الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَبحث الرَّابع
الأصول الَّتي قام عليها مذهب إنكارِ السُّنة
ارتكز هؤلاء المُنكرون لحجيَّة السُّنةِ في تأسيس دعوتِهم على شبهاتٍ عديدةٍ، ترجع في مُجملِها إلى أصلين جامعيَن:
الأصل الأوَّل: كفايةُ القرآن وحدَه في التَّشريع:
يقول (عبد الله جِكْرالوي)
(1)
في تقرير هذا الأصل: «إنَّ الكتابَ المَجيد ذكَرَ كلَّ شيء يحتاج إليه في الدِّين مُفصَّلا ومَشروحًا مِن كلِّ وجهٍ، فما الدَّاعي إلى الوحيِ الخَفيِّ؟ وما الحاجة إلى السُّنة؟!»
(2)
.
ولقد استدلُّوا على أصلِهم البِدعيِّ هذا، ببعض آياتٍ مِن القرآن، فهموا منها قصرَ الدِّين على القرآنِ دون سُنَّة مُبلِّغِه، فمِن ذلك:
قوله سبحانه: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقوله عز وجل:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51].
(1)
مولوي عبد الله بن عبد الله الجكرالوي، نسبةً إلى (جكرالة) إحدى قُرى (الفنجاب)، تأثَّر بدعوةِ أحمد خان، حيث بدأ في عام (1902 م) بتأسيس حركته الَّتس سمَّاها (أهل الذكر والقرآن)، الدَّاعية إلى إنكار السنّة كلِّها، مُتّخذًا مسجدًا في (لاهور) بباكستان مقرًّا لحركته تلك، انظر «القرآنيون، نشأهم، عقائدهم، أدلتهم» (ص/43).
(2)
مجلة «إشاعة القرآن» (ص/49) العدد الثالث سنة 1902 م، نقلًا عن «شبهات القرآنيين» لعثمان بن معلم (ص/26).
لكن علماء القرآن بحقٍّ لم يُفوِّتوا بيانَ خطأِ الاستدلالِ بالآيتينِ على ما أرادَ المُنكرون منها، فقالوا: الكتاب في الآية لفظ مُجملٌ، والمُراد به في الآية الأولى: اللَّوح المَحفوظ، بدلالةِ السِّياقِ
(1)
.
وعلى التَّسليمِ بأنَّ المُراد به القرآن، فمِن عدمِ تفريطِ الكتابِ في شيءٍ: أنه بيَّن لنا وجوب الأخذِ عن الرَّسول صلى الله عليه وسلم سُنَّته وتفاصيل التَّشريعات! فكلُّ هذه التَّفصيلاتِ النَّبويَّةِ داخلةٌ في مُسمَّى الكتاب، باعتبارِها مأخوذةً مِن القرآنِ تأصيلًا.
كما قال أبو العبَّاس القرطبيُّ (ت 656 هـ): «مِن الأحكام والشُّروط ما يوجد تفصيلُها في كتابِ الله تعالى: كالوضوء، وكونِه شرطًا في صِحَّة الصَّلاة؛ ومنها ما يوجد فيه أصلُه: كالصَّلاة، والزَّكاة، فإنَّهما فيه مُجمَلتان؛ ومنها ما أصلُ أصلِه: وهو كدلالةِ الكتابِ على أصليَّة السُّنةِ والإجماعِ والقياسِ، فكلُّ ما يُقتبَس مِن هذه الأصول تفصيلًا، فهو مَأخوذٌ مِن كتاب الله تأصيلًا»
(2)
.
فالقصدُ من هذا أنَّ تفاصيل التَّشريعات الَّتي لم تَرِد في القرآن، كعددِ الرَّكعات، وأنصبةِ الزَّكوات، وغيرِها مِن العبادات والمُعاملاتِ: هي بيانٌ لصِفة التَّشريعِ، وما كان كذلك فهو مِن التَّشريع نفسِه.
وأمَّا الآية الثَّانية: فالمُراد منها إقامة الحُجَّة على المشركين المُتعنِّتين في طلبِ الآياتِ الحِسيَّةِ على صدقِ محمَّد صلى الله عليه وسلم، ببيانِ أنَّ في القرآن كفايةً على صدقِه في نُبَّوته.
فلا دخلَ إذن للآيةِ في تفصيلاتِ التَّشريع أصلًا، ويتأكَّد هذا بالنَّظر إلى سِباقِ الآية الكريمة، في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [العنكبوت: 50].
والأصل الثاني عند المُنكرين: التَّشكيكُ في حفظِ السُّنةِ مِن الضَّياعِ:
وهو نتاجٌ للأصل الأوَّل؛ ذلك أنَّ المُنكرين متوهِّمون أنَّ الله عز وجل إنَّما تكفَّل بحفظِ كتابِه لا بحفظِ سُنَّة نبيِّه، الأمر الَّذي أفهمَهم لِمَ لمْ تُدوَّن في عصر النُّبوة، كما ترى ذلك في قول (أحمد بَرويز):«اِعلم أنَّ الله عز وجل لم يتكفَّل بحفظ شيء سوى القرآن، ولذا لم يجمع الله الأحاديث، ولا أمر بجمعها، ولم يتكفَّل بحفظها .. »
(1)
.
وما دام أنَّ رُواة أحاديث السُّنة غيرُ مَعصومين مِن الخطَأ والكذبِ فيها، دلَّ ذلك عنهم على أنَّ الدِّين ليس في حاجة إلى السُّنة، وإلَّا لنُقِلَت إلينا بالتَّواتر كما نُقلِ القرآن.
وهذه دعوى -لا شكَّ- ساقطة، فإنَّ الحفظَ التَّام الَّذي أراده الله عز وجل ليس لمُجرَّدِ حفظِ الحروفِ والمباني، دون حفظٍ لما تَضمَّناه مِن أحكامٍ ومَعاني، فإنَّ ما جاء مُجملًا في القرآن أو عامًّا، فإنَّ الله أوكل مهمَّة تبيِينه وتَفصيلِه قولًا وتطبيقًا للنَّبي صلى الله عليه وسلم، كما في صريح قول الله تعالى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
فهذه الآية قد دلَّت على أنَّ فهمِ القرآن معيارُه أقوال النَّبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، حفظًا لمعانيه مِن تلاعبِ الأهواء ومَزالقِ التَّأويل غير المتناهية، وهذا قصدُ مَن أطلق من السَّلفِ أنَّ «السُّنة قاضيةٌ على كتابِ الله، أرادوا أنَّها مُبيِّنة للكتابِ، مُنبِّئةٌ عمَّا أراد الله تعالى فيه»
(2)
.
فإذا كانت السُّنَة على هذه الحال من بيانِ الكتاب، كان مِن تمامِ حفظِ هذا الكتاب للنَّاس أن يُحفَظ لهم مُفسِّره، مِمَّأ يقتضي أنَّ «حفظَ الله تعالى لسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، هو مِن جنسِ حفظِه لكتابِه»
(3)
.
(1)
«شبهات القرآنيين حول السنة» لمحمود مزروعة (ص/84).
(2)
«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص/287).
(3)
«جواب الاعتراضات المصرية» لابن تيمية (ص/42).
ذلك لأنَّا مُقرُّون جميعُنا بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَبعوث لأهلِ زمانِه ولمَن بعدَهم إلى يوم القيامة بعامَّة، وخَتْم الرُّسْلِ به صلى الله عليه وسلم مُستلزم لحفظ أقواله التَّشريعيَّة المُفصِّلة لآيِ القرآنِ لمن بُعِث إليهم، كي تقوم الحُجَّة على الكُلِّ بتَمامِها
(1)
؛ وإلَّا صارت الآيات الآمِرةُ بطاعةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، والاحتكامِ إليه، والاقتداءِ بهَديِه، والمُحَذِّرة مِن مَعِصيَتِه: آمرةً لنا -نحن معاشرَ من لم يَتشرَّف برؤيتِه- بما لا يُستَطاع! وهذا -لا شكَّ- مُحالٌ في الشَّرع؛ أو تكون مَحصورةً فيمَن لَقِيَه صلى الله عليه وسلم فقط دون مَن جاء بعده، وهذا مُخالفٌ للإجماعِ
(2)
.
ثمَّ يُقال للمُنكرين: لو كانت أقوالُه وأفعاله صلى الله عليه وسلم حرامٌ على الأمَّة أن تهتديَ بها -كما تقولون- مع وجود القرآن، فلماذا لم تنزل ولو آية واحدةٌ تصرِّح بتحريم هذا الاهتداء وتحذير الصَّحابة ومن بعدهم منه، كما جاء التَّصريح القرآنيُّ بباقي المُحرَّمات عليها؟! مع ما نعلمه من كونِ النُّفوس مجبولةً على الاقتداء بأسلافِها العُظماء، والنَّبي صلى الله عليه وسلم لا شكَّ أعظمِ ما تُعظِّمِه الأمَّة مِن الخلقِ.
فعلى التَّسليم للمُنكرين بعدم ورودِ ما يَدلُّ على وجوب اتِّباعه صلى الله عليه وسلم في سُنَّته، فإنَّ مَظنَّة وقوع ذلك من أصحابه وأمَّتِه قويَّةٌ جدًّا، إذن لجاء النُّص القرآنيُّ صريحًا في تَنبيهِ الأمَّةِ على تركِ ذلك! ولم يأتِ النَّص، فدلَّ على المشروعيَّة؛ أقول هذا تنزُّلًا، وإلَّا فالدَّلائل النَّقليَّة الآمرة باتِّباع سُنَّته أكثر مِن أن تُحصى في هذا المقام، والله أعلم.
ثمَّ هل تناسى المُنكرون لحجيَّة السُّنة بأنَّ مَن نَقلوا القرآن إلينا، هم أنفسُهم مَن نقلَ إلينا السُّنَن؟!
إنَّ مِمَّا يتعامى المُنكرون عن التَّنبُّه له في مثل هذا المقام، أنَّ التَّأييدَ الإلهيَّ والعنصرَ البَشريَّ القائِمَين على حفظِ القرآن هما القائمان على حفظِ السُّنة على سواء! فالقرآن محفوظ في نفسِ الوِعاء النَّقليِّ الَّذي حُفظت به السُّنة، وهو الإسناد
(1)
انظر «الإحكام» لابن حزم (1/ 118 - 119).
(2)
انظر «المحكمات» لحاتم العوني (ص/95 - 96).
المُتصِّلِ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ فبانَ أنَّ التَّفريق بين مُتماثلينِ في أصلِ النَّقلِ هو مِن أبطلِ الفروقاتِ عقلًا ودينًا.
فإن كان هذا التَّفريق عند المُنكرين لأجل كونِ القرآن مَرويًّا بالتَّواتر: فإنَّ في السُّنة النَّبويَّة مُتواترٌ كثيرٌ أيضًا! مع أنَّهم لا يُفرِّقون في أصلِ إنكارِهم للسُّنة بين مُتواترِها وآحادِها.
فإذا ثَبَت الخُلف في دعوى المُنكِرين، ثبتَ بطلان ما ذَهبوا إليه، مع بطلانِ قولِهم بعدمِ الحاجةِ إلى شيءٍ في التَّشريعِ غيرِ القرآن، لأنَّا نلزمُهم بأوقاتِ الصَّلواتِ، وعددِ ركعاتها، وأنصبة الزَّكوات، ونحو ذلك من التَّشريعات.
فإن اعترضَ بأنَّ هذا التَّفسير النَّبويَّ مُتواترٌ عمليًّا: فقد أقَرَّ لنا بحجيَّة هذا القسمِ مِن السُّنة، مع نفيِه بادئ الأمرِ للحاجة في التَّشريع إلى غير القرآن أصلًا! فقد كفانا بهذا الجواب لنقضِ دعواه.
لكن نزيده جوابًا آخر فنقول: إنَّ نقلَ السُّنة -في مُجملِها- عن الصَّحابةِ مُتواتر أيضًا، وعن التَّابعين، وهكذا؛ فيصير قولهم ببُطلانِ السُّنة مُتضمِّنًا لتهمة الصَّدر الأوَّل رضي الله عنهم بالتَّقوُّل على الشَّريعة -والله قد زكَّاهم في القرآن- إذْ أحدثوا أمرًا جليلًا في الإسلام لم يُأمروا به، بل كان حَقُّهم أن يَنهوا طُلَّابَهم عن الأخذِ بما يَرْوُونه لهم من أقوالِ النَّبي صلى الله عليه وسلم وأفعالِه؛ لكنَّهم على عكس ذلك قد أقرُّوهم على تداوُلِ تلك السُّنَن المَرويَّات، والعملِ بها، ونقلِها لمِن بعدهم.
ومِن قبيل هذا التَّناقضِ أيضًا -وما أكثر تناقضاتِهم-:
أن يستدلَّ أربابُ هذا المسلكِ بحديثِ «النَّهيِ عن كتابةِ الحديثِ»
(1)
على إسقاطِ حُجيَّة السُّنة، وهم يتركون في مُقابله أحاديثَ الحثِّ على حفظِها، وتبليغِها، والتَّحذير مِن رَدِّها! والنَّاهي والآمر واحدٌ، لكنَّ الهوى يُعمي ويصمُّ!
(1)
وهو ما جاء في صحيح مسلم (رقم: 3004) عن أبي سعيد الخدري، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني، ولا حرج، ومن كذب علي -قال همام: أحسبه قال- متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» .
ولَك أنْ تَعجبَ أيضًا مِمَّن يُنكر ما زاد عن القرآن مِن السُّنة وهو يلوك روايةً فيها الأمرُ بعرضِ الحديثِ على القرآن
(1)
، كحديث:«إذا سمعتم عنِّي حديثًا فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه، وإلَّا فردُّوه»
(2)
؛ فليتَه كان صحيحًا، بل مُنكَرٌ مُتهاوي الإسناد! قال فيه الشَّافعي:«ما رواه أحدٌ يثبُت حديثه في شيء صغُر ولا كبُر»
(3)
، وقال عنه ابن معين:«حديث وضعته الزَّنادقة»
(4)
.
وعلى مَن يُحاجُّ به لو كان مُعتقدًا نفيَه الزَّيادة على القرآن، أن يُعمِله أوَّلًا على هذا الحديثِ نفسِه، لأنَّه -كما ترى- حديثٌ زائدٌ عن القرآن
(5)
!
(6)
.
(1)
كما تراه في أغلبِ كتاباتِ من أنكر السُّنة من المعاصرين، يتصدَّرهم في ذلك زعيمُهم أبو ريَّة في كتابه «أضواء على السنة النبوية» .
(2)
انظر عديد ألفاظه في «الأم» للشافعي (1/ 98)، و «معالم السنن» للخطابي (4/ 299)، و «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (2/ 1191)، و «الموضوعات» للصاغاني (رقم:76)، و «كشف الخفا» للعجلوني (2/ 569).
(3)
«الأم» للشافعي (1/ 98).
(4)
«معالم السنن» للخطابي (4/ 299).
(5)
ولمزيد استفياء لأدلَّة ثبوت حجيَّة السُّنة النَّبوية، يُنظر كتاب «حفظ الله السُّنة» لـ د. أحمد السَّلوم (ص/49 - 51)، حيث أوفى مؤلِّفه في ذكر الأدلَّة النَّقلية والعقلية على حفظها من وجهين من وجوه الضَّياع:
الأول: ضياع الفقدان: باندثار شيء من السُّنة يخلُّ ضياعه بحفظ الدِّين.
الثَّاني: ضياع الشِّك في الثُّبوت: باختلاط ثابتها بمكذوبها، دون قدرة على التَّمييز بينهما، ممَّا يوقع الرِّيبة في كلِّها.
وهذان من الأصول الَّتي يجب العناية بها، بإبراز أدلَّة إحكامها اليَّقينية، كما تراه ماثلًا في كتاب عند حاتم العوني «المحكمات» (ص/49)؛ كما أنَّ من أفضل من ردَّ على شبهات مُنكري السنة: خادم حسين بخش، في رسالته الماجستير المَطبوعة:«القرآنيون وشُبهاتهم حول السُّنة» .
(6)
«جامع بيان العلم وفضله» (2/ 1191).
فلأجل ما مرَّ على ناظِريك من هذه الضَّلالات الهدَّامة للدِّين ومثيلاتها، اشتدَّ العلماء في الحكم على شُذَّاذِ هذا المسلكِ بما لا تراه لهم في طوائفَ أخرى تجرَّأت هي أيضًا على شيءٍ مِن السُّنة النَّبوية، لبلوغِ أولائك ذروةَ القِحة في إنكارِ ما هو مَعلومٌ مِن دينِنا بالضَّرورةِ، ممَّا هو أصلٌ في قيام الإسلامِ بأكمله؛ قد استحقُّوا على ذلك قولَ السُّيوطي فيهم:«إنَّ مَن أنكرَ كونَ حديثِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قولًا كان أو فعلًا -بشرطِه المعروفِ في الأصول- حُجَّة: كَفَرَ وخرجَ عن دائرةِ الإسلامِ، وحُشِر مع اليهود والنَّصارى، أو مع مَن شاء الله مِن فِرق الكفرة .. »
(1)
.
وحاصل القول لهذا المَقام:
أنَّ في الإجماعِ اليقينيِّ المُتحقِّقِ مِن أئمَّة السَّلفِ والخلفِ، لدليلًا كافيًا على فسادِ ما أملتهُ سَمادير الضَّلالِ على أربابِها، مِن إنكارِ وحيِ السُّنة في هذا الزَّمان، وأحسبُ أنَّ المعترضَ على كلامِ أهل الحديثِ مِن هؤلاءِ المُنكرين للسُّنة، لو تخلَّص من رِبقة الجهل، وطالَع شواهدَ سِيَرِهم، وجُهدَهم في خدمةِ سُنَّة نبيِّهم روايةً ودِرايةً: لأخسأَ شيطانَه، ولعادَ قالِبًا لأسيادِه المُستشرقينَ ظَهر المِجَّن، وأذعنَ في اتِّباعِ سبيل المؤمنين، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.
ولقد تجرَّأ بعضُ هؤلاء في زمانِنا للتَّعرُّضِ للصِّحاحِ مِن الأخبارِ النَّبوية، بالطَّعنِ في متونِها، وإفسادِ دلالاتِها، بشتَّى المُعارَضات، فجعلوا «الصَّحيحين» بخاصَّةٍ نصبَ سِهامِهم، لمكانتِهما العظيمة عند المُسلمين، فإنَّهم وإن كانوا لا يحتاجونَ لمُعارضةِ الأحاديث بشيءٍ، لإنكارِهم لها مِن الأصل، كما قال أحد رؤوسِهم (جراغ علي الهنديُّ):«إنَّ معاييرَ الصِّدق والأصول العقليَّة لا حاجةَ لإقامتها لتمييزِ الحديث، لأنَّ الحديث في حَدِّ ذاتِه شيءٌ لا يمكن الاعتماد عليه، ولا اعتبارَ لمِا يتحدَّث عنه»
(2)
.
(1)
«مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة» للسيوطي (ص/5 - 6).
(2)
«أعظم الكلام في ارتقاء الإسلام» لجراغ علي ونواب جنك (1/ 20).
ولكن هم يجهَدون في هذه المقارناتِ الاعتراضيَّة للأحاديث، لأجلِ إسقاطِ اعتبارِها مِن قلوبِ أهل السُّنة، وتشكيكِهم فيها، وسيأتي ذكر أمثلةِ ذلك من بعض كتاباتهم مُتعرِّضين لنقدها -بإذن الله تعالى- في التَّالي: