‌المبحث التاسعسبب اختيار العلمانيين لمعاركة «الصحيحين» خاصة - المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين - جـ ١

‌

‌المَبحث التَّاسع

سبب اختيارِ العَلمانيِّين لمُعاركةِ «الصَّحيحين» خاصَّة

قد يَتبيَّن مِمَّا تقدَّم لمَ اختارَ هؤلاء العَلمانيُّون معركة الصَّحيحين تحديدًا في سعيِهم لردمِ حصونِ الأحكام الشَّرعية؛ إنَّه إجماعُ المُعتبرين مِن أهلِ السُّنةِ على صِحَّةِ ما فيهما، احترازًا مِن الولوجِ في مَتاهات الأسانيد في جِدال أهل السُّنة؛ وفي تقريرِ هذه المَزيَّة لاختيارِهما، يقول (عبد الجواد ياسين)

(1)

: « .. ولأنَّ البخاريَّ ومسلمًا يجُبَّان ما دونهما مِن الكُتب في مفهومِ أهل السُّنة، سوف نُحاول التَّركيز على مَرويَّاتهما فى هذا الصَّدد .. »

(2)

.

فكان تركيزهم عليهما بخلعِ لباس الحياءِ عليهما، فهذا (إبراهيم فوزي) يصِفُ أحاديث «الصَّحيحين» بأنَّها «غريبةٌ، خاليةٌ مِن كلِّ مَضمونٍ فكريٍّ، أو عِلميِّ، أو اجتماعيٍّ، أو دينيِّ، وليس فيها سُنَّةٌ ولا تشريعٌ، ولا شيءٌ يُفيد المسلمين في دينِهم ودُنياهم»

(3)

.

ونظيره في القِحة عليهما (محمَّد حمزة)، الَّذي ادَّعى كونهما لم يَسْلَما مِن خُرافةٍ مُختلَقةٍ، أسهَمَ فيها أبو هريرة رضي الله عنه بنصيبٍ وافر، جرَّاء روايتِه عن كعبِ الأحبار

(1)

.

حتَّى المَلاحِدة الصُّرحاء لم يتركوا «الصَّحيحين» لحالِهما شأنًا خاصًّا بالمُسلمين، بل زاحموا بعضَ المُنتسبين إلى الدِّين في رَميِ سهامِ السُّخريةِ والتَّحقير صوبَهما، فتَكلَّفوا الكلام في صَنعةٍ لا قِبَل لهم بفهمِها، وقد ادَّعى المُلحِد (إسماعيل أدهم) بأنَّ أحاديثَهما «ليست ثابتةَ الأصولِ والدَّعائم، بل هي مَشكوك فيها، ويغلبُ عليها صِفةُ الوَضع»

(2)

.

والقصد منهم نزعِ صِفةِ الوَحيِ عمَّا تَضَمَّنه «الصَّحيحان» من أخبار نبويَّة، بعزلِ أحاديثِهما عن مَرجعيَّتِها وقائلِها، وإسقاط حُجيَّتِها -كسائرِ دواوين السُّنة- بدعوى ظنِّيتها، لتستبيحَ بعدُ نقدَها أو نقضَها على مَزاجِها العَقليِّ.

ولنأخذْ مِثالين على هذه المَواقف الخَشيبةِ من «الصَّحيحين» ، لعَلمانِّيَينِ اشتهرا باعتراضِهما على أحاديث السُّنة عمومًا، وعلى أخبارِ «الصَّحيحين» خصوصًا، حتى أطالا النَّفس في ذلك،؛ هما نموذجان يُعطِيان القارئ انطباعًا جُمليًّا عن المُستوى المَعرفيِّ الَّذي بَلَغه رُواد هذا الفكر العَلمانيِّ في نقدِ أصحِّ دواوين السُّنة النَّبوية، فنقول: