الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
زكريَّا أوزون
وكتابه «جناية البخاري: إنقاذ الدِّين من إمام المحدِّثين»
أخذ هذا العَلمانيُّ السُّوريُّ -مهندس الخرسانة المسلَّحة! - العهدَ على نفسِه إسقاط مُسلَّماتِ الإسلامِ في أصولِه، لم يدع الرَّجل ركنًا في الدِّين إلَّا لَغَا فيه ببلادة فهمٍ وسوء أدب!
اسمعه -مثلًا- كيف يصفُ أجلَّ حركات الصَّلاة بقوله: «إنَّ مظهَرَي الرُّكوع والسُّجود غير مرغوب فيهما إذا ما عُرضا على المظهر والذَّوق العامِّ في الأماكن العامَّة! .. المشهد مرفوض حسب الذَّوق العامِّ السَّليم، فلا الرُّكوع أو السُّجود للآخرين يصحُّ، ولا رؤية مؤخِّرة الإنسان تسُرُّ!»
(1)
.
ثمَّ يتساءل بعدُ مستنكرًا: «هل للإله مشاعر كالبشر، يفرح إذا تذلَّل له الآخرون وركعوا وسجدوا له ليرضى عليهم؟!»
(2)
.
أمَّا رمضان؛ فيُلحُّ (أوزون) على أنَّ صيامه غير واجب! فهو لا يصومه في بلد إقامته إيرلاندا! بل الأمر عنده -على حدِّ قوله- أنَّ «مَن يرَ في الصِّيام ما يريح نفسه، ويهذِّبها ويقرِّبها إلى خالقه، فليَصُم إن شاء يومًا أو يومين أو ثلاثةً
(1)
«الأركان في الميزان: الصلاة عسكرة الرحمن» لزكريا أوزون (ص/152).
(2)
«الأركان في الميزان: الصلاة عسكرة الرحمن» لزكريا أوزون (ص/154).
أو شهرًا .. ومن لا يجد في الصِّيام ما ذكرناه سابقًا، فليبتعد عنه وهو مطمئنُّ النَّفس! وليُطعم مسكينًا إن استطاع ذلك، أو ليقُم بعمل آخر يمكنه أن يجلب له ما يُشعره بالاطمئنان»
(1)
.
ولا غروَ عندي في أن يقول مثلَ هذه الموبقات مَن يُنكر سورةَ الفاتحة أن تكون من القرآن! بدعواه أنَّ الدَّعوات المذكورات فيها لا يُعقل أن تكون من الرَّب! إن هو إلَّا قول البَشر! وأكثر الصَّحابة إنَّما توهَّموا بسماعها من النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّها قرآن ووحي من السَّماء، وليس الأمر كذلك!
(2)
و (أوزون) في كلِّ ذلك وزيادة، يحاول عن عبثٍ إظهارَ نفسه في مُقدِّماتِ مُؤلَّفاته بزيِّ الغيور على الدِّينِ، الذَّاب عن حياضِ التُّراث؛ فإذا شارَف القارئ على بلوغ خواتيم مُقدِّماته، انكشفَ له المستور مِن عَورتِه الفكريَّة المُناكفةِ للشَّريعة
(3)
، وبانت له حقيقة هذا المُبشِّرِ المهووسِ بالحضارةِ الغربيَّة، بل وبديانتِهم النَّصرانيَّة! فهم مَن يستحقُّ عنده «وبجدارةٍ المكانةَ والسَّيطرةَ الَّتي وَصلوا إليها، لأنَّهم عَرفوا الله حقًّا! وجعَلوا مِن دينِهم خيرَ دياناتِ القرنِ الواحدِ والعشرين في محبَّة الله ومحبَّة الإنسان»
(4)
.
الفرع الأوَّل: موقف (أوزون) من السُّنة النَّبوية.
أمَّا موقف (أوزون) من السُّنة، فشبيهٌ بموقف سَلَفه (شحرور) في تقسيمِه لها، فهو ينفي أن تكون السُّنة وحيًا مَعصومًا في أصلِها، بل بشرِيَّةً نابعةً عن اجتهادٍ خالصٍ
(5)
، فحتَّى لو صَحَّ عنده جدلًا هو في صِحَّة حديثٍ من قول النَّبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّه غير لازم أن يأخذ به ويعتقد ما فيه، لتفريقِه المبتدَعِ بين مَقامين:
(1)
«الأركان في الميزان: الصوم» لزكريا أوزون (ص/101).
(2)
«الأركان في الميزان: الصلاة عسكرة الرحمن» لزكريا أوزون (ص/155).
(3)
صرَّح بأنَّ تبنِّي العلمانيَّة هو الحل لأزمات العرب في كتابه «الإسلام هل هو الحل؟» .
(4)
«لفق المسلمون إذ قالوا» لزكريا أوزون (ص/207، 209).
(5)
«جناية البخاري» (ص/14).
مَقام الرَّسولِ: وهي الصِّفة الَّتي بها كُلِّف بالتَّشريعاتِ القرآنيَّة، فهذه الَّتي يُعصم فيها فقط.
وبين مقامِ النَّبوَّةِ: الَّذي يقوم فيه محمَّدٌ النَّبي صلى الله عليه وسلم «بالاجتهادِ والعمَلِ، حسب المُعطيات، والإمكانيَّات، والأرضيَّة المَعرفيَّة السَّائدة .. وبناءً على ما سَبق، فإنَّ الحديثَ (النَّبويَّ) ليس مُقدَّسًا» ، ولا مَأمورًا باتِّباعِه
(1)
!
فلا يُستغرب بعدُ أن يُرى في كتابِه هذا يُنكر أمورًا قد أجمع عليها السَّلف والخَلَف، كمشروعيَّةِ الجهادِ الطَّلَبي بشرطِه، واختصاصِ المُوحِّدين بالجنَّةِ دون أهلِ المِلَل الشِّركيَّة الأخرى
(2)
.
الفرع الثَّاني: موقف (زكريا أوزون) مِن «صحيح البخاريِّ» .
لقد أبرزَ (أوزون) إجرامَه في حقِّ تراثِ العلماءِ في ثلاثِ (جِناياتٍ)، تركَّزت في الأصول الَّتي تقوم عليها الشَّريعة، أولاها كتابُه «جناية سِيبَويه: الرَّفض التَّام لما في النَّحو من أوهام»، ثمَّ أتبعَه بـ «جناية الشَّافعي: تخليص الأمَّة من فقه الأئمَّة»!
أمَّا ثالثة الأثافي، فكتابه المَقصود بالتَّعريفِ هنا:
«جناية البخاري: إنقاذ الدِّين مِن إمامِ المُحدِّثين» ؛ عرَضَ فيه إلى مائةِ حديثٍ وحديثين مِن «صحيحِ البخاريِّ» في فصول ثمانيةٍ، جَعَل زبدةَ كتابِه ومَنهجَه في فصلِه الأوَّل، ثمَّ ادَّعى في كلِّ فصل من تلك الفصول ظهور التَّناقضِ بينها وبين غيرِها مِن الثَّوابت الشَّرعية، كالقرآن، ومنزلةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ دعا -تنزيهًا لمِصداقيَّة البخاريِّ زَعَم! - إلى طرحِ تلك الأحاديثِ المُنكرَةِ مِن «صحيحِه الجامع» كلِّها، والتَّصرُّفِ في متونها، حتَّى يبرُز للأمَّة بصورةٍ جديدةٍ، ولو على غير ما أراده مُصَنِّفه.
(1)
«جناية البخاري» (ص/18)
(2)
انظر «جناية البخاري» (ص/63، 91).
فلأجل تحقيق هذه الغاية الحرام، سَوَّغَ (أوزون) عبثَه في أحاديث البخاري، من غير أن يُبين عن منهجٍ واضح ولا أصولٍ نقديّة جليَّةٍ يرجع إليها؛ ما هو إلَّا التَّشغيب بشُبهات مُحدثةٍ على متون الكتاب، نأتي على كشفِها عند دفعِ المُعارضات عن الأحاديث المَدروسة في القسم الثَّاني من هذا البحث إن شاء الله.
والمؤلِّف سارٍ في كتابه على ما جَرَت عليه عادة أعداء حمَلة السُّنن من الإمعانِ في الطَّعن بخيارِ الصَّحابةِ مِن مُكثري الرِّواية، كعائشة، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم
(1)
؛ كلُّ كلامه فيهم منسوخ مِن كتابِ «أضواء على السنة المحمَّدية» ، لم يُكلِّف نفسَه الرُّجوع إلى جواب أهل السُّنة عن عوارِ هذا الكتابِ؛ فلا كَأنَّ السِّباعيَّ ردَّ عليه، ولا أنَّ المُعلِّمي نكَّل به! إذن لعلَّه نَجى مِن الوقوعِ في بعضِ تلك الطَّوامِ الَّتي أوقعَ فيها نفسَه تبعًا لـ (أبوريَّة).
ثمَّ زادَ على كتابِه شنارًا حين حَشاه بخَطايا (عبد الجواد ياسين) في كتابِه «السُّلطة في الإسلام» ، فقد أخلص في تقليد هَفواتِه في السُّنة النَّبويَّة حذوَ القُذَّة بالقذَّة.
والرَّجل فوق هذا كلِّه مُغرَمٌ بالسَّرقاتِ العلميَّة في كتابه، ينقُل طعونَ غيرِه بحروفِها في أخبار «الصَّحيحين» دون إحالة، تشبُّعًا بما لم يُعطه مِن القبائح، كالَّذي فعله من انتِحالِ كلامٍ ساقطٍ لـ (نيازي عزِّ الدِّين) في رجمِ الزَّاني المُحصَن
(2)
.
ناهيك عن تدليسه في نسبةِ الأقوالِ إلى غير قائلِيها، إمعانًا منه في التَّدليس وتزويرِ التَّاريخ؛ من ذلك نسبتُه إلى الأديبِ الرَّافعيِّ في كتابِه «تاريخ آداب العربيَّة» القولَ: بأنَّ أبا هريرة رضي الله عنه كان أوَّلَ راويةٍ اتُّهِم في الإسلام! مِن غيرِ أن يَذكُر (أوزون) موضعَ هذا النَّقلِ مِن كتابِ الرَّافعي
(3)
.
(1)
انظر «جناية البخاري» (ص/19).
(2)
قارن بين ما في «جناية البخاري» (ص/45) و «دين السلطان» لنيازي (ص/948).
(3)
«جناية البخاري» (ص/20) في الهامش التاسع.
وقد أشبه أوزون في فعلته هذه فعلَ إمامه أبو ريَّة حين نسب هذا القول للإمام ابن قتيبة، رغم أن ابن قتيبة إنَّما نسبه للنَّظام المعتزلي، ثمَّ نقضه وكشف بطلان هذه التُّهمة، انظر «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/164).
وحين تبيَّنتُ ذلك في كتابِ الرَّافعي، وجدتُه خاليًا مِن هذا السَّقَط مِن الكلامِ، بل على خلافِه ذلك، وجدته مُفعمًا بدِفاعِ الرَّافعي عن أبي هريرة رضي الله عنه وتبجيلِه إيَّاه، غايةُ ما فيه ذكره لبعِضِ أفرادٍ مِن الصَّحابة أنكروا إكثار أبي هريرة مِن الرِّواية
(1)
.
وأصلُ داءِ (أوزون) في هذا النَّقل الكاذب، مُستَلٌّ مِن كتاب (صالح أبو بكر)
(2)
، فهو الَّذي نسب إلى الرَّافعي هذه الفِرية، استتبعه غلَطُ حمُّود التَّويجريِّ في ردِّه على صالحٍ حين انساقَ وراءَ كذبتِه في الافتراءِ على الرَّافعيِّ، فوَقَع هو بدَورِه في هذا الأديبِ! وتَعجَّل في نعتِه بأنَّه «مِن شِرارِ العَصريِّين، مِمَّن أعمَى الله قلوبَهم» !
(3)
وآفةُ الحماسِ العَجَلة!
(1)
«تاريخ آداب العربية» للرافعي (1/ 216).
(2)
في كتابه «الأضواء القرآنية» (ص/59 - 60).
(3)
«الرَّد القويم» للتويجري (1/ 282).