الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الأوَّل
تعليلُ الشَّيخينِ لأحاديثَ رُوِيَت عن الصَّحابة
بالنَّظر إلى مخالفة مُتونِها لما هو مَعروفٌ مِن رِواياتِهم
(1)
فمِن أمثلة ذلك عند البخاريِّ:
ما أخرجه
(2)
مِن طريق: أفلت بن خليفة، عن جَسرة بنت دجاجة، عن عائشة رضي الله عنها عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«لا أُحِلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا لجُنب، إلَّا لمحمَّدٍ وآل محمَّد»
(3)
.
فقد عَلَّل البخاريُّ هذا الحديث بمخالفة حديث آخرَ لعائشة، حيث قال:«قال عروة، وعبَّاد بن عبد الله، عن عائشة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: «سُدُّوا هذه الأبواب إلَّا باب أبي بكر»
(4)
، وقال:«وهذا أصحُّ» .
فهذا البخاريُّ حين لاحَظَ تعارضًا بين هذين المَتْنَين، إذ أنَّ حديثَ (جَسرة) الَّذي يَستثني محمَّدا صلى الله عليه وسلم وآله ولم يَسْتَثنِ أبا بكر رضي الله عنهم، مخالفٌ لِما صحَّ عن عائشة مِن استثناءِ أبي بكر رضي الله عنه؛ فلو كانت رَوَت هذين الحَديثين حقيقةً، لبيَّنت حين
(1)
انظر هذا المسلك في التَّعليل في «شرح علل الترمذي» لابن رجب (2/ 802).
(2)
في «التَّاريخ الكبير» (2/ 67).
(3)
أخرجه ابن راهويه في «مسنده» (3/ 1032)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (2/ 466).
(4)
أخرجه البخاري (ك: الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد، رقم: 466).
ذكَرَت أحدَهما المُستثنى الآخرَ الَّذي جاء في الرِّواية الأخرى؛ لمَّا لاحظ البخاريَّ ذلك، دلَّ عنده على انتفاءِ ما زَعَمته (جسرةُ) عنها
(1)
.
ولا يُعلَم أحَدٌ مِن المتقدِّمينِ أعَلَّ حديثَ (جَسرة) مِن حيث المتنِ سِوى البخاريِّ
(2)
.
وأمَّا مثال هذا الباب عند مسلم:
فما أخرجه
(3)
من طريق أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنه قال:«سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أكثرَ مِن عشرينَ مرَّةً، يقرأ في الرَّكعتين بعد المغرب والرَّكعتين قبل الفجر بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}»
(4)
.
يقول مسلم: «وهذا الخبر وَهْمٌ عن ابن عمر رضي الله عنه، والدَّليل على ذلك:
الرِّواياتُ الثَّابتة عن ابن عمر رضي الله عنه: أنَّه ذَكَر ما حفِظَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن تَطوُّع صلاتِه باللَّيل والنَّهار، فذَكَر عشرَ ركعاتٍ، ثمَّ قال رضي الله عنه:« .. ورَكْعَتي الفجر: أخبَرتني حفصةُ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي ركعتين خَفيفتين إذا طَلَع الفجر، وكانت ساعةً لا أدخلُ على النَّبي صلى الله عليه وسلم فيها» .
فكيف سَمِع منه أكثر مِن عشرين مرَّةً قراءتَه فيها، وهو يُخبر أنَّه حفِظَ الرَّكعتين مِن حفصةَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم؟!».
(1)
حديث (جَسرة) ضعَّفه جمعٌ من النُّقاد لجهالةِ (أفلتَ بنِ خليفة) راويه عن (جَسرة)، ومنهم من ضعَّفه لأجل (جسرة) نفسِها، انظر «معالم السنن» للخطابي (1/ 77)، و «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (13/ 77 - 78).
(2)
انظر «الأحاديث التي أعل الإمام البخاري متونها بالتناقض» (ص/194 - 195).
(3)
في «التَّمييز» (ص/173).
(4)
أخرجه أحمد في «المسند» (8/ 509، رقم: 4909)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ك: الصلاة، باب: القراءة في ركعتي الفجر، رقم: 4790)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ك: صلاة التطوع والإمامة، باب: ما يقرأ فيهما، رقم: 6336)