الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السَّادس
منهج أهل السُّنة في التَّعاملِ مع الأحاديثِ المُشكِلَة
مِن كمالِ منهجِ أهلِ السُّنةِ في التَّعامل مع هذه الإشكالاتِ المَعنويَّة على نصوصِ الحديث النَّبوي الشَّريف، أنَّهم أصَّلوا أصولًا ارتكزوا عليها لدفعِ هذه المُتشابهات عنها، وقعَّدوا قواعدَ لدَرْءِ التَّخالفِ بينها، فأبقوا على مَنابعِ الأدلَّةِ السُّنيَّةِ صافيةً غيرَ آسِنة، لا تُكدِّرها دِلاء شُبهةٍ أو اضطرابٍ.
والحِبالُ إذا تَعَقَّدت، قَطَّعها الجاهلُ، وحَلَّها العاقل!
لأجل هذا اجتهدتُ في جمع أهمِّ المَعالم السُّنيَّة الَّتي ينبغي للسَّالك أن يَهتدي بها في طريقِه إلى حَلِّ ما أشكَلَ على فهمِه مِن النُّصوصِ الشَّرعيَّة، وهي على النَّحوِ التَّالي:
المَعلم الأوَّل: الاعتقادُ المَبدئيُّ بعدمِ الاختلافِ بين الأدلَّةِ الشَّرعيةِ نقليِّها وعقليِّها.
إنَّ استصحابَ النَّاقد لأصلِ التَّوافق بين الثَّابت من الحديث، وغيره مِن أدلَّةِ الشَّرع والعقل: أمارةٌ على حُسن تسليمِه للنُّصوصِ الشَّرعيَّة، ونجاتِه من إثمِ ضربِ بعضِها ببعضٍ؛ ولذا يجدُ مَن تَتبَّع أحوالَ هؤلاء الوالغين في الصِّحاحِ باللَّمز والطَّعن، أنَّ «مِنهم خَلقًا كثيرًا في قلوبهم رَيْبٌ في نفسِ الإيمانِ بالرِّسالة! وفيهم مَن في قلبِه ريبٌ في كونِ الرَّسولِ أخبَرَ بهذا»
(1)
.
(1)
«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (6/ 5).
وفي تقريرِ ركنيَّة هذا المَعْلم في النَّظر إلى نصوص الوحي، يقول الشَّاطبيُّ:
(1)
.
المَعلم الثَّاني: الاستِشكالُ لا يَستلزِمُ البُطلان.
ترتيب التَّسارع في الإبطالِ للدَّلائل النَّقليَّة على انقداحِ الاستشكال من أوسع أبواب الباطل الَّتي اقتحمها المُتذمِّرون من السُّنَن، فقد تَبيَّن في ما تقدَّمَ كون مُجرَّد استشكالِ الحديثِ لا يعني بُطلانه بالضَّرورة، تمامًا كما يحصُل أنَّ يستشكل كثير من العقلاء آياتٍ مِن القرآن الكريم، من غير أن يدعوهم ذلك لأنْ يُبطِلوها.
والحقُّ أنَّ الخَلَل في ظنِّ البُطلان، أكثر جدًّا مِن الخَلل في الأحاديثِ الَّتي تقبَّلتها الأئمَّة
(2)
، والمرءُ كثيرًا ما يُؤتى من قِبل رأيه واجتهادِه، فكان اتِّهامُه لفهمِه الواحدِ أوْلى من اتِّهامِ الفهمِ الجَمعيِّ للأمَّة.
وفي نفي هذا التَّلازم بين استشكال النَّص وبُطلانه، يقول ابن تيميَّة (ت 728 هـ):
(3)
.
(1)
«الاعتصام» للشاطبي (ص/822).
(2)
«الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/293).
(3)
(1)
.
وخُذْ على هذا المَعلمِ مثالًا عمليًّا، تجد الجميلَ فيه أنَّه آتٍ من رأسٍ من رؤوس المُعتزلة! أعني به إبراهيم بن سيار النَّظام (ت 231 هـ):
وذلك أنَّه حين بَلَغه -وهو حَدَثٌ صغير- حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشُّرب مِن فمِ القِربة أو السِّقاء»
(2)
، قال النَّظام: إنَّ لهذا الحديثِ لشَأنًا؟! وما في الشُّرب من فم القِربة حتَّى يجيء فيه هذا النَّهي؟! فلما قيل لي: إنَّ رجلًا شرب من فم قربةٍ، فوَكعته حيَّةٌ فمات! وإنَّ الحيَّات والأفاعي تدخلُ في أفواه القِرَب؛ علمتُ أنَّ كلَّ شيءٍ لا أعلمُ تأويلَه مِن الحديث، أنَّ له مذهبًا وإنْ جهلتُه»
(3)
.
المَعلم الثَّالث: العَملُ بمُحكَماتِ النُّصوص، والإيمان بمُتَشابِهها.
وذلك أنَّه يلزم كلَّ مسلمٍ تُجاه نصوصِ الكتابِ والسُّنة الإيمانُ بها مُحكَمِها ومُتشابِهها، والعملُ بما استبانَ له منها، وما اشتَبَه عليه من ذلك وَكَل علم حقيقته إلى الله تعالى، وهذا منصوص أئمَّة السَّلَف بعامَّة
(4)
، مُسترشدين بقولِ الله تعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].
(1)
«الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/236 - 237).
(2)
أخرجه البخاري في (ك: الأشربة، باب: الشرب من فم السقاء، رقم: 5627).
(3)
«جامع بيان العلم وفصله» لابن عبد البر (2/ 1195).
(4)
انظر «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (3/ 7).
فما أخبرَ به الرَّسول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه مِمَّا ثبت به النَّقلُ عنه، وتُلقِّي بالقبول عند أئمَّة هذا الشَّأن، فإنَّ الإيمانَ به واجب، سواء أدركنا معناه واستوعبنا فهمَه أو لم نفعل، لأنَّه الصَّادِق المَعصوم صلى الله عليه وسلم، وأُمَّتَه لا تجتمع على تصديقِ كَذِبٍ عنه
(1)
.
المَعْلم الرَّابع: تحكيمُ أصولِ المُحكمات في فقهِ الأحاديثِ المُشتبِهات.
الواجبُ أن يُجعَل ما أنزله الله تعالى مِن الكتابِ والحكمةِ أصلًا في جميعِ الأمور
(2)
، فحَقُّ المُحكَم أن يُرَدَّ إليه المُشتبِه في بابِه، كما يلزم رَدُّ المحتمِل إلى غير المُحتمِل، والعامِّ إلى الخاصِّ، والشَكِّ إلى اليقين، لقُوَّتها مِن جهة الدَّلالة، استنباطًا من قولِ الله تعالى:{مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7].
قال ابن كثير: «أي: أصلُه الَّذي يرجع إليه عند الاشتباه»
(3)
.
ومَنشأ القول بذلك: أنَّ الأقوى مُقدَّم عند التَّعارض شرعًا وعقلًا، فكان بهذا «المُحكَم أبَدًا أصلًا تُرَدُّ إليه الفروع، والمُتشابه هو الفَرع»
(4)
؛ وعلى هذا الأساس ابتنى السَّلَف نظرتهم في نصوص الوَحي عند الاشتباهِ في معانيها، بأن ردُّوها إلى مُحكماتِ النُّصوص الأخرى في بابِه، توخِّيًا لتفسير تلك المُشكلات.
(5)
.
(1)
انظر هذا المعنى في «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (3/ 41).
(2)
انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (17/ 306).
(3)
«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (2/ 6 - 7).
(4)
«جامع أحكام القرآن» للقرطبي (4/ 10).
(5)
«إعلام الموقعين» لابن القيم (2/ 210).
إنَّ المُوازنةَ الصَّحيحةَ في الإشكالات، تقتضي التَّمييزَ بين الأصلِ والإشكالِ أوَّلًا، «فإنْ وَرَد عليه إشكالٌ جزئيٌّ على أصلٍ كليٍّ مُتقرِّر لديه، فمِن العقل أن لا يهدم الأصلَ لوجودِ إشكالٍ عارضٍ عليه .. بل عليه أنْ يحفظَ الأصلَ كما هو، ويُبقي هذا الإشكالَ شُبهةً يَبحثُ عن حَلِّها؛ فإنَّه منَ نَظَر إلى بناءٍ شاهقٍ مُتماسك، فوَجَد فيه خُدوشًا ما، أو رُسوماتٍ لم يفهم الحاجةَ منها، فليس مِن العقلِ أن يُلغِيَ البناءَ كلَّه، نظرًا لوجود هذه المَلحوظات الجزئيَّة!»
(1)
بل يجعلُ هذه ضمنَ حِكمةٍ مِعماريَّةٍ جماليَّةٍ ما، وإن كان هو يجهلُها.
فمِن أمثلةِ ما ادُّعي فيه الفَساد مِن المُحكمات، بدعوى الإبقاءِ على شمول مَعنى المُشتبِه:
ما تراه -مثلًا- مِن ردِّ القاضي عبد الجبَّار (ت 415 هـ) لمعنى «الزِّيادة» في قولِه تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، بقولِه:«ربَّما تَعلَّق به مَن يقول بجوازِ الرُّؤيةِ على الله، ويروي فيه ما يُقوِّي تأويلَه، وليس للآيةِ ظاهرٌ، لأنَّه لم يَذكُر تلك الزِّيادة! فمِن أين أنَّ المُراد ما قالوه؟! .. »
(2)
.
فالسَّببُ الأبرز الَّذي دَعا القاضي قولَ هذه البائقة: اعتبارُه العقلَ المُجرَّد مِعيارًا أوَّليًّا للتَّمييز بين ما هو مُحكَمٌ ومُتشابِه، لا الشَّرعَ نفسَه؛ وهنا مَكمَنُ الخَللِ، ولذا تراه يقول بصريحِ العبارة:«يجبُ أن يُرتَّب المُحكَم والمُتشابه جميعًا على أدلَّةِ العقول»
(3)
.
المَعلم الخامس: التَّفتيش في الإسنادِ عن مُوجِب الخَلَل عند الرُّكون إلى فسادِ المتن.
ما استشكَل المسلمُ معناه مِن الأحاديث الصَّحيحة، أو ظَنَّه مُعارضًا لأصلٍ آخر، فإنَّه لا يجوز له رَدُّه حتَّى يستيقن فسادَه، وكمالُ ذلك أن يجدَ في نَقَلتِه مَن
(1)
مقال بعنوان: «سيد الضمانات الفكرية» لـ د. فهد العجلان، مجلة البيان العدد 313 رمضان 1434 هـ. بتصرف يسير.
(2)
«متشابه القرآن» للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص/361).
(3)
«متشابه القرآن» للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص/7 - 8).
يُحمِّله تَبِعتَه، كما كان يصنع نقَّاد الحديث، فإنَّهم رَدُّوا أحاديث بمُخالفةِ الأصولِ، وبَيَّنوا أنَّ الغلَطَ وقَعَ فيها مِن بعضِ نَقَلتِها، وبيَّنوا وَجهَ ذلك.
(1)
(2)
.
وبتقرير هذا المَعلمِ ينجلي فرقٌ آخر فاصلٌ بين منهج المتقدِّمين مِن أهل السُّنة، وكثيرٍ من المعاصرين في نقدِهم للأحاديث:
وهو أنَّ المُحدِّثين إذا رَأوا حديثًا بيِّنَ الفسادِ مِن جِهة معناه، لم يُبادروا إلى رَدِّه دون بيان خَللٍ في إسنادِه، ليكون مَردُّ الانتقادِ عندهم -في الغالبِ الأعمِّ- إلى خَللٍ في طريقةِ تحمُّلِه أو رِوايتِه؛ بينما لا يَرقى هذا الإسنادُ عند المُعاصرينَ إلى تلك الأهمِّية، ومِن ثَمَّ سَهُل عليهم الاقتصارُ على الطَّعنِ في الأحاديثِ مِن جِهة متونِها فقط.
المَعْلم السَّادس: التَّمَهُّل في ردِّ الحديث، ولو بعد العَجزِ عن استيضاحِه.
قد تقدَّم التَّنبيه على أنَّ الاستعجالَ في ردِّ الأحاديثِ النَّبوية الصَّحيحة من جِهة أسانيدِها، لمُجرَّد الاستشكالِ العارض للذِّهن: مِن أعظمِ آفاتِ المنهج النَّقدي عند المُعاصرين، وخِفَّة عقولِ كثيرٍ منهم.
(1)
«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (2/ 1080).
(2)
مقدمة تحقيق المعلمي لـ «الفوائد المجموعة» للشوكاني (ص/8).
والمُشاهد مِن جِهة الواقعِ لِمن سَبَر أغوارَ النَّفسِ البشريَّة، وتكشَّفت له آفاتها عند الفِتَن بخاصَّة: أنَّ المُحرِّك الحقيقيَّ لهذا التَّحوُّل الخطير مِن مُجرَّد الاستشكالِ إلى ردِّ الأخبار: ليس الاستشكالَ في حدِّ ذاته، ولكن الحالة المزاجيَّة الَّتي تلبَّست بالمُستشكلِ عند استشكالِه، وما انطوت عليه من نوعِ تريُّبٍ ونُفرةٍ سابقةٍ من أحكامِ بعض النُّصوص الشَّرعيَّة.
فلذلك حُقَّ لخُلُق (الأناةِ) أن يكون سيِّدَ الضَّماناتِ الفِكريَّة
(1)
، قد تجلَّت أنوارُه في بديع نُصح ابنِ مسعود رضي الله عنه في قوله:«إنَّها ستكون هَناتٌ، وأمور مُشَبَّهات، فعليك بالتُّؤدةٍ، فتكون تابعًا في الخير، خيرٌ مِن أن تكون رأسًا في الشَّر»
(2)
.
وأهل السُّنة إذ يَدعون إلى ضرورة التروِّي عند استشكال نصوص الشَّرع، فإنَّهم لا ينفون جواز المَحارةِ في الأفهام لما دلَّت عليه بعضِ الأخبار النَّبويَّة، وإنَّما الَّذي يَأْبَوْنه: ترتيب التَّسارع في الإبطالِ لتلك الدَّلائل النَّقليَّة على مجرِّد انقداحِ الاستشكال -كما تقدَّم تقريره آنفًا-.
والعاقل إذا تَكلَّست قريحته عن دركِ حقيقة النَّص، واستصعَبَ عليه التَّنقيب عن جوابِ إشكالِه، لاذَ بمَن فوقه عِلمًا وفَهمًا، فرَدَّ المُشكِل منه إلى أهلِه، حتَّى يتَّضح له المنهج، ويتَّسِع له المَخرج، مُتأوِّلًا في ذلك قولَ ربِّه جل جلاله:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وقولَه تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، فَرَقًا من أن يدخل في قوله تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39].
يقول المعلِّمي: «عَلى المؤمن إذا أشكلَ عليه حديثٌ قد صَحَّحه الأئمَّة، ولم تُطاوعه نفسُه على حملِ الخطأ على رأيِه ونظرِه: أن يعلَمَ أنَّه إن لم يكُن
(1)
مقال بعنوان: «سيد الضمانات الفكرية» لفهد العجلان، مجلة البيان العدد 313 رمضان 1434 هـ بتصرف.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/ 456).
الخلَل في رأيِه ونظرِه وفهمِه، فهو في الرِّواية! وليفزَعْ إلى مَن يثق بدينِه وعلمِه وتقواه، مع الابتهال إلى الله عز وجل فإنَّه وليُّ التَّوفيق»
(1)
.
وصدَقَ -نوَّر الله مرقَدَه-، فإنَّ الواحد مِنَّا «قد يكون مِن أذكياءِ النَّاس، وأحدِّهم نظرًا، ويُعمِيه عن أظهر الأشياء، وقد يكون مِن أبْلَدِ النَّاس، وأضعفِهم نظرًا، ويهديه لمِا اختُلف فيه مِن الحقِّ بإذنه، فلا حول ولا قوَّة إلَّا به.
فمَن اتَّكل على نَظَرِه واستدلالِه، أو عقِله ومَعرفتِه: خُذِل»
(2)
، ومَن تبَرَّأ من الاتِّكالِ على حولِه وفهمِه، إلى حولِ الله وهدايتِه: هُدي؛ فهو الرُّكن الشَّديد، ومَفزعُ الأئمَّة في المُلمَّات العِلميَّة والعَمليَّة.
ولله درُّ ابن تيميَّة إذ يترجِم هذا المعنى في سيرتِه، فيقول:«إنَّه ليَقِف خاطِري في المسألة والشَّيءِ، أو الحالةِ الَّتي تُشكل عليَّ، فأستغفرُ الله تعالى ألف مرَّة، أو أكثرَ أو أقلَّ، حتَّى ينشرح الصَّدرُ، وينحلَّ إشكال ما أشكل، وأكون إذ ذَّاك في السُّوق، أو المسجدِ، أو الدَّرب، أو المدرسة، لا يمنعني ذلك من الذِّكر والاستغفار، إلى أن أنال مَطلوبي .. »
(3)
.
فعلى مثل هذا الحال من الافتقار المَعرفيِّ إلى تعليم الله وهدايته، ينبغي أن يكون المؤمن المُستشكل، ولو استطالَ به الزَّمَن، واستكثَرَ ما بَذَله مِن جهدٍ ووقتٍ في تفهُّمِ سُنَّة نبيِّه، فإنَّه «لا يستعمِل في ذلك الظُّنون الَّتي حرَّم الله تعالى عليه استعمالها في غيره، وإذا كان استعمالها في غيرِه حرامًا، كان استعمالها فيه أحرَم»
(4)
(5)
،
(1)
«الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/237).
(2)
«درء تعارض العقل والنقل» (9/ 34).
(3)
«الانتصار» لابن عبد الهادي المقدسي (ص/68).
(4)
«شرح مشكل الآثار» لأبي جعفر الطحاوي (6/ 338).
(5)
«الاعتصام» للشاطبي (ص/822).
وتلمَّس تجليَّات هذا المَسلك العزيز في مثل موقف السِّندي من حديث لطم موسى لملَك الموت، حيث قال في حاشيته على «سنن النسائي» (4/ 120):« .. والأقربُ أنَّ الحديث مِن المشتبهات، الَّتي يُفوَّض أمرها إلى الله تعالى» ، وهذا المخرج وإن لم يَكُن هو التَّأويل الصَّحيح للحديث، ولكنَّه خيرٌ من عَجَلة المُنكرينِ.
(1)
«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة الدينوري (ص/61).