الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
أحمد صبحي منصور
(1)
وكتابه «القرآن وكفى مصدرًا للتَّشريع الإسلامي»
مِن أبرزِ من تعاهدَ حملَ رايةِ منكري حجيَّة السُّنة في العقودِ الثَّلاثةِ الأخيرة، حتَّى أوذي في سبيلِ نشرِ هذا المُعتقد الفاسد -كما يتَبجَّح به- مِن قِبَل السَّاسةِ بتحريضٍ مِن علماءِ الأزهرِ مِرارًا، ممَّا اضطرَّه إلى الخروج مِن بلدِه مصرَ إلى أمريكا، هنالك يُسِّرت له سُبل بثِّ سمومِه الفكريَّة في وسائل الإعلامِ، ثمَّ لمَّها جُلَّها في مُؤلَّفه الأشهرِ:«القرآن وكفى مصدرًا للتَّشريع الإسلاميِّ» .
ولقد بلغ بـ (صبحي) غروره أن يُعلن وراثته لمدرسة (محمَّد عبده) في الاجتهاد الإسلاميِّ بعد أن ذبُلت! بل هو أوفى له من تلميذه (العاقِّ) محمَّد رشيد رضا -كما يسمِّيه-! في جملة لغوٍ يقول فيه: «جئتُ أنا وحيدًا في جامعة الأزهر سنة 1975 م حينما كنت أستاذًا مساعدًا، وبدأت الطَّريق لوحدي أنفضُ عنِّي -ما أسماه عبدُه- أوساخَ الأزهر! .. وأنفجرت في وجهي ومَن سار معي ألغامٌ
(1)
وُلد في مدينة الشرقية بمصر سنة 1949 م، عمل مدرسا بجامعة الأزهر ثم فُصل منها في الثمانينات من القرن الماضي بسبب إنكاره للسنة، وصودرت منشوراته في ذلك، ليستقر بعدها في الولايات المتحدة مقتصرًا على نشر سمومه عبر الشبكة العنكبوتية، وله عدَّة مؤلَّفات منها:«السُّم الهاري في تنقية البخاري» ، و «القرآن وكفى مصدرا للتشريع» ، له ترجمة ذاتية في موقعه الإلكتروني «أهل القرآن» .
كثيرة؛ إلى أن عُبِّد هذا الطَّريق بعد ذلك، وأصبح سهلًا لِمن جاء بعدنا .. حتَّى لم يعُد غير مَقبولٍ اجتماعيًّا أن تُهاجم البخاريَّ»
(1)
.
فلأجل ما للرَّجل مِن أفكارٍ خطيرةٍ تعود على سفينةِ الإسلامِ بالخرمِ، تهافتت عليه خفافيش العَلمانيَّة في الوَطنِ العربيِّ
(2)
، بل ومؤسَّسات التَّنصير في الغَربِ
(3)
، قصدَ تمكينِه مِن نشرِ مَقالاتِه الهدَّامةِ على أوسعِ نطاقٍ فيما تُوفِّره له مِن وسائل إعلاميَّة، وندواتٍ فكريَّة
(4)
.
والرَّجلُ على ما يدَّعيه من انحصار الأحكام في القرآن وحده، لا يَستنكِف أن يُعلنِ الانسجامِ التَّام بين مَذهبِه وبين الاتِّجاه العَلمانيِّ المُناوئ لتنزيل الشَّريعة، فتراه يقول:«إنَّ الفضولَ الصُّحفي والمَعرفيَّ، والسُّؤمَ مِن إعادة اجترارِ مقولاتِ الفكرِ السُّنيِّ، وعجزِه عن مُواكبةِ العصر: أدَّى إلى الالتفاتِ للفكرِ القرآنيِّ، الَّذي يؤكِّد الانسجامَ بين الإسلامِ والدِّيمقراطيةِ، وحقوقِ الإنسان، والحريَّة الدينيَّة، والعلمانيَّةِ المؤمنة .. »
(5)
.
لأجل ذلك نراه يخوض في مَسبَّةِ أهلِ السُّنة كثيرًا، يُشنِّع عليهم ما يراه تقديمًا للمَرويَّات على آيِ القرآن؛ ولأنَّه لا بُدَّ أن يذكُر أمثلةً مِن تلك المَرويَّاتِ المُختلَقةِ، ليُقيم بها الحُجَّة عليهم، رَكزَّ سهامَ طعنِه في البخاريِّ خاصَّة، لمِا يعلمُه مِن توافقهم على تعظيمه.
(1)
من حوار أجراه معه بلال فضل في برنامجه «عصير الكتب» بقناة العربي، بتاريخ 20/ 4/2019 م.
(2)
كمجلة «الحوار المتمدن» العلمانيَّة، وله فيها عدَّة مقالات في نقض التُّراث الإسلامي، كما صار أحد أركان «مركز ابن خلدون» العلمانيِّ في القاهرة.
(3)
منها «قناة الحياة الفضائية» وهي مؤسسة إعلامية تنصيرية ناطقة بالعربية، حيث كان ضيفًا فيها في برنامجا «سؤال جريء» !
(4)
كان أشنعها مؤتمر عُقد في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية في 28 و 30 مارس 2008 م تحت مسمَّى «الاحتفال بالكفر: التفكير الناقد من أجل الإصلاح الإسلامي» !، بمشاركة أمينة ودود التي قامت بإلقاء خطبة وإمامة صلاة الجمعة في داخل كاتدرائية سانت جون في مارس 2005 م في نيويورك!
(5)
مقال: «السمُّ الهاري في تنقية البخاري» ، مجلة الحوار المتمدن الإلكترونية- العدد: 3051 - 2010/ 7/2.
(1)
.
ومِن قبيحِ صفاتِ هذا الرَّجل المُعربة عن قلَّةِ أدبِه مع الأولياءِ بعد أن حشر الخلفاء الرَّاشدين في زمرة المنافقين
(2)
، وجعلِه فتوحاتهم للبلدان ناشرةً للكفر
(3)
-وليس بعد هذا الكفر ذنب! - تَجرُّؤه على وَصمِ البخاريِّ بالكذَّابِ، ووضعِ الحديثِ على النَّبي صلى الله عليه وسلم، بل رميِه بالعَداوة للإسلامِ ورسوله
(4)
!
وقلَّ مَن أعلمه ولغَ في مثل هذه المقذَعة مِن المُعاصرين، بل سوَّغ نبزَ البخاريَّ بكلِّ المستقبحاتِ لمجرَّد أن رأى في «صحيحه» أحاديث عارَضَت فهمَه هو للقرآن؛ وعند نظرنا في دعوى التَّعارض هذه: يظهر اعوجاج فهمه للآية أو الحديثِ، بل لكليهما! والأمثلة مِن كلامِه على هذا كثيرة، من ذلك:
ما أورده في كتابه «القرآن وكفى»
(5)
، في سياقِ طعنِه الجُمليِّ بأحاديث مُباشَرة الحائِض، يزعم أنَّها تُعارض نهيَ القرآن مِن إتيانِها، جهلًا منه بالفرق بين المباشرة دون الفرج -وهذه الواردة في الأحاديث- وبين الإيلاج، مع وضوح هذا الفرقِ في الأحاديثِ نفسِها الَّتي طَعنَ فيها.
(1)
مقال: «السمُّ الهاري في تنقية البخاري» ، مجلة الحوار المتمدن الإلكترونية- العدد: 3051 - 2010/ 7/2.
(2)
صرح بذلك في الحوار التلفزي السَّابق ذكره «عصير الكتب» بقناة العربي، في الدقيقة 41 من المقطع الأوَّل منه، بتاريخ 20/ 4/2019 م.
(3)
في مقال له بعنوان «أثر الفتوحات العربية في نشر الكفر بالإسلام والقرآن» ، منشور في موقع (الحوار المتمدن)، بتاريخ 15/ 2/2016 م.
(4)
انظر كتابه «القرآن وكفى مصدرا للتشريع الإسلامي» (ص/128، 134).
(5)
(ص/84).
فإن كان هذا حاله مع الوحيِ المُبِين -وقد أغبى عنه فهمُه- فهو لكلامِ أئمَّة الحديثِ أعوج فهمًا! نظير زعمِه -في نفسِ مَقالِه الأوَّل هذا في البخاريِّ- أنَّ الذَّهبيَّ «وَصَلَ إلى نتيجةِ: أنَّ علماء هذا الشَّأن لم يَتَّفقوا على توثيق راوٍ أو تضعيفِه» .
وهذه فريةٌ لم يقُلها الذَّهبيُّ قطُّ -وحاشاه- ولكن تابَعَ فيها (صبحي) أستاذَه في التَّحريفِ (أبو ريَّة)!
(1)
إنَّما عبارة الذَّهبي قولُه: « .. ولكنَّ هذا الدِّينَ مُؤيَّدٌ مَحفوظٌ مِن الله تعالى، لم يَجتمع علماؤُه على ضلالةٍ، لا عَمْدًا ولا خطأً، فلا يَجتمِعُ اثنانِ على توثيقِ ضعيفٍ، ولا على تضعيفِ ثقة» !
(2)
.
وأُراني لا أحتاج إلى بيان الفرقِ بين العِبارتين لِمن عنده مسكة فهم.
ومِن ذلك أيضًا: دعواه أنَّ الحاكمَ النَّيسابوريَّ لم يَضع كتابَه «المُستدرك» إلَّا للمُقارنة بين مَرويَّات البخاريِّ ومسلم! .. وحسبُك بهذا أمارةً على تعالُمِه وقلَّةِ دينِه، إن كان له دينٌ؛ وكلّ حديثيٍّ يعلم أنَّما قصد الحاكم بذا استدراكَ أحاديث لم يخرجها الشَّيخان في صحيحيهما مع أنَّها على شرطهما.
فهل يحقُّ لمثل هذا أن يهمِس ببنتِ شفةٍ في حقِّ سُنة النَّبي صلى الله عليه وسلم ومُصنَّفاتها؟! فضلًا عن أن يَتطاول على جهابذةِ المحدِّثين؟! أم يحقُّ لمثله أن يبديَ رأيًا في ما تعلَّق بالإسلام أصلًا؟!
العجيب في الأمر، أنَّ الرَّجل على كثرةِ ما يصدر منه مِن كذباتٍ وتحريفات، أقرُّ له بصدقِ حكمٍ أصدره في مقالته الكَذوبة تلك، يعني بها غيرَه،
(1)
يقول مصطفى السِّباعي في «السنة ومكانتها في التشريع» (ص/268) ردَّا على محمود أبو رية تحريفَه لكلام الذهبي: «الذهبي يريد أن يقول: إن علماء هذا الشأن متثبتون في نقد الرجال، فلم يقع منهم أن اختلفوا في توثيق رجل اشتهر بالضعف، ولا في تضعيف رجل عرف بالتثبت والصدق، وإنما يختلفون فيمن لم يكن مشهورًا بالضعف أو التثبت .. ألا ترى إلى قوله: توثيق (ضَعِيفٍ) وتضعيف (ثِقَةٍ)، ولو كان مراده كما فهم المؤلِّف، لقال: لم يجتمع اثنان على توثيق رَاوٍ ولا على تضعيفه» .
(2)
«الموقظة» (ص/84).
وهو أحقُّ النَّاس بها! أعني بذا قوله: «حين يتَعلَّق الأمرُ بالآخرة، والخلود في الجنَّة، أو الخلود في النَّار، فإنَّ الدِّين عندنا هو (الحائط المائل)، وهو سوقُ الأغراضِ المستعملةِ، الَّتي يتكاثر فيها الحُواة والمُحتالون والأفَّاقون، ويأتي إليه الزَّبائن فيستَسهلون التَّعامل مع الحواة والمُحتالين والأفَّاقين، ويرجعُ كلُّ زبونٍ مُقتنعًا بأنَّه يوم الدِّين سيكون في أعلى علِّيِّين به» !
(1)
.
(1)
انظر أقواله السابقة في مقالته: «السمُّ الهاري في تنقية البخاري» ، مجلة الحوار المتمدن الإلكترونية- العدد: 3051 - 2010/ 7/2.