الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الرَّابع
دعوى الانكارِ لما بأيدينا مِن نُسَخِ «الصَّحيح» إلى البخاريِّ
ثمَّ جاء أُناسٌ مُتعالمون في بلدي المغرب عدَوا طَورَهم، فادَّعوا انتفاءَ نِسبةِ ما بِأيدينا مِن نُسَخٍ لـ «الصَّحِيح» إلى البخاريِّ! لعدمِ استيثاقِهم بأنَّها النُّسخة الأصليَّة الَّتي بخَطِّ المؤلِّفِ وعليها توقيعُه.
وإن كان أصل هذه الشُّبهة قديم، منسوبٌ إلى عليِّ بنِ مُحَمَّد بنِ أبي القاسِم
(1)
أحدِ شيوخِ الزَّيديَّةِ في القرن الثَّامِن، فلقد أشاحَ بوجهِه عن دواوينِ الحديثِ عند أهل السُّنة وشَكَّك في نسبتها إلى أصحابها، مُحرِّجًا على مَن يَنسِبُ ما فيها إليهم، ومِنها «الصَّحيحان» ؛ وقصدُه تعسير السُّبُلِ إلى معرفةِ السُّنَن، والافتِنانَ في أساليبِ التَّنفيرِ عن مطالعتها
(2)
.
لكن الشُّبهة ما فتئت أن اضمَحلَّت بين طيَّاتِ الدُّهورِ، لفُشوِّ المعرفةِ بطُرقِ الرِّوايةِ بين عَوامِّ أهل السُّنةِ فضلًا عن عُلمائِهم، فلم يأبهوا لسُخفها؛ حتَّى أعادَ الدَّندنَةَ حولَها المُستشرِق (مَنْجَانَا)
(3)
في دراسةٍ له عن نُسخةِ أبي زيد المروزي
(1)
علي بن محمد بن أبي القاسم، مِن سلالة الهادي يحيى ابن الحُسين: مُفسِّر يَماني، مِن مُجتَهدي الزَّيدية، صنَّف «تجريد تفسير الكشَّاف» ، وله تفسير للقرآن في ثمانية أجزاء، كما يقول الشَّوكاني في ترجمته في «البدر الطالع» (1/ 485).
(2)
انظر الرَّد عليه في ذلك مِن تلميذه ابن الوَزير اليَماني في «العواصم والقواصم» (1/ 302).
(3)
ألفونْس مَنْجَانَا الكلداني: قسٌّ عراقي، وُلد في قرية شَرانش مِن أعمال المُوصل في شَمالي العراق، وبعد أن أنهى دروسَه فيها، نزَح إلى انجلترا، وعمل في مكتبة (رايلند) الشَّهيرة بمخطوطاتها العربيَّة، حتَّى توفِّى سنة (1937 م)، انظر «موسوعة المستشرقين» للبَدوي (ص/468).
لـ «صحيح البخاريِّ»
(1)
، لم يرعِها إخوانه المُستشرقون كبير بالٍ، لعلمهم بهشاشتها.
ليتَلقَّفَها بعدُ بعض رُويبضة العرب -ويا للعجب! - يدلون بها برهانًا على انقطاع الصِّلَةِ بين «صحيحِ البخاريِّ» ومُؤلِّفِه.
ترى أحد هؤلاء بنَبرةِ المَغرورِ يقول: «مِن حَقِّنا أن نُسَائِل هؤلاء الشُّيوخِ حول النُّسخةِ الأصليَّةِ لصحيح البخاريِّ كما خَطَّها الشَّيخ البخاريُّ، فإذا كان لدينا الآن هذا الكتاب الَّذي يُطلَق عليه «الجامع الصَّحيح» .. وهو مَليء بالطَّوامِ الكبرى، والخُرافاتِ الجَسيمةِ، والإساءاتِ البالغةِ للدِّين وللرَّسول .. مِمَّا يجعلنا نَتسائل بحُرقةٍ وبشكٍّ هو أقربِ إلى اليقين: مَن ألَّف صحيح البخاريِّ حَقًّا؟! وهل يُمكننا أن ننسِب كتابًا لشخصٍ ما، وليس هناك أيُّ أثرٍ يَدلُّ على علاقتِه من قريبٍ أو بعيدٍ بهذا الكتاب؟!»
(2)
.
(1)
يوجد منها قطعة محفوظة ضمن مجموعةٍ لهذا المُستشرق، الموجود من هذه النُّسخة اثنتان وخمسون ورقة، تشتمل على كتاب الزَّكاة، ثمَّ كتاب الصَّوم وفيه سقطٌ، ثمَّ الحج، نشر عنها (مانكانا) دراسةً باللُّغة الإنجليزيَّة عام (1936 م) في كامبريدج، ساعدَه في بعضها المُستشرق (مَرجِليوث)، وقد تكفَّل د. أحمد السَّلوم بالرَّد على بعضِ ما فيها من أغاليط، في مقالةٍ له بمُدوَّنتِه الإلكترونيَّة أسماها:«رسالة في الرَّد على شُبه مَنكانا حول صحيح البخاري» بتاريخ 29 ماي 2015 م.
(2)
«صحيح البخاري، نهاية أسطورة» لرشيد أيلال (ص/163، 243).
وهو بتطلُّبه لوثيقة ماديَّة بخطِّ المؤلِّف نفسِه شرطَ إثبات الكتاب له، ماشٍ في ذلك على نفس المهيع المُعوجِّ الَّذي ابتدعه بعض المُستشرقين الجُدد، كالمؤرِّخ الأمريكي توم هولاند في برنامج وثائقي تلفزيوني له شهير بعنوان:(الإسلام الحكاية المخفية).
ومقمِّشُ هذا الهُراء «أسطورة البخاري» مِمَّن ضجَّ النَّاس من كثرة سرقاته فيه، منهم كاتب عراقيٌّ رافضيٌّ يُدعى (ليث العتابي)، ألَّف كتابًا بحالِه فيه أسماه:«السَّرقات الَّتي أصبحت كُتبا» ! أوضح فيه مكامن السَّرقات في كتاب (رشيد أيلال) وكُتب (مصطفى بوهندي) و (الأزرق الأنجري) من مصادرها في كُتب الشِّيعة الرَّافضة، يقول:« .. وكأنَّ بوهندي والأنجري وأيلال تخرَّجوا من مدرسة واحدة في السَّرقة!» كما في حوار له مع يومية النَّهار المغربية، على موقع «ريحانة بريس» ، بتاريخ 23 يوليوز 2019 م.
هذا؛ وتلخيصًا لمِا مَضى مِن مُعارضاتٍ مُتعلِّقةٍ بنسبةِ ما في «الجامع الصَّحيح» إلى البخاريِّ، نختزل تلكمُ الشُّبَه بردِّها إلى أصلين جامعين لها:
أوَّلهما: أنَّ البخاريَّ ترَكَ كتابَه مُسودَّة لم يُبيِّضه.
وثانيهما -وهو مُتفرِّع عن سابقه-: أنَّ عدمَ تبيِيضِ البخاريِّ لكتابِه أدَّى إلى تَصرُّف رواتِه فيه ومُحاولة إتمامه، ما يفسِّر اختلافَ نُسَخ الكتابِ مِن حيث مادَّته وترتيبه.
وتمام نقضها في المباحث التَّالية: