الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب السادس
سامر إِسلامْبُولي
(1)
وكتابه «تحرير العقل من النَّقل:
دراسة نقديَّة لمجموعة من أحاديث البخاريِّ ومسلم»
أغار (إسلامبولي) على «صحيح البخاريِّ» وصِنوه «مسلم» في عدَّةِ مؤلَّفاتٍ ومَقالاتٍ سَخَّرها للطَّعنِ في جملة وافرة من أحاديثهما
(2)
، اتخذَّ فيها أحاديث الكِتابين ميدانًا لتجاربِه المخبريَّة، إذ أنَّهما في نظرِه «محلُّ تسليمٍ عند المسلمين، وهم يعدُّون كتابَيهما أصحَّ الكُتبِ بعد كتابِ الله تعالى، فإذا كان في البخاريِّ ومسلمٍ هذا الكَمُّ مِن الأحاديث المردودة متنًا، أو مشكِلةً في دلالتِها -وهي ليست للحصرِ- فما بالكم بغيرها مِن الكُتبِ، سواء عند السُّنة أم الشِّيعة؟!»
(3)
.
فسامرٌ إذن يَتَغيَّا بذلك إثباتَ صدقِ دعواه في أنَّ «مادَّة الحديث النَّبوي، مادَّة تاريخيَّة لا قداسةَ لها أبدًا، ومُنتفٍ عنها صفةُ الوحيِ الإلهيِّ التَّشريعيِّ»
(4)
.
(1)
مفكر سوري، عضو في اتحاد الكتاب العرب، وباحث في مؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة بسوريا، له أكثر من عشرين مؤلَّفًا أغلبها في نقض المسلمات الشرعية، انظر ترجمته في موقعه الرسمي على الشبكة العالمية.
(2)
ككتابه «نبيُّ الإسلام غير نبيِّ المسلمين» !، و «السُنة غير الحديث» ، و «رجم الزَّاني جريمة يهوديَّة وافتراء على الإسلام» .
(3)
«تحرير العقل من النقل» (ص/40).
(4)
من حوارٍ صحفي له مع مجلة «الوقت» البحرينيَّة، منشور في «موقع أهل القرآن» بتاريخ 15 يناير 2007 م.
والكِتاب -في الجملة- أوهى بناءً وأضعف منطقًا مِن محاولةِ مَن يطعنُ في أحاديث «الصَّحيحين» وهو مُؤمنٌ بالسُّنةِ في الجملة، ككتابِ (إسماعيل الكرديِّ)، دون أن يفهَمَ منهجَ المُحدِّثين في التَّصحيحِ والتَّضعيف، ولا كيفيَّة الخروجِ مِن التَّعارضِ الظَّاهري
(1)
.
لقد مَهَّد المؤلِّف لهذا الكتاب بعدَّة مُقدِّمات مبعثرةٍ، عامَّتها إنشائيٌّ، مرتكز على استثارة العاطفةِ
(2)
، لا يكاد يُحيل إلى أحدٍ مِن علماءِ الشَّريعةِ قديمِهم أو مُحدَثِهم، ولكن يحيل القارئ إلَّا إلى إصداراته الأخرى فقط.
فمِن تلك الأصولِ الَّتي أفاضَ القولَ فيها في مُقدِّماتِه تلك: تقريرُه سبقَ العقلِ لـ «النَّقل، فالنَّقل نِتاجٌ لتفاعلِ العقلِ مع الواقع، ممَّا يؤكِّد هيمنةَ العقل، وسيادته على النَّقل»
(3)
.
وقد توجَّه في الكتاب بالسُّخطِ على سَلَف الأمَّة جمعاء، وأسقطَ ما انفردوا به من جُهدٍ في حفظ تراث نبيِّهم عن سائر الأُمَمِ، فقال:«علمُ مصطلح الحديثِ كذبةٌ وخدعةٌ كبيرةٌ، فهو ليس علمًا أصلًا! سواء تعلَّق ذلك بالسَّند والمتن، فالنَّتيجة واحدة: الضَّياع للمسلمين! وعندما جعل المسلمون مادَّةَ الحديث النَّبوي وحيًا ومصدرًا تشريعيًا، أُصيبوا بالتَّخلُّف والانحطاطِ، وابتعدوا عن المنهجِ الرَّبانيِّ المتمثِّل بالقرآن»
(4)
.
(1)
«مرويات السيرة» لأكرم العمري (ص/41).
(2)
وهذا في رأيي ما جعل نوعًا من الإقبال على مؤلَّفاته من بعض حُدثاء الأسنان، ممَّن لم تتشرَّب قلوبهم أصول الكتاب والسُّنة، وتمثيلًا لأسلوبه هذا: قوله -بعد أن قدَّم شبهاتٍ ينفي بها حجيَّة السُّنة- مخاطبًا فيها قرَّاءه: «لقد ذكرتُ لك ما ذكرتُ، حتَّى تعلم الغَثَّ من السَّمين، وتميَّز من يضع السُّم في العسل، وحتَّى لا تتأثَّر بعد قراءتك لهذا البحث بدعايتهم وضجيجهم .. واتِّهامهم لمن يحبُّ الله ورسوله، ويأمر بالالتزام بما أنزل الله، ويتمسَّك بالوحي القرآني -الَّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- بأنَّهم قوم قرآنيون ينكرون الحديث، ولا يحبُّون النَّبي العظيم صلى الله عليه وسلم .. ويهوِّلون الأمر على النَّاس، ويحرِّكون مشاعرَهم، ويمنعونهم من العلم والدِّراسة والتَّفكير» ، اهـ مِن مقاله «القرآن من الهجر إلى التفعيل» المنشور بموقع «أهل القرآن» بتاريخ 22 يناير 2007 م.
(3)
«تحرير العقل من النقل» (ص/7).
(4)
من حديث صحفي معه منشور في «موقع أهل القرآن» .
وهكذا نهج سبيل البُهتِ إلى آخر مقدِّماته الَّتي استغرقت منه نصفَ الكتاب، والنَّصفُ الثَّاني حشاه بالطَّعنِ في خمسين حديثًا اختارَها مِن «الصَّحيحين» .
فهل يُفهم من هذا كلِّه أنَّ (سامرًا) يُقرِّر كذب كلِّ الأحاديث النَّبويَّة؟!
يجيب قائلًا: «لم أقُل ذلك؛ وإنَّما قُلت: إنَّ الوضعَ والكذبَ على لسانِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد فَشا بعد وفاتِه»
(1)
.
نعم؛ هو -كما قال- لا يَعتدُّ بالحديثِ ولا يَرفعُ به رأسًا في احتجاجٍ ولا استئناسٍ من الأساس، غير أنَّه يَعتقد أنَّ للعقلِ وظيفةً تكمُن في القيام بـ «عمليَّة الفرزِ» في الحديث النَّبوي، وذلك «حسبَ الأدوات المعرفيَّة الجديدة، فيُحتفَظ بالصَّواب، ويُستبعَد الخطأ»
(2)
.
وما دور علمِ الإسنادِ والحديثِ إذن؟
يُجيب قائلًا: «ليسا أساسًا لمعرفةِ صِحةَّ الحديث، بل هو القرآن والعلم أوَّلًا ..
فمنذ متى صار معرفةُ النَّاس وأحوالهِم علمًا له مَعايير وقواعد؟! ..
إنَّ العلم هو مجموعةُ قواعد وقوانين يَتمُّ البرهنةُ عليها مِن الواقعِ والفلسفة، فتصير مِعيارًا وميزانًا .. فهل الإسناد هو عِلمٌ بهذا المفهوم؟!»
(3)
.
هكذا يَتسائل المؤلِّف تساؤل المُستنكرِ الفَهِيم.
لكن سرعانَ ما ناقض كلامَه بعد هذا التَّقرير بأسطرٍ مناقضةً فاحشةً، حث أراد أن يبيِّن للقارئِ المعيارَ الَّذي يُنسَب به الحديث إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: « .. إنْ وافق متنُ الحديث القرآن، وانسجَمَ معه بين يديه لا يتجاوزه، يَتمُّ النَّظر في سَندِه: فإن صَحَّ على غَلبةِ الظَّنِ، ننسبُه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يَصحَّ سنده
(1)
من مقاله «البخاري يضعف أحاديث مسلم» على موقع «أهل القرآن» بتاريخ 15 غشت 2007 م
(2)
«تحرير العقل من النقل» (ص/14).
(3)
انظر كتابه «قراءة نقدية لخمسين حديثًا من البخاري ومسلم» (ص/7 - 8)، ومقاله «البخاري يضعف أحاديث مسلم» على موقع «أهل القرآن» بتاريخ 15 غشت 2007 م.
ننسبه إلى الحكماء والعلماء .. »
(1)
!
كيف وقد نفيتَ قبلُ هذا النَّظر جملةً أن يكون عِلمًا بالمرَّة؟!
لأجل هذا الخبط كلِّه أقول:
إنَّ تنكُّبَّ (سامرٍ) لهذا المنهج الحديثيِّ القويمِ، واغترارَه بعقليَّتِه الفارغة، واحتقارَه لعامَّة المسلمين وخاصَّتهم مِن المُحدِّثين والفقهاء، أفضى به إلى نتيجةٍ طبيعيَّة، أعربَتْ عنها بعضُ قوارِع فتاويه الَّتي قَفَته بأمرٍ عظيم!
فهو من أباحَ للمرأةِ الزَّواج برجلٍ آخر للجماع إذا عجز زوجُها الأصليُّ عن ذلك، مع بقائها في عصمة الأوَّل!
وهو من أجاز تبعًا لذلك استئجارَ الرَّحِم للحمل
(2)
!
وهو من أنكرَ الحجاب أن يكون من الإسلام
(3)
.
وقد أوجبَ على الحائض والنُّفساء الصِّيام! وأباحَ لهنَّ الزَّواج من أهل الكتاب!
(4)
وغير ذلك مِن رَفَثِ شذوذاتِه الَّذي ابتلاه الله بها، جزاءَ طعنِه في السُّنةِ وحَملتِها مِن أولياء الله تعالى.
ومَن يُضلل الله فلا هاديَ له.
(1)
«قراءة نقدية لخمسين حديثًا من البخاري ومسلم» لسامر إسلامبولي (ص/7 - 8).
(2)
انظر هاتين الفاقرتين في كتابه «القرآن من الهجر إلى التفعيل» (ص/108، 154).
(3)
في كتابه «غطاء رأس المرأة أو شعرها حكم ذكوريٌّ وليس قرآنيًّا» ، وقد دأب على وضع صور نساء متبرجات بزينتهنَّ على أغلفة بعض كتبه! كهذا الأخير، وكتابه الآخر «ميلاد امرأة من الجحيم» .
(4)
كثير من فتاويه الشَّاذة مبثوثة في موقع «أهل القرآن» لصاحبه أحمد صبحي منصور.