المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادسمنهج أهل السنة في التعامل مع الأحاديث المشكلة - المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين - جـ ١

[محمد بن فريد زريوح]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌خُطَّة البحث

- ‌نَفْحاتُ شُكرٍ

- ‌تمهيد

- ‌المَبحث الأوَّلمفهوم مُفرَدات العنوان المُحدِّدَة لنطاقاتِ البحث

- ‌المبحث الثَّانيإشكاليَّة الاستشكالِ المُعاصِر للأحاديثِ النَّبويَّة

- ‌المطلب الأوَّلمفهوم الاستشكال والاشتباه لمعاني النُّصوص الشَّرعيَّة

- ‌المطلب الثَّانيمكانةُ علمِ مُشكلِ النُّصوصِ في الشَّريعة

- ‌المطلب الثَّالثحالُ السَّلف مع مُشكلاتِ النُّصوص الشَّرعيَّة

- ‌المَطلب الرَّابعنِسبيَّة الاستشكالِ للنُّصوص الشَّرعيَّة

- ‌المطلب الخامسأسباب استشكالِ الأحاديثِ النَّبويَّة

- ‌المطلب السَّادسمنهج أهل السُّنة في التَّعاملِ مع الأحاديثِ المُشكِلَة

- ‌المطلب السَّابعالحكمة مِن وجودِ المُشكلِ في النُّصوصِ الشَّرعيةِ

- ‌المَبحث الثَّالثالأصلُ العقليُّ الجامع لمُخالفي أهلِ السُّنة في ردِّهم للدَّلائل النَّقليَّة

- ‌المطلب الأوَّلبدايات الزَّحف المُتمعقِل على ساحة المَعارف الشَّرعيَّة

- ‌المطلب الثَّانيإمامةُ المُعتزلةِ في تبنِّي النَّظرةِ التَّصادُميَّة بين نصوصِ الوحيِ والعقل

- ‌المطلب الثَّالثمَوقف المُعتزلة مِن الأحاديثِ النَّبويَّة بخاصَّةٍ

- ‌المطلب الرَّابعتأثير الفكرِ الاعتزاليِّ في الفِرق الكلاميَّة

- ‌المَطلب الخامسأثَر الفكرِ الاعتزاليِّ في المَدارسِ العَقلانيَّةِ المُعاصرةِ

- ‌المَطلب السَّادسالأصل العَقليُّ النَّاظِم لمُخالِفي أهلِ السُّنةِفي ردِّ الأحاديث النَّبويَّة

- ‌الباب الأول أشهرُ الفِرَق المُعاصِرة الطَّاعِنة في أحاديثِ «الصَّحيحين» ونقدُ أصولِها وأبرزِ كِتاباتِها في ذلك

- ‌الفصل الأولالشِّيعة الإماميَّة وموقفهم من «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الأوَّلالمَسار التَّاريخي لنقد الإماميَّة لمُدوَّنات الحديث عند أهل السُّنة

- ‌المَطلب الأوَّلمراحل الإماميَّة في ردِّها لصِحاح أهل السُّنة

- ‌المَطلب الثَّانيتباين أغراض الإماميَّة من دراسة «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الثَّانيمَوقف الإماميَّة مِن الشَّيخين

- ‌المَبحث الثَّالثرَميُ الشَّيْخَين بالنَّصبِ(1)، ونقض حُجَجِهم في ذلك

- ‌المبحث الرابعكشف دعاوي الإماميَّة في تُهمتهم للشَّيخين بالنَّصب

- ‌المَطلب الأوَّلمَوقِف الشَّيخينِ مِن أهلِ البيتِ وذكرِ مَناقِبهم

- ‌المَطلب الثَّانيدحض دعوى نبذ الشَّيخين لذكر فضائل الآلِ غمطًا لحقِّهم

- ‌المَطلب الثَّالثدفع دعوى الإماميَّةِ كتمَ البخاريّ لمناقب عليِّ عليه السلام بالاختصار

- ‌المَطلب الرَّابعدفع دعوى حذف البخاريِّ لمِا فيه مَثلبةٌ للفاروق رضي الله عنه بالاختصار

- ‌المَطلب الخامسدفع دعوى تحايُدِ البخاريِّ عن الرواية عن أهل البيت

- ‌المَطلب السَّادسدفعُ تُهمةِ النَّصبِ عن البخاريِّ لإخراجِه عن رُواةِ النَّواصِب

- ‌المَبحث الخامسأبرز نماذج إماميَّة مُعاصرة تصدَّت لنقدِ «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الأوَّلشيخ الشَّريعة الأصبهاني (ت 1339 هـ)وكتابه «القول الصُّراح في البخاريِّ وصَحيحه الجامع»

- ‌المَطلب الثَّانيمحمَّد جواد خليلوكتاباه «كشف المُتواري في صحيح البخاري»و «صحيح مسلم تحت المجهر»

- ‌المَطلب الثَّالثمحمَّد صادق النَّجميوكتابه «أضواء على الصَّحيحين»

- ‌الفصل الثانيالقرآنيُّون منكرو السُّنة وموقفهم من «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الأوَّلتاريخ إنكار السُّنة

- ‌المَبحث الثَّانيعَودُ مذهب إنكارِ السُّنة مِن الهند

- ‌المَبحث الثَّالثتجدُّد دعوى إنكارِ السُّنة في مصر

- ‌المَبحث الرَّابعالأصول الَّتي قام عليها مذهب إنكارِ السُّنة

- ‌المَبحث الخامسأبرز القرآنيين الَّذين توجَّهوا إلى «الصَّحيحين» بالنَّقد

- ‌المَطلب الأوَّلمحمود أبو ريَّة(1)وكتابه «أضواء على السُّنة المحمَّدية»

- ‌المَطلب الثَّانيأحمد صبحي منصور(1)وكتابه «القرآن وكفى مصدرًا للتَّشريع الإسلامي»

- ‌المَطلب الثالثصالح أبو بكر(1)، وكتابه: «الأضواء القرآنيَّة لاكتساح الأحاديث الإسرائيليَّة وتطهير البخاريِّ منها»

- ‌المَطلب الرَّابعنيازي عزُّ الدِّين(1)وكتابه «دين السُّلطان، البرهان»

- ‌المَطلب الخامسابن قرناس(1)وكتابه «الحديث والقرآن»

- ‌المَطلب السادسسامر إِسلامْبُولي(1)وكتابه «تحرير العقل من النَّقل:دراسة نقديَّة لمجموعة من أحاديث البخاريِّ ومسلم»

- ‌الفصل الثالثالتَّيار العَلمانيُّ ومَوقفه مِن «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الأوَّلتعريف العَلمانيَّة

- ‌المَبحث الثَّانينشأة العَلمانيَّة، ومُسوِّغات ظهورها عند الغَرب

- ‌المَبحث الثَّالثتَمَدُّد العَلمانيَّة إلى العالَم الإسلاميِّ وأسبابُه

- ‌المَبحث الرَّابعمُستوَيَات العَلمانيَّة

- ‌المَبحث الخامسالطَّريقة الإجماليَّة للعَلمانيِّة لنقضِ التُّراث الإسلاميِّ وغايتُها مِن ذلك

- ‌المَبحث السَّادسانصراف العَلمانيَّة إلى استهداف السُّنَن

- ‌المَبحث السَّابعمركزيَّة «التَّاريخيَّةِ» في مشروعِ العَلمانيِّين لإقصاءِ السُّنةِ النَّبويةِ

- ‌المَبحث الثَّامنموقف العَلمانيِّين العَرب مِن «الصَّحِيحين»وأثرُ ذلك على السَّاحة الفكريَّة

- ‌المَبحث التَّاسعسبب اختيارِ العَلمانيِّين لمُعاركةِ «الصَّحيحين» خاصَّة

- ‌المَبحث العاشرأبرزُ العَلمانيين الَّذين توَّجهوا إلى «الصَّحيحين» بالنَّقد

- ‌المَطلب الأوَّلمحمَّد شحرور(1)وكتابه «الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة»

- ‌المَطلب الثَّانيزكريَّا أوزونوكتابه «جناية البخاري: إنقاذ الدِّين من إمام المحدِّثين»

- ‌المطلب الثَّالثجمال البَنَّا (ت 1434 هـ)(1)وكتابه «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث الَّتي لا تلزم»

- ‌الفصل الرابعموقف الاتِّجاه العَقلانيِّ الإسلامي مِن «الصَّحيحين»

- ‌المَبحث الأوَّلبدء نشوء الاتِّجاه العقلانيِّ الإسلاميِّ المُعاصر

- ‌المَبحث الثَّانيأبرز شخصيَّات المدرسةِ العقليَّةِ الإسلاميَّةِ الحديثةِ

- ‌المَبحث الثَّالثتأثُّر المدرسة العَقلانيَّة الإصلاحيَّة بالفكرِ الاعتزاليِّفي نظرتها إلى النُّصوص

- ‌المَبحث الرَّابعمُدافعة أهلِ العلمِ والفكرِ لمَدِّ أفكارِ المدرسة العقلانيَّة المعاصرة

- ‌المَبحث الخامسمَوقف التَّيار العقلانيِّ الإسلاميِّ مِن «الصَّحيحين» عمومًا

- ‌المَبحث السَّادسأبرز رجالات التَّيار الإسلامي العقلانيِّ مِمَّن توجَّه إلى أحاديث «الصَّحيحين» بالنَّقد

- ‌المَطلب الأوَّلمحمَّد رشيد رضا (ت 1354 هـ)(1)، وموقفه مِن «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الثَّانيمحمَّد الغزالي (ت 1416 هـ)(1)وكتابه «السُّنة النَّبويَّة بين أهل الفقه وأهل الحديث»

- ‌المَطلب الثَّالثإسماعيل الكردي(1)وكتابه: «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث»

- ‌المَطلب الرَّابعجواد عفانةوكتابه «صحيح البخاري، مخرَّج الأحاديث محقَّق المعاني»

- ‌الباب الثاني: المُسوِّغات العلمية المُتوَهَّمة عند المُعاصِرين للطَّعنِ في أحاديث الصَّحيحَيْن

- ‌الفصل الأوَّلدعوى الخَلل في تَصنيفِ «الصَّحيحين» والتَّشكيك في صحَّة تَناقُلِهما

- ‌المَبحث الأوَّلأصل شُبهة المُعترضين على جدوى تدوين السَّلف للسُّنة

- ‌المَبحث الثَّانيطريقة تصنيف «الجامع الصَّحيح» فرعٌ عن مقصدِ تأليفِه

- ‌المَبحث الثَّالثالباعث للبخاريِّ إلى تقطيعِ الأحاديث وتَكريرِها في «صحيحه»

- ‌المَبحث الرَّابعمُميِّزات «صحيح مسلم» وأثر منهج البخاريِّ عليه في التَّصنيف

- ‌المَبحث الخامسالتَّشكيك في نسبة «الجامع الصَّحيح» بصورته الحاليَّة إلى البخاري

- ‌المَطلب الأوَّلدعوى ترك البخاريِّ كتابَه مُسودَّة وتصرف غيره فيه

- ‌المَطلب الثَّانيدعوى أنَّ اختلاف رواياتِ «الصَّحيح» أمارة على وقوع العبثِ بأصله

- ‌المَطلب الثَّالثأوَّليَّة المستشرقين إلى مقالة الإقحام والتَّصرُّف في أصل البخاريِّ

- ‌المَطلب الرَّابعدعوى الانكارِ لما بأيدينا مِن نُسَخِ «الصَّحيح» إلى البخاريِّ

- ‌المبحث السَّادسدفع دعاوى التَّشكيك في نسبة «الجامع الصَّحيح» بصورته الحاليَّة إلى البخاري

- ‌المَطلب الأوَّلنقضُ شبهةِ عدمِ تَبْيِيض البخاريِّ لكتابه

- ‌المَطلب الثَّانيمَنشأ الاختلافاتِ في نُسَخ «الجامع الصَّحيح»

- ‌المطلب الثَّالثإضافاتُ الرُّواة إلى نُسَخِهم من «الصَّحيح»يُميِّزها العلماء بعلامات مُصطَلَحٍ عليها

- ‌المَطلب الرَّابعالجواب عن دعوى المُستشرق إقحام أثر عمرو بن ميمونفي «صحيح البخاريِّ» لنَكارة متنِه

- ‌المَطلب الخامسالجواب عن شُبهة التَّصرُّف في رواية ابن عمرو:«إنَّ آلَ أبي ( .. ) ليسوا لي بأولياء»

- ‌المَطلب السَّادسالجواب عن مُطالبة المُعترضِ بالنُّسخة الأصليَّة لـ «صحيح البخاريِّ» شرطًا لتصحيح نسبتهِ إلى مُصنِّفه

- ‌المَبحث السَّابعدعوى اختلالِ المتونِ في «صحيح البخاريِّ» لروايتِها بالمعنى وتَقطيعِها

- ‌المَطلب الأوَّلاحتجاج المُخالفين بتقطيعِ البخاريِّ للأحاديث وروايتها بالمعنى على انتفاء مصداقيَّة كتابِه وضعفِ أمانتِه

- ‌المَطلب الثَّانيدفع احتجاج المُخالفين بتقطيعِ البخاريِّ للأحاديث وروايتها بالمعنى على دعوى الخلل المُتوهَّم في كتابِه وضعفِ أمانة صاحبه

- ‌الفصل الثَّانيدعوى ظنيَّة آحاد «الصَّحيحين» مطلقًا

- ‌المَبحث الأوَّلمأزِق بعض المُتكلِّمين في تصنيف الآحاد من حيث مرتبةُ التَّصديق

- ‌المَبحث الثَّانيدفع دعوى ظنِّية الآحاد عن أحاديث «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الأوَّلالاختلاف في ما يفيدُه خبرُ الواحدِ على ثلاثةِ أطرافٍ والصَّواب في ذلك

- ‌المَطلب الثَّانياحتفاف القرائن المفيدة للعلم بجمهور أحاديث «الصَّحيحين»

- ‌المَطلب الثَّالثتَلقِّي الأُمَّة لأحاديث الصَّحيحين بالقَبول قرينةٌ تفيد العلم

- ‌المَبحث الثَّالثالاعتراضاتُ على تقريرِ ابنِ الصَّلاحمَفاد أحاديثِ «الصَّحيحين» للعلمِ

- ‌المَطلب الأوَّلالاعتراض على صحَّة التَّلقِّي مِن الأمَّةلأحاديث «الصَّحيحين» والجواب عنه

- ‌المطلب الثَّانيالاعتراضُ على الاحتجاجِ بالتَّلقِّي مِن جِهة وجهِ الاستدلال والجواب عن ذلك

- ‌الفصل الثَّالثدعوى إغفال البخاريِّ ومسلم لنقد المتون

- ‌المَبحث الأوَّلمقالات المُعاصرين في دعوى إغفال الشَّيخين لنقد المتون

- ‌المَبحث الثَّانيدعاوي تسبُّب منهج المُحدِّثين في تَسرُّب المُنكرات إلى كتب التُّراث قديمة

- ‌المَبحث الثَّالثأَثَر الأطروحاتِ الاستشراقيَّة في استخفاف المعاصرين بمنهج المُحدِّثين

- ‌المَبحث الرَّابعالمُراد بـ «نقد المتن» عند عامَّة المعاصرين النَّاقدين «للصَّحيحين»

- ‌المَبحث الخامسدَوْرُ بعض كبارِ كُتَّابِ العَربيَّةِفي تَفَشِّي تُهمة إغفال المحدِّثين لنقد المتون

- ‌المَبحث السَّادسمركزيَّة مقالات (رشيد رضا)في انتشارِ الشُبهة في الطَّبقات اللَّاحقة من المُثقَّفين

- ‌المَبحث السَّابعمحاولة استبدال المنهج النَّقدي للمُحدِّثين بمنهجِ النَّقد الداخليِّ الغربيِّ

- ‌المَبحث الثَّامنباعث انكبابِ المُستشرقينَ على قضيَّة نقد المتونِ

- ‌المَبحث التَّاسعخطأ تطبيق «النَّقدِ الدَّاخليِّ» لمنهج الغربيِّ على تاريخِ السُّنة

- ‌المَبحث العاشرتسرُّب النَّظرة الاستشراقيَّة إلى دراساتِ الإسلاميِّين لتُراثِ المُحدِّثين

- ‌المَبحث الحادي عشرلزوم النَّظر الإسناديِّ في عمليَّة النَّقدِ الحديثيِّ

- ‌المَطلب الأوَّلمنشأ فكرة الإسناد للأخبار الشَّرعيَّة

- ‌المَطلب الثَّانيمَدار النَّقدِ عند المُحدِّثين على المقارنةِ بين الأخبار

- ‌المَبحث الثَّاني عشرعدم قَبول المحدِّثين لأخبارِ الثِّقات بإطلاق

- ‌المَبحث الثَّالث عشرشرطُ سَلامةِ المتن مِن القَوادِح لتمامِ النَّقدِ الحديثيِّ

- ‌المَطلب الأوَّلطبيعة العلاقة بين الإسناد والمتنِ

- ‌المَطلب الثَّانيتعليلُ المحدِّثين للخَبرِ إذا عارَضه ما هو أقوى

- ‌المَطلب الثَّالثالاكتفاء بتعليل الإسنادِ عادة المُحدِّثين إذا استنكروا المتنَ

- ‌المَبحث الرَّابع عشرنماذج من نقدِ البخاريِّ ومسلم للمتون

- ‌المَطلب الأوَّلتعليلُ الشَّيخينِ لأحاديثَ رُوِيَت عن الصَّحابةبالنَّظر إلى مخالفة مُتونِها لما هو مَعروفٌ مِن رِواياتِهم

- ‌المَطلب الثَّانيتعليلُ الشَّيخين لأحاديث تناقض متونهاالمعروفَ مِن رَأيِ راوِيها ومَذْهَبِه

- ‌المَطلب الثَّالثإعلالُ الشَّيخين للحديثِ إذا خالفَ متنُهالصَّحيح المشهورَ مِن سُنَّةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المَطلب الرَّابعوقوع الاضطراب في إسنادِ حديث، مع ظهور نكارة في متنه سَبيلٌ عند البخاريِّ لردِّه، دون أن يتشاغلَ بترجيحِ إحدَى أوجُه الاضطراب

- ‌المَطلب الخامسإشارة البخاريِّ لنكارة المتنِ تعضيدًا لما أعلَّ به إسناده

- ‌المَطلب السَّادسترجيح الشَّيخين لإسناد على آخرَ أو لفظٍ في متنٍ على ما في متنٍ آخر، بالنَّظر إلى أقومِ المتون دلالةً

- ‌المَبحث الخامس عشرغمز البخاريِّ في فقهِه للمتون بدعوى اختلالِ ترجماته للأبواب ونكارةِ فتواه

- ‌المَطلب الأوَّلعبقريَّة البخاريِّ في صناعة «صحيحه»

- ‌المَطلب الثَّانيانغلاق فهم بعض المُعاصرين عن إدراك وجه المُناسبةبين تراجمِ البخاريِّ وأحاديثِها سبيل عندهم لتسفيهِه

- ‌المَطلب الثَّالثتهكُّم بعض المُناوئين للبخاريِّبفتوًى تَحُطُّ مِن فَهمِه لنصوصِ الشَّريعة، وبيان كذبها عنه

الفصل: ‌المطلب السادسمنهج أهل السنة في التعامل مع الأحاديث المشكلة

‌المطلب السَّادس

منهج أهل السُّنة في التَّعاملِ مع الأحاديثِ المُشكِلَة

مِن كمالِ منهجِ أهلِ السُّنةِ في التَّعامل مع هذه الإشكالاتِ المَعنويَّة على نصوصِ الحديث النَّبوي الشَّريف، أنَّهم أصَّلوا أصولًا ارتكزوا عليها لدفعِ هذه المُتشابهات عنها، وقعَّدوا قواعدَ لدَرْءِ التَّخالفِ بينها، فأبقوا على مَنابعِ الأدلَّةِ السُّنيَّةِ صافيةً غيرَ آسِنة، لا تُكدِّرها دِلاء شُبهةٍ أو اضطرابٍ.

والحِبالُ إذا تَعَقَّدت، قَطَّعها الجاهلُ، وحَلَّها العاقل!

لأجل هذا اجتهدتُ في جمع أهمِّ المَعالم السُّنيَّة الَّتي ينبغي للسَّالك أن يَهتدي بها في طريقِه إلى حَلِّ ما أشكَلَ على فهمِه مِن النُّصوصِ الشَّرعيَّة، وهي على النَّحوِ التَّالي:

المَعلم الأوَّل: الاعتقادُ المَبدئيُّ بعدمِ الاختلافِ بين الأدلَّةِ الشَّرعيةِ نقليِّها وعقليِّها.

إنَّ استصحابَ النَّاقد لأصلِ التَّوافق بين الثَّابت من الحديث، وغيره مِن أدلَّةِ الشَّرع والعقل: أمارةٌ على حُسن تسليمِه للنُّصوصِ الشَّرعيَّة، ونجاتِه من إثمِ ضربِ بعضِها ببعضٍ؛ ولذا يجدُ مَن تَتبَّع أحوالَ هؤلاء الوالغين في الصِّحاحِ باللَّمز والطَّعن، أنَّ «مِنهم خَلقًا كثيرًا في قلوبهم رَيْبٌ في نفسِ الإيمانِ بالرِّسالة! وفيهم مَن في قلبِه ريبٌ في كونِ الرَّسولِ أخبَرَ بهذا»

(1)

.

ص: 86

وفي تقريرِ ركنيَّة هذا المَعْلم في النَّظر إلى نصوص الوحي، يقول الشَّاطبيُّ:

«لا تَضَادَّ بين آياتِ القرآن، ولا بين الأخبار النَّبويَّة، ولا بين أحدِهما مع الآخر، بل الجميعُ جارٍ على مَهيعٍ واحدٍ، ومُنتظم إلى معنى واحدٍ، فإذا أدَّاه بادئُ الرَّأي إلى ظاهرِ اختلافٍ، فواجبٌ عليه أن يعتقد انتفاءَ الاختلافِ، لأنَّ الله قد شهِدَ له أن لا اختلافَ فيه، فليَقِفْ وقوفَ المُضطَرِّ السَّائلِ عن وجهِ الجمع، أو المُسلِّمِ مِن غير اعتراضٍ»

(1)

.

المَعلم الثَّاني: الاستِشكالُ لا يَستلزِمُ البُطلان.

ترتيب التَّسارع في الإبطالِ للدَّلائل النَّقليَّة على انقداحِ الاستشكال من أوسع أبواب الباطل الَّتي اقتحمها المُتذمِّرون من السُّنَن، فقد تَبيَّن في ما تقدَّمَ كون مُجرَّد استشكالِ الحديثِ لا يعني بُطلانه بالضَّرورة، تمامًا كما يحصُل أنَّ يستشكل كثير من العقلاء آياتٍ مِن القرآن الكريم، من غير أن يدعوهم ذلك لأنْ يُبطِلوها.

والحقُّ أنَّ الخَلَل في ظنِّ البُطلان، أكثر جدًّا مِن الخَلل في الأحاديثِ الَّتي تقبَّلتها الأئمَّة

(2)

، والمرءُ كثيرًا ما يُؤتى من قِبل رأيه واجتهادِه، فكان اتِّهامُه لفهمِه الواحدِ أوْلى من اتِّهامِ الفهمِ الجَمعيِّ للأمَّة.

وفي نفي هذا التَّلازم بين استشكال النَّص وبُطلانه، يقول ابن تيميَّة (ت 728 هـ):

«إنَّ الأحاديث النَّبويَّة مِن الصَّحاحِ، مَن ردَّ منها شيئًا، وفهم مِن ظاهرِه معنًى يعتقدُ أنَّه مخالفٌ للقرآن أو للعقل، فمِن نفسِه أُوتي؛ فإنَّ المُقرِّرين للنُّصوصِ هم أرفعُ الخلقِ وأعلاهم طبقةً، إذْ جَمَعوا المعرفةَ والفهم، فإنَّ الصِّديقَ رضي الله عنه كان أعلَمَهم بما قال النبَّي صلى الله عليه وسلم وأفهمَهم لمعانٍ زائدةٍ مِن الخطاب، لا تُستفاد بمُجرَّد اللُّغةِ والعِلم باللِّسان، بل هي مِن الفهمِ الَّذي يؤتيه الله عبدَه»

(3)

.

(1)

«الاعتصام» للشاطبي (ص/822).

(2)

«الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/293).

(3)

«جواب الاعتراضات المصرية على الفُتيا الحموية» (ص/80).

ص: 87

ويقول المعلِّمي: «لا نزاعَ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يُخبر عن ربِّه وغَيْبِه بباطلٍ، فإن رُوي عنه خَبرٌ تقوم الحجَّة على بُطلانه، فالخَلل مِن الرِّواية، لكنَّ الشَّأن كلَّ الشَّأن في الحكمِ بالبُطلان! فقد كثُرَ اختلافُ الآراءِ، والأهواءِ، والنَّظرياتِ، وكَثُر غلطها، ومَن تَدبَّرها وتَدبَّر الرِّوايةَ وأمعنَ فيها، وهو ممَّن رَزَقه الله تعالى الإخلاصَ للحقِّ والتثبُّت: عَلِم أنَّ احتمالَ خطأِ الرِّوايةِ الَّتي يُثبتها المُحقِّقون مِن أئمَّة الحديث، أقلُّ جدًّا مِن احتمالِ الخطأِ في الرَّأيِ والنَّظر»

(1)

.

وخُذْ على هذا المَعلمِ مثالًا عمليًّا، تجد الجميلَ فيه أنَّه آتٍ من رأسٍ من رؤوس المُعتزلة! أعني به إبراهيم بن سيار النَّظام (ت 231 هـ):

وذلك أنَّه حين بَلَغه -وهو حَدَثٌ صغير- حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشُّرب مِن فمِ القِربة أو السِّقاء»

(2)

، قال النَّظام: إنَّ لهذا الحديثِ لشَأنًا؟! وما في الشُّرب من فم القِربة حتَّى يجيء فيه هذا النَّهي؟! فلما قيل لي: إنَّ رجلًا شرب من فم قربةٍ، فوَكعته حيَّةٌ فمات! وإنَّ الحيَّات والأفاعي تدخلُ في أفواه القِرَب؛ علمتُ أنَّ كلَّ شيءٍ لا أعلمُ تأويلَه مِن الحديث، أنَّ له مذهبًا وإنْ جهلتُه»

(3)

.

المَعلم الثَّالث: العَملُ بمُحكَماتِ النُّصوص، والإيمان بمُتَشابِهها.

وذلك أنَّه يلزم كلَّ مسلمٍ تُجاه نصوصِ الكتابِ والسُّنة الإيمانُ بها مُحكَمِها ومُتشابِهها، والعملُ بما استبانَ له منها، وما اشتَبَه عليه من ذلك وَكَل علم حقيقته إلى الله تعالى، وهذا منصوص أئمَّة السَّلَف بعامَّة

(4)

، مُسترشدين بقولِ الله تعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].

(1)

«الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/236 - 237).

(2)

أخرجه البخاري في (ك: الأشربة، باب: الشرب من فم السقاء، رقم: 5627).

(3)

«جامع بيان العلم وفصله» لابن عبد البر (2/ 1195).

(4)

انظر «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (3/ 7).

ص: 88

فما أخبرَ به الرَّسول صلى الله عليه وسلم عن ربِّه مِمَّا ثبت به النَّقلُ عنه، وتُلقِّي بالقبول عند أئمَّة هذا الشَّأن، فإنَّ الإيمانَ به واجب، سواء أدركنا معناه واستوعبنا فهمَه أو لم نفعل، لأنَّه الصَّادِق المَعصوم صلى الله عليه وسلم، وأُمَّتَه لا تجتمع على تصديقِ كَذِبٍ عنه

(1)

.

المَعْلم الرَّابع: تحكيمُ أصولِ المُحكمات في فقهِ الأحاديثِ المُشتبِهات.

الواجبُ أن يُجعَل ما أنزله الله تعالى مِن الكتابِ والحكمةِ أصلًا في جميعِ الأمور

(2)

، فحَقُّ المُحكَم أن يُرَدَّ إليه المُشتبِه في بابِه، كما يلزم رَدُّ المحتمِل إلى غير المُحتمِل، والعامِّ إلى الخاصِّ، والشَكِّ إلى اليقين، لقُوَّتها مِن جهة الدَّلالة، استنباطًا من قولِ الله تعالى:{مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7].

قال ابن كثير: «أي: أصلُه الَّذي يرجع إليه عند الاشتباه»

(3)

.

ومَنشأ القول بذلك: أنَّ الأقوى مُقدَّم عند التَّعارض شرعًا وعقلًا، فكان بهذا «المُحكَم أبَدًا أصلًا تُرَدُّ إليه الفروع، والمُتشابه هو الفَرع»

(4)

؛ وعلى هذا الأساس ابتنى السَّلَف نظرتهم في نصوص الوَحي عند الاشتباهِ في معانيها، بأن ردُّوها إلى مُحكماتِ النُّصوص الأخرى في بابِه، توخِّيًا لتفسير تلك المُشكلات.

ينقُل ذلك عنهم ابن القيِّم فيقول: «طريقةُ الصَّحابة والتَّابعين وأئمَّة الحديث -كالشَّافعي، والإمام أحمد، ومالك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، والبخاري، وإسحاق- هي: أنَّهم يَردُّون المُتشابه إلى المُحكَم، ويأخذون مِن المُحكَم ما يُفسِّر لهم المُتشابه ويُبيِّنه لهم، فتَتَّفق دلالته مع دلالة المُحكمِ، وتوافق النُّصوص بعضُها بعضًا، ويُصدِّق بعضها بعضًا، فإنَّها كلُّها مِن عند الله، وما كان مِن عند الله فلا اختلافَ فيه، ولا تَناقض، وإنمَّا الاختلافُ والتَّناقض فيما كان مِن عند غيرِه»

(5)

.

(1)

انظر هذا المعنى في «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (3/ 41).

(2)

انظر «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (17/ 306).

(3)

«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (2/ 6 - 7).

(4)

«جامع أحكام القرآن» للقرطبي (4/ 10).

(5)

«إعلام الموقعين» لابن القيم (2/ 210).

ص: 89

إنَّ المُوازنةَ الصَّحيحةَ في الإشكالات، تقتضي التَّمييزَ بين الأصلِ والإشكالِ أوَّلًا، «فإنْ وَرَد عليه إشكالٌ جزئيٌّ على أصلٍ كليٍّ مُتقرِّر لديه، فمِن العقل أن لا يهدم الأصلَ لوجودِ إشكالٍ عارضٍ عليه .. بل عليه أنْ يحفظَ الأصلَ كما هو، ويُبقي هذا الإشكالَ شُبهةً يَبحثُ عن حَلِّها؛ فإنَّه منَ نَظَر إلى بناءٍ شاهقٍ مُتماسك، فوَجَد فيه خُدوشًا ما، أو رُسوماتٍ لم يفهم الحاجةَ منها، فليس مِن العقلِ أن يُلغِيَ البناءَ كلَّه، نظرًا لوجود هذه المَلحوظات الجزئيَّة!»

(1)

بل يجعلُ هذه ضمنَ حِكمةٍ مِعماريَّةٍ جماليَّةٍ ما، وإن كان هو يجهلُها.

فمِن أمثلةِ ما ادُّعي فيه الفَساد مِن المُحكمات، بدعوى الإبقاءِ على شمول مَعنى المُشتبِه:

ما تراه -مثلًا- مِن ردِّ القاضي عبد الجبَّار (ت 415 هـ) لمعنى «الزِّيادة» في قولِه تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، بقولِه:«ربَّما تَعلَّق به مَن يقول بجوازِ الرُّؤيةِ على الله، ويروي فيه ما يُقوِّي تأويلَه، وليس للآيةِ ظاهرٌ، لأنَّه لم يَذكُر تلك الزِّيادة! فمِن أين أنَّ المُراد ما قالوه؟! .. »

(2)

.

فالسَّببُ الأبرز الَّذي دَعا القاضي قولَ هذه البائقة: اعتبارُه العقلَ المُجرَّد مِعيارًا أوَّليًّا للتَّمييز بين ما هو مُحكَمٌ ومُتشابِه، لا الشَّرعَ نفسَه؛ وهنا مَكمَنُ الخَللِ، ولذا تراه يقول بصريحِ العبارة:«يجبُ أن يُرتَّب المُحكَم والمُتشابه جميعًا على أدلَّةِ العقول»

(3)

.

المَعلم الخامس: التَّفتيش في الإسنادِ عن مُوجِب الخَلَل عند الرُّكون إلى فسادِ المتن.

ما استشكَل المسلمُ معناه مِن الأحاديث الصَّحيحة، أو ظَنَّه مُعارضًا لأصلٍ آخر، فإنَّه لا يجوز له رَدُّه حتَّى يستيقن فسادَه، وكمالُ ذلك أن يجدَ في نَقَلتِه مَن

(1)

مقال بعنوان: «سيد الضمانات الفكرية» لـ د. فهد العجلان، مجلة البيان العدد 313 رمضان 1434 هـ. بتصرف يسير.

(2)

«متشابه القرآن» للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص/361).

(3)

«متشابه القرآن» للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص/7 - 8).

ص: 90

يُحمِّله تَبِعتَه، كما كان يصنع نقَّاد الحديث، فإنَّهم رَدُّوا أحاديث بمُخالفةِ الأصولِ، وبَيَّنوا أنَّ الغلَطَ وقَعَ فيها مِن بعضِ نَقَلتِها، وبيَّنوا وَجهَ ذلك.

يقول ابن عبد البرِّ: «ليس أحَدٌ مِن علماء الأمَّة يُثبت حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يردُّه دون ادِّعاءِ نسخِ ذلك بأثرٍ مثلِه، أو بإجماعٍ، أو بعملٍ يجبُ على أصلِه الانقيادُ إليه، أو طعنٍ في سَندِه؛ ولو فَعَل ذلك أحدٌ سَقَطت عدالته، فضلًا عن أن يُتَّخَذ إمامًا، ولزمَه اسمُ الفسق» !

(1)

ويَقول المُعلِّمي: «إذا استنكَرَ الأئمَّة المُحقَّقون المتْنَ، وكان ظاهر السَّندِ الصِّحة: فإنَّهم يتطلَّبون له عِلَّة، فإذا لَم يجدوا عِلَّة قادحةً مُطلقًا حيث وَقَعت، أعلُّوه بعلَّةٍ ليست بقادحةٍ مُطلقًا، ولكنَّهم يرونَها كافيةً للقدحِ في ذاك المُنكر»

(2)

.

وبتقرير هذا المَعلمِ ينجلي فرقٌ آخر فاصلٌ بين منهج المتقدِّمين مِن أهل السُّنة، وكثيرٍ من المعاصرين في نقدِهم للأحاديث:

وهو أنَّ المُحدِّثين إذا رَأوا حديثًا بيِّنَ الفسادِ مِن جِهة معناه، لم يُبادروا إلى رَدِّه دون بيان خَللٍ في إسنادِه، ليكون مَردُّ الانتقادِ عندهم -في الغالبِ الأعمِّ- إلى خَللٍ في طريقةِ تحمُّلِه أو رِوايتِه؛ بينما لا يَرقى هذا الإسنادُ عند المُعاصرينَ إلى تلك الأهمِّية، ومِن ثَمَّ سَهُل عليهم الاقتصارُ على الطَّعنِ في الأحاديثِ مِن جِهة متونِها فقط.

المَعْلم السَّادس: التَّمَهُّل في ردِّ الحديث، ولو بعد العَجزِ عن استيضاحِه.

قد تقدَّم التَّنبيه على أنَّ الاستعجالَ في ردِّ الأحاديثِ النَّبوية الصَّحيحة من جِهة أسانيدِها، لمُجرَّد الاستشكالِ العارض للذِّهن: مِن أعظمِ آفاتِ المنهج النَّقدي عند المُعاصرين، وخِفَّة عقولِ كثيرٍ منهم.

(1)

«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (2/ 1080).

(2)

مقدمة تحقيق المعلمي لـ «الفوائد المجموعة» للشوكاني (ص/8).

ص: 91

والمُشاهد مِن جِهة الواقعِ لِمن سَبَر أغوارَ النَّفسِ البشريَّة، وتكشَّفت له آفاتها عند الفِتَن بخاصَّة: أنَّ المُحرِّك الحقيقيَّ لهذا التَّحوُّل الخطير مِن مُجرَّد الاستشكالِ إلى ردِّ الأخبار: ليس الاستشكالَ في حدِّ ذاته، ولكن الحالة المزاجيَّة الَّتي تلبَّست بالمُستشكلِ عند استشكالِه، وما انطوت عليه من نوعِ تريُّبٍ ونُفرةٍ سابقةٍ من أحكامِ بعض النُّصوص الشَّرعيَّة.

فلذلك حُقَّ لخُلُق (الأناةِ) أن يكون سيِّدَ الضَّماناتِ الفِكريَّة

(1)

، قد تجلَّت أنوارُه في بديع نُصح ابنِ مسعود رضي الله عنه في قوله:«إنَّها ستكون هَناتٌ، وأمور مُشَبَّهات، فعليك بالتُّؤدةٍ، فتكون تابعًا في الخير، خيرٌ مِن أن تكون رأسًا في الشَّر»

(2)

.

وأهل السُّنة إذ يَدعون إلى ضرورة التروِّي عند استشكال نصوص الشَّرع، فإنَّهم لا ينفون جواز المَحارةِ في الأفهام لما دلَّت عليه بعضِ الأخبار النَّبويَّة، وإنَّما الَّذي يَأْبَوْنه: ترتيب التَّسارع في الإبطالِ لتلك الدَّلائل النَّقليَّة على مجرِّد انقداحِ الاستشكال -كما تقدَّم تقريره آنفًا-.

والعاقل إذا تَكلَّست قريحته عن دركِ حقيقة النَّص، واستصعَبَ عليه التَّنقيب عن جوابِ إشكالِه، لاذَ بمَن فوقه عِلمًا وفَهمًا، فرَدَّ المُشكِل منه إلى أهلِه، حتَّى يتَّضح له المنهج، ويتَّسِع له المَخرج، مُتأوِّلًا في ذلك قولَ ربِّه جل جلاله:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وقولَه تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، فَرَقًا من أن يدخل في قوله تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39].

يقول المعلِّمي: «عَلى المؤمن إذا أشكلَ عليه حديثٌ قد صَحَّحه الأئمَّة، ولم تُطاوعه نفسُه على حملِ الخطأ على رأيِه ونظرِه: أن يعلَمَ أنَّه إن لم يكُن

(1)

مقال بعنوان: «سيد الضمانات الفكرية» لفهد العجلان، مجلة البيان العدد 313 رمضان 1434 هـ بتصرف.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7/ 456).

ص: 92

الخلَل في رأيِه ونظرِه وفهمِه، فهو في الرِّواية! وليفزَعْ إلى مَن يثق بدينِه وعلمِه وتقواه، مع الابتهال إلى الله عز وجل فإنَّه وليُّ التَّوفيق»

(1)

.

وصدَقَ -نوَّر الله مرقَدَه-، فإنَّ الواحد مِنَّا «قد يكون مِن أذكياءِ النَّاس، وأحدِّهم نظرًا، ويُعمِيه عن أظهر الأشياء، وقد يكون مِن أبْلَدِ النَّاس، وأضعفِهم نظرًا، ويهديه لمِا اختُلف فيه مِن الحقِّ بإذنه، فلا حول ولا قوَّة إلَّا به.

فمَن اتَّكل على نَظَرِه واستدلالِه، أو عقِله ومَعرفتِه: خُذِل»

(2)

، ومَن تبَرَّأ من الاتِّكالِ على حولِه وفهمِه، إلى حولِ الله وهدايتِه: هُدي؛ فهو الرُّكن الشَّديد، ومَفزعُ الأئمَّة في المُلمَّات العِلميَّة والعَمليَّة.

ولله درُّ ابن تيميَّة إذ يترجِم هذا المعنى في سيرتِه، فيقول:«إنَّه ليَقِف خاطِري في المسألة والشَّيءِ، أو الحالةِ الَّتي تُشكل عليَّ، فأستغفرُ الله تعالى ألف مرَّة، أو أكثرَ أو أقلَّ، حتَّى ينشرح الصَّدرُ، وينحلَّ إشكال ما أشكل، وأكون إذ ذَّاك في السُّوق، أو المسجدِ، أو الدَّرب، أو المدرسة، لا يمنعني ذلك من الذِّكر والاستغفار، إلى أن أنال مَطلوبي .. »

(3)

.

فعلى مثل هذا الحال من الافتقار المَعرفيِّ إلى تعليم الله وهدايته، ينبغي أن يكون المؤمن المُستشكل، ولو استطالَ به الزَّمَن، واستكثَرَ ما بَذَله مِن جهدٍ ووقتٍ في تفهُّمِ سُنَّة نبيِّه، فإنَّه «لا يستعمِل في ذلك الظُّنون الَّتي حرَّم الله تعالى عليه استعمالها في غيره، وإذا كان استعمالها في غيرِه حرامًا، كان استعمالها فيه أحرَم»

(4)

؛ فإذا «كان الموضعُ مِمَّا يَتَعلَّق به حكمٌ عَمليٌّ: فليلتَمِسْ المخرجَ، حتَّى يقف على الحقِّ اليقين، أو لِيَبْقَ باحثًا إلى الموتِ، ولا عليه مِن ذلك!»

(5)

،

(1)

«الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/237).

(2)

«درء تعارض العقل والنقل» (9/ 34).

(3)

«الانتصار» لابن عبد الهادي المقدسي (ص/68).

(4)

«شرح مشكل الآثار» لأبي جعفر الطحاوي (6/ 338).

(5)

«الاعتصام» للشاطبي (ص/822).

وتلمَّس تجليَّات هذا المَسلك العزيز في مثل موقف السِّندي من حديث لطم موسى لملَك الموت، حيث قال في حاشيته على «سنن النسائي» (4/ 120):« .. والأقربُ أنَّ الحديث مِن المشتبهات، الَّتي يُفوَّض أمرها إلى الله تعالى» ، وهذا المخرج وإن لم يَكُن هو التَّأويل الصَّحيح للحديث، ولكنَّه خيرٌ من عَجَلة المُنكرينِ.

ص: 93