلأنَّه يُمِلُّ الكاتبَ والمَكتوبَ له، والمُتطلِّع إلى رؤيةِ البحث، والوقوفِ عليه، «مع أنَّ القليلَ يكفي المُنصِفَ، والكثيرَ لا يكفي المُتعَسِّف»
(1)
.
وأمَّا التَّأخير: فلأن التَّوسيعَ يحتاجُ إلى تمهيلِ عَرائِس الأفكارِ، حتَّى يستكملَ البحثُ الزِّينة، ومُطالعةِ نفائسِ الأسْفارِ الحافلةِ بالأنظارِ الرَّصِينَةِ والنُّقولاتِ المَتينة؛ وقد شارفَتْ مُدَّة تحضيري لهذا البحث على الانتهاء! فمِنْ أين يَتأتَّى جمعُ كلِّ ذلك أو يتهيَّأ لي، وأنا بريفِ المغرب؟!
فَتَمَصَّصْتُ مِنْ بَلَلِ أفكاري برَمَق، وتوجَّهتُ إلى معارض الكُتب أقتني ما لزمني مِن مَراجع تَعِزُّ في بَلدي ممَّا لم أجِده مُصَوَّرًا على الشَّبكة، إذْ كانَ كثيرٌ من مَطبوعات الطُّعون في الصَّحيحين نادرَ الوجودِ عندنا في المغرب -ولله الحمد-! حتَّى استقرأت منها الشَّيءَ الكثير على مكرهةٍ!
وإنِّي لأحبُّ أن أعلِمَ القارئ الكريم: إن كان قد استكثر صفحات هذا الكتاب؛ فإنَّه بحثٌ أكاديميٌّ مُتخَصِّص، «أردتُّ جهدَ طاقتي أنْ يكونَ تفصِيليًّا؛ قد يَعيبُ هذا عَليَّ مَن يُخالفني في ذلك، ويُوافِقُني عليه آخرون، وعُذرِي في هذا التَّفصيل: أنَّني أكتبُ للمُتَتبِّعين والمُتخَصِّصين، وأنَّني أريدُ تمهيدَ الجادَّةِ لِمن يأتي بعدي، فيرغبُ في التَّأليف في هذا المَوضوع»
(2)
، حتَّى يكونَ كتابي له شِبهَ
(1)
«الرَّوض الباسم» لابن الوزير (1/ 15).
(2)
من مُقدمة (جواد علي) لكتابه «المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام» (1/ 6) بتصرف.
موسوعةٍ! يفزعُ إليها كلُّ مَن أزعجته ضوضاءُ الشُّبهات على حديثٍ آمن به في «الصَّحيحين» ، ليَرى فيه تَتْبيرَها لَبِنةً لَبِنةً.
فلا ينبغي لطالبِ التَّنقيح والتَّحقيق، ومُبتغي الإتقان والتَّدقيق، أن يلتفتَ إلى سآمة ذَوي البطالة، وأصحاب الكسل والمَلالة، بل يفرح بما يجده في هذا الكتابٍ من العلم مَبسوطًا، وما يصادفه مِن حلِّ المُشكلات واضحًا مضبوطًا، ويدعُو لكاتبه بالخيرِ.
فلقد عشتُ معه في جنَّة مشاعر لا أحسبُ غيري عاشَها من أترابي، أعدُّها من أفضل سنين عمري؛ مع ما كنت أعانيه وقتها من قلَّة ذات اليد، وصعوبةٍ في رقمه على حاسبي العَيِيِّ المُتعطِّل مرارًا! وفتور كان ينتابُني قليلًا أثناء ذلك، لا يلبث أن ينقشع عن نفسي بمجرَّد نظرة منِّي إلى ورقة ألصقتها قصدًا على باب مكتبتي! عليها كلمةُ حبيبي البخاريِّ لتلميذه محمَّد بن أبي حاتم الورَّاق حين أملى عليه يومًا حديثًا كثيرًا، فخافَ مَلاله، فقال له:«طِب نفسًا، فإنَّ أهل الملاهي في مَلاهيهم، وأهلَ الصِّناعات في صناعاتهم، والتُّجار في تجاراتهم، وأنتَ مع النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه!»
(1)
.
فأرجو أنِّي قد سلكتُ في هذا البحث من مسَالكَ الجَدليِّينَ فيما يُلْزِمُ الخصمَ على أصولِه؛ فكَّكتُ فيه معارضاته للأحاديثِ وقسَّمتها في أفكارٍ مُنفردةٍ مُستقلَّة، تستبطنُ كلُّ فكرةٍ منها أصلًا عقديًّا أو فكريًّا تَستمدُّ منه قُوَّتَها، ثمَّ أجبتُ على كلٍّ منها على سبيلِ السَّبرِ والتَّقسيمِ، لم أكد أدعُ شُبهةً تُثار على الحديثِ أُراها مُؤثِّرةً، إلَّا أوردتها ومعها ما يَكشِفُها.
وكأنِّي بهذه الطَّريقةِ أعرِضُ من خلالها على القارئِ خارطةً ذهنيَّةً لتفريعاتِ المُعارضةِ، وطُرقِ الجوابِ عليها، حتَّى تكون الصُّورة في ذهنِه واضحةً مُتكامِلةً، فيسهُل عليه الاستيعابُ لأصولِ الشُّبهةِ وطَرائقِ كَشْفِها.
(1)
«سير أعلام النبلاء» (12/ 445).
وكذا اعتمدتُ فيه على المنهجِ الاستقرائيِّ التَّحليليِّ، محاولةً للكشف عن أهمِّ أسباب انحرافِ الفِرق الفكريَّة المُعاصرة عن السُّنة، وذلك بتتبُّعِ إنتاجاتِهم العلميَّة، واستخلاصِ أصولهم الَّتي تَوسلُّوا بها إلى الطَّعنِ في صِحاحِ الأخبار النَّبويَّة، وحصرِ أُمَّاتِ شُبهاتهم المُثارة على «الصَّحيحين» بخاصَّة، مُعزِّزًا كلَّ هذا بنماذج وتطبيقاتٍ واقعيَّةٍ مُتعدِّدة مِن كتابات المُعاصرين أنفسِهم، فضلًا عن نَتاجِهم الإعلاميِّ، بعضُها جديدٌ لم يلتفت إليه الدَّارسون بعدُ؛ والفضل لله وحده.
وبعد تجاوزي لجلسة مناقشة هذا البحث، حاولت أثناء مراجعتي له الانفكاكَ عن الأسلوب الرِّياضيِّ المباشر في صياغته قدرَ الإمكان، وإطلاق عنان قلمي للتَّعبير عن مكنونات صدري من عواطف استثقلُ كتمها بدعوى (الأكاديميِّة)! فلا يقع القارئ في المَلل مِن جفاء قلمي وصرامته؛ فكما عرضتُ على القُرَّاء عقلي في ثناياه لينقُدوه، فهذه روحي معه قد بثثتُها في طيَّاته ليحيا طويلًا حسًّا ووجدانًا.
والله المُوفِّق للقَبول لا إله إلَّا هو.