الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثَّاني
إمامةُ المُعتزلةِ في تبنِّي النَّظرةِ التَّصادُميَّة بين نصوصِ الوحيِ والعقل
تلك جملةٌ مِن العَوامل الَّتي أبرزَتِ النَّزعةَ العقليَّة في كثيرٍ مِن حَملة الشَّريعة، وإنْ لم تستقِرَّ قواعدُها في تَناظُراتِهم، ولا مُصطلَحاتُها في مَقالاتِهم، إلَاّ على أيدي شيوخِ المُعتزلة، بعدَ «أنْ طالعوا كُتبَ الفلاسفةِ حين انتشرَت أيَّامَ المأمون، فخَلَطت مناهِجَها بمناهجِ الكلام، وأفردَتها فَنًّا مِن فنونِ العلمِ، وسَمَّتها باسمِ الكلامِ»
(1)
.
وهذا الأمر ما دَعا المستشرقَ البريطاني (هامِلتون جُب) إلى التَّأكيدِ على «أنَّ المعتزلة قد صَبُّوا عقائِدَهم في قوالبِ الأفكارِ اليونانيَّة، واستوحوا تأمُّلاتِهم الدِّينية مِن الميتافيزيقا اليونانيَّة، بدلًا مِن القرآن»
(2)
.
وقد عَرَفَ هذا المذهب أوجَ تأثيرِه زمنَ المأمون والمُعتصم (ت 227 هـ)
(3)
،
(1)
«الملل والنحل» للشهرستاني (1/ 29).
(2)
«موقف المعتزلة من السنة النبوية» لأبو لبابة حسين (ص/45).
(3)
محمد بن هارون الرشيد بن المهدي ابن المنصور العَّباسي: خليفة من أعاظم خلفاء هذه الدَّولة، بويع بالخلافة سنة (218 هـ) يوم وفاة أخيه المأمون، وبعهد منه، فاتح عمُّورية من بلاد الرُّوم الشَّرقية في خبر مشهور، انظر «تاريخ الإسلام» (5/ 692).
وزَمَنًا مِن خلافةِ الواثقِ (ت 232 هـ)
(1)
بقوَّةِ السُّلطان، وقمعِ أهلِ الإيمان، ثمَّ سُرعانَ ما انحسَرَ آخرَ زمَنِ الواثق، لِيَشتَدَّ ضعفُهم زمنَ الخليفةِ المُتوكِّل
(2)
، ويتَشَتَّتَ شملُهم إلى فِرقٍ فرعيَّة مُتنافِرة، لا يكادون يتَّفقون إلَّا على أصولهِم الخمسةِ
(3)
،
قد كثُر التَّبديع فيما بينهم، بل يَرتقون إلى التَّكفير
(4)
!
(1)
هارون الواثق بالله بن محمد بن هارون الرشيد العبَّاسي، الواثق بالله أبو جعفر: من خلفاء الدولة بالعراق، وُلي الخلافة بعد وفاة أبيه المُعتصم، فامتحنَ النَّاس في خلق القرآن، وسجن جماعة، وقتل في ذلك أحمد بن نصر الخزاعي بيده (سنة 231 هـ)، انظر «تاريخ الإسلام» (5/ 590).
(2)
بدأت مرحلة انحسار المذهب المعتزلي تحديدًا قبل رفع محنة خلق القرآن بعامين، حيث قلت حماسة الواثق في نصرة هذه الطائفة الكلاميَّة، فلمَّا جاءت سنة 232 هـ تولى المتوكل رفع المحنة عن أهل السنة والتضييق على المعتزلة، ثم جاء بعده الخليفة المعتمد العباسي سنة 279 هـ ليمنع بيع كتب الفلسفة والاعتزال بالمرَّة، انظر «البداية والنهاية» لابن كثير (11/ 64) و «الجهمية والمعتزلة» لـ د. ناصر العقل (ص/137).
(3)
أصول المعتزلة التي تأسس عليها مذهبهم هي:
أوَّلا: المنزلة بين المنزلتين -وبها بدأ تشكل مذهبهم-: يعني اعتقادهم أن صاحب الكبيرة لا يُسمَّى مؤمنًا ولا كافرًا في الدُّنيا، بل فاسقًا، أمَّا يوم القيامة فله حكم الكَفَرة في التَّخليد لعد استيفائه لشرط الإيمان المُدخل للجنَّة.
الأصل الثاني: التَّوحيد: ويتحقَّق عندهم بنفي الصِّفات الأزليَّة عن الله عز وجل.
الأصل الثالث: العدل: بنفيهم القضاء والقدر، وأنَّ أفعال العباد غير مخلوقة فيهم.
الأصل الرابع: الوعد والوعيد: وهو إيجابهم على الله تنفيذ وعده ووعيده، وأنَّه لا يجوز عليه الخُلف في أيٍّ منهما.
الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ويتمثَّل عندهم بالخروج عن السُّلطان المسلم الجائر، وحمل السِّلاح على المخالفين.
انظر «شرح الأصول الخمسة» للقاضي عبد الجبَّار الهمذاني، و «الفِصل» لابن حزم (4/ 146 - 153) و «الملل والنِّحل» للشهرستاني (1/ 49)، وفي نقضِ هذه الأصول يُنظر «الانتصار في الردِّ على المعتزلة القدرية الأشرار» لأبي الحسين يحيى العمراني (558 هـ).
(4)
ذكره عبد القاهر البغدادي في «الفرق بين الفرق» (ص/114 - 115).