الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
دفع احتجاج المُخالفين بتقطيعِ البخاريِّ للأحاديث وروايتها بالمعنى على دعوى الخلل المُتوهَّم في كتابِه وضعفِ أمانة صاحبه
الفرع الأوَّل: اختصار المتن وعلاقتُه بتقطيعِ المتن وروايتِه بالمعنى.
اختصار المتنِ: هو حذفُ راوِيه أو ناقلِه شيئًا منه، فيكون بهذا الاعتبار له صورتان عند المُحَدِّثين:
الأولى: حذف بعض المتنِ، والاقتصار على بعضه الآخر بلفظِه.
الثَّانية: حذف بعض المتن، والإتيان ببعضِه الآخر على المعنى دون اللَّفظ.
فعلى هذا، يحصل اختصارُ المتن تارةً بتقطيعِ الحديثِ في الأبواب، بحيث يذكر المصنِّف كلَّ قطعةٍ فصَلَها مِن الحديث في بابٍ مُستقل مِن مُصَنَّفِه؛ وتارةً بروايةِ بعضِه دون كمالِه، بحيث يَقتصر على روايةِ بعضِه، ويحذف بعضَه الآخر من غير أن يذكره في موضعٍ آخرَ من تصنيفِه؛ وتارةً أخرى يكون بحذفِ بعضِ ألفاظِه، والإتيان به على مَعناه بعبارةٍ وجيزةٍ.
وبهذا يتقرَّر: أنَّ العلاقة بين اختصارِ المتن وتقطيعِه علاقةُ عمومٍ وخصوصٍ مُطلق، فإنَّ الاختصارَ أعَمُّ مِن التَّقطيع، فإنَّ كلَّ تقطيعٍ اختصارٌ، وليس كلُّ اختصارٍ تقطيعًا، بل يحصُل بطُرقٍ أخرى غير طريقةِ التَّقطيع، كأن يحُذَف بعضُ المتنِ، ويُجمِل بقيَّتَه على المعنى كما تَقدَّم
(1)
.
(1)
انظر شواهد هذا التَّفصيل من كلام العلماء في «اختصار المتن ومنهج الإمام البخاري فيه» لمحمد الحنبرجي (ص/26 - 27).
كما أنَّ العلاقة بين روايةِ المتنِ بالمَعنى وبين اختصارِه، أيضًا علاقةُ عموم وخصوصٍ وجهيٍّ، إذ يَجتمعان في حديثٍ حُذِف منه بعضُ ألفاظِه، وتُصُرِّف فيه بما يُوافق المعنى؛ وتَنفرِدُ الرِّوايةُ بالمعنى عن الاختصار بحديثٍ حَصَل فيه تَغيِيرٌ في ألفاظِ المتن، دون أن يَستلزم ذلك حذفُ شيءٍ مِن المتن
(1)
.
الفرع الثَّاني: حكمُ الرَّوايةِ بالمعنى واختصارِ المتنِ، وشروط ذلك.
أمَّا الرِّواية بالمعنى - وإن كان الخلافُ فيها ثابتًا بين المُتقدِّمين - فإنَّ جوازها بشروطِها هو مَذهبُ جمهورِ العلماء
(2)
(3)
، وهو المُستَقَرَّ عليه عند عامَّة المُتأخِّرين
(4)
.
والأصلُ وإن كان تأديَة الرَّاوي للحديثِ كما سَمِعه بلفظِه، فهو لا ريبَ أبرَأُ للذِّمة؛ لكن للمَشقَّة فيه رخَّصوا أنْ يُؤدِّيه على معناه، حيث العِبرةُ في نصوصِ السُّنة هو ما تدُلُّ عليه مِن الأحكامِ والشرائعِ، فإنَّ الأداءَ للحديثِ بمعناه عند مَشقَّة الإتيان بلفظِه مُحقِّق للغَرضِ، ما دام المعنى صحيحًا مُوافقًا لدلالةِ أصلِ لفظِه
(5)
.
فلأجلِ ذلك نرى المحدِّثين شَرَطوا على مُؤدِّيه على هذا الوجهِ أن يكون فقيهًا عالِمًا بما تُحيل المعاني، وحرَّموا ذلك على الجاهلِ بمَواقع الخطابِ، ودقائقِ الألفاظ، لئلَاّ يَقعَ في الكذبِ على النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ حتَّى كان مِن صُوَر العِلَل الواردةِ عندهم على الأحاديثِ النَّبويَّة: التَّعليلُ بالخطأِ بسبَبِ الرِّوايةِ بالمعنى
(6)
.
(1)
وإلى هذا التقسيم يشير كلام القاضي عياض السَّبتي في كتابه «إكمال المعلم» (1/ 94).
(2)
انظر «نزهة النَّظر» لابن حجر (ص/119).
(3)
«تدريب الرَّاوي» للسُّيوطي (1/ 533).
(4)
ذكرَ اتِّفاقَهَم الخطيبُ البغداديُّ في «الكِفاية» (ص/200).
(5)
مع اتَّفاقِهم جميعًا على حُرمةِ روايةِ ما تَضمَّنته بطونُ الكُتُب بالمعنى، فليس لأحَدٍ أن يُغيِّر لفظَ شيءٍ مِن كتابٍ مُصَنَّفٍ ويُثبِتَ بَدَلَه فيه، لانتفاءِ المَشقَّة، انظر «مقدمة ابن الصَّلاح» (ص/214)، و «فتح المغيث» للسخاوي (3/ 137).
(6)
انظر أمثلة ذلك في «شرح علل الترمذي» لابن رَجب (1/ 427).
يقول ابن تيميَّة في ما يقعُ في نَقلِ المتونِ بالمعنى أو تفسيرِها مِن غَلطٍ: «إنَّ الله يُقيم له مِن الأمَّة مَن يُبيِّنه، ويذكرُ الدِّليلَ على غلطِ الغالِطِ، وكذبِ الكاذبِ، فإنَّ هذه الأمَّة لا تَجتمع على ضلالةٍ، ولا يَزالُ فيها طائفةٌ ظاهرةٌ على الحقِّ حتَّى تقوم السَّاعةُ، إذْ كانوا آخِرَ الأمَمِ، فلا نبيَّ بعد نَبيِّهم، ولا كتابَ بعد كتابِهم»
(1)
.
هذا؛ وليس ما نراه من تَعَدُّد رواياتِ الحديثِ الواحدِ أصلُه دائمًا مِن النَّقَلة، بل يكون أحيانًا بسببِ تَنوعِّ ألفاظِ النَّبي صلى الله عليه وسلم نفسِه بين الحينِ والآخر؛ فرُبَّ حديثٍ قاله في مَجلسٍ، أعادَه في مجلسٍ أو مناسبةٍ أخرى بلفظٍ آخر، فيَروِي كلُّ صَحابيِّ ما سَمِعَه فيما حَضرَه
(2)
.
ويتَفَرَّع عن هذا المبحثِ من الرِّواية بالمعنى، حكمُ اختصارِ الحديث:
فقد ذهب إلى منعِ الاختصار مُطلقًا أكثرُ مَن مَنَع نَقلَ الحديثِ بالمعنى، وهم بعضُ أهلِ الحديث المُتقدِّمين، تحرُّزًا مِن قطعِ الخبرِ وتَغيِيره، فيُؤدِّي ذلك إلى تغييرِ معَناه دون تفطُّنٍ؛ وهذا اختارَه أبو الحسين البصري (ت 436 هـ) مِن المعتزلة
(3)
.
وعلى خلاف هذا المذهب مَشى سائر المُحدِّثين والأصوليِّين، أي إلى جوازِ الاختصارِ، بل قال النَّووي:«أمَّا تقطيعُ المُصَنِّفين الحديثَ الواحدَ في الأبواب، فهو بالجوازِ أَوْلى، بل يبعُد طَردُ الخلافِ فيه، وقد استمَرَّ عليه عِلمُ الأئمَّةِ الحُفَّاظ الجِلَّة مِن المُحدِّثين وغيرهم مِن أصنافِ العلماء»
(4)
.
(1)
«الجواب الصَّحيح» (3/ 39).
(2)
انظر أمثلةً لذلك في «أسباب تعدُّد الروايات في متون الحديث» لـ د. شرف القُضاة وأمين القضاة (ص/10).
(3)
«المعتمد» لأبي الحسين البصري (2/ 141).
(4)
«شرح النووي على مسلم» (1/ 49).
وهؤلاء الأعلام في مذهبهم هذا لم يُغفلوا تقيِيدَ الاختصارِ للمتونِ وتقطيعِها بشروطٍ تَقي مِن تَغيِير المعنى، هذه الشُّروط منها ما يَتَعلَّق بالرَّاوي المُختَصِر نفسِه، ومنها ما يَتَعلَّق بالحديثِ الَّذي يُراد اختصارُه
(1)
.
فأمَّا عن الواجبِ توفُّره من ذلك في المُخْتَصِر:
فيلزمه العِلمُ بمَدلولاتِ ألفاظِ الحديث، وما يخلُّ حذفُه مِن المتنِ بالمعنى.
وكذا يلزمُه الفقهُ بمعنى المتنِ، وما يدلُّ عليه من أحكام، لكي لا يحذَفَ ما له تَعلُّقٌ بحكمٍ منه، فيقطع الخبرَ عن وجهِه
(2)
.
وفي تقريرِ هذه اللَّوازم للمُختَصِر يقول ابن حبَّان: « .. أنْ يعلَمَ مِن الفقهِ بمقدارِ ما إذا أدَّى خبرًا، أو رواه مِن حفظه، أو اختصره، لم يُحِلْه عن معناه الَّذي أطلَقَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى معنى آخر»
(3)
.
فإذا شَكَّ الرَّاوي في الارتباطِ بين اللفَّظ المُقتصَر عليه وما تَرَكه مِن الحديث، تَعيَّن عليه ذكرُ الحديث بتمامِه، كونه أسلمَ للرِّوايةِ وأحفظ
(4)
.
هذا مع لزومِ انتفاء التُّهمة عن المُختصِر عند اختصارِه للحديث؛ فإِن كان حذفُ الرَّاوي لبعض المتنِ يعرِّضه لتهمةِ الاضطرابِ بالنَّقل -مثلًا- أو الغفلةِ والنِّسيان، فلا ينبغي له حينئذٍ الاختصار، اللَّهم إلَّا مِن إمامٍ حافظِ معروفٍ بالإتقانِ
(5)
.
وأمَّا الشروط الواجب توفُّرها في المتن المرادِ اختصاره:
فهي شروط صحَّةٍ للاختصار ترجع عند من وضعها إلى ارتباطِ اللَّفظ بالمعنى المُراد تبليغُه، فلا يجوز اختصارُ المتنِ إذا كان اللَّفظُ المُراد اختصارُه
(1)
انظر «الكفاية» للخطيب (ص/191 - 193).
(2)
انظر «إكمال المعلم» (1/ 94)، و «نزهة النظر» (ص/97)، و «فتح المغيث» (3/ 139)، و «البحر المحيط» للزركشي (4/ 363).
(3)
«صحيح ابن حبان» (1/ 152).
(4)
انظر «فتح المغيث» (3/ 139).
(5)
انظر «المستصفى» للغزالي (ص/133)، و «مقدمة ابن الصلاح» (ص/216)، و «توجيه النظر» لطاهر الجزائري (2/ 704).
مُتعلِّقًا باللَّفظِ المقتصَر عليه، لأنَّ اختصارَ ما كان هذا حالُه يؤدِّي إلى فَكِّ التَّعلُّق المُفضي إلى الإخلال بالمعنى.
وهذا التَّعلُّق بين اللَّفظِ المتروكِ واللَّفظِ المُثبت في الاختصارِ على ضربين:
إمَّا أن يكون تَّعلُّقًا لفظيًّا: كتَعلُّقِ المُستثنى بالمُستثنَى منه، والشَّرط بمَشروطه، كما قال ابن الحاجب (ت 646 هـ):«حذفُ بعض الخَبِر جائزٌ عند الأكثر، إلَّا في الغايةِ والاستثناءِ ونحوِه»
(1)
.
أو يكون التَّعلُّق مَعنويًّا: كأن تكون إحدى الجُملتين مِن الحديث مُخصِّصةً لعمومِ الأخرى، أو تكون مبيِّنةً لمُقتضى الحالِ الَّذي لأجلِه وَرَد الحكم في الجملةِ الأخرى
(2)
.
وفي تقرير هذا النَّوع من التَّعلق وحكمه، يقول ابن حبَّان البستيُّ:
«كلُّ خطابٍ كان من النَّبي صلى الله عليه وسلم على حسب الحالِ فهو على ضربين:
أحدهما: وجودُ حالةٍ مِن أجلها ذُكر ما ذُكر، لم تُذكر تلك الحالة مع ذلك الخبر.
والثَّاني: أسئلةٌ سُئِل عنها النَّبي صلى الله عليه وسلم، فأجاب عنها بأجوبةٍ، فرُويَت عنه تلك الأجوبة مِن غير تلك الأسئلة، فلا يجوز أن يُحكَم بالخبرِ إذا كان هذا نعتُه في كلِّ الأحوال، دون أن يُضَمَّ مُجمَله إلى مُفسرِّه، ومُختصَره إلى مُتَقصَّاه»
(3)
.
ويدخُل في هذا الضَّربِ مِن التَّعلُّق المَعنويِّ: أن يكون المتنُ مُتعَبَّدًا بلفظِه؛ كأن يكون مِن ألفاظِ الدُّعاءِ المُقيَّدة ببعضِ الأحوال: كالتَّشهد، والأذكار، ونحو ذلك ممَّا هو تَوقِيفِيُّ اللَّفظ، وهذا ما دعا البخاريَّ لأن يُبقِيَ -مثلًا- على متنِ
(1)
«مختصر منتهى السؤل والأمل» لابن الحاجب المالكي (1/ 622 - 624).
(2)
انظر «الكفاية» للخطيب البغدادي (ص/193)، و «المستصفى» للغزالي (1/ 168)، و «فتح المغيث» للسخاوي (3/ 156 - 157).
(3)
«صحيح ابن حبان» (1/ 429).
دعاء النَّوم: «اللَّهم أسلَمْتُ نفسي إليك .. » في عِدَّة مَواضع مِن «صحيحِه» كما هو، دون أن يَتصرَّف فيه بالاختصارِ في مَوضعٍ منها.
(1)
فأمَّا أن يكون المتنُ مُتضَمِّنًا لما يُمكن أن يَستقِلَّ عن باقيه: فلا حَرَج عند المُحدِّثين في فصلِ الجزءِ المُستقلِّ منه بغرضِ مُناسبةِ الأبواب -مثلًا-، قِياسًا منهم على «السُّورةِ مِن القرآن، تُستَلُّ الآية منها للاستدلال بها في البابِ مِن الأبواب، وكذلك ينبغي أن يكون الحديث، إذا صَحَّ وجودُ معنى الاستقلالِ للجزءِ المَقطوعِ منه»
(2)
؛ وعلَّة ذلك: أنَّ المعنى المُحتاج إليه مِن المتنِ إذا أمكنَ تفصيلُه مِن جملةِ الحديثِ دون تَعلُّقٍ بالمحذوف ولا إحالةٍ للمعنى، فإنَّه يقوم بذلك مَقام خَبَرَيْن مُنفصلين
(3)
.
على هذا جَرى عَملُ كثيرٍ مِن الصَّحابة والتَّابعين في استشهادِهم ببعضِ الحديث دون بعضٍ، وهم لا شكَّ قدوةٌ لنا في ذلك، ونحن نرى كُتبَ الأئمَّةِ ومُصَنَّفاتهم مَشحونةً بأبعاضِ الأحاديثِ، يَذكرون كلَّ بعضٍ منها في بابٍ يَخصُّه، ليَستدلُّوا به على ذلك الباب، لاسِيما إذا كان المعنى المُستنبَط مِن تلك القطعة يَدِقُّ، والحديث طويل، فإنَّ إيرادَه والحالة هذه بتمامِه تقتضي مزيدَ تَعبٍ في استخلاصِه، بخلافِ الاقتصارِ على مَحلِّ الاستشهادِ، ففيه يُسر
(4)
.
ويدخل في هذا النَّوع ما كان يفعلُه البخاريُّ كثيرًا ومسلم أحيانًا مِن ذكر طَرَف الحديثِ دون باقيه لأغراضٍ مختلفة: كبيانِ المُتابعات، والتَّنبيه على العِلَل واختلاف الرُّواة، ونحو ذلك مِمَّا ليس هو على وجهِ الاستدلال.
(5)
(1)
أخرجه البخاري في (ك: الوضوء، باب: فضل من بات على وضوء، برقم: 244) وفي (ك: الدعوات، باب: إذا بات طاهرًا، برقم: 5952، وباب: ما يقول إذا نام، برقم: 5954، وباب: النوم على الشق الأيمن، برقم: 5956)، وفي (ك: التوحيد، باب: قول الله تعالى: أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، برقم: 7050).
(2)
«تحرير علوم الحديث» لعبد الله الجديع (1/ 288).
(3)
«الكفاية» للخطيب البغدادي (ص/192).
(4)
انظر «مقدمة ابن الصلاح» (ص/217)، و «إكمال المعلم» لعياض (1/ 94)، و «التقريب والتيسير» للنَّووي (ص/75)، و «فتح المغيث» للسخاوي (3/ 142).
(5)
«مشارق الأنوار» للقاضي عياض (2/ 379).
فبانَ بهذا أنَّ المُرادَ مِمَّا قد يُذكر مِن كونِ التَّقطيع للمتونِ لا يخلو مِن كراهةٍ، ليس معناه الكراهةَ الاصطلاحيَّةَ، وإنمَّا المُراد أنَّ سَوْقَه تامًّا أحسنُ وأَوْلى
(1)
، يقول ابن الأثير (ت 606 هـ):«والأولويَّةُ درجةٌ وراءَ الجواز، وما قَصَد مَن مَنَع الاستعمالَ إلَّا الأحوَطَ والأتقى، والتَّحَرُّزَ عن التَّسامحِ والتَّساهلِ في لفظِ الحديثِ»
(2)
.
الفرع الثَّالث: مَذهب البخاريِّ في اختصارِ المتون وروايتِها بالمعنى.
ما تَقدَّم تقريرُه مِن تجويز عامَّةِ المُحدِّثين لتقطيعِ الحديثِ واختصارِه بشروطِه، هو مَذهب البخاريِّ تَبَعًا؛ كما أنَّ عامَّةَ المتأخِّرين الَّذين اعتنوا بـ «الجامعِ الصَّحيحِ» للبخاريِّ مُتوافقون على أنَّ مذهب البخاريِّ تجويزِ اختصارِ المتون وإن لم يُصرِّح بذلك، نظرًا لصنيعِه في كتابِه ومُقارنةِ ما يرويه بغيره.
وقد شُهِرَ عنه تقطيعُ المتونِ وتَفريقُها في الأبواب، فيَروي -مثلًا- بإسنادِه تحتَ بعضِ التَّراجِم قطعةً مِن الحديث، ويذكر المتنَ في مَوضعٍ بتمامِه، ثمَّ يذكره باختصارٍ مُقتطَعًا منه في مَواضع أخرى بنفسِ الإسناد
(3)
.
وهو في هذا التَّقطيعِ أو الاختصارِ، مُلتزمٌ بالشُّروطِ الَّتي أشرنا إليها قريبًا، فليس يَعمَدُ إلَّا إلى ما لا تَعلُّق له بالمقتصَر عليه تَعلقًّا يُفضي إلى اختلالِ المعنى كُليًّا أو جُزئيًّا
(4)
.
يشرح ابن حجرٍ (ت 852 هـ) السَّببَ في ذلك فيقول: «إنَّ البخاريَّ استنبَطَ فِقهَ كتابِه مِن أحاديثه، فاحتاجَ أن يُقطِّع المتنَ الواحدَ إذا اشتملَ على عِدَّة
(1)
«النكت الوفية» للبقاعي (4/ 64).
(2)
«جامع الأصول» لابن الأثير (1/ 102).
(3)
انظر أمثلة لذلك في «الجمع بين الصحيحين» للحميدي (1/ 89)، وكذا «إكمال المعلم» للقاضي عياض (1/ 94)، و «مقدمة ابن الصلاح» (ص/217)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 84) و (1/ 286).
(4)
«فتح الباري» (1/ 84).
أحكامٍ، ليُورد كلَّ قطعةٍ منه في البابِ الَّذي يَستدلُّ به على ذلك الحكمِ الَّذي استنبَط منه، لأنَّه لو ساقَه في المَواضِع كلِّها برُمَّته، لطالَ الكتاب»
(1)
.
والبخاريُّ قد يكتفي بإخراجِ قطعةٍ مِن الحديث دون أن يَسوقها تامَّةً في أيِّ مَوضعٍ آخر، وروايتُه بهذه الصُّورةِ قد نَبَّه مِن أهلِ الحديثِ إلى وقوعها في «صَحيحِه» ، بحيث يكون المَحذوف مَوقوفًا على الصَّحابي، وفيه شيء قد يُحكَم برفعِه، فيقتصِرُ البخاريُّ على الجملةِ الَّتي يُحكَم لها بالرَّفع على الغالب، ويحذف الباقي، لأنَّه لا تَعلُّق له بأصلِ موضوعِ كتابِه؛ أو يفعلُ ذلك قليلًا لكونِ الحديثِ مَشهورًا بتمامِه، أو لكونِه لم يُرِد إلَّا الاستشهادَ بتلك اللَّفظة، فيقتصر عليها اختصارًا، وهذا قليل جدًّا
(2)
.
هذا بعد التَّنزُّل بأنَّ التقطيع للحديث واختصاره حاصلٌ من البخاريِّ نفسِه! وإلَّا فمِن الباحثين المعاصرين مَن يرى خلاف ذلك، ودَلَّل على أنَّ البخاريَّ إنَّما يورد الأحاديث المُسندة كما سمعها من شيوخِه من وجوهٍ عن الواحد منهم، وأنَّ التَّصرُّف في الرِّواية إنَّما هو ممَّن فوقه لا من البخاريِّ، وإنَّما يضع هو كلَّ روايةٍ بصورتها التي تلقَّاها فيما يراه مناسبًا من الأبواب
(3)
.
الفرع الرَّابع: قِلَّة ما رواه البخاريُّ بالمعنى في «صحيحِه» .
مع ما سَبق تقريره من كون الرِّواية بالمعنى لا حَرَج فيها للمتأهِّل عند الحاجة، فإنَّ البخاريِّ أهلٌ لتوفيَةِ شروط ذلك بحقَّها؛ فإنَّه إمام في الحديث، بارعٌ في اللُّغة، فقيهُ النَّفس، شَهِد له بذا أشياخُه والأمَّةُ مِن بعده، لا يَزالون ينهلون مِن كنوزِ دقائقِ المعاني الَّتي أودَعها تراجمَ كتابِه.
(1)
«النكت على مقدمة ابن الصلاح» لابن حجر (1/ 283).
(2)
انظر «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (2/ 397)، و «هدى الساري» لابن حجر (ص/16 - 17).
(3)
انظر بحثا للدكتور محمد الحَوَري الأردنيِّ بعنوان: رواية الإمام البخاري الحديث مختصرًا- تصرُّف منه أو رواية كما سمع؟ شارك به في المؤتمر الدولي عن صحيح الإمام البخاري، مقاربة تراثيَّة ورؤية معاصرة، بتاريخ 3/ 11/2019 م بإسطنبول.
ومع ذلك فإنَّ ما يرويه البخاريُّ في «صحيحِه» بالمعنى قليلٌ جدًّا! خِلافًا لِما يُهوِّلُ به النَّاقِمون مِن كثرةِ ذلك.
فهذه طُرق الأحاديث الَّتي أخرَجَ البخاريُّ في «صحيحِه» مُتكاثرة خارجَه، فعلى مَن يدَّعي كثرة روايته المتون بالمعنى، أن يُرجِع البَصَر في طُرقِ الحديثِ الواحدِ منها كلِّها، ولينظُر: هل تمايَزَ البخاريُّ بلفظٍ مُغايرٍ لِما عند باقي المُصنِّفين؟ ثمَّ إن رَأَى اختلافًا منه عن سائرِهم، فليُرجِع البَصَرَ كرَّتين بعد ذلك: هل هذا اللَّفظُ المُختلِف مِن تصَرُّف البخاريِّ نفسِه، أو هو مِمَّن فوقَه؟ أو مِمَّن تحتَه مِن النُّساخِ والرُّواةِ عنه؟!
فمَن جدَّ لفِعْلِ ذلك وَجَدَ الفروقَ قليلةً جدًّا، خصوصًا في الأحاديث القصيرة، وهذا شيءٌ نقولُه عن دراسةٍ واستقراءٍ، لا أدَلَّ على ذلك: أنَّا لو جَعلنا المُقارَن برواياتِ البخاريِّ هي روايات «صحيح مسلم» ، باعتبارِ ما قرَّرناه سابقًا من كون مُصنِّفِه مُحافِظًا على ألفاظِ الحديثِ، مُتحرِّزًا فيها -بإقرارِ المُعترِضين على البخاريِّ-.
فلو قارَنَّا بين روايةِ البخاريِّ ورواية مسلمٍ للحديث الواحدِ عن الشَّيخِ واحدٍ
(1)
، سنجد أنَّ المُتَّفقَ عليه بينهما على هذه الصِّفة: واحدٌ وثلاثمائةِ (301) حديثٍ؛ ما لم يَتطابَق فيه لفظُ المتنِ في هذا العددِ، قد جاء على صُوَرٍ مختلفة زيادةً ونقصًا، تقديمًا وتأخيرًا، وإبدالَ كلمةٍ بكلمةٍ، وضبطَها، ونحو ذلك.
فكان مجموعُ هذا مِمَّا ترجِعُ الفروق بينهما فيه إلى الرِّوايةِ بالمعنى يبلغ ثلاثةً وعشرين (23) حديثًا فقط، وهي نسبة ضئيلةٍ إلى مجموع (301) حديثًا، أي قُرابة (7%) فقط
(2)
.
(1)
وقلنا: بشيخ واحد، لأن اختلاف المشايخ بينهما يأتي منه احتمال أن يكون اختلاف ألفاظ ما أخرجاه من حديث مردُّه إلى اختلافهم، فكلُّ حدَّث أحدهما بلفظِه.
(2)
مُستفاد من بحث «الاتفاق والاختلاف في متون ما أخرجه الشيخان من طريق واحد» لـ د. حسن محمد جي، منشور بمجلة جامعة الملك سعود (16/ 2/1045 - 1047).
ومع هذا، فإنَّه لا يُستَطاع الجزمُ بأنَّ التَّصرُّفَ في المتنِ في هذه النِّسبةِ الضَّئيلة، هو مِن قِبَلِ البخاريِّ نفسِه، اللَّهم إلَّا في حديثٍ واحدٍ فقط! يغلب على الظَّنِّ أنَّ البخاريَّ تَصرَّف في متنه وهو: ما أخرجه البخاريُّ مِن حديثِ أبي موسى، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَثل الَّذي يَذكر ربَّه، والَّذي لا يَذكر ربَّه، كمَثل الحيِّ والميِّت»
(1)
.
فقد رواه مسلم مِن الطَّريق نفسِه بلفظِ: «مَثل البَيتِ الَّذي يُذكَر الله فيه، والبيتُ الَّذي لا يُذكَر الله فيه، مَثل الحيِّ والميِّت»
(2)
.
(3)
.
وعامَّةُ ما أشارَ إليه ابن حجرٍ مِن ذلك هو مِمَّا رواه البخاريُّ مُعَلَّقًا في «صحيحِه» .
وأمَّا عمَّا استَدلَّ به (النَّجميُّ) مِن قولِ البخاريِّ: «رُبَّ حديثٍ سمِعتُه بالبَصرة، كتبتُه بالشَّام .. » على أنَّ أحاديث كتابِه مُتصرَّف في لفظِها بالمعنى:
فقد قدَّمنا بأنَّ البُخاريَّ مِمَّن يَرى جوازَ الرِّواية بالمَعنى، ولا حَرجَ عليه في ذلك، مادام هو أهلًا لتحقيقِ شروطِ ذلك؛ لكن ليسَ في مَقولِه ذاك دلالةٌ قَطُّ على أنَّ عامَّة ما رواه كان بالمَعنى! ولا أنَّ ما أودَعه «صحيحَه» هو كذلك؛ كلُّ ما في هذه العبارة، أنَّه كان يَسمعُ الشَّيءَ، ولا يكتبُه حينَها، بحكمِ ظروفِ السَّفَرِ وضيقِ الوقتِ، حتَّى إذا مَرَّ وقتٌ على سَفرِه، ووَجَد مناسبةً له كتَبَه، أو ترجمةً لائقةً وَضَعه فيها.
(1)
أخرجه البخاري في (ك: الدعوات، باب: فضل ذكر الله تعالى، برقم: 6044) من طريق محمَّد بن العلاء، عن حمَّاد بن أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي موسى.
(2)
في (ك: الصلاة، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، رقم: 779).
(3)
«فتح الباري» (11/ 210).
وليست بِضعةُ أيَّامٍ ولا حتَّى بضعُ أسابع، بالظَّرفِ الَّذي يُنسِيه ما سَمِعه البخاريُّ، وهو إمامُ زمانِه في الحفظِ؛ مع ما كان عليه مِن عادةٍ أنَّه لا يَكتُب الشَّيء حتَّى يكونَ انتهَى مِن تَحَفُّظِه! فقد قال:«ما كَتَبتُ حكايةً قطُّ كنتُ أتحفَّظُها»
(1)
؛ فالحديثُ الَّذي سَمِعَه في البَصرة، لم يَكتُبه في الشَّام حتَّى يكون قد انتهى مِن تَحفُّظه فيما بينهما.
وأمَّا سكوتُه عن جوابِ مَن سَأله عن كتابةِ ذلك بكَمالِه: فهو منه نوعُ تورُّعٍ عن الجزمِ، لتَطرُّقِ الاحتمالِ إلى ما سَمِعه أن يكون تصَرَّفَ في لفظِ بعضِه بما يُوافِق المعنى الَّذي سَمِعه.
فلو أجابَ السَّائلَ بـ (نعم)، لم يَكُن بذلك مُوافقًا لِما في نفسِه مِن احتمالِ ضِدِّه! ولو أجاب بـ (لا)، فلَعلَّ قَلِيلي الفَهمِ -كبعضِ أهلِ زمانِنا- أن يُزْروا عليه ذلك، ويَنتَقِصوا مِن ضَبطِه للمتونِ! فاستحبَّ السُّكوت.
وأمَّا ما نَقَله المُعترِض مِن قولِ ابن حَجَرٍ في حديثٍ أخرجَه البخاريُّ: «هذا مِن نوادر ما وَقع في البخاريِّ، أنْ يُخرِج الحديثَ تامَّا بإسنادٍ واحدٍ بلفظين» :
فقد أجابَ محمَّد أبو شَهبة (ت 1403 هـ) عن هذا بقولِه: «هو أبعدُ ما يكون عن الرِّوايةِ بالمعنى، ولم يَسُقه الحافظُ لهذا، وإنَّما ساقَه في مَعرضِ الكلامِ عن حديثِ سحرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ البخاريَّ رواه مرَّةً عن شيخِه إبراهيم بن موسى بلفظ: «حتَّى إذا كان ذاتَ يومٍ أو ذاتَ ليلةٍ» بالشَّك، وفي موضعٍ آخرَ عن هذا الشَّيخ نفسِه بلفظ:«حتَّى إذا كان ذات يوم» مِن غير شكٍّ، وقد ظنَّ الحافظ أوَّلًا أنَّ الشَّك مِن البخاريِّ، ثمَّ ظَهَر له أنَّ الشَّك مِن شيخِ شيخِه عيسى بن يونس .. »
(2)
، وراح أبو شهبة يُدلِّل على ذلك.
وحاصل القول في هذا الباب:
أنَّ هذه التَّصرُّفات مِن البخاريِّ في الاختصارِ والتَّقطيعِ والرِّواية بالمعنى لم يُخالف فيها مذهبَ جماهير المُحدِّثين، وقد تحرَّى الإتقانِ فيما يُبتُّه من متونٍ في
«صحيحِه» ، وبمُقابلَتها بغيرها من المتون المَرويَّة في باقي مُصنَّفات الحديث يظهر مصداق ذلك.
ومَرَدُّ هذا الصَّنيع من البخاريِّ إلى أنَّ مَقصِدَه الأعظم في الجملةِ هو الاستدلالُ بالحديثِ على الأحكام، فإذا ذَكر مِن الحديثِ ما هو دليلٌ على الحكمِ المُرادِ تحقيقُه، فقد حَصَّل الغرضَ الخادِمَ لموضوعِ كتابِه
(1)
، وإن كان لا يلزم أن يحذف ما زاد على موطن الشَّاهد عنده كلَّ مرة.
الفرع الخامس: موافقة مسلم للبخاريِّ في منهج تقطيع الأحاديث واختصارها.
أمَّا تلميذه مسلم؛ وإن كان مشهورًا عنه التَّباعد عن أسلوبِ التَّقطيعِ للمتونِ في «صَحيحِه» ، إذْ يُفضِّلُ سردَ الحديثِ بتمامِه وطُرقِه في مكانٍ واحدٍ، وقد عُدَّ صنيعُه هذا مِن أبرزِ الصِّفاتِ المنهجيَّة الَّتي ميَّزته عن شيخه في التَّأليف، «بحيث إنَّ بعضَ النَّاسِ كان يُفضِّله على صحيحِ محمَّد بن إسماعيل، وذلك لما اختَصَّ به مِن جَمعِ الطُّرُقِ، وجودةِ السِّياقِ، والمحافظةِ على أداءِ الألفاظِ كما هي، مِن غير تقطيعٍ ولا روايةٍ بمَعنى»
(2)
.
فإنَّ صنيعَ مسلمٍ هذا هو في الغالبِ الأعمِّ مِن كتابِه، وليس مُطلقًا؛ وهو مِن جِهةِ التَّنظير موافقٌ لشيخِه في جوازِ ذلك، بشروطِه المُعتبرة عند المُحدِّثين
(3)
؛ فإنَّه صَرَّح في مُقدِّمة «صَحيحِه» أنَّه ربَّما اختَصَر الحديثَ الَّذي يَشتَمِلُ على عِدَّةِ أحكامٍ إنْ أمْكَنه اختصارُ المتنِ، وفَصلُ ذلك المعنى الزَّائد مِن جملةِ الحديث، إذا لم يُخِلَّ ذلك بالمعنى، وأنَّ تفصيلَ ذلك رُبَّما عَسُر عليه مِن جُملَتِه، فإعادة الحديثِ بهيئتِه إذا ضَاقَ ذلك أسلَمُ لديه
(4)
.
(1)
انظر «جامع الأصول» لابن الأثير (1/ 102).
(2)
«تهذيب التهذيب» لابن حجر (10/ 114).
(3)
نصَّ على ذلك القاضي عياض، كما في «شرح صحيح مسلم» للنووي (1/ 49).
(4)
مقدمة «صحيح مسلم» (1/ 4).
فلأجل هذا نرى مسلمًا قليلَ الاختصارِ للمتون، وما اختصَره إمَّا أن يذكُرَه بتمامِه في مَوضعٍ آخر
(1)
، أو لا يذكُره تامًّا أبدًا
(2)
، وهو يُنبِّه على ذلك في الأغلبِ بقوله:«ذَكَر الحديث .. » ، أو «مثل حديثِ فلانٍ» ونحوها مِن العباراتِ، وقد لا يَنُصَّ صراحةً على الاختصار
(3)
.
وفي ختام هذا المبحث: أستطيع أن أُسجِّل هنا بلا ارتيابٍ قناعتي بأنَّ انعدامَ الخِبرة عند هؤلاء المُعترضين المُعاصرين في التَّعاملِ مع التُّراثِ الشَّرعيِّ على وجهِ العموم، وضحالةَ المعرفةِ بطبيعةِ علوم التَّوثيق القديمة، والغفلة عن مناهج المُتقدِّمين في عرضِ المادَّة العلميَّة في مُصنَّفاتهم على وجه الخصوص: هو السَّببُ الرَّئيسُ في مثلِ تلك الإِيراداتِ المتهوِّرة على تصنيفاتِ المُتقدِّمين؛ ناهيكَ إن كان صاحبُ هذا الإيرادِ مِمَّن أُشرب قلبُه حقدًا على السُّنة.
ونحن إذْ نقول هذا، نُدرِك يقينًا أنَّ بعضَ المُتفرِّغين لطرحِ شُبهاتِهم على مَصادرِ أهل الحديثِ لَيَعلمون مِقدارَ السُّخفِ في كثيرٍ ممَّا يَطرحونه، لكنَّهم مُسترسِلون في هذا الطَّرحِ، فإنَّه في ظنِّهم لا بدَّ أن تجِدَ مَحلًّا عند ضِعافِ العقولِ وضِعاف الهُويَّة! والغايةُ تهشيمُ قضايا التَّسليمِ لأصولِ الشَّريعة، والتَّشكيكُ في مَصادر تلقِّيها، لِعلمِهم بأنَّ لكلِّ ساقطةٍ لاقط، والله مِن رواءهم محيط.
(1)
مثاله ما أخرجه في (ك: النكاح، باب: باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه، حتى يأذن أو يترك، برقم: 1413) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يسم المسلم على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبته» ، ثم كرره في (ك: البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه، برقم: 1515)، بلفظ:«لا يسم المسلم على سوم أخيه» .
(2)
انظر مثاله في (ك: الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له، برقم: 307).
(3)
بخلاف ما توحيه عبارة العلاء ابن العطار في «غرر الفوائد المجموعة» (ص/279) من أن «الظَّاهر من مذهب مسلم إيراد الحديث بكامله من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه (مثل حديث فلان) أو نحوه» ، وتبعه عليه طاهر الجزائري في «توجيه النظر» (2/ 706).