الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الخامس
الجواب عن شُبهة التَّصرُّف في رواية ابن عمرو:
«إنَّ آلَ أبي ( .. ) ليسوا لي بأولياء»
هذا النَّص الثَّاني الَّذي استدلَّ به (جولدْزيهر) على الإقحامِ في «البخاريِّ» ، وهو زعمُه أنَّ بعضَ النَّقَلةِ أدخلَ كلمةَ (بَياض) في متنِ هذا الحديث، ليخلُصَ به إلى لعنِ عائلةٍ تُسمَّى (آل بَياض)!
ونقول في جوابِه: مِن العُجمةِ أُوتِي! ولو صدق هذا المُستشرق في نقدِه، لأَخَذَ بسائرِ كلامِ القَسْطلانيِّ في هذا الموضعِ، حيث إنَّه اقتطع منه ما يروقُ شُبهتَه، مُتعاميًا عَمَّا أفادَه القسطلَانيُّ نفسُه مِن ضبطِ هذا اللَّفظِ بالرَّفع (بَياضٌ)، وليس بالجرِّ (بياضٍ) كما أوْهَمَه (جُولدزيهر).
فالمعنى على ما ضَبَط القسطلانيِّ له: أنَّ هذا الموضِع من الحديث في الأصلِ الَّذي أُخِذ منه أبيضٌ، أي: مِن غير كتابةٍ، قد أبانَ عن هذا البَياضِ شيخُ البخاريِّ في جملةٍ منه تَوضيحيَّة مُعترضةٍ خارجَ نصِّ المتنِ؛ وقد زادَه القَسطلانيُّ بيانًا بأنْ قال بعده:«ولا يُعرَف في العَرَبِ قبيلةٌ يُقال لها أبو بَياض! فضلًا عن قريش، وسِياقُ الحديثِ يُشعِر بأنَّهم مِن قبيلِتِه صلى الله عليه وسلم، وهي قريش»
(1)
.
(1)
«إرشاد الساري» (9/ 13).
فأعظِم بها مِن أمانةٍ علميَّةٍ مِن المُحدِّثين في حفظِهم لشكلِ المَنقولِ كما هو، تبعثُ المُستشرِقَ إلى التَّحسُّرِ على ما ضَيَّعه أسلافُه مِن أمانةِ أسفارِهم لو كان مُنصِفًا!
وأمَّا عن الباعثِ إلى تركِ الرَّاوي لهذا الموضعِ بَياضًا دونِ ذكرِ اسمِ المُرادِ مِن الآل: فيقول عنه النَّوَوي: «هذه الكنايةُ بقولِه: (يعني فُلانًا)
(1)
، هي مِن بعضِ الرُّواة، خَشِيَ أن يُسَمِّيه، فيَتَرتَّب عليه مَفسدةٌ وفتنةٌ، إمَّا في حَقِّ نفسِه، وإمَّا في حَقِّه وحَقِّ غيره، فكنَّى عنه، والغَرَض إنَّما هو قوله صلى الله عليه وسلم: إنما وَلِييَ الله وصالح المؤمنين .. »
(2)
.
غير أنَّ هذا المُبهَم المُستَتِر وراءَ لفظِة (بياضٍ) قد جَاء ما يُفصِحُ عنه في روايةٍ أخرى جهلها المُستشرق، يقول ابن العربيِّ (ت 543 هـ): «بَيَّنها أبو [ذرٍّ]
(3)
في «جمعِ الصَّحيحين» ، عن شعبة، بالسَّند الصحيح، فقال:«آل أبي طالِبٍ ليسوا إليَّ بأولياء، إنما وَليِّيَ الله وصالح المؤمنين»
(4)
.
(1)
كذلك جاءت في «صحيح مسلم» (ك: الإيمان، باب: موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم، رقم:215) بلفظ: «ألا إن آل أبي - يعني فلانا - ليسوا لي بأولياء» .
(2)
«شرح النووي على مسلم» (3/ 88).
(3)
قد صُحفت في المطبوع من «أحكام القرآن» إلى (أبو داود)! وأبو ذر: هو عبد بن أحمد الهروي صاحب الراوية المشهورة لـ «الجامع الصحيح» ، ولأبي ذر الهروي «المسند المؤلَّف على الصحيحين» ، ذكره ابن خير في «فهرسته» (ص/254)، فهذا الَّذي عناه ابن العربي، والله أعلم.
(4)
«أحكام القرآن» لابن العربي (3/ 461)؛ ولذلك لما شرحَ هذا الإبهام الدَّاودي بقولِه: «المُرادُ بهذا النَّفي: مَن لم يُسْلِم منهم» ، علَّق عليه ابن حَجرٍ في «فتح الباري» (10/ 420، 422) بقولِه: «لو تَفَطَّن مَن كَنَّى عن أبي طالبٍ لذلك، لاستغنى عمَّا صَنَع!» .