الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثَّالث
جمال البَنَّا (ت 1434 هـ)
(1)
وكتابه «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث الَّتي لا تلزم»
يحتارُ القارئ لكُتبِ (البنَّا) في تصنيفِه تصنيفًا فِكريًّا مُحدَّد المَعالِم، بين كونِه عقلانيًّا ذا أصولٍ إسلاميَّة، أو حَداثيًّا مُواليًا لأفكار الأنْسَنة، بل قُرآنيًّا مُنكِرًا لحجيَّة الأحاديث النَّبويَّة.
(2)
.
ويقول: «لوْ قال أحدٌ أنَّ هذه الأحاديث لا يُعتَدُّ بها أصلًا لمَا كان مُتعسِّفًا»
(3)
!
(1)
جمال بن أحمد البنَّا: مُفكِّر مصري ذو جذور إسلامية، جاهد لينحو بالدين إلى الليبرالية الغربية، وهو الشَّقيق الأصغر لحسن البنَّا مؤسِّس جماعة الإخوان المسلمين، صدر أوَّل كتاب له بعنوان «ثلاث عقبات في طريق المجد» سنة 1945 م، وبعده «روح الإسلام» ، ثمَّ تَوالت مُؤلَّفاته الَّتي شذَّ في كثير من مسائلها وفتاويه عن إجماعات أهل السُّنة، ككتاب «السنة ودورُها في الفقه الجديد» .
(2)
«السُنة ودورها في الفقه الجديد» لجمال البنا (ص/73).
(3)
و (البنَّا) وإن كان مُخالفًا للقرآنيِّين في أصل موقِفِهم الرَّافض للسُّنة جملةً - إلَاّ أنَّه يجانِسهم في نِتاجِ تَقريراته، ولوازِمها مِن حيث الواقع العمليِّ، بل ترى اتِّساقًا كبيرًا لرؤيته الفكريَّة المتعلِّقة بأفرادِ الأدلَّة الشَّرعيَّة النقليَّة، وبين ما يراه الحداثيُّون في تاريخيَّتها وإعادةِ تشكيلِها بما يأتلف والحضارة الغربيَّة الحديثة.
ترى شاهدَ هذا في تأكيدِه على «أنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم والخلفاءَ الرَّاشدين والصَّحابة أرادوا عدم تأبيد ما جاءت به السُّنن مِن أحكام»
(1)
.
فهو على هذا لا يَعُدُّ السُّنة النَّبويَّة مَكينةً في التَّشريع الإسلاميِّ، بل يأتي في مُقدِّمة ذلك العقلُ! ثمَّ مَقاصد القرآن وقِيَمُه ثانيًا، ثمَّ السُّنة بعدهما
(2)
.
وقد بَلَغ الحال بـ (البنَّا) في تحريفِ الشَّريعةِ دركةً ليس وراءَها مُطَّلَع لناظرٍ، ولا تحتها مهوىً لخِسَّة، فقد كان ينكر فرضَ الحجابِ على النِّساء، وحَدَّ الرِّدة عن الإسلام، بل كان يُبيح التَّدخينَ للصَّائم في رمضان! إلى غيرِ ذلك مِن بوائقه الَّتي كثرُت، ولواذِعِه الَّتي اشتدَّت في حقِّ السُنَّة، حتَّى صُدِّرت جَهالاته عبرَ مَنابر الإعلامِ العَلمانيِّ بلا رقيبٍ.
لقد ركب (البنَّا) المُعمَّهَ في أمرٍ عَسِرٍ، تظاهر فيه ببراءةِ قصدِه مِن شَيْنِ الأحاديث ورُواتها، ولعلَّه كان مُستشعِرًا في قرارةِ نفسه لهَوْلِ ما كان يُقدِم عليه مِن اقتحامِ سِياجِ الشَّريعة بغير إذنٍ؛ تَلْمَسُ شيئًا من هذا الشُّعور في تَقدِمَتِه لعُدوانِه على أحكامِ السُّنةِ في كتابه «السُنة ودروها في الفقه الجديد» بقولِه:«يكاد فؤادي يَطير فزعًا مِمَّا أبوح به، لكنِّي مُضطَرٌّ إلى البَوْح نُصحًا، مُتَمنِّيًا -بكلِّ الصِّدق والإخلاص- أن أكون مُخطِئًا، فمَن كان ذا طِبٍّ، ويراني عَليلًا، فدونه فليُطبِّبني .. »
(3)
.
(1)
«السُّنة ودورها في الفقه الجديد» (ص/202، 252).
(2)
انظر كتابه «السنة ودورها في الفقه الجديد» (ص/155، 174).
(3)
«السُنة ودروها في الفقه الجديد» لجمال البنا (ص/62).
الفرع الأوَّل: عدم اعتبارِ (البنَّا) للسُّنةِ القوليَّةِ، أصلٌ في نَظرتِه النَّقديَّةِ لأحاديث السُّنة.
أوَّل ما ينبغي معرفته من موقف (جمال البنَّا) من السُّنة، أنَّه لا يَعتبرُ منها إلَّا العَمليَّةَ دون القوليَّة، فالحُجَّة عنده محصورة في أفعالِه صلى الله عليه وسلم وسِيرته العمليَّة المُتناقلةِ
(1)
، وذلك أنَّه يَفهم مِن مَعناها اللُّغويَّ «الدَّأبَ، والمنهجَ، والطَّريقة، أي أنَّها عَملُ الرَّسول، وليس قولَه»
(2)
.
فهو لأجل ذلك يُخرج القوليَّة والتَّقريريَّة من مُسمَّى «السُّنة» المأمورِ باتِّباعها، ويجعلُ أكثرَ المَنقولِ في هذين النَّوعين مُختلقًا أو مَشكوكًا في صِحَّتِه، سعى هو إلى البرهنةِ إلى ذلك ببيانِ ما يراه زَيفَ متونِ كثيرٍ من الصِّحاحِ عند أهل السُّنة.
وذاك الموقف منه أصلٌ عند الحَداثِيِّين يُدندنون عليه كثيرًا، لأجله نَرى بعضَهم يمهِّد بين يدي طعنه في أحاديث الصحيحين بنَفْيِ الوَحيِ عن هذه السُّنَن القوليَّة
(3)
!
وأصل تأثَّر (البنَّا) بهذا الأصلِ البِدعيِّ كتاباتُ (محمَّد رشيد رضا)، مُقدَّمِ أربابِ هذا المسلكِ في تشطيرِ السُّنةِ، وذلك في ما قرأه له من مقالاتٍ قديمةٍ مَبثوثةٍ في أولياتِ مجلَّتِه «المنار»
(4)
؛ وقد تَبنَّى هذا الرَّأيَ عنه فِئامٌ مِن ذوي النَّزعة العقليَّة بعده، قلَّةٌ منهم مُشتغلٌ بالعلومِ الشَّرعيَّة، كحالِ (محمود أبو ريَّة)
(5)
، و (محمود شَلتوت).
عَقَد هذا بابًا كاملًا في كتابِه «الإسلام عقيدةٌ وشريعةٌ» في نُصرة هذا المَسلك، بل أضافَ مِن القيودِ على معنى السُّنةِ ما تجاوزَ به شرطَ (رشيد رضا)،
(1)
«السُّنة ودورها في الفقه الجديد» لجمال البنا (ص/11).
(2)
«تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم» (ص/7).
(3)
كما فعل زكريا أوزون في «جناية البخاري» (ص/14).
(4)
مقالاته هذه في «مجلة المنار» (10/ 849).
(5)
«أضواء على السنة المحمدية» لمحمد أبو رية (ص/379 - 380).
كأن تتَّصف بالتَّواترِ العمليِّ والاطِّراد المعروفِ عند الكافَّة
(1)
! ووافقه على اشتراطِه هذا (سليمان النَّدوي)
(2)
، مُتوسِّعًا فيما يَراه صالحًا للتَّمثيلِ لها
(3)
.
فأيُّ غرابة بعدُ في أن تَتَواطأ كلمات الحَداثيِّين على تَبنِّي هذا القولِ والتَّطبيل له
(4)
؟! وبِه يخلو لهم الجوُّ في مَقامِ التَّشريعاتِ لإسقاطِ شَطرٍ كبيرٍ مِن أثقالِ السُّنة عن ظهورِهم، بل هي السَّبب عندهم «في تحنيطِ الإسلام، وأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم وصحابتَه لم يعرفوا السُّنةَ بهذا الشَّكل»
(5)
.
الفرع الثَّاني: نقض مسلكِ (البنَّا) في اعتبارِ السُّنة العمليَّة دون القوليَّة.
ويتبيَّنُ وجه بطلان تقسيم (البنَّا) للسُّنة من حيث الحجيَّة مِن عدَّةِ وجوه:
الأوَّل: أنَّ هذا التَّقسيم بهذا الاعتبار لم يَقُل به أحَدٌ مِن سَلفِ الأمَّة أو مُتأخِّريها، قد أصابَ المعلِّمي في نعتِه لهذا القولِ بأنَّه «اصطلاحٌ مُحدَث، لا يخفى بُطلانه»
(6)
.
الثَّاني: نفي هؤلاءِ لحجيَّة السُّنة القوليَّة نتيجة لمقدِّمة لغويَّةٍ خاطئة، حيث إنَّ دَلالة السُّنة في لُغة العربِ أوسعُ مِن مُجرَّدِ قصرِها على السِّيرةِ العَمليَّة، فإنَّها في وضعهِم الأوَّلِ دالَّةٌ على معاني أخرى، منها: السِّيرة والطَّريقة
(7)
، والإمام المُتَّبَع
(8)
، ولا شَكَّ أنَّ هذه المعاني شاملةٌ في مَدلولاتِها اللُّغوية للأقوالِ والأفعالِ.
(1)
«الإسلام عقيدة وشريعة» لمحمود شلتوت (ص/480 - 491).
(2)
نسبةً إلى دار النَّدوة بالهند، صاحب اطِّلاع على الحديث والتَّاريخ، له تصانيف باللُّغة العربية والأرديَّة، عُين رئيسا لجمعية علماء الإسلام بكَراتشي، توفي سنة (1953 م)، انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 137).
(3)
انظر مقاله المُترجم: (تحقيق معنى السُّنة وبيان الحاجة إليها)، المنشور في «مجلة المنار» (30/ 673).
(4)
انظر نماذج من نصوصهم في تبني هذا المسلك في «الاتجاهات المعاصرة في دراسة السنة النبوية في مصر وبلاد السام» لمحمد عبد الرزاق أسود (ص/590 - 591).
(5)
«الكتاب والقرآن» لمحمد شحرور (ص/546).
(6)
«الأنوار الكاشفة» (ص/58).
(7)
انظر «لسان العرب» (13/ 226) مادة: س ن ن.
(8)
«جامع البيان» للطبري (6/ 72).
بل نزيد أن نقرِّر هنا: أنَّ الاتِّباعَ كما يكون في العمل والطَّريقة، فهو كائنٌ في الأمرِ والنَّهي من باب أوْلى.
فإذا كانت السُّنة هي الخُطَّة والطَّريقة، فلا شَكَّ أنَّ الخطَّة يكون أصلُها القول، والطَّريقُ والطَّريقة والسَّبيل مَعناها واحد، وقد قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]، والدُّعاء قَول، وقد سَمَّاه سبيلًا
(1)
.
الثَّالث: أنَّ أقواله صلى الله عليه وسلم أدلُّ على الحكمِ الشَّرعي مِن أفعالِه، على ما قرَّره جمهور الأصوليِّين
(2)
، فأفعالُه الجبليَّة لا قُدوة فيها، ولا تَدلُّ على أكثرِ مِن الإباحة، وكذا ما اختصَّ به من الأفعال؛ وهذا لا يُتأتَّى في أقوالِه، فعليه قَدَّموا قوله صلى الله عليه وسلم على فعلِه عند التَّعارض
(3)
.
الرَّابع: القول بهذا التَّقسيم المُحدَث للسُّنة يقتضي ردَّ آلاف الأحاديث الَّتي نَقَلها الصَّحابة والتَّابعون رضي الله عنهم، وأئمَّة الدِّين عنه صلى الله عليه وسلم في جميع الأبواب الشَّرعيَّة
(4)
، مِمَّا يقتضي رَدَّ أكثر السُّننِ الفِعليَّة نفسها! «بل لا يبعد إذا قلنا كلَّها، لأنَّه ما مِن فعلٍ نُقل إلينا مِن تلك، إلَّا وقد اختُلف في هيآته وأحكامِه المقوِّمة لحقيقتِه، والمسلمون النَّاقلون لِتِلكَ الأعمال، إنَّما كان مُستنَد اختلافهم في ذلك: إمَّا السُّنَن القوليَّة، وإمَّا اجتهاد مَن يتأتَّى له الاجتهاد منهم، فإذا لم يجِب أن تكون سُنن الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم القوليَّة مِن الدِّين، فلَأن لا تكون مجهودات غيرِه مِن الدِّين أولى وأحرى!»
(5)
.
(1)
«مجلة المنار» (12/ 521)، وانظر «موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية» (1/ 28)، و «موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي» (ص/68 - 70) فقد نقل فيه مؤلفه سبعة عشر قولا من أقوال أهل العلم المتقدِّمين تدلُّ على إطلاق السُّنة على أقواله وأفعاله وتقريراته.
(2)
«أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالها على الأحكام الشرعية» لمحمد سليمان الأشقر (1/ 55 - 57).
(3)
«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (4/ 656).
(4)
«دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين» لمحمد أبو شهبة (ص/276).
(5)
من ردِّ الشيخ صالح اليافعي على توفيق صدقي، انظر «مجلة المنار» (11/ 141).
فلأجل ذلك نقول: أنَّ السُّنة القوليَّة لو لم تكُن حُجَّةً في دينِ الله تعالى، لَما بذل العلماء المُستأمنون على الشَّرع جهودَهم وأوقاتَهم في تدوينِها، بل ولا أَذِن النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك لبعضِ أصحابه أصلًا! ولكان أوَّل مَن يُنبِّه أمَّتَه على خطورة ذلك كي يحذروه
(1)
.
الفرع الثَّالث: كتاب «تجريد البخاريِّ ومسلمٍ» التَّطبيق العَمليُّ لقناعات (البنَّا) تُجاه مُدوَّنات الحديث.
إذا مَحَصَّنا النَّظرَ في طبيعةِ المؤلَّفات الَّتي خصَّصها (البنَّا) لموضوعِ السُّنة ومُدوَّناتها، أخصُّ منها كتابَه «السُّنة ودورها في الفقه الجديد» ، وكتابَه الآخرَ «الأصلان العظيمان: الكتاب والسُّنة»، سنجدُ كتابَه المتأخِّر عنهما «تجريد البخاريِّ ومسلم من الأحاديث الَّتي لا تلزم» هو الميدان التَّطبيقيَّ لما أسلف تنظيرُه وتأصيله في الأوَّلَين؛ غرضُه منه «أنْ يُنقل القارئَ من عالمِ البخاريِّ المُقدَّسِ، كأصدقِ كتابٍ بعد كتابِ الله تعالى، إلى تجريدِه مِن مئاتِ الأحاديثِ .. فالكتاب جديدٌ، ويمكن أن يكون صادِمًا للكثير!» كما يقول
(2)
.
وهو حقًّا صادمٌ لذوي الفِطَر السَّليمة، والعقول المستقيمة، كيف وقد استهلَّه بقارعتين: بكذبةٍ حمقاء، وسرقةٍ خرقاء.
فأمَّا الحمقاء: فعَزوُه أوَّلَ كتابِه إلى البخاريِّ إخراجَ حديث «الغرانيق» ! وأنَّه ضمنَ جملةٍ أخرى مِن الأحاديثِ الَّتي أساءَت إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ وجوده في «الصَّحيح» ممَّا دَعاه إلى تأليف هذا الكتاب، تبرءةً لعِرضِ النَّبي صلى الله عليه وسلم كما زعم
(3)
.
والبخاريُّ بَريءٌ مِن تصحيحِ هذا الحديثِ المُنكَر، و «صحيحُه» خالٍ من هذه الفِرية.
(1)
انظر «تدوين السنة النبوية، نشأته وتطوره» لـ د. محمد مطر الزهراني (ص/74).
(2)
«تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم» (ص/15).
(3)
وأمَّا سرقته الخرقاء: والَّتي لم يُحسِن هو سَترَها، فتلك في مُقدِّماتِه التَّأصيليَّةِ الأربعِ لموضوع كتابِه، والَّتي ادَّعى أنَّها مِن وَحيِ اجتهادِه، لا تعدو في واقع الأمر أن تكونَ نسخًا لمِا قَدَّم به (إسماعيل الكرديُّ) كتابَه «نحو تفعيل نقد متن الحديث النَّبويِّ» ! مع بعض اختصار
(1)
.
فالرَّجل مُكثرٌ مِن استنساخ ما في هذا الكتاب وتقليد صاحبه فيه حذوَ الحرفِ بالحرفِ من غير إحالة إليه! ومَن قابَلَ بين مُقدِّمتي الكِتابين تبيَّن له أوسع ممَّا أعنيه.
وبعد هذه المُقدِّمات المَنهوبات من كتاب (الكرديِّ)، شَرَع (البنَّا) في مقصودِ كتابِه بسردِ ما يعتقده مُنكرًا مِن متونِ «الصَّحيحين» ، حيث بَلَغت عدَّتُها عنده ستمائةٍ وثلاثةً وخمسين (653) حديثًا! مُرتِّبًا لها تحت أربعة عشر بابًا، مُعنوِنًا لها بما يَدلُّ على المعنى العامِّ الَّذي لأجله جُرِّدت مِن لَبوس النُّبوَّة.
فكان أوَّل هذه الأواب: «أحاديث الغيب» ، ثمَّ «الإسرائيليَّات»
(2)
، و «أحاديث تمسُّ ذات الله تعالى»
(3)
(4)
، وأخرى «تحدِّد أسباب نزولها»
(5)
، و «أحاديث في نسخ القرآن» ، و «أحاديث تتضمَّن أحكامًا
(1)
وهو يكثر النَّقل عن كتابه حذوَ الحرفِ بالحرفِ دون عزوٍ، بل تراه يستنسخ نفس النُّقول على نفس ترتيب الكرديِّ في مقدِّمته! ومن قابل بين مقدِّمتي الكتابين تبيَّن له أوسعَ ممَّا أعنيه.
(2)
قد أورد تحت هذا الباب ما يَدلُّ على جهله بمن هم بنو إسرائيل، منها نسبته (ص/177) إبراهيم عليه السلام إليهم، وإنَّما هو أصلهم وليس منهم، ثمَّ ذكره (ص/191) لحديث مَجيء اليهود إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم حين ذكروا له أنَّ رجلًا منهم زنا بامرأة .. إلخ، وهذه واقعة في زَمن النَّبي صلى الله عليه وسلم، لا من أقوال بني إسرائيل السَّابقين.
(3)
قصد به إسقاط أحاديث الصِّفات بدعوى التَّجسيم، في الوقت الَّذي سعى في تأويل مثيلاتها من آيات الصِّفات في القرآن وحملها على المجاز، انظر مثال هذا في كتابه (ص/194).
(4)
حيث يرى (ص/198) أنَّ القرآن لا يحتاج إلى تفسير، وأنَّه يفسرُّ بعضه بعضًا، لكنَّه نقض هذا في الصفحة نفسها، حين اعترف بأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد فسَّر بعض الآيات للصَّحابة!
(5)
علَّل رفضه لهذه الأحاديث في (ص/207) بقوله: «لأنَّ القرآن لا يصدر الأحكام لأسباب خاصَّة» ، وهذا لا شكَّ قول يُناقض القرآن نفسه، لأنَّ فيه آيات بيِّناتٍ في نزولها على أقوامٍ بأعيانهم، كزيد بن حارثة رضي الله عنه في الآية 37 من سورة الأحزاب، وأبي لهب في سورة المَسد، وهكذا.
مخالفة للقرآن»، و «الأحاديث القدسيَّة»
(1)
،
و «أحاديث المعجزات الحسيَّة» ، و «أحاديث تخلُّ بعصمة الرَّسول صلى الله عليه وسلم» ، و «أحاديث ضدُّ حريَّة الفكر والاعتقاد» ، و «السَّرف في التَّرغيب والتَّرهيب» ، و «أحاديث تسيء إلى المرأة» ، و «أحاديث مشكلة في متونها» .
وقد حاولَ (البنَّا) أن يجعل هذه الأبوابَ مُنضويةً تحت ضابطٍ مَنهجيٍّ لنقدِ الأحاديث، وهو «العرضَ على القرآنِ الكريم» ، فنَتَج عن استعمالِه لهذا المِعيارِ «التَّوقفَ أمامَ قرابةِ أَلْفَي حديثٍ، يُمكن أن يكون نصفُها في الصَّحيحين»
(2)
!
وما أبقاه في «الصَّحيحين» مِمَّا سلمت منه يَدَي التَّشطيبٍ أو اللَّمزٍ، فإنَّما هو إمَّا لأجلِ مُوافقته للقرآن، فإنَّه قد عابَ على الشَّيخين تَساهُلَهما المَشينَ مع القرآنِ الكريمِ وتأويلِه!
(3)
أو لأنَّ أنفَه اشتَمَّ منها عَبَقَ النُّبوةَ -حسبَ تعبيرِه
(4)
- فلم تحتَجْ إلى إجهاد نظرِ المُحدِّثين في نقدِها!
(5)
والمؤلِّف في هذا ساردٌ لأغلب تلك الأحاديث تحت الأبوابِ السَّالفة سردًا دون أن يُعلِّق عليها بما يُبيِّن عِلَّتها! وأحيانًا يُبيِّن ذلك، وكأنَّ الشُّبهة الَّتي ارتمَت عليه عند نظرِه في الأحاديث، يفترضُ هو أنَّها أصابَت كلَّ النَّاس؛ فأشبَهَ كتابُه كتابَ فِهرسٍ.
وسيأتي نقض كثيرٍ من شطحاته في ذلك في الباب الثَّالث بإذن الله تعالى.
(1)
لأنَّها -بزعمه- مادامت تُروى عن الله تعالى، فيلزم أن تكون قطعية الثُّبوت مثل القرآن الكريم تمامًا، انظر (ص/247) من كتابِه ..
(2)
«الأصلان العظيمان» (ص/276).
(3)
مع أنه قد انظر «تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم» (ص/68).
(4)
«تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم» (ص/8).
(5)