الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَبحث الثَّاني
عَودُ مذهب إنكارِ السُّنة مِن الهند
بيدَ أنَّ شرارَة هذا القول الأثيم عادت لتشتَعِل مِن جديدٍ في أزماننا المتأخرَّة، بفعلِ أيادٍ إمبرياليَّةٍ خَبيثةٍ، ألقت بفَتيل نارٍ استشراقيٍّ على ربوعِ البلادِ الإسلاميَّةِ نهايةَ القرنِ التَّاسعِ عشر، بدءً بشبهِ الجزيرةِ الهنديَّة، الَّتي أينعت أرضها برؤوس بليدة تَقحَّمت في سُعارِ نارِ هذ الفتنة، فبرز منهم مَن كان يسعى في التَّنظير لها والدَّعوة إليها، كحال (السِّير أحمد خان)
(1)
، و (عبد الله جكرالوي)
(2)
، مُحتذين في ذلك تعاليم شيوخِهم المُستشرِقين بأنَّ القسمَ الأكبرَ مِن الحديثِ ليس إلَاّ نتيجةً للتَّطور الدِّينيِّ والسِّياسيِّ والاجتماعيِّ للإسلامِ في قرونِه الأولى
(3)
، و «أَنَّ الأحاديث إنَّما اختلقَها الفقهاء وأصحاب الفِرَق، وأنَّ الشَّافعي
(1)
ولد في مدينة (دهلي) ودرس فيها العلوم الدينية، ثم التحق للعمل بشركة الهند الشرقية، وكان ذلك بداية تصاله بالإنجليز الذين رأوا فيه ضالتهم لإضلال الهنود المسلمين، وفي سبيل ذلك أنشأ جامعة «علي كره» ، توفي (1897 م)، انظر «زعماء الإصلاح في العصر الحديث» لأحمد أمين (ص/121 طبعة 1948 م).
(2)
وُلد ببلدة (جكرالة) إحدى قرى إقليم البنجاب بباكستان، يقول عنه ذ. محمد قصوري:«إن الحكومة البريطانية تمكنت من اصطياد بعض الشخصيات الإسلامية، وإيقاعها في شبكة التحريف ضد الإسلام، فحرضتهم على القيام بأعمال تفقد الثقة في السنة النبوية الشريفة، وكان على رأس هؤلاء جميعًا: الجكرالوي» ، توفي سنة (1914 م). انظر «شبهات القرآنيين» (ص/36).
(3)
انظر «السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي» للسباعي (ص/195).
هو الَّذي استحدَثَ مبدأَ حُجِيَّة السُنَّة، وكان العمل قبله على السُنَّةِ المذهبيَّة ..
وأنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم لم يترُك أوامرَ ولا أحكامًا سِوى القرآن»
(1)
!
ثمَّ انتقَلَت هذه الفتنة بعد تَقسيم الهندِ إلى بلادِ السِّندِ باكستانَ، تحت مسمَّى فرقةِ (البَرْوِيزيِّين)
(2)
، فلم يلبثوا أن شنُّوا الغارةَ بدورهم على السُّنةِ ودواوينِها على حين غرَّةٍ من المسلمين المُنهَكين مِن بطشِ المُحتلِّ البريطانيِّ، مُتذرِّعين في ذلك بشعارات التَّجرُّد وغربلةِ التُّراث، مُنادين بالتَّحرُّر مِن أغلالِ الأسلافِ باسم «الإصلاح» .
يشهد المباركفوري
(3)
على هذه الحقبة العصيبة من تاريخ المسلمين في تلك الأصقاع النَّائية فيقول:
«إنَّ رجلًا قد خرجَ في (الفِنجاب) مِن إقليمِ الهند، وسَمَّى نفسه بأهلِ القرآن، وشتَّان بينه وبين أهل القرآن! بل هو مِن أهل الإلحاد! وكان قبلَ ذلك مِن الصَّالحين؛ فأضَلَّه الشَّيطان، وأغواه، وأبعدَه عن الصِّراط المستقيم، فتَفوَّه بما لا يَتكلَّم به أهل الإسلام!
فأطالَ لسانَه في ردِّ الأحاديث النَّبويَّة بأسرِها ردًّا بليغًا، وقال: هذه كلُّها مَكذوبة، ومُفتريات على الله تعالى، وإنَّما يجب العمل بالقرآن العظيم فقط، دون أحاديث النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت صحيحةً متواترةً! .. وغير ذلك مِن أقوالِه الكفريَّة؛ وتَبِعه على ذلك كثيرٌ مِن الجهَّال، وجعلوه إمامًا؛ وقد أفتى علماء العصرِ بكُفرِه وإلحادِه، وخرَّجوه عن دائرِة الإسلام، والأمر كما قالوا»
(4)
.
(1)
«موقف الاستشراق من السنة والسيرة النبوية» لأكرم العمري (ص/72 - 74).
(2)
نسبةً إلى (غُلام أحمد برويز)، رئيس جمعية «أهل القرآن» في الهند، وصاحب مجلة «طلوع الإسلام» التي نشر فيها أفكاره، هاجر من الهند إلى مدينة كراتشي بباكستان التي ما تزال حتى اليوم حاضرة (البرويزيِّين)، توفي سنة (1985 م)، انظر «شبهات القرآنيين حول السُّنة» لمحمود مزروعة (ص/27)، و «زوابع في وجه السنة» (ص/75 - 76).
(3)
محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، صاحب الشرح المشهورِ على الترمذي المسمى بـ «تحفة الأحوذي» ، وهو من أجلَّة أهل الحديث في الهند، الَّذين واكبوا بروز هذه الطَّائفة الباغية في الهند، توفي (1353 هـ)، انظر «الإعلام بما في الهند من أعلام» للطالبي (8/ 1272).
(4)
«تحفة الأحوذي» (7/ 354).
لكنْ مِن حفظِ الله تعالى لهذا الدِّين الخاتَم، أن باءت جهود التَّابع والمَتبوع بالفشل! ووَلْوَل المَكَرَة حسرةً على نفورِ المسلمين عن إحداثِ إسلامٍ يوافق الهوى الصَّليبي؛ حسرةٌ لم يستطِع المستشرق (جُب) كظمَها وهو يلوم الهنود على مُقاومتهم للحركةِ التَّخريبيَّة الَّتي كان عرَّابها (أحمد خان)، قائلًا:« .. لسوءِ الحظِّ؛ ظَلَّ قسمٌ كبيرٌ من المسلمين المُحافظين -ولاسيما في الهند- لا يخضعون لهذه الحركاتِ الإصلاحيَّة المُهدِّئة! وينظرون إلى الحركةِ الَّتي تَزعَّمتها مدرسةُ (علي كره) بالهند، ومدرسةُ (محمَّد عبده) بمصر، نظرةً كلَّها رِيبٌ وسوء ظنٍّ! لا تقِلُّ عن ريبتهم في الثَّقافة الأوربيَّة نفسها»
(1)
.
(1)
انظر «زوابع في وجه السُّنة» لصلاح الدين مقبول (ص/74)، و «السُّنة المفترى عليها» لسالم البهنساوي (ص/213).