الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الأوَّل
طبيعة العلاقة بين الإسناد والمتنِ
إنَّ العلاقةَ بين الإسناد والمتن علاقة تلازمٍ شرطيٍّ، لا تلازم اطِّرادي؛ بمعنى: أنَّه يَلزمُ لوجودِ المَشروطِ وجودُ الشَّرط، ولا يلزمُ مِن وجودِ الشَّرطِ وجودُ المشروطِ ضرورةً؛ فصحَّة السَّند هنا شرطٌ مِن شروط صحَّة الحديث، وصحَّة المتن مَشروط له، وعليه يلزَمُ لصحَّةِ المتنِ صِحَّةُ السَّند، وليست صحَّةِ السَّندِ موجبة لصحَّة المتن
(1)
.
فإذا تقرَّر هذا؛ فإنَّ النَّظر في السَّندِ والمتنِ مَعًا أساسٌ لعمليَّة النَّقد الحديثيِّ عند المتقدِّمين، إذْ لا سبيل إلى الحكمِ بصحَّةِ الحديثِ، إلَّا بعد ثبوتِ شرطِه مِن الإسنادِ، وانتفاءِ المانع من ذلك في المتن؛ وبهذا قد أعطى المحدِّثون رُكْنَي الخبرِ حقَّهما مِن النَّظر، فلا هم نسبوا إلى الرُّواة الوَهَم والخَطأ ونحوَ ذلك لمجرَّدِ كونِ المتنِ يدلُّ على خلاف رأيٍ لهم مبنيٍّ على الظَّن، ولا هم اعتقدوا فيهم العصمةَ عن الخطأ والنِّسيان
(2)
.
وعلى هذا يُخرَّج تَصرُّفهم حِيالَ ما كان صحيحَ الإسنادِ باطلَ المتنِ، فإنَّهم لا يحكمون على السَّندِ وحدَه بِما يظهر مِن صحَّتِه، لمِا فيه مِن إيهامٍ لقَبولِ المتن،
(1)
«الفروسية» (ص/246).
(2)
انظر «توجيه النَّظر» (1/ 207).
ولكنَّهم يقرِنون مع حكمِ الإسنادِ ما يُفيد المنعَ مِن قَبولِ مُقتضاه في المتن في الغالب، كأن يقولوا:«سَنَده صَحيح، والحديث باطل، أو مُنكَر المتنِ» ونحو هذا مِن العِبارات
(1)
،
ولا يَكتفون بقولِ: «إسنادُه صحيح» فقط، نظرًا لما عُهِد مِن منهجِهم أنَّ الإمامَ مِنهم إذا اقتصَرَ على ذلك، دَلَّ غالبًا على أنَّه لم يَطَّلِع على عِلَّةٍ في المتن، فيكون تصحيحًا للحديثِ كلِّه
(2)
.
(1)
وأمثلة هذا في مُمارسات المحدِّثين كثيرة، منها -على سبيل المثال- حديث:«الربا ثلاثة وسبعون بابا، أيسرها أن ينكح الرجل أمَّه .. » ، قال فيه البيهقي في «شعب الإيمان» (7/ 363):«هذا إسناد صحيح، والمتن منكر .. ، ولا أعلمه إلا وهمًا» .
ويقول السَّخاوي في «فتح المغيث» (1/ 121): «أورَدَ الحاكم في مُستدركِه غيرَ حديثٍ يحكم على إسناده بالصِّحة، وعلى المتن بالوَهاء، لعلَّتِه أو شذوذِه، إلى غيرهما [يعني النَّسائي والحاكم] مِن المتقدِّمين، وكذا من المتأخِّرين كالمزِّي، حيث تكرَّر منه الحكم بصلاحيَّة الإسناد ونكارة المتن» .
(2)
انظر «معرفة أنواع علوم الحديث» لابن الصلاح (ص/38)، واختار ابن حجر التمييز بين من يُفرِّق في حكمه بين (إسناد صحيح) و (حديث صحيح)، وبين من يعبِّر بقوله (إسناد صحيح) عن الحديث كليَّةً سندًا ومتنًا، بحسب الاستقراء من حاله، انظر «نُكته على ابن الصلاح» (1/ 118 - 119).