المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأولالاعتراض على صحة التلقي من الأمةلأحاديث «الصحيحين» والجواب عنه - المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين - جـ ١

[محمد بن فريد زريوح]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌خُطَّة البحث

- ‌نَفْحاتُ شُكرٍ

- ‌تمهيد

- ‌المَبحث الأوَّلمفهوم مُفرَدات العنوان المُحدِّدَة لنطاقاتِ البحث

- ‌المبحث الثَّانيإشكاليَّة الاستشكالِ المُعاصِر للأحاديثِ النَّبويَّة

- ‌المطلب الأوَّلمفهوم الاستشكال والاشتباه لمعاني النُّصوص الشَّرعيَّة

- ‌المطلب الثَّانيمكانةُ علمِ مُشكلِ النُّصوصِ في الشَّريعة

- ‌المطلب الثَّالثحالُ السَّلف مع مُشكلاتِ النُّصوص الشَّرعيَّة

- ‌المَطلب الرَّابعنِسبيَّة الاستشكالِ للنُّصوص الشَّرعيَّة

- ‌المطلب الخامسأسباب استشكالِ الأحاديثِ النَّبويَّة

- ‌المطلب السَّادسمنهج أهل السُّنة في التَّعاملِ مع الأحاديثِ المُشكِلَة

- ‌المطلب السَّابعالحكمة مِن وجودِ المُشكلِ في النُّصوصِ الشَّرعيةِ

- ‌المَبحث الثَّالثالأصلُ العقليُّ الجامع لمُخالفي أهلِ السُّنة في ردِّهم للدَّلائل النَّقليَّة

- ‌المطلب الأوَّلبدايات الزَّحف المُتمعقِل على ساحة المَعارف الشَّرعيَّة

- ‌المطلب الثَّانيإمامةُ المُعتزلةِ في تبنِّي النَّظرةِ التَّصادُميَّة بين نصوصِ الوحيِ والعقل

- ‌المطلب الثَّالثمَوقف المُعتزلة مِن الأحاديثِ النَّبويَّة بخاصَّةٍ

- ‌المطلب الرَّابعتأثير الفكرِ الاعتزاليِّ في الفِرق الكلاميَّة

- ‌المَطلب الخامسأثَر الفكرِ الاعتزاليِّ في المَدارسِ العَقلانيَّةِ المُعاصرةِ

- ‌المَطلب السَّادسالأصل العَقليُّ النَّاظِم لمُخالِفي أهلِ السُّنةِفي ردِّ الأحاديث النَّبويَّة

- ‌الباب الأول أشهرُ الفِرَق المُعاصِرة الطَّاعِنة في أحاديثِ «الصَّحيحين» ونقدُ أصولِها وأبرزِ كِتاباتِها في ذلك

- ‌الفصل الأولالشِّيعة الإماميَّة وموقفهم من «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الأوَّلالمَسار التَّاريخي لنقد الإماميَّة لمُدوَّنات الحديث عند أهل السُّنة

- ‌المَطلب الأوَّلمراحل الإماميَّة في ردِّها لصِحاح أهل السُّنة

- ‌المَطلب الثَّانيتباين أغراض الإماميَّة من دراسة «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الثَّانيمَوقف الإماميَّة مِن الشَّيخين

- ‌المَبحث الثَّالثرَميُ الشَّيْخَين بالنَّصبِ(1)، ونقض حُجَجِهم في ذلك

- ‌المبحث الرابعكشف دعاوي الإماميَّة في تُهمتهم للشَّيخين بالنَّصب

- ‌المَطلب الأوَّلمَوقِف الشَّيخينِ مِن أهلِ البيتِ وذكرِ مَناقِبهم

- ‌المَطلب الثَّانيدحض دعوى نبذ الشَّيخين لذكر فضائل الآلِ غمطًا لحقِّهم

- ‌المَطلب الثَّالثدفع دعوى الإماميَّةِ كتمَ البخاريّ لمناقب عليِّ عليه السلام بالاختصار

- ‌المَطلب الرَّابعدفع دعوى حذف البخاريِّ لمِا فيه مَثلبةٌ للفاروق رضي الله عنه بالاختصار

- ‌المَطلب الخامسدفع دعوى تحايُدِ البخاريِّ عن الرواية عن أهل البيت

- ‌المَطلب السَّادسدفعُ تُهمةِ النَّصبِ عن البخاريِّ لإخراجِه عن رُواةِ النَّواصِب

- ‌المَبحث الخامسأبرز نماذج إماميَّة مُعاصرة تصدَّت لنقدِ «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الأوَّلشيخ الشَّريعة الأصبهاني (ت 1339 هـ)وكتابه «القول الصُّراح في البخاريِّ وصَحيحه الجامع»

- ‌المَطلب الثَّانيمحمَّد جواد خليلوكتاباه «كشف المُتواري في صحيح البخاري»و «صحيح مسلم تحت المجهر»

- ‌المَطلب الثَّالثمحمَّد صادق النَّجميوكتابه «أضواء على الصَّحيحين»

- ‌الفصل الثانيالقرآنيُّون منكرو السُّنة وموقفهم من «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الأوَّلتاريخ إنكار السُّنة

- ‌المَبحث الثَّانيعَودُ مذهب إنكارِ السُّنة مِن الهند

- ‌المَبحث الثَّالثتجدُّد دعوى إنكارِ السُّنة في مصر

- ‌المَبحث الرَّابعالأصول الَّتي قام عليها مذهب إنكارِ السُّنة

- ‌المَبحث الخامسأبرز القرآنيين الَّذين توجَّهوا إلى «الصَّحيحين» بالنَّقد

- ‌المَطلب الأوَّلمحمود أبو ريَّة(1)وكتابه «أضواء على السُّنة المحمَّدية»

- ‌المَطلب الثَّانيأحمد صبحي منصور(1)وكتابه «القرآن وكفى مصدرًا للتَّشريع الإسلامي»

- ‌المَطلب الثالثصالح أبو بكر(1)، وكتابه: «الأضواء القرآنيَّة لاكتساح الأحاديث الإسرائيليَّة وتطهير البخاريِّ منها»

- ‌المَطلب الرَّابعنيازي عزُّ الدِّين(1)وكتابه «دين السُّلطان، البرهان»

- ‌المَطلب الخامسابن قرناس(1)وكتابه «الحديث والقرآن»

- ‌المَطلب السادسسامر إِسلامْبُولي(1)وكتابه «تحرير العقل من النَّقل:دراسة نقديَّة لمجموعة من أحاديث البخاريِّ ومسلم»

- ‌الفصل الثالثالتَّيار العَلمانيُّ ومَوقفه مِن «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الأوَّلتعريف العَلمانيَّة

- ‌المَبحث الثَّانينشأة العَلمانيَّة، ومُسوِّغات ظهورها عند الغَرب

- ‌المَبحث الثَّالثتَمَدُّد العَلمانيَّة إلى العالَم الإسلاميِّ وأسبابُه

- ‌المَبحث الرَّابعمُستوَيَات العَلمانيَّة

- ‌المَبحث الخامسالطَّريقة الإجماليَّة للعَلمانيِّة لنقضِ التُّراث الإسلاميِّ وغايتُها مِن ذلك

- ‌المَبحث السَّادسانصراف العَلمانيَّة إلى استهداف السُّنَن

- ‌المَبحث السَّابعمركزيَّة «التَّاريخيَّةِ» في مشروعِ العَلمانيِّين لإقصاءِ السُّنةِ النَّبويةِ

- ‌المَبحث الثَّامنموقف العَلمانيِّين العَرب مِن «الصَّحِيحين»وأثرُ ذلك على السَّاحة الفكريَّة

- ‌المَبحث التَّاسعسبب اختيارِ العَلمانيِّين لمُعاركةِ «الصَّحيحين» خاصَّة

- ‌المَبحث العاشرأبرزُ العَلمانيين الَّذين توَّجهوا إلى «الصَّحيحين» بالنَّقد

- ‌المَطلب الأوَّلمحمَّد شحرور(1)وكتابه «الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة»

- ‌المَطلب الثَّانيزكريَّا أوزونوكتابه «جناية البخاري: إنقاذ الدِّين من إمام المحدِّثين»

- ‌المطلب الثَّالثجمال البَنَّا (ت 1434 هـ)(1)وكتابه «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث الَّتي لا تلزم»

- ‌الفصل الرابعموقف الاتِّجاه العَقلانيِّ الإسلامي مِن «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الأوَّلبدء نشوء الاتِّجاه العقلانيِّ الإسلاميِّ المُعاصر

- ‌المَبحث الثَّانيأبرز شخصيَّات المدرسةِ العقليَّةِ الإسلاميَّةِ الحديثةِ

- ‌المَبحث الثَّالثتأثُّر المدرسة العَقلانيَّة الإصلاحيَّة بالفكرِ الاعتزاليِّفي نظرتها إلى النُّصوص

- ‌المَبحث الرَّابعمُدافعة أهلِ العلمِ والفكرِ لمَدِّ أفكارِ المدرسة العقلانيَّة المعاصرة

- ‌المَبحث الخامسمَوقف التَّيار العقلانيِّ الإسلاميِّ مِن «الصَّحيحين» عمومًا

- ‌المَبحث السَّادسأبرز رجالات التَّيار الإسلامي العقلانيِّ مِمَّن توجَّه إلى أحاديث «الصَّحيحين» بالنَّقد

- ‌المَطلب الأوَّلمحمَّد رشيد رضا (ت 1354 هـ)(1)، وموقفه مِن «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الثَّانيمحمَّد الغزالي (ت 1416 هـ)(1)وكتابه «السُّنة النَّبويَّة بين أهل الفقه وأهل الحديث»

- ‌المَطلب الثَّالثإسماعيل الكردي(1)وكتابه: «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث»

- ‌المَطلب الرَّابعجواد عفانةوكتابه «صحيح البخاري، مخرَّج الأحاديث محقَّق المعاني»

- ‌الباب الثاني: المُسوِّغات العلمية المُتوَهَّمة عند المُعاصِرين للطَّعنِ في أحاديث الصَّحيحَيْن

- ‌الفصل الأوَّلدعوى الخَلل في تَصنيفِ «الصَّحيحين» والتَّشكيك في صحَّة تَناقُلِهما

- ‌المَبحث الأوَّلأصل شُبهة المُعترضين على جدوى تدوين السَّلف للسُّنة

- ‌المَبحث الثَّانيطريقة تصنيف «الجامع الصَّحيح» فرعٌ عن مقصدِ تأليفِه

- ‌المَبحث الثَّالثالباعث للبخاريِّ إلى تقطيعِ الأحاديث وتَكريرِها في «صحيحه»

- ‌المَبحث الرَّابعمُميِّزات «صحيح مسلم» وأثر منهج البخاريِّ عليه في التَّصنيف

- ‌المَبحث الخامسالتَّشكيك في نسبة «الجامع الصَّحيح» بصورته الحاليَّة إلى البخاري

- ‌المَطلب الأوَّلدعوى ترك البخاريِّ كتابَه مُسودَّة وتصرف غيره فيه

- ‌المَطلب الثَّانيدعوى أنَّ اختلاف رواياتِ «الصَّحيح» أمارة على وقوع العبثِ بأصله

- ‌المَطلب الثَّالثأوَّليَّة المستشرقين إلى مقالة الإقحام والتَّصرُّف في أصل البخاريِّ

- ‌المَطلب الرَّابعدعوى الانكارِ لما بأيدينا مِن نُسَخِ «الصَّحيح» إلى البخاريِّ

- ‌المبحث السَّادسدفع دعاوى التَّشكيك في نسبة «الجامع الصَّحيح» بصورته الحاليَّة إلى البخاري

- ‌المَطلب الأوَّلنقضُ شبهةِ عدمِ تَبْيِيض البخاريِّ لكتابه

- ‌المَطلب الثَّانيمَنشأ الاختلافاتِ في نُسَخ «الجامع الصَّحيح»

- ‌المطلب الثَّالثإضافاتُ الرُّواة إلى نُسَخِهم من «الصَّحيح»يُميِّزها العلماء بعلامات مُصطَلَحٍ عليها

- ‌المَطلب الرَّابعالجواب عن دعوى المُستشرق إقحام أثر عمرو بن ميمونفي «صحيح البخاريِّ» لنَكارة متنِه

- ‌المَطلب الخامسالجواب عن شُبهة التَّصرُّف في رواية ابن عمرو:«إنَّ آلَ أبي ( .. ) ليسوا لي بأولياء»

- ‌المَطلب السَّادسالجواب عن مُطالبة المُعترضِ بالنُّسخة الأصليَّة لـ «صحيح البخاريِّ» شرطًا لتصحيح نسبتهِ إلى مُصنِّفه

- ‌المَبحث السَّابعدعوى اختلالِ المتونِ في «صحيح البخاريِّ» لروايتِها بالمعنى وتَقطيعِها

- ‌المَطلب الأوَّلاحتجاج المُخالفين بتقطيعِ البخاريِّ للأحاديث وروايتها بالمعنى على انتفاء مصداقيَّة كتابِه وضعفِ أمانتِه

- ‌المَطلب الثَّانيدفع احتجاج المُخالفين بتقطيعِ البخاريِّ للأحاديث وروايتها بالمعنى على دعوى الخلل المُتوهَّم في كتابِه وضعفِ أمانة صاحبه

- ‌الفصل الثَّانيدعوى ظنيَّة آحاد «الصَّحيحين» مطلقًا

- ‌المَبحث الأوَّلمأزِق بعض المُتكلِّمين في تصنيف الآحاد من حيث مرتبةُ التَّصديق

- ‌المَبحث الثَّانيدفع دعوى ظنِّية الآحاد عن أحاديث «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الأوَّلالاختلاف في ما يفيدُه خبرُ الواحدِ على ثلاثةِ أطرافٍ والصَّواب في ذلك

- ‌المَطلب الثَّانياحتفاف القرائن المفيدة للعلم بجمهور أحاديث «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الثَّالثتَلقِّي الأُمَّة لأحاديث الصَّحيحين بالقَبول قرينةٌ تفيد العلم

- ‌المَبحث الثَّالثالاعتراضاتُ على تقريرِ ابنِ الصَّلاحمَفاد أحاديثِ «الصَّحيحين» للعلمِ

- ‌المَطلب الأوَّلالاعتراض على صحَّة التَّلقِّي مِن الأمَّةلأحاديث «الصَّحيحين» والجواب عنه

- ‌المطلب الثَّانيالاعتراضُ على الاحتجاجِ بالتَّلقِّي مِن جِهة وجهِ الاستدلال والجواب عن ذلك

- ‌الفصل الثَّالثدعوى إغفال البخاريِّ ومسلم لنقد المتون

- ‌المَبحث الأوَّلمقالات المُعاصرين في دعوى إغفال الشَّيخين لنقد المتون

- ‌المَبحث الثَّانيدعاوي تسبُّب منهج المُحدِّثين في تَسرُّب المُنكرات إلى كتب التُّراث قديمة

- ‌المَبحث الثَّالثأَثَر الأطروحاتِ الاستشراقيَّة في استخفاف المعاصرين بمنهج المُحدِّثين

- ‌المَبحث الرَّابعالمُراد بـ «نقد المتن» عند عامَّة المعاصرين النَّاقدين «للصَّحيحين»

- ‌المَبحث الخامسدَوْرُ بعض كبارِ كُتَّابِ العَربيَّةِفي تَفَشِّي تُهمة إغفال المحدِّثين لنقد المتون

- ‌المَبحث السَّادسمركزيَّة مقالات (رشيد رضا)في انتشارِ الشُبهة في الطَّبقات اللَّاحقة من المُثقَّفين

- ‌المَبحث السَّابعمحاولة استبدال المنهج النَّقدي للمُحدِّثين بمنهجِ النَّقد الداخليِّ الغربيِّ

- ‌المَبحث الثَّامنباعث انكبابِ المُستشرقينَ على قضيَّة نقد المتونِ

- ‌المَبحث التَّاسعخطأ تطبيق «النَّقدِ الدَّاخليِّ» لمنهج الغربيِّ على تاريخِ السُّنة

- ‌المَبحث العاشرتسرُّب النَّظرة الاستشراقيَّة إلى دراساتِ الإسلاميِّين لتُراثِ المُحدِّثين

- ‌المَبحث الحادي عشرلزوم النَّظر الإسناديِّ في عمليَّة النَّقدِ الحديثيِّ

- ‌المَطلب الأوَّلمنشأ فكرة الإسناد للأخبار الشَّرعيَّة

- ‌المَطلب الثَّانيمَدار النَّقدِ عند المُحدِّثين على المقارنةِ بين الأخبار

- ‌المَبحث الثَّاني عشرعدم قَبول المحدِّثين لأخبارِ الثِّقات بإطلاق

- ‌المَبحث الثَّالث عشرشرطُ سَلامةِ المتن مِن القَوادِح لتمامِ النَّقدِ الحديثيِّ

- ‌المَطلب الأوَّلطبيعة العلاقة بين الإسناد والمتنِ

- ‌المَطلب الثَّانيتعليلُ المحدِّثين للخَبرِ إذا عارَضه ما هو أقوى

- ‌المَطلب الثَّالثالاكتفاء بتعليل الإسنادِ عادة المُحدِّثين إذا استنكروا المتنَ

- ‌المَبحث الرَّابع عشرنماذج من نقدِ البخاريِّ ومسلم للمتون

- ‌المَطلب الأوَّلتعليلُ الشَّيخينِ لأحاديثَ رُوِيَت عن الصَّحابةبالنَّظر إلى مخالفة مُتونِها لما هو مَعروفٌ مِن رِواياتِهم

- ‌المَطلب الثَّانيتعليلُ الشَّيخين لأحاديث تناقض متونهاالمعروفَ مِن رَأيِ راوِيها ومَذْهَبِه

- ‌المَطلب الثَّالثإعلالُ الشَّيخين للحديثِ إذا خالفَ متنُهالصَّحيح المشهورَ مِن سُنَّةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَطلب الرَّابعوقوع الاضطراب في إسنادِ حديث، مع ظهور نكارة في متنه سَبيلٌ عند البخاريِّ لردِّه، دون أن يتشاغلَ بترجيحِ إحدَى أوجُه الاضطراب

- ‌المَطلب الخامسإشارة البخاريِّ لنكارة المتنِ تعضيدًا لما أعلَّ به إسناده

- ‌المَطلب السَّادسترجيح الشَّيخين لإسناد على آخرَ أو لفظٍ في متنٍ على ما في متنٍ آخر، بالنَّظر إلى أقومِ المتون دلالةً

- ‌المَبحث الخامس عشرغمز البخاريِّ في فقهِه للمتون بدعوى اختلالِ ترجماته للأبواب ونكارةِ فتواه

- ‌المَطلب الأوَّلعبقريَّة البخاريِّ في صناعة «صحيحه»

- ‌المَطلب الثَّانيانغلاق فهم بعض المُعاصرين عن إدراك وجه المُناسبةبين تراجمِ البخاريِّ وأحاديثِها سبيل عندهم لتسفيهِه

- ‌المَطلب الثَّالثتهكُّم بعض المُناوئين للبخاريِّبفتوًى تَحُطُّ مِن فَهمِه لنصوصِ الشَّريعة، وبيان كذبها عنه

الفصل: ‌المطلب الأولالاعتراض على صحة التلقي من الأمةلأحاديث «الصحيحين» والجواب عنه

‌المَطلب الأوَّل

الاعتراض على صحَّة التَّلقِّي مِن الأمَّة

لأحاديث «الصَّحيحين» والجواب عنه

الفرع الأوَّل: منع التَّسليم بوقوع التَّلقِّي لأحاديث «الصَّحيحين» مِن جهة المطالبة بتصحيح الاتِّفاق.

يقوم أصل هذا الاعتراض على استبعادِ العادة لاتِّفاق جميع المُجتهدين على صحَّة أحاديث «الصَّحيحين» ، ممَّا يغلِّب جانب الغلَط عندهم في نقلِ من نَقل هذا الاتِّفاق، لانعدام الدَّليل الكاشف عنه؛ واستعمال هذا الاعتراض غالبًا ما يُستدعى في دعوى الإجماعِ السُّكوتيِّ، ويُراد به بيان ظهورِ وانتشار القولِ الَّذي أُقرَّ ولم يُنكَر

(1)

.

ولستُ أعلمُ أحدًا أسبقَ من محمَّد بن إسماعيل الصَّنعاني (ت 1182 هـ) إلى تفصيلِ هذا الاعتراضِ على كلامِ ابن الصَّلاحِ، حيث حاولَ التَّشكيكَ به في حصول اتِّفاق العلماء على قبول أخبار الصَّحيحين.

فمن ذلك قوله: «دعوى على كلِّ فردٍ مِن أفرادِ الأمَّةِ المُجتهدين، أنَّه تلقَّى الكتابين بالقَبول، فلا بدَّ مِن البرهان عليها، وإقامته على هذه الدَّعوى مِن

(1)

انظر «المعونة في الجدل» للشيرازي (ص/28) و «الواضح» لابن عقيل (2/ 180).

ص: 520

المتعذِّرات عادةً، كإقامة البيِّنة على دعوى الإجماع الَّذي جَزَمَ به أحمد بن حنبل وغيره أنَّ مَن ادَّعاه فهو كاذبٌ»

(1)

.

والجواب عن هذا الاعتراض مِن عِدَّة أوجهٍ:

الوجه الأوَّل:

أنَّ العُمدةَ في نقلِ الإجماع في أيِّ فنٍّ مِن فنون الشَّريعة أو غيرِها إنَّما هي على أئمَّةِ ذاتِ الفنِّ وأربابِ الاستقراءِ فيه، فهم الأمَّة في صناعتهم! وأهل التَّخصُّص أخبرُ النَّاسِ بمَواطن الاتِّفاقِ والاختلافِ في جزئياتِ تخصُّصِهم فضلًا عن كُلِّياتِه، فلا يَضرُّهم جهلُ المُشتَغلين بغير شأنِهم أن يُعارضوهم، لخلوِّ نفوسِهم مِن الأهليَّة لذلك أصلًا، وإنَّما كان الواجبُ «على كلِّ مَن ليس بعالمٍ أن يتَّبع إجماعَ أهلِ العلم»

(2)

.

ولا يخفى على الدَّارسٍ لتاريخ السُّنةِ ومراحل تدوينِها، مُوافقًا كان لملَّةِ الإسلام أو مخالفًا، أنَّ علماء الحديث مِن أشدِّ النَّاس تدقيقًا في مَباحثِ تخصُّصِهم، وأكثرهِم استقصاءً لآراء أئمَّتهم فيما يُراد إصدار حُكم تأصيليٍّ أو فرعيٍّ فيه لو كان قضيَّةً دقيقةً، فما الظَّنُ بموقفِهم مِن قضيَّة جَليَّة شائعةٍ، قد بلغ مَداها الآفاق في الشُّهرة مثل «الصَّحيحين» ؟!

والإجماع قد وَقَع من أربابِ العلومِ المختلفةِ والفنونِ المتنوِّعةِ، على كثيرٍ مِن مُصنَّفاتِهم؛ فما نحن فيه أوْلى بأن يَقع مِن أئمَّة الحديثِ قياسًا أوْلويًّا، فإنَّ لديهم مِن الدَّوافع الدِّينيَّة لأجل الاتِّفاق على الحقائقِ الشَّرعيَّة ما ليس عند غيرهم.

(1)

«ثمرات النظر» للصنعاني (ص/132).

(2)

«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (18/ 53).

ص: 521

الوجه الثَّاني:

قد يُستسهَل التَّوقُّف في اتِّفاقٍ نَقَله فردٌ مِن أفرادِ أهلِ العلم، خاصَّةً إذا ما كان معروفًا بالتَّساهل في هذا الباب، لكنَّ الأمرَ يعسُر إذا كان النَّاقل لحكاية الاتِّفاق أئمَّة أفذاذ، يتصدَّرهم أبو عمرِو ابن الصَّلاحَ؛ بل يصير مُستبعدًا بالمرَّة ونحن نتحقَّق أنَّ النَّاقلَ لم يَنفرد بحكاية ذلك، بل سَبَقه طوائف مِن أهل الفنِّ ولحِقه آخرون.

ونظرةٌ عابرةٌ في مَظانِّ هذه المسألة مِن كُتب الأصولِ أو المُصطلحِ، كفيلةٌ بإقناعِ النَّاظر أنَّ اختلافَ أربابِ هذه المصنَّفات إنَّما هو في ما يفيدهُ هذا التَّلقي مِن حيث مراتب التَّصديق، أمَّا حصول التَّلقي ذاتِه: فلم يختلفوا على الإقرار به، فضلًا عن إمكانِه من حيث الواقع، بل حكوه طَبَقةً بعد طَبقةٍ، وجيلًا بعد جيلٍ

(1)

، دون أن يَبرُز أحدٌ يُنكر هذه الدَّعوى، ويبيِّن زيفَها على مَدى هذه القرونِ المُتلاحقة؛ وهذا مِن أقوى الأدلَّة على صِحَّة ما قرَّره ابن الصَّلاح وموافقوه في حقِّ «الصَّحيحين» .

الوجه الثَّالث:

لو تأمَّلنا جميلَ ما احتَّف بهذين الكِتابين مِن صفاتٍ تفرَّدا بها عن سائرِ كُتبِ الحديثِ قاطبةً، قد حازا بها مَرتبةً لم يحُزها أيُّ مُصنَّفٍ آخر في الأمَّة

(2)

، كـ:

جلالةِ مُصنِّفيهما في الحديث روايةً ودرايةً، وتقدُّمهما على تمييز الصحَّيح على غيرهما، بشهادة أقرانِهما ومَن جاء بعدهما مِن أئمَّة الحديث

(3)

.

(1)

لاشكَّ أنَّ هذه الصُّورة من النَّقل للتَّلقِّي متواترةٌ عن أهل الطَّبقات الأولى بعد الصَّحيحين، فينطبق عليها ما اشترطه الصَّنعاني في «توضيح الأفكار» (1/ 119) لدعوى التَّلقي من نقلٍ متواترٍ عن أهل الطَّبقات الأولى بعد الصَّحيحين تقوم به الحجَّة على تلقِّيهم للكتابين بالقَبول، والنَّقل الآحاديُّ عنهم فلا تقوم به حجَّة ملزمة عنده.

(2)

استقصى د. خليل ملا خاطر مزايا الصحيحين على غيرهما من كتب الحديث في أربعة عشر مزية في كتابه «مكانة الصحيحين» (ص/75 - 87) وترجع في أغلبها إلى ما ذكرت، مكتفيا بما نص عليه علماء الحديث مما له صلة مباشرة بموضوع بحثي.

(3)

انظر «نزهة النظر» لابن حجر (ص/52)، و «مكانة الصَّحيحن» لخليل مُلا خاطر (ص/21 - 27).

ص: 522

وأنَّهما أوَّل مُصَنَّفين في الحديث الصَّحيح المُجرَّد، فـ «لم يَتقدَّمهما إلى ذلك أحد قبلهما، ولا أفصح بهذه التَّسمية - يعني الصَّحيح - في جميعِ ما جمعه أحدٌ سواهما فيما علِمناه»

(1)

.

وأنَّهما انتهجا في كتابيهما أدقَّ المناهج العلميَّة في انتقاءِ الصَّحيحِ، حتَّى عُدَّ ما كان على شرطهما أعلى مَراتب الصَّحيح

(2)

، واتُّفِق «على أنَّ أصحَّ الكتُب المُصنَّفة صحيحًا: البخاريُّ ومسلم، واتَّفقَ الجمهور على أنَّ صحيح البخاري أصحُّهما صحيحًا وأكثرهما فوائد»

(3)

.

أقول: لو تأمَّلنا هذه المُميِّزات الَّتي بوَّأت «الصَّحيحين» تلكمُ المكانة الرَّفيعة عند خواصِّ أهل العلم وطَلبَتِه: عَلِمنا أنَّ كلَّ ميزةٍ منهنَّ، لو نُظر إليها بمُفردِها، لكانت كافيةً في شحذِ هِمَم العلماء في زمنِ الشَّيخين وبعدهما للنَّظر في كِتابيهما واختبارهما، تحقُّقًا من انطباقِ تلك المزيَّة الواحدةِ منهنَّ عليهما

(4)

، وهذا -لعَمري- مِن الأسبابِ الَّتي هيَّأها الله سبحانه لكتابيهما حتَّى يشهدَ لهما أهلُ الاختصاص بالإتقانِ والقَبول.

يقول أبو عبد الله الحُميديُّ في سياقِ سردِه لمسيرةِ التَّصنيفِ الأوَّلِ في الحديث:

« .. واتَّصَل ذلك إلى زمانِ الإمامين أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ، وأبي الحسين مسلم بن الحجَّاج النَّيسابوريِّ رضي الله عنهما وعنهم-، فخُصَّا مِن الاجتهادِ في ذلك، وإنفادِ الوُسع فيه، واعتبارِه في الأمصارِ، والرِّحلةِ عنه إلى مُتباعدات الأقطار، مِن وراء النَّهر إلى فُسطاطِ مصر، وانتقادِه حرفًا حرفًا، واختيارِه سَندًا سَندًا، بما وَقَع اتِّفاقُ النُّقادِ مِن جهابذةِ الإسنادِ عليه، والتَّسليم منهم له ..

(1)

«الجمع بين الصحيحين» للحميدي (1/ 73 - 74)

(2)

انظر «شرح التبصرة والتذكرة» للعراقي (1/ 125).

(3)

«تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 73)، وانظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (20/ 321).

(4)

والصَّنعاني مع ذلك مُعترفٌ بما اختُصَّ به الصَّحيحان من عناية وبحث في كل ذرةٍ منهما من أئمَّة هذا الشَّأن، وما رُزقاه بذلك من حَظٍّ وقبول، انظر «ثمرات النَّظر» له (ص/136 - 137).

ص: 523

فتبادَرَت النِّيات المُوفَّقة على تباعُدها، مِن الطِّوائف المُحقِّقة على اختلافِها، إلى الاستفادةِ منهما، والتَّسليم لهما في علمِهما، وتميِيزهما، وقَبول ما شَهِدا بتصحيحِه فيهما، يَقينًا بصدقِهما في النِّية، وبراءتِهما مِن الإقبالِ على جهةٍ بحَميَّةٍ، أو الالتفاتِ إلى فئةٍ بعصبيَّةٍ، سوى ما صحَّ عمَّن أُمرنا بالرُّجوع إليه، والتَّعويل في كلِّ ما أخبرنا به عليه صلى الله عليه وسلم، حتَّى استقرَّ ذلك وانتشر، وسارَ مَسيَر الشَّمس والقمر»

(1)

.

فليس اتِّفاقُ الأمَّةِ وعلمائِها على أصحيَّة الصَّحيحين وفضلِهما على سائرِ الكُتب مجرَّد صُدفة، ولاعن طَواطؤٍ ومُؤامرة، «فقد أعاذَ الله تعالى هذه الأمَّة التي اختارَها لحملِ دينِه وتبليغِ رسالتِه، مِن أن تكون فريسةَ غفلةٍ وغباوةٍ، وأن تجتمع على الضَّلال، بل كان ذلك إلهامًا مِن الله، ومُكافأةً على ما قام به مُؤلِّفا هذين الكتابين مِن جهادٍ في سبيل حفظِهما الأحاديث النَّبوية، ثمَّ تحقيقِها وتنقيحِها، ومعرفةِ رجالِها ورُواِتها، وكشفِ أستارِ الكذَّابين والوضَّاعين، وتميِيزِ الضُّعفاءِ والمَجروحين، ثمَّ في نقلِها ونشرِها في الآفاق، وجمعِها في مجموعةٍ مُهذَّبة مُنقَّحة»

(2)

.

فإذا تأمَّل المُنصِف ما حَرَّرته مِن هذه الخصال آنفًا، عظُم مِقدارُ هذين السِّفْرين في نفسِه، وجَلَّ تَصنيفهما في عينِه، وعذَرَ الأئمَّة مِن الهِندِ شرقًا إلى الأندلسِ غربًا أن تلقُّوهما بالقَبول والتَّسليم، وقدَّموهما على كلِّ مُصنَّفٍ في الحديثِ والقديم.

الوجه الرَّابع:

ربطُ الصَّنعانيِّ حكايةَ التَّلقِّي للصَّحيحين، بدعوى الإجماع الَّذي أنكره أحمد، هو في حقيقتِه ربطٌ بين مُتبايِنَين، والغَلط إذن قد تخلَّل كلامَه مِن جِهتين:

(1)

«الجمع بين الصَّحيحين» (1/ 73 - 74) بتصرف يسير في آخره.

(2)

«نظرات على صحيح البخاري» (ص/22) بتصرفٍ يسير، وأصلُه مَقالةٌ قدَّم بها أبو الحسن النَّدوي كتابَ «لامع الدَّراري» للكاندهلوي.

ص: 524

الجِهة الأولى: مِن جهة اعتراضِه باحتمالِ وجود الإنكار

(1)

:

وذلك حين ربْطِه بين حِكايةِ التَّلقِّي للصَّحيحين بالقَبول وبين الإجماع الأصوليِّ الَّذي يرى تعذُّرَ العلمِ به بعد زمنِ الصَّحابة رضي الله عنه، لتفُّرقِ العلماء في الأمصارِ

(2)

.

وقول الصَّنعانيِّ في تحجير الإجماع ومنع تحقُّقه ضعيفٌ عند جمهور الأصوليِّين، وليست هذه الوُريْقات محلًّا لنقضه

(3)

؛ فإنَّ ابنَ الصَّلاح وعلماء الحديث والأصول معه حين تكلَّموا عن موضوعِ الاتِّفاق على صحَّةِ «الصَّحيحين» ، إنَّما عبَّروا عن ذلك بلفظِ (التلقِّي مِن الأمَّة بالقَبول)؛ وهذا إجماعٌ خاصٌّ سبيله التَّتبع والاستقراء، يَصِحُّ بمُجرَّد شُهرةِ الحديثِ الصَّحيحِ بين أئمَّةِ الحديث، دون إنكارٍ أو إظهارِ عِلَّةٍ تمنع القولَ بصحَّتِه ولو مِن واحدٍ

(4)

؛ وهذا النَّقد يمتدُّ في ظرفٍ زمنيٍّ مُتَّسِعٍ، بلَغَ في حقِّ الصَّحيحين قرونًا من الزَّمن

(5)

.

وحُكم أهلِ العلمِ إذا تَكرَّر على ما عَمَّت به البَلوى واشتُهِر أمرُه، وتَكرَّرَ

(1)

مِمَّن ذكر هذا النوع من الاعتراض على الاستدلال بالإجماع الأصوليِّ: أبو المعالي الجويني في «البرهان» (1/ 272)، وابن عقيل في «الجدل على طريقة الفقهاء» (ص/38).

(2)

انظر «مزالق الأصوليين» للصنعاني (ص/63)، وهو مذهب الظَّاهريَّة وكثيرٍ من أهل الأصول، انظر «النُّبذة الكافية» لابن حزم (ص/19 - 20)، و «البحر المحيط» للزركشي (4/ 282).

(3)

وقد روَّج لشُبهتِه هذه حول الإجماع بعض المُعاصرين، مِن أشهرهم أحمد شاكر، كما تراه في رسالته «نظام الطلاق في الإسلام» (ص/67) حيث حصر الإجماع الصَّحيح في الأمور المعلومة من الدِّين بالضَّرورة!

(4)

انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (18/ 44).

(5)

مِن الجَدير لفتُ النَّظر إليه: أنَّ الشَّوكاني مع كونِه موافقًا لقولِ الصَّنعاني بتعذُّر العلمِ بالإجماع الأصوليِّ على فرعٍ فقهيٍّ معيَّن في الأزمان المتأخرَّة، واضطرابه في هذا الباب أحيانًا، كان أدرى بحقيقةِ لفظِ التَّلقي عند أهل الحديث مِن بلديِّه الصَّنعاني، ولهذا لم يتوارَ عن إثبات تلقِّي الأمَّة للصَّحيحين بالقبول، وإثبات الإجماع على صحَّتهما، والأخذ بلازِم ذلك من جِهة التَّصديق بجملتهما، كما تراه في كتابيه «أدب الطلب» (ص/206) و «إرشاد الفحول» (ص/138).

ص: 525

سكوتُ الباقين عن هذا الحكم، مع طولِ الزَّمنِ، دون إبداءِ مُخالفةٍ له، فإنَّه -والحالة هذه- مِن الصُّوَر الَّتي تُفيد العِلم عند جمهورِ الأصوليِّين

(1)

.

وقد أشار ابن السَّمعاني (ت 489 هـ) إلى هذه الدَّقيقة بقوله:

«إنَّ التَّمادي على ذلك الزَّمان الطَّويل، ثمَّ لا يظهر من ذلك القول أحد ينكره، لأنَّه بدونِ هذا يجوز أن يسكتوا عن الإنكار عليه لغرضٍ، ويجوز أن يكون لهيبةٍ له، أو لوجلٍ منه، فأمَّا إذا مرَّ على ذلك الزَّمان الطَّويل فلا يُتصوَّر السُّكوت عن الإنكارِ من كلِّ القومِ، مع اختلافِ الطِّباع، وتباينِ الهِمم، وكثرةِ الدَّواعي من كلِّ وجهٍ، ومنها خبرُ الواحد الَّذي تلقَّته الأمَّة بالقَبول وعملوا به لأجله، فيُقطع بصدقِه، وسواءٌ في ذلك عَمل الكلُّ به، أو عمل البعضُ وتأوَّله البعض»

(2)

.

هذا الَّذي يؤصلِّه السمعانيُّ لمسألة تلقِّي الأخبار بالقبول، ألْزقُ ما يكون بتقرير الأصوليِّين في باب الإجماع حين قالوا: أنَّ حُكمَ أهلِ العلمِ إذا تَكرَّر على ما عَمَّت به البَلوى واشتُهِر أمرُه، وتَكرَّرَ سكوتُ الباقين عن هذا الحكم، مع طولِ الزَّمنِ، دون إبداءِ مُخالفةٍ له، فإنَّه مِن الصُّوَر الَّتي تُفيد العِلم عند جمهورِ الأصوليِّين

(3)

.

وقول مَن قال بجواز كِتمان مَن حمَّله الله أمانة دينِه لحُكمٍ حَديثيٍّ أو إغفاله مِمَّا يَترتَّب عليه إيمان وعملٌ، يجري قولُه هذا في القُبح مَجرى إخبارِ العلماء عن أمرٍ خلاف ما هو عليه! والله تعالى قد رَكَّز في طِباعِ الخلقِ مِن توفيرِ الدَّواعي على نقلِ ما علِموه، والتَّحدُّث بما عرفوه، حتَّى أنَّ العادةَ لتُحيل كتمانَ ما لا يُؤبه له مِمَّا جَرى مِن صِغار الأمورِ على الجمعِ القليل

(4)

، فكيف على الجمعِ الكثير

(1)

انظر «التقرير والتحبير» لابن الموقِّت الحنفي (3/ 105 - 106)، و «النكت على ابن الصلاح» للزركشي (1/ 280 - 281)، و «فتح المغيث» للسخاوي (1/ 72).

(2)

«قواطع الأدلة في الأصول» (1/ 333).

(3)

انظر «التقرير والتحبير» لابن الموقِّت الحنفي (3/ 105 - 106)، و «النكت على ابن الصلاح» للزركشي (1/ 280 - 281)، و «فتح المغيث» للسخاوي (1/ 72).

(4)

«قوادح الاستدلال بالإجماع» لسعد الشثري (ص/331).

ص: 526

مِن أهل العلمِ فيما هو مِن عظائم الأمور ومُهمَّاتها، كما الشَّأن في أقوالِ النَّبي صلى الله عليه وسلم وسيرتِه؟!

فلو افترضنا أحدَ المُحدِّثين المُعتبَرين خالَف في صِحَّةِ شيءٍ مِمَّا في «الصِّحيحين» ، وكان إنكارُه له حَقًّا، فإنَّه لا بُدَّ أن يبلُغ إنكارُه، تمامًا كما بلغتنا تَعقُّبات الدَّارقطنيِّ والغسانيِّ وغيرهم مِن الحفَّاظِ عليهما -مع تباعُدِ أصقاعِهم- فأخَذْنا منها وتَرَكنا.

فأمَّا أن يخالِف أحدٌ مِن مثل هؤلاء الأعلام في هذا القبول للصَّحيحين، ولا يُنقل إلينا البتَّة كما احتمَله الصَّنعانيُّ: فلم يَلتفت إلى مثلِ هذا الاحتمال أحدٌ من المحقِّقين، إذ كان خلافَ الظَّاهر عند الأصوليِّين، فلا يُؤثِّر في دعوى الاتِّفاق

(1)

.

الجِهة الثَّانية: الاستشهادُ بِما لا يُطابق دعوى الاعتراض.

استشهد الصَّنعانيُّ على إضعافِ حكايةِ التَّلقي للصَّحيحين بالقَبول بمُجمل قولِ أحمد بن حنبل (ت 241 هـ): «مَن ادَّعى الإجماع فقد كَذب، لعلَّ النَّاس قد اختلفوا»

(2)

.

وهذا استشهادٌ بِما لا يُطابق دعوى اعتراضِه، فإنَّ مَن يطالع كُتبَ الأصوليِّين مِن الحنابلةِ أنفسِهم، يجدهم يحملونَ قولَ إمامِهم على حالاتٍ خاصَّةٍ، وهُم أعلمُ النَّاس حتمًا بمقصودِ مقالاتِه، دون ما قد يُفهم من إطلاق عبارته.

فهذا أبو يعلى الفرَّاء (ت 458 هـ) عمدة الحنابلة في مذهبهم، يقول في توجيه كلامِ أحمد: «ظاهرُ هذا الكلامِ أنَّه قد منَعَ صحَّةَ الإِجماع، وليس ذلك على ظاهرِه، وإنَّما قال هذا على طريقِ الوَرع، نحو أن يكون هناك خلافٌ لم يبلغه،

(1)

انظر «شرح الكوكب المنير» (2/ 255)، ولو التُفت إلى مثل هذا الاحتمال لم يصحَّ أن يُستدلَّ بإجماعٍ أبدًا، لأنَّه ما من إجماعٍ إلَّا ويتطرَّق إليه مثل هذا الاحتمال.

(2)

«مسائل الإمام أحمد بن حنبل» برواية ابنه عبد الله (ص/439).

ص: 527

أو قال هذا في حقِّ مَن ليس له معرفةٌ بخلافِ السَّلفِ؛ لأنَّه قد أطلقَ القولَ بصحَّةِ الإِجماع في رواية عبد الله وأبي الحارث»

(1)

.

ويَنحو ابن تيميَّة منحىً آخر في توجيهِ كلامِ الإمام، حيث جعلَ مُرادَه الأمورَ الخفيَّةِ دون الجليَّة الشَّائعة

(2)

؛ وعلى هذا التَّوجيه يكون موضوع «الصَّحيحين» خارجًا من مرام كلامه، كونهما من الأمور الشَّائعة في الأمَّة بلا مواربة.

فأمَّا ابن القيِّم (ت 751 هـ)، ففضَّل تفسيرَ نصِّ إمامِه باستحضار السِّياقِ الَّذي وَرَد فيه، فارتأى كونَه صدر منه ردَّةَ فعلٍ مبالغةً لِما قد بُلي به أحمد وشيخُه الشَّافعي

(3)

وغيرهما مِن طوائف أهلِ الأهواءِ وقتهم في طعنهم بالسُّنَنِ، بدعوى عدمِ مَعرفتِها بمَن ذَهَب إليها

(4)

؛ فسمُّوا عدمَ علمِهم هذا إجماعًا! واستشهد على هذا التَّوجيه بقولِ أحمد في ختمِ عبارتِه: « .. هذه دعوى بِشر المرِّيسي والأصمِّ»

(5)

.

والمقصود بيانُ ضعفِ استدلال الصَّنعاني بكلام أحمد، وعدمِ انطباقِه على دعواه بالتَّمام.

وزُبدة القولِ:

أنَّ تلقِّي جملةَ ما في «الصَّحيحين» بالقَبول عند علماء الحديث ممَّا لا يُمكن جحودُه عند المُنصفين، ولا يُتصَوَّر في أصلِه أيُّ خلاف؛ والصَّنعاني نفسُه لم يُصرِّح بالمخالف في ذلك! ولو حدَث خلافٌ بين العلماءِ المُعتَبرين فيه، وكان له وجه من النَّظر، لاعتُبر ذكرُه، واشتُغل بجوابِه؛ فنحن نعلمُ تحقُّق الإجماعِ على صحَّةِ جمهورِ أحاديثِهما بهذا الاعتبار.

ص: 528

لكن يُتنبَّه هنا:

إلى أنَّ الحكمَ بنفسِ هذه الدَّرجةِ مِن القطعِ لكلِّ حديثٍ من «الصَّحيحين» على حِدة أمرٌ ظنيٌّ بالنِّسبة لنا، لعلمنا أنه ليس حاصلًا في كلِّ فردٍ من أحاديثهما، فلا نقطع بنفس الدَّرجة لكلِّ حديث منهما بعينه إلَّا ما علِمنا منه ذلك بمُوجباته، وهو الأصل الغالب في أحاديث الكتابين، وهذا لا يتمُّ إلَّا بعد عمليَّة بحثٍ واستقراءٍ لأقوالِ المُتقدِّمين والمتأخِّرين في هذا الحديثِ الفردِ بعينِه.

الفرع الثَّاني: الاعتراض بالاستفسارِ على التَّلقي.

وهو أنَّ ابن الصَّلاح حين لم يحدِّد في عبارتِه مُرادَه مِن لفظ (الأُمَّة) نصًّا، راح بعض المُعترضين علىه يُفرِزون ما تحتمِله هذه اللَّفظة مِن معانٍ، فكرُّوا على كلٍّ منها بالتَّعقُّب، ليردُّوا ما تحصَّل لدى ابن الصَّلاح مِن نتيجة حُكميَّة عن طريقِ توهينِ مقدِّماتِ تلك النَّتيجة.

وهذا المسلك مِن مَسالك الاعتراضِ يُسمَّى في علم الجَدل بـ: «الاستفسارِ على الإجماع»

(1)

، وصورتُه: أنْ يأتي المُستدلُّ في دليلِه الإجماعيِّ بلفظةٍ غريبةٍ أو مُجملةٍ لا يَفهمها المُعترض، فيعترض على الإجماعِ بعدم وضوحِ بعضِ ألفاظِه، ويطلب تفسيرَها وتميِيزَها.

فكان أن استُعمل هذا الاعتراضُ مِن بعضِ المُعترضين لاستشكال المُرادِ مِن لفظِ (الأمَّة) في عبارة ابن الصَّلاح، ليتوصَّل بذلك إلى نفيِ دخولِ الأمَّة أجمعِها في دائرةِ التَّلقي المُدَّعى.

ترى مثال هذا الاعتراض بالاستفسار في قول ابنِ المُلقِّن (ت 804 هـ): «إن

(1)

وجمهور أهل الاصطلاح في فنِّ الجَدل يعدُّون الاستفسار من الاعتراضات الصحيحة، بل هو مُقدَّمها، وأُلحِقت بالقوادح في الاستدلال تجوُّزًا لأنها مقدِّمة ومُكمِّلة لها، لأنَّ المرء إذا لم يفهم المعنى، فلا معنى بعد ذلك لإيراد غيره من الاعتراضات، انظر «شرح الكوكب المنير» (4/ 231)، و «قوادح الاستدلال بالإجماع» (ص/73).

ص: 529

أرادَ -يعني ابنَ الصَّلاح- كلَّ الأمَّة: فهو أمرٌ لا يخفى فَسادُه؛ وإن أرادَ الأمَّة الَّذين وُجِدوا بعد وضعِ الكتابين: فهُم بعضُ الأمَّة لا كلُّها»

(1)

.

واستُعمل هذا النَّوع مِن الاعتراض الجَدليِّ أيضًا لنفي دخولِ كلِّ المُجتهدين في لفظِ (الأمَّة)، كما تراه في دعوى الصَّنعانيِّ حين قال:«الَّذي يَغلب به الظَّن، أنَّ مِن العلماء المجتهدين مَن لا يَعرف الصَّحيحين، إذ معرفتهما بخصوصِهما ليست شرطًا في الاجتهاد»

(2)

.

وقال: « .. بل صرَّح إمام الشَّافعية الغزاليُّ، أنَّه يكفي فيه -يعني في شرط الاجتهادِ- سُنَن أبي داود، وصَرَّح السَّيد محمَّد -يعني ابنَ الوزير- في كتابِه القواعد، أنَّه يكفي فيه التَّلخيص الحبير»

(3)

.

ومِمَّا يَتَحقَّق به هذا المسلك في الاعتراضِ أيضًا: استفسارُ صاحبِ الدَّعوى عَمَّن وَقَع له التَّلقي، كما فعل الصَّنعانيُّ حيث قال:«هل هو لكلِّ فردٍ فردٍ مِن أحاديثهِما؟ فإن كان هو المُراد، فلا يتمُّ فيه الدَّعوى»

(4)

.

والجواب على هذه الاستفسارات المُشكلة كلِّها من عدَّة وجوه:

الوجه الأوَّل:

أنَّ هذا المَسلك في الاعتراضِ إنَّما يصحُّ بالاستفسارِ في حالةِ إجمالِ لفظِ المُستدِّل بالإجماعِ حيث يدلُّ ظاهره على عدَّةِ احتمالات مُتساوية

(5)

؛ لكن لفظُ ابن الصَّلاح ظاهرٌ في قصدِه بعضَ الأُمَّة لا كلِّها، وهم المُختصُّون بالحديث وصنعتِه، وأنَّ سائر الأمَّة تبعٌ لهذا البعض.

(1)

«المقنع في علوم الحديث» لابن الملقن (1/ 77).

(2)

«ثمرات النظر» للصنعاني (ص/132).

(3)

«إسبال المطر على قصب السكر» (ص/216).

(4)

«توضيح الأفكار» (1/ 116).

(5)

«التقرير والتحبير» (3/ 249).

ص: 530

وما ذكره ابن الملقِّن من احتمالِ إرادة ابن الصَّلاح كلَّ الأمَّة، أي مُنذ عهد الصِّديق رضي الله عنه إلى ساعة كتابتِه لعبارتِه في مُبيضَّة كتابِه كما يُفهم هذا مِن كلامه لزامًا: ففَرْضٌ مُستبعدٌ أن يخطر ببالِ مُحدِّثٍ مُدقِّقٍ كابن الصَّلاح؛ فأيُّ دخلٍ لأمَّةٍ قد خَلت في مُصنَّفين حادِثين في القرن الثَّالث؟! اللَّهم إلَّا إن كان المقصود بالكُليَّةِ في عبارة ابن الصَّلاح الكُليَّةَ النِسبيَّة، أي الأمَّةَ الَّذين عايشوا زمنَ هذه الدَّعوى ومَن بعدهم، لا مَن قبلهم

(1)

.

والَّذي يُعلم مِن حالِ ابن الصَّلاح براءتُه من هذا القصدِ، وأنَّ مَرامَه ممَّا سطَّره في هذه المسألة بعضُ الأمَّة لا كلُّها، والَّذين هم تحديدًا مِن بعدِ تأليفِ «الصَّحيحين» ، بقَرينةِ إخراجِه مِن حكاية الاتِّفاقِ على صحَّة أحاديث «الصَّحيحين» الأئمَّةَ الَّذين ضَعَّفوا منها شيئًا مِمَّن جاؤوا قبل الشَّيخينِ، فلم يُمثِّل بأحدٍ منهم، بل مثَّل بمَن كان زمَنهم أو بعدهم، كالدَّارقطني، وأبي مسعودٍ الدِّمشقي، وابن مَنده، وأبي بكر الإسماعيليِّ، والغسَّاني، وغيرهم مِن جهابذة المُحدَّثين، وهؤلاء في الطَّبقاتِ الأولى الَّتي تلي الشَّيخين بخاصَّة

(2)

.

وهؤلاء قد مضى الأمرُ عندهم في تلكُم الطَّبقاتِ المتلاحقة على تبجيل الكِتابين، والتَّسليم لهما بِأصحِّيةِ ما فيهما إلَّا ما نبَّهوا على علَّة فيه، إلى أن استقرَّ الحالُ عند أهل الدَّرايةِ بالحديثِ - كابن الصَّلاح ومَن جاء بعده - على أنَّ عامَّةَ ما فيهما قد تَلقَّتهما العلماء بالقَبول، وأنَّه مَذهب أهلِ الحديث؛ وأهل الفنِّ إذا اجتمعوا على أمرٍ يخصُّهم، فهم بلا ريبٍ حُجَّة عند اتِّفاقهم، ولا يضرُّهم سبقُ الخلافِ مِن بعض المتقدِّمين قبلَهم على ما اتَّفقوا هُم على صحَّتِه

(3)

، إذْ الصَّحيح من جهة الأصول أنَّ الإجماعَ قبل استقرارِ الخلافِ، يُزيل حكمَ الخلافِ

(4)

.

(1)

«روضة الناظر» لابن قدامة (1/ 429).

(2)

انظر «توضيح الأفكار» للصنعاني (1/ 119).

(3)

انظر «توجيه النظر» (ص/321).

(4)

انظر «فصول البدائع» لشمس الدين الرومي (2/ 307) و «البحر المحيط» للزركشي (6/ 504 - 506)، ونقل أبو الخطاب في «التمهيد» (3/ 297) أنه قول الجمهور من الأصوليين.

ص: 531

الوجه الثَّاني:

يظهر جَليًّا مِن عبارةِ الصَّنعاني توسيعُه دائرةَ المجتهدين المَعْنيِّين بالحكمِ على الحديث، لتشملَ عنده غيرَ أربابِ الفنِّ، والقرينة على قصدِه ذلك: استشهادُه على نَفيِ الاتِفاق على «الصَّحيحين» بكِتابين قد اختُصَّا بأحاديثِ الأحكامِ «سُنن أبي داود» و «التَّلخيص الحَبير» ، وهذان إن كَفَيا، فيكفيان المُجتهدَ في الفقهيَّات، فألحقَ الفقيهَ بزُمرة من عُنوا بالإجماع وهم المُحدِّثون.

بل نراه يُوسِّع رُقعة الاجتهاد في أحاديث السُّنة، لتشمل أرباب المقالات البِدعيَّة، بدعوى دخولِهم في مُسمَّى الأمَّةَ

(1)

! وكأنَّه يَرمي إلى ضرورة اعتبارِ خِلاف طائفتِه الزَّيديَّة في أحاديث الأصولِ مِن «الصَّحيحين»

(2)

! حتَّى عابَ لأجلِهم قولَ ابن الصَّلاح: «إنَّ الأمَّة تلَّقت ذلك بالقبول، سِوى مَن لا يُعتَدُّ بخلافِه ووِفاقِه»

(3)

.

فاعترضَ الصَّنعاني عليه بما يراه إلزامًا له بعدمِ تمامِ دعواه، بقوله:« .. ولا يخفى أن مُسمَّى الأمَّة، ودليل العصمة، شاملٌ لكلِّ مجتهدٍ، والقولُ بأنَّه لا يُعتَدُّ بمُجتهدٍ، وإخراجه عن مُسمَّى الأمَّة، لا يقبله ذو تحقيق، وإلَّا لادَّعى مَن شاء ما شاء بغير دليلٍ»

(4)

.

ولقد وجدنا كَدَر هذه الشُّبهة لائحًا في كتابات بعض المُعاصِرين، كما عند (الكُرديِّ) في قولِه:«دعوى الإجماع باطلةٌ، إذْ الأمَّة المحمديَّة بمختلفِ مَذاهبها الفقهيَّة، ومَدارسها الكلاميَّة لم تُجمع على ذلك، فالمعتزلة والشِّيعة، لا يرون صِحَّة ما في الصَّحيحين، بل أعلُّوها، وقالوا بأنَّ مُعظمَها مختلَق»

(5)

.

(1)

وبهذه الحجة نفسها ردَّ بعض المعاصرين دعوى إجماع الأمة على تلقي الكتابين بالقبول، كإسماعيل الكردي في كتابه «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/33).

(2)

مع أنَّ أئمة الزَّيديَّة أنفسهم من جملة من تلقّى أحاديثهما بالقبول، كما صرَّح به ابن الوزير في «الروض الباسم» (1/ 174).

(3)

«صيانة صحيح مسلم» لابن الصلَّاح (ص/85).

(4)

«توضيح الأفكار» للصَّنعاني (1/ 116).

(5)

في كتابه «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/33).

ص: 532

قلت: إن كان هؤلاءِ الَّذين وصَمَهم الصَّنعانيُّ بالاجتهادِ ليسوا مِن أهلِ التَّخصُّص الحديثيِّ، فلا دخل لانتسابهم للأمَّة في ما لا علم لهم به، فإنَّ العلماء «متَّفقون على الرُّجوعِ في كلِّ فنٍّ إلى أهلِه»

(1)

.

ولا ريب أنَّ عامَّةَ الفِرق المُجافية لمنهج أهل السُّنة والجماعة على جهلٍ مُدقعٍ بالصِّناعة الحديثيَّة ومَعرفةِ السُّنَن، إلَّا من سَلَك مسلَك أهل الحديثِ في منهج النَّقد، فهؤلاء بمثابةِ «مَن عرفَ مِن العِلم ما لا أثرَ له في معرفةِ الحُكم، كأهلِ الكلام، واللُّغةِ، والنَّحو، ودقائقِ الحساب؛ فهو كالعاميِّ لا يُعتَدُّ بخلافِه، فإنَّ كلَّ أحدٍ عاميٌّ بالنِّسبةِ إلى ما لم يُحصِّلْ علمَه، وإن حصَّلَ عِلمًا سِواه»

(2)

.

فكان الفَرضُ إذن في ما نحن بصَدَدِه أن يُسلِّم العاميُّ -من أيِّ طائفةٍ كان، ولو كان فقيهًا بالحلالِ والحرام- أن يُسلِّم بقواعدِ نَقد الحديثِ للعالمِ بها

(3)

.

(1)

«فتح المغيث» للسَّخاوي (ص/68).

(2)

«أصول السرخسي» (1/ 312) بتصرف يسير، وانظر «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (2/ 180).

(3)

حين لم تنضبط هذه المسألة في ذهن الصنعاني، امتدح قول ابن تيمية:«ولهذا كان أكثر متون الصَّحيحين مما يُعلم علماء الحديث علما قطعيًّا أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قاله» ، ظنًّا أن كلام ابن تيميَّة هذا خلاف ما ادَّعاه ابن الصلاح من إجماع من الأمَّة، بينما حصره ابن تيميَّة في نظر الصَّنعانيِّ في علماء الحديث فقط! كما تراه له في «توضيح الأفكار» (1/ 116 - 117).

لكن فاتَ الصَّنعانيَّ نصوصٌ أخرى لابن تيمية، يؤكِّد فيها بأن الأمَّة تَبع لأهل الحديث هؤلاء في تصديقهم، وأنه موافق لكلام ابن الصلاح كما سيأتي.

وقد تفرَّع عن هذا الاعتقادِ الخاطئ نفسِه، غلطُ ما قرَّره رشيد رضا -ومن قبله شيخه محمَّد عبده- أنَّ الحديث الصَّحيح يكون حجَّة عند مَن أيقن أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، أمَّا مَن لم يَقع عنده العلم بذلك، فهذا لا يَلزمه الإيمان بما جاء به ذلك الخبر، فضلًا عن أن يلزمه العمل بما دلَّ عليه، كما تراه في «مجلة المنار» (1/ 116)(2/ 545)(7/ 388).

والشَّيخ رشيد بهذا قد وسَّع محجورًا، بفسحِه الكلام في الحديث للعامَّة، وليس كل مسلم يقعد عن الإيمان بدلالة الحديث، لمجرَّد شُبهةٍ لاحت له، كأن يظن عدم ثبوته، ولو جُعلت السُّنة عرضةً لآراء العامَّة، لمَا بقي لها أساس تقوم به، ولا فرع تمتدُّ إليه؛ وانظر «موقف المدرسة العقلية الحديثة من الحديث النبوي» لعبد الله شقير (ص/266).

ص: 533

وأهلُ الكلامِ -في الجملة- مِن هذا الصِّنف المُهمَل قولُهم في هذا الفنِّ، إذ لم يَستوفوا شروطَ الاجتهاد فيه؛ فإن وُجِد منهم مَن شَغَله علمُ الأصول وبرَّز فيه، فشأنُ الأصوليِّ الصِّرفِ البحثُ في مَراتب ثبوت النُّصوص مِن جِهة التَّأصيل، أمَّا أن يحكم بمرتبة مِن تلك المراتب وصفًا لحديثٍ بعَينِه، فهذا لا يكون إلَّا للعَالِم بالحديثِ

(1)

؛ نظيرَ قولِهم «أنَّ تحقيقَ المَناطِ مِن صناعةِ الفقيه المُجتهد، لا مِن تحقيقِ مَسائلِ الأصولِ في ذاتِها»

(2)

.

وفي تقرير هذا الوجه من الجواب، يقول أَبوالمظَفَّرِ السَّمعاني (ت 489 هـ):

«اتَّفَقَ أهلُ الحديثِ أنَّ نقدَ الأَحاديثِ مَقْصورٌ على قومٍ مخصوصين، فما قبِلوه فهو المَقبول، وما رَدُّوه فهو المردود؛ وهم: أَبو عبد الله أحمد بن حنبل الشَّيباني، وأَبو زكريَّا يحي بن مَعين البغدادي، وأبو الحسن علي بن عبد الله المديني، وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي .. وجَماعةٌ يكثُر عدَدُهم ذَكَرَهم عُلماءُ الأُمَّةِ.

فهؤلاء وأَشْباههم أهل نَقدِ الأحاديث وصيارفَةُ الرِّجالِ، وهم المَرجوعُ إليهم في هذا الفنِّ، وإليهم انتهَتْ رِئاسةُ العِلمِ في هذا النَّوعِ؛ فَرَحِمَ الله امرءًا عَرَف قَدْرَ نَفْسِهِ، وقدرَ بضاعته مِن العلم، فيطلبَ الرِّبحَ على قَدْره»

(3)

.

(1)

فلا يدخلون في الخلاف الحاصل بين الأصوليِّين في اعتبار عدالة المُجمِعين من عدِمها -والابتداعُ فرع عن هذه المسألة- لأنَّ الَّذين اعتبروا قولَ غير العدول في الإجماعِ، اشترطوا بلوغهم درجة الاجتهاد في العلم المُتكلَّم فيه، وقلَّ أن يوجد في أهل الكلام من يفهم الحديث على طريقته.

انظر «الموافقات» للشاطبي (5/ 221 - 222)، و «المهذب في علم أصول الفقه المقارن» لـ د. النملة (2/ 874).

(2)

من تعليق محمد عبد الله الدرَّاز على «الموافقات» للشاطبي (1/ 27 - حاشية 2).

(3)

«قواطع الأدلَّة» للسَّمعاني (1/ 369 - 370).

وأبو المظفَّر السَّمعاني: هو منصور بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار التَّيمي المروزي، مُفتي خُراسان وشيخ الشَّافعيَّة، من المنتصرين للسُّنَّة، مِن تصانيفه:«البرهان» ، و «الأمالي» في الحديث، انظر «أعلام النبلاء» (19/ 114).

ص: 534

وأرباب الكلامِ وإن كانوا ذوي حِجاج في نُصرةِ أصول الدِّين، فقد ضَعُفت قلوب كثيرٍ منهم -وبخاصَّة المتأخرُّون- عن تقبُّلِ كثيرٍ مِن الصِّحاح، جرَّاء إقبالِهم على نحاتةِ الأفكار الفلسفيَّة، حتَّى فقدَ أكثرُهم المِعياريَّة العلميَّة الصَّحيحة في نقدِ الأخبار، حتَّى إذا أُورِد على بعضِ أصولِهم حديثٌ صحيحٌ عند المُحدِّثين، أوَّلوه إن وَجدوا تأويلَه قريبَ المَأخذ، وإلَّا رَدُّوه

(1)

.

فكانوا في جملتهم غايةً في ضعفِ المعرفةِ بالأحاديث، لا يحصل لهم العلمُ بمَخبرِها بسبب ذلك، «وتجدُ أفضلَهم لا يعتقدُ أنَّه رُوِي في البابِ الَّذي يتكلَّم فيه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ، أو يظنُّ المَرويَّ فيه حديثًا أو حديثين، كما تجده لأكابرِ شيوخِ المُعتزلة، مثل أبي الحسين البصري، يعتقد أنَّه ليس في الرُّؤيةِ إلَّا حديثًا واحدًا! وهو حديث جرير رضي الله عنه، ولا يعلم أنَّ فيها ما شاء الله مِن الأحاديث الثَّابتة المتلقَّاة بالقبول»

(2)

.

فإنكارُ مثلِ هؤلاءِ لِما عَلِمه وقَطَع به أئمَّة الحديث، أقبحُ من إنكارِ ما هو مَشهور من مذاهبِ الأئمَّة الأربعة عند أتباعهم

(3)

.

وحاصل القولِ في هذا الوجه: أن لا اعتداد على صدقِ حديثٍ وعدم صدقِه إلَّا بأهلِ العلم بطُرق ذلك، وهم علماء الحديثِ، العالمِون بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، الضَّابطون لأقواله وأفعاله، العالمون بأحوالِ حَملة الأخبار، فإَّن علمَهم بحال المُخبِر والمخبَر عنه، ممَّا يعلمون به صدقَ الأخبار، وسائر النَّاس تَبَع لهم في معرفة الحديثِ.

الوجه الثَّالث:

أنَّ سؤال الصَّنعاني عن هذا التَّلقِّي لِما في «الصَّحيحين» ، هل هو لكلِّ فردٍ من أحاديثهما؟ جوابه أن يُقال:

(1)

انظر «توجيه النظر» (1/ 318).

(2)

«جواب الاعتراضات المصرية» (ص/37).

(3)

انظر «مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ص/549)، و «نخبة الفكر» لابن حجر (ص/55).

ص: 535

إنَّ التَّلقي للكتابين بالقَبول إنَّما هو لما تضمَّناه من أخبار مُسندةٍ مرفوعة في الجملة، لا لكلِّ حرفٍ أو لفظٍ فيهما على حِدة، فهذا ليس إلَّا للقرآنِ الكريم، فهو الَّذي قبوله فرضٌ على الأعيانِ بحروفِه وألفاظِه؛ وجميعُ أهلِ العلمِ بالحديثِ، إنَّما يجزمون بصحَّةِ جمهورِ أحاديثِ الكِتابين، لا بكلِّ حرفٍ فيهما.

فالصَّواب أن نقول: إنَّ (جمهورَ) متونِ «الصَّحيحين» مَعلومةُ الصِّحة مُتقنة، تلقَّاها أهل العلم بالحديثِ بالقَبول والتَّصديق، وأجمعوا على صِحَّتها، وأنَّ فيهما ما هو مَعلول الإسناد والمتنِ معًا، لكنَّه قليلٌ جدًّا، وهذا ما ذكره أبو عمرو ابن الصلَّاح ومَن قبله، كالحافظِ أبي طاهر السِّلفي وغيره

(1)

.

وبهذا نعلمُ أنَّ ما وَرَد عن بعض العلماءِ مِن تعميمِ هذا الاتِّفاقَ على كلِّ حديثٍ فيهما، كما تراه في دعوى الدِّهلوي (ت 1176 هـ):«الصَّحيحان قد اتَّفقَ المُحدِّثون على أنَّ جميعَ ما فيهما مِن المتَّصلِ المَرفوعِ صحيحٌ بالقطعِ»

(2)

؛ وكذا قولِ أحمد شاكر (ت 1377 هـ): «أحاديث الصَّحيحين صحيحةٌ كلُّها، ليس في واحدٍ منها مَطعنٌ أو ضعفٌ»

(3)

؛ فضلًا عمَّا تَقدَّم مِن عبارةِ الإسفرايِيني في زعمه صحَّة كلِّ ما اشتَمَل عليه الكِتابين: فهذا منهم نوعُ تساهلٌ، مُؤدَّاه الغَلط وعدم الدِّقة في العبارة؛ والأوْلى أن يُستثنى مِن جملة الاتِّفاق ما قدَّمنا شرحَه آنفًا.

وهذه الدِّقة في الاحتراز هي ما تراه في مثلِ قولِ السَّخاوي: «إنَّ الَّذي أوردَه البخاريُّ ومسلم، مُجتَمعين ومُنفَرِدين، بإسناديهما المُتَّصِل، دون ما سيأتي استثناؤُه مِن المُنتَقد والتَّعاليقِ وشِبههما: مَقطوع بصِحَّتِه»

(4)

.

وختامًا؛ نستطيع بعد ما مضى في هذا المَطلب كلِّه أن نسوغ جُملًا مُختصرةً تَلُمُّ شعثَ ما تَقدَّم مِن الأدلَّة، في ما يَتعلَّق بالموقفِ العلميِّ مِن دعوى الإجماعِ على «الصَّحيحين»: في كونِ الإجماعِ على صحَّةِ جمهورِ أحاديثِ «الصَّحيحين»

(1)

«جواب الاعتراضات المصرية» (ص/46).

(2)

«حجة الله البالغة» (1/ 232).

(3)

تعليقه على «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (1/ 124).

(4)

«فتح المغيث» (1/ 72).

ص: 536

أمرٌ مقطوع به، لِلعلم بانتفاءِ المخالفِ المُؤهَّل في ذلك، وأنَّهما أصَحُّ دواوينِ السُّنةِ على الإطلاق؛ لكن لا نقطع بنفس الدَّرجة لكلِّ حديث منهما بعينه، إلَّا ما علِمنا له ذلك بمُوجباته، بعد عمليَّة بحثٍ واستقراءٍ لأقوالِ المُتقدِّمين في هذا الحديثِ الفردِ بعينِه؛ والله أعلم.

ص: 537