الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب السَّادس
الأصل العَقليُّ النَّاظِم لمُخالِفي أهلِ السُّنةِ
في ردِّ الأحاديث النَّبويَّة
يعتقِد عامَّة مَن يخالف منهج أهلِ السُّنَّة في اعتبار مراتب الأدلَّة، بوجودِ خصومةٍ بين النَّقلِ والعقل، وبوقوع التَّعارضِ بين كثيرٍ من أفرادِ دلائلهما، أو إمكانِ ذلك وجَوازِه؛ ومادام أنَّ تقديمَ النَّقلِ على العقلِ مُستلزم عندهم للدَّوْرِ المُحال، إذْ أنَّ حُجيَّة الخبرِ الشَّرعي لا يُمكن بحالٍ أن تُعلم إلَاّ بإثباتِ الدَّلالة العقليَّة وتصحيحها لها: فإنَّ تقديمَ النَّقل في هذه الحالةِ مستلزمٌ للقدحَ في أَصلِه!
وهذا عينُ ما ادَّعاهُ المُخالفون -كما قدَّمنا- لرَدِّهم كثيرًا مِن المَرويَّات الصِّحاحِ، بدءًا مِن المعتزلة
(1)
، ومرورًا بكثيرٍ من مُتأخِّري الأشاعرة
(2)
، ثمَّ انتهاءً بالعَلمانيِّين؛ مع أنَّ الدَّور في حقيقة الأَمْرِ مُنتفٍ؛ وهو توهُّمٌ ناشئٌ عن افتعالِ الخصومةِ بين العقلِ والنَّقل، ولا خصومةَ بينهما عند التَّحقيق -كما سيأتي عليه البيان-، وما تقدَّم من لَهَج بعض أرباب المَقالات بمَركزيَّةِ العقلِ، مُجرَّد دعوى لا تحقُّق لها في سوقِ الدَّلائل الشَّرعيَّة ولا حتَّى العقليَّة.
(1)
انظر «شرح الأصول الخمسة» للقاضي عبد الجبَّار (ص/88 - 89).
(2)
انظر «البرهان» للجويني (1/ 111)، و «العواصم من القواصم» لابن العربي (ص/231).
وإنَّا إذ نرفضُ تلك الخصومةَ المُدَّعاة بين صريح العقل وصِحاح النَّقل، لا نُنكر في المُقابل وجودَ مَبادئ فِطريَّة مَركوزةٍ في العقل الإِنسانيِّ، بل إنَّ وجودَ هذه المَبادئ والإِقرار بها مِمَّا يُوطِّد وَهْنَ هذه الدَّعوى؛ ذلك لأنَّ هذه المَبادئ مع كونِها مِن مُكوِّنات العقلِ البشريِّ، إلَاّ أنَّها غير كافيةٍ في تحصيلِ الحقائق، إمَّا مُطلقًا، وإمَّا على وجهِ التَّفصيل، فهي مُفْتَقِرة إلى نُور الوحي
(1)
.
وهذا ما سيَتَبيَّن بعدُ بتحديدِ معنى العقلِ، فإنَّ الاختلاف في مَفهومِه مِن أصولِ النِّزاع في ما نحن بصدده، فلقد داخل هذا اللَّفظَ مادَّةٌ مِن الاشتباهِ والإجمالِ
(2)
، وعندي أنَّه مِن أكثرِ المُصطَلَحاتِ المَظلومة من أهل هذا العصر، فلَكَم حُمِّل ما لا يحتمِلُ، أُلبِس أوسعَ مِن مَقاسِه!
(3)
، ولأجل ترسِيَتِه مواضِعَه المناسبة نقول:
الفرع الأوَّل: مَفهوم العقلِ الَّذي تمتنِعُ مُعارَضتُه للدَّلائل النَّقليَّة.
تدور مادَّة العقل في اللِّسان: على المنعِ، والحبس، والإمساكِ، ومِنه: عَقَلَ الدَّواءُ بطنَه، يعقِلُه عقلًا: أمسَكَه، ويُسمَّى عقل الإنسان عقلًا، لأَنَّه يمنع صاحبَه مِن التَّورُّط في المَهَالِك
(4)
.
وأَمَّا مفهومُه في المُواضَعةِ والاصطلاحِ: فيدور على مَعَانٍ كثيرةٍ، قد قيل في عِبارتِه ألفُ قَولٍ
(5)
! والَّذي يُرادُ من ذلك في هذا المَقام، ويَمتنعُ مُعارضته للدَّلائلِ النَّقليَّةِ: هو العقلُ الفِطريُّ بمَبادئِه الأوليَّة التي فُطِرَ عليها العقل
(1)
«دفع دعوى المُعارض العقليِّ» (ص/39).
(2)
كما قال ابن تيميَّة في «مجموع الفتاوى» (16/ 469 - 470).
(3)
«درء التعارض» (1/ 191).
(4)
انظر: «القاموس المحيط» للفيروز آبادي (1336)
(5)
«البحر المحيط» للزركشي (1/ 115)
الإنسانيُّ، والَّذي يحُدُّه النُّظَّارُ والمُتكلِّمون بأنَّه:
(1)
.
هذه المبادئ والعلوم يمكن رَدُّها إلى مَبدأين:
الأول: مَبدأ عدمِ التَّناقض، والَّذي يُراد به امتناعُ أن يوجد الشَّيء وأنْ لا يوجد في نفسِ الوقتِ، ومِن ذاتِ الِجهة.
والمبدأ الآخر: مَبدأ السَّبَبيَّة، ويُقصَد به: أنَّ كلَّ ما يُوجَد، فلا بُدَّ أَن يكون لوُجودِه سَببٌ
(2)
.
فهذان المبدآن يَتَّسِمان بالضَّرورة والكُليَّة.
فأمَّا الضَّرورة فمعناها: امتناعُ تَصوُّر نقيضِها، وامتناعُ البَرهنةِ عليها؛ لكونِها بيِّنةً لا تفتقر إلى بُرهانٍ، فهي أصلُ كلِّ برهانٍ.
وأمَّا الكُليَّة فالمُراد بها: انطباقُها على كلِّ وجودٍ ذاتيٍّ، أو مَوضوعيٍّ
(3)
.
ثمَّ يندرج تحت مفهوم العقل أيضًا: العقلُ الحِسِّي، وأساسُ استنادِه على نَقْلِ الحِسِّ ومُعطياتِه.
الفرع الثَّاني: الدَّليلُ الإجماليُّ على انتفاءِ التَّعارضِ بين العقلِ والنَّقلِ.
مِمَّا مَضى تقصُّده مِن معنى العقلِ، يمتَنِعُ أن يكونَ الدَّليل النَّقليُّ -كتابًا وسُنَّة- مناقضًا للعقلِ بمَفهومَيْه الفِطريِّ والحِسِّي، ووَجهُ ذلك:
أنَّ النَّقلَ الثَّابتَ عند العُقلاء من أهل المِلَّة لا يكون مُنافيًا للعقل الفطريِّ؛
(1)
انظر «المُغني في أبواب العدل والتوحيد» للقاضي عبد الجبَّار (375/جزء التَّكليف)، و «البرهان» للجويني (1/ 19)، و «الواضح» لابن عقيل (1/ 23 - 24)، و «المسودة في أصول الفقه» لآل تيميَّة (ص/557).
(2)
انظر «العقل والوجود» ليوسف كرم (ص/138) و «المعرفة في الإسلام» لعبد الله القرني (ص/305 - 306).
(3)
«العقل والوجود» ليوسف كرم (ص/140).
بحيث تكون دلالتُه مُنافيةً لمبدأِ عدمِ التَّناقضِ، أو مَنطويةً على ما فيه خرقٌ لقانونِ السَّببيَّة؛ وكذا يمتنع ورُوده بِرَفْعِ ما يَقْطَعُ الإدراكُ الحسِّيُّ بثبوتِه.
وفي تقرير هذه المسلَّمة، يقول أبو الوفاء ابن عقيل (ت 513 هـ):«أجمع العقلاء على أنَّه ما وَرد الشَّرع بما يخالف العقل»
(1)
.
وأَمَّا أن يَرِدَ البرهانُ النَّقليُّ بِما لم يَدُلَّ عليه العقلُ: فهذا مُتَحقِّق، ولا مُعارضة حينئذٍ؛ لأنَّ الكلامَ إنَّما هو في دليلٍ نقليٍّ يؤدِّي مَفهومًا على خلافِ الضَّرورةِ العقليَّةِ، لا فيما يختصُّ به الدَّليل النَّقلُّي دون العقليِّ، مِمَّا يَعزُبُ عن العقل الدَّلالة عليه؛ لخروجِه عن مَجَالِهِ
(2)
، فعندئذٍ لا يَدلُّ عليه ولا يَنفيه على السَّواء.
ذلك أنَّ العقلَ عندنا مَعاشر المسلمين «مَحكومٌ أوَّلًا بطبيعتِه، طبيعةِ أنَّه مخلوقٌ حادثٌ، ليس كُليًّا ومُطلقًا، ليس أوَّليًّا ولا أبَديًّا، ومِن ثَمَّ فإنَّ إدراكَه لابدَّ أن يكون محدودًا بما تحدُّه به طبيعتُه.
ثمَّ هو محدودٌ بوَظيفتِه، وظيفةِ الخلافةِ في الأرضِ، لتحقيقِ معنى العبادة فيها، ومِن ثمَّ فقد وُهِب مِن الإدراكِ ما يُناسب هذه الخلافةَ بلا نقصٍ ولا زيادة، وهناك أمورٌ لا يحتاج إليها في وظيفتِه هذه، ومِن ثمَّ لم يُوهَب القدرةَ على إدراكِ ماهيةٍ أو إدراكِ كيفيَّةٍ، وإنْ كان مَوهوبًا أن يُدرِك إمكانَها»
(3)
، فتكون الدَّلالةُ على ذلك في مثل هذا المَقام مُقتصرةً على الدَّليلِ النَّقلي.
وإنَّما تَتحقَّق المنافاة بين نَقْلٍ مَنحولٍ وعقلٍ صَريح، أو بين عَقْلٍ مَدخولٍ وبين نقلٍ صحيح -وهذا الصِّنف مِن التَّعارُضِ هو المُراد تناولُه في هذه الدِّراسة لِما استُشكِل مِن أحاديثِ «الصَّحيحين» -.
(1)
«كتاب الفنون» لابن عقيل (1/ 401).
(2)
«دفع دعوى المُعارض العقلي» (ص/27).
(3)
«خصائص التَّصور الإسلامي» لسيد قطب (ص/54).
يقول ابن تيمية في حقِّ كثيرٍ من أهل الكلام والفلسفةِ: «هؤلاء مُضطَرِبون في مَعقولاتهم أكثرَ مِن اضطرابِ أولئك في المَنقولاتِ، تجِدُ هؤلاء يقولون أنَّا نعلمُ بالضَّرورةِ أمرًا، والآخرون يقولون نعلمُ بالنَّظرِ أو بالضَّرورةِ ما يُناقِضُه! وهؤلاء يقولون العقلُ الصَّريحُ لا يَدلُّ إلَاّ على ما قُلناه، والآخرون يُناقضوهم في ذلك!
ثمَّ مَن جَمَع منهم بين هذه الحُجَج، أدَّاه الأمرُ إلى تكافؤِ الأدلَّة، فيبقى في الحيرةِ والوقفِ أو إلى التَّناقض، وهو أن يقول هنا قولًا، ويقول هنا قولًا يُناقضه، كما تجد مِن حالِ كثيرٍ مِن هؤلاء المُتكلِّمين والمُتفلسفة، بل تجدُ أحدَهم يجمَعُ بين النَّقيضين، أو بين رَفعِ النَّقيضين -والنَّقيضان اللَّذان هما الإثباتُ والنَّفيُ لا يجتمعان ولا يَرتفعان-، بل هذا يُفيد صاحبَه الشَّكَ والوقفَ، فيَتَردَّد بين الاعتقادَين المُتناقضين: الإثباتِ والنَّفي، كما يَتَردَّد بين الإرادتين المُتناقِضَتين.
وهذا هو حالُ حُذَّاق هؤلاء، كأبي المَعالي، وأبي حامد، والشِّهرستاني، والرَّازي، والآمدي، وأمَّا ابنُ سِينا وأمثاله: فأعظمُ تناقضًا واضطرابًا، والمُعتزلة بين هؤلاء وهؤلاء في التَّناقضِ والاضطرابِ، وسَبَبُ ذلك: جَعلُ ما ليس بمَعقولٍ مَعقولًا، لاشتباهِ الأمرِ ودِقَّة المَسائل، وإلَاّ فالمَعقولاتُ الصَّريحةُ لا تَتَناقض، والمَنقولاتُ الصَّحيحةُ عن المَعصوم لا تَتَناقض»
(1)
.
فبانَ أنَّ نفسَ العقلَ المَقول بأوَّليَّتِه غيرُ مُنضبِطِ المَعالِم لدى أَصحابِه، إذْ كلُّ طائفةٍ قد أَصَّلَت لها أُصولًا بِدعيَّةً، جعَلَتها عَقْلًا تَتَمعْقلُ به على الأحاديثِ النَّبويَّة، فما وافقها قُبِلَ، وما خالفها رُدَّ.
وهذه الأُصول قد دَرَج عليها المُتأخِّرون مِمَّن انتحَلَ طريقتَهم، إلَاّ أنَّ فِئامًا منهم -كمحمَّد عبدُه- لم تكُن المَركزيَّة لديهم لعقلٍ واحدٍ، وهو العقلُ المُستبطِن أُصولَ الطَّائفة، بل أَصبحَ العقلُ لديهم مُرَكَّبًا مِن ذلك مع ما استَوْلَدَه الفِكرُ البَشريُّ مِن نَظريَّاتٍ عِلميَّةٍ، ثبتَ بعضُها، ولم يَرْقَ كثيرٌ منها إلى رُتبةِ الحقائقِ
(1)
«الصَّفدية» لابن تيميَّة (1/ 294 - 295).
المقطوعِ بها؛ مِمَّا آلَ إلى توسيعِ دائرةِ المُناقضةِ للدَّلائلِ الشَّرعيَّةِ عند المُعاصرين
(1)
.
ولهذا كان فتحُ البابِ لنقدِ متون الأحاديثِ بمُجرَّد النَّظر العقليِّ الَّذي لا نعرف له ضابِطًا، والسَّيرُ في ذلك بخُطًى واسعةٍ حسبِ ذوقِ النَّاقِدِ وهَواه، أو حسب استيرابه النَّاشِئ -في الغالبِ- عن قلَّةِ اطِّلاعٍ وقِصرِ نَظرٍ؛ إنَّ فتح هذا الباب لمثلِ هؤلاء «يؤدِّي إلى فوضى لا يعلَمُ إلَّا الله مُنتهاها، وإلى أن تكون السُنَّةُ الصَّحيحة غيرَ مُستقرَّةِ البُنيان، ولا ثابتة الدَّعائم؛ ففُلانٌ يَنفي هذا الحديث، وفلانٌ يُثبته، وفلانٌ يتوقَّف فيه، كلُّ ذلك لأنَّ عقولهم كانت مُختلفةً في الحُكمِ والرَّأي والثَّقافة والعُمق، فكيف يجوز هذا؟!»
(2)
.
والواقع يشهدُ: أنَّ اتِّفاقَ أَهلِ الحديثِ على صِحَّةِ خبَرٍ مُحْكَمٌ لم ينكسِر، إذْ لم نَرَ لهم نِزَاعًا فيه بعد اتِّفاق؛ على ضِدِّ حالِ المُعترِضين على الأخبار المُتلقَّاة بالقَبول، فإِنَّ النِّزاع فيما يَدَّعون أنَّه مِن بدائه العقول قائمٌ، واتِّفاقهم هذا مُنْثَلِمٌ لم تتحقَّق له صورةٌ تُصدِّقه؛ فليس مِن (بديهةِ العقل) نَبْذُ عِصمةِ الاتِّفاق، والتَّعلُّق بأذيالِ الافتراق!
نعم؛ قد يَقَع التَّصريحُ مِن بعضِ المُعتَبرين من أهل العلم بأنَّ مأخذَ رَدِّه للحديثِ الصَّحيحِ على رسمِ أهل الحديثِ مُخالفتُه لدَلالةٍ عقليَّةٍ عنده، لكن رَدُّ الأحاديث بهذا المأخذِ وحدَه -لنُدُورِ وقوعِه مِن المُنتسبين للسُّنةِ والجماعةِ- لا يُمكنُ أن يُعَدَّ قانونًا مَنظومًا مِن كُلِّياتِ مَنهجِ أهلِ السُّنةِ.
ولا يُعرَف الرَّدُّ بهذا المَسلكِ عن أئمَّةِ أهلِ السُّنةِ المتقدِّمين كما عند المُتأخِّرين، والارتكازُ على هذا المَسلكِ أصالةً لا يكون إلَّا غلَطًا محضًا، وعُدولًا عن السَّنَن الأبينِ الَّذي سار عليه جهابذةِ الإسلام.
(1)
انظر «دفع دعوى المُعارض العقليِّ» (ص/40).
(2)
«السُّنة ومكانتها في التَّشريع الإسلامي» لمصطفى السِّباعي (ص/279).
وعليه، فإنَّ هذه المَنقولات عن بعضِ أعيانِ أهل العلمِ المُنتسبين للسُّنة، الَّتي تَرِدُ مُشاغِبةً لِما استقرَّ عليه الإجماع، أو دَلَّت عليه النُّصوص، والَّتي يَتقاطع فيها قولُ مَن عُلِم فضلُه في العِلمِ بقولِ أصنافِ المُبتدعةِ والمُستَغرِبين، فيقعُ الاتِّفاق في النَّتيجة أو لوازِمها، ويقع الافتراق في الأصل المَعرفيِّ المُنطَلقِ منه:
تستلزِم مِن النَّاظرِ تحقيقَ نسبةِ القولِ إلى قائِلها أوَّلًا.
ثمَّ بيانَ مأخذِ المُخالفةِ ثانيًا.
ثمَّ بيانَ الاختلافِ في المَقاصدِ عند التَّوافقِ الجُزئيِّ، لدفعِ مَعَرَّةِ التَّوافق الكُلِّي، ثالثًا
(1)
.
الفرع الثَّالث: نقد أساسِ القانونِ العَقليِّ الكُلِّي المُجافِي للدَّلائلِ النَّقليَّةِ.
أسَسَّ الفَخْر الرَّازي قانونَه الكُلِّي على فكرة إمكانِ التَّعارضِ بين الدَّلالةِ العقليَّة والظَّاهِرِ الشَّرعِيِّ، ثمَّ جَعلَ الغَلَبةَ والتَّقديمَ عند حصول ذلك للدَّلالةِ العقليَّة، وأقصى به الظَّاهرَ الشَّرعي بنفيِ كونِه مُرادًا للشَّارع، أو بالطَّعن في صدقِ نِسبَتِه إن تَعذَّر عليه تأويلُه.
وفي بيان هذا القانون الكليِّ، يقول:
«اِعلم أنَّ الدَّلائلَ القطعيَّة العقليَّة إذا قامَت على ثبوتِ شيءٍ، ثم وَجدْنا أدلةً نقليَّةً يُشْعِرُ ظاهرُها بخلافِ ذلك، فهناك لا يخلو الحالُ مِن أَحدِ أمورٍ أربعةٍ:
1 -
إمَّا أن يُصَدَّق مُقتضى العقل والنَّقل، فيلزم تصديقُ النَّقيضين، وهو مُحال.
2 -
وإمَّا أن يُبطَلَ، فيلزم تكذيبُ النَّقيضين، وهو مُحال.
3 -
وإمَّا أَن تُصدَّق الظَّواهر النَّقليَّة، وتُكذَّب الظَّواهر العقليَّة، وذلك باطلٌ؛ لأنَّه لا يمكننا أن نعرف صِحَّة الظَّواهرِ النَّقليَّة إلا إذا عَرَفنا بالدَّلائلِ العقليَّة إِثباتَ
(1)
«دفع دعوى المُعارض العقليِّ «(ص/815).
الصَّانع وصفاتِهِ، وكيفيَّة دلالة المُعجزة على صدقِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وظهورِ المُعجزات عليه.
4 -
ولو جوَّزنا القَدْحَ في الدَّلائلِ العقليَّةِ القطعيَّةِ؛ صارَ العقلُ مُتَّهمًا غير مَقبول القولِ في هذه الأصول؛ وإذا لم نُثبِت هذه الأُصول، خَرَجت الدَّلائلُ النَّقليَّة عن كونِها مُفيدةً.
فثبتَ أنَّ القَدْحَ لتصحيحِ النَّقلِ، يُفضي إلى القَدْحِ في العقلِ والنَّقل مَعًا، وأَنَّه باطل.
ولمَّا بَطلت الأَقسامُ الأربعةُ، لم يبقَ إلَاّ أن يُقطع بمُقتضى الدلائلِ العقليَّة، القاطعةِ بأنَّ هذه الدَّلائلَ النَّقليَّةَ إمَّا أن يُقال: غيرُ صحيحةٍ، أو يُقال: إنَّها صحيحة، إِلَّا أنَّ المُراد منها غيرُ ظواهرها»
(1)
.
ثمَّ جاء المُعاصرون بعده بقرونٍ على غرار واحدٍ، يَطَؤُون مَواقع قدمِ الرَّازي في هذا القانون، ويتحجَّجون به في غاراتهم على أحاديث «الصَّحيحين» .
فهذا (حَسن عَفانة) يقول في تقدِمة كتابه العابثِ بهما: « .. لقد التزَمتُ بهذا القانون، أي جَعلتُ العقلَ للرَّبط، لا للاستدلال به، وقد رَددتُّ بعضَ الأخبارِ متنًا بناءً على ذلك»
(2)
.
وذاك (سامر إسلامبولي)، يُقرِّر في توطئة تسويدٍ له سَبْقَ العقلِ على «النَّقل، فالنَّقل نِتاجٌ لتفاعلِ العقلِ مع الواقع، ممَّا يؤكِّد هيمنةَ العقل، وسيادته على النَّقل»
(3)
.
وقبلهما (حَسنُ التُّرابي)، الَّذي حينَ أنكرَ ما استقرَّ عليه عَقد أهل السُّنة من نزولِ المَسيحِ عليه السلام آخرَ الزَّمان، فقيل له في صِحَّة الأحاديثِ في ذلك، أجاب
(1)
«أساس التَّقديس» للرازي (ص/130).
(2)
«صحيح البخاري مخرَّج الأحاديث محقَّق المعاني» لحسن عفانه (1/ 4).
(3)
«تحرير العقل من النقل» (ص/7).
(1)
.
فالمُتأمِّل في قانونِ الرَّازي ومَن اقتفرَ أثرَه فيه، سيَتَحرَّر لديه ما كُنَّا نبَّهنا عليه سابقًا، مِن أَنَّ مَنشأ الغلَطِ مُتأتٍّ مِن جهةِ اعتقادِهم إِمكانَ حصولِ التَّعارضِ بين الدَّلالتين؛ وهذا الاعتقادُ باطل، تمحَّض للنَّاظر بطلانُه مِن طريقين:
الطَّريق الأول: نَفيُ التَّسليمِ بأصلِ إمكانِ التَّعارضِ:
وهذا المَسلك تقدَّم تقريره إجمالًا
(2)
؛ ذلك أنَّ الدَّليلَ العقليَّ ما هو إلَّا جزءٌ مِن مفهومِ الدَّليلِ الشَّرعيِ، شاهدٌ على صدقِ البراهين النَّقليَّة، فيمتنع وقوعُ التَّناقض بينهما؛ لأنَّ بُطلان الدَّليلِ مُستلزمٌ بطلانَ المَدلول.
والطَّريق الثَّاني -على تقدير صحَّة الأصل السَّابق-: مَنعُ الحصرِ في التَّقسيمِ الَّذي رَسَمَه الرَّازي في قانونِه:
فيُقال: إنَّ التقديمَ للدَّلالةِ العقليَّة عند التَّعارض لا يجوز أن يكون بالنَّظرِ لِجهةِ ورُودِها؛ بل لجهة اتِّصَافِها بالقَطْعِ! فإنَّ الدَّليل السَّمعي يكون قَطعيًّا أيضًا في مَوارِدَ عِدَّة، كما أنَّ الدَّليل العقلي يكون ظنِّيًا في مَواردَ عدَّة، ومَنْ نَفَى ذَلك فإنَّما يُخبر عن جَهْلِه، لا بما هو ثابتٌ في نفسِ الأمرِ.
فأمَّا ما زعمه الرَّازي مِن حَصْرِ الدَّليل النَّقليَّ في الظَّنيَّة: فإنَّ اتِّفاقَ علماءِ الأمَّة على تَصحيحِ الخَبرِ دافعٌ للاستدراكِ على صِحَّتِه؛ لأنَّ العِصمةَ المُحصَّلة مِن الاتِّفاقِ أقوَى مِمَّا يُظَنُّ أنَّه يقينٌ عقليٌّ؛ وذلك أَنَّ إِجماعَ أهلِ الحديثِ واقعٌ على أمرٍ شَرعيٍّ، فيمتنع أَن يكون إجماعًا على خَطأٍ؛ فكان الصُّدور عن أحكامِهم ونَظرِهِم للأَخبارِ، هو القَدْر المتحتِّمُ لزومُه على منَ ليس مِن أَهلِ هذه الصِّناعة الشَّريفة.
وسيأتي تفصيل لهذا الأصلِ المَكينِ في موضِعِه مِن هذا البحث.
وأمَّا ما قاله بخصوص الدَّليل العَقليِّ: فليس النَّظر العَقليُّ مِيزانًا دَقيقًا رِياضيًّا لا يختلِفُ النَّاس في أحكامِه حتَّى يكون قطعيًا بالاطِّراد، «لاحتمالِ عدمِ انتفاءِ القوادِحِ على الواسطةِ بين المُقدِّماتِ ونتائجِها، فيكون مَنْبعُ الزَّللِ مِن جهةِ تحقيقِ مَناطِ المُقدِّمة المُتيقَّنة على نتيجتِها وفرعِها»
(1)
.
وفي نفي هذا الاطِّراد يقول ابن تيميَّة: «ما يُسمِّيه النَّاس دليلًا مِن العقليَّاتِ والسَّمعياتِ، ليس كثيرٌ منه دليلًا، وإنَّما يظنُّه الظَّانُ دليلًا، وهذ مُتَّفق عليه بين العُقلاء»
(2)
.
ثمَّ إنَّ النَّاس ليسوا يَتأثَّرون بالمنطقِ العِلميِّ الصَّارِم فقط حتَّى نقول بقطعيَّة كلِّ أحكامه! فعقلُ الإنسانِ لا يعمل بهذه الطَّريقة الآليَّةِ البحتَة، فإنَّ «العَقل المُبرَّأ مِن النَّقصِ والهَوى لا وجود له في دُنيا الواقع، وإنَّما هو مِثالٌ»
(3)
.
بل أكثرُ العقولِ إنَّما تَتَأثَّر بخبرةِ الإنسان، وعاطِفَتِه، وهَواه، وبَيئتِه، وتَعصُّبِه لطائِفتِه، ويَعتري نفسَ العقلِ الذُّهولُ والغفلة، وتُؤثر فيه الضُّغوط والمُتغيِّرات، وعوامِلُ كثيرةٌ تَتَدخَّل في طريقةِ تفكيرِه، شَعَر صاحبُه بذلك أم لم يشعُر؛ ما يجعلُ الإنسانَ يُغيِّر رأيَه في كثيرٍ مِن القَضايا، بعد أن كان يَرى رأيَه الأوَّل فيها عَينَ العقلِ! و «إذا أرادَ الله أن يُزيلَ عن عبدٍ نِعمةً، كان أوَّلَ ما يُغِيِّر منه عَقلُه»
(4)
.
وعلى مثلِ عقولِنا النَّاقصةِ هذه يَصدُق بَليغُ قولِ أبي حيَّان التَّوحيديِّ (ت 400 هـ)
(5)
: «أين يُذهَب بهؤلاء القوم؟ أمَا يعلمون أنَّه كما يرِدُ على
(1)
«دفع دعوى المُعارض العقليِّ» (ص/61).
(2)
«درء التَّعارض» (1/ 192).
(3)
«خصائص التَّصور الإسلامي» لسيِّد قطب (ص/20).
(4)
نَقَله الجاحظ في «البيان والتبيُّن» (2/ 199) من قولِ فيروز بن حُصين.
(5)
علي بن محمد بن العباس التوحيدي: فيلسوف، ومتصوف معتزلي، نعته ياقوت بشيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء، وقال ابن الجوزي: كان زنديقا! ولد في شيراز (أو نيسابور) وأقام مدة ببغداد، وانتقل إلى الريّ، من مؤلفاته:«البصائر والذخائر» ، و «المتاع والمؤانسة» ، انظر «الأعلام» للزركلي (4/ 326).
العَينِ ما يَغشى بصَرَها مِن نورِ الشَّمس، كذلك يَرِد على العقلِ ما يَغشى بَصيرَتَه مِن نورِ القُدس؟! ما أحوجَ هؤلاء المُدلِين بعقولهِم، الرَّاضين عن أنفسِهم، العاشِقين لآرائِهم، أن يُنعِموا النَّظر، ويُطيلوا الفِكر، ولا يسترسلوا مع السِّانح الأوَّل، ولا يسكنوا إلى اللَّفظِ المُتأوَّل، ولا يعولوا على غير مُعوَّل»
(1)
.
نعم؛ إنَّ الله تعالى وإن جَعَل للعقولِ مَوازين فِطريَّةً دقيقةً، لكنَّ النُّفوسَ تعبَثُ بها بأهوائِها، فتنسِبُ رَغباتِها ومَألوفاتِها إلى العقل؛ فتراها بهذا تَقفِزُ على الحقائِق، وتَتَجاهلُ مُقدِّماتِها، وتَتَعسَّف في تأويلِ ما لا يَروقُها تصديقُه، لتصِلَ إلى النَّتيجة الَّتي تَشتهيها، وإن كانت باطِلةً، ثمَّ تُسمَّي هذا عقلًا!
فانظر إن شئت حالَ يَهودٍ في القرآن، كيف تَواصَوا على كَتمِ ما عَلِمُوه مِن نُبوَّةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إذ قالوا:{أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 76]! فجَعَلوا طمسَ ما عَلِمُوا مِن الحقِّ عين التَّعقُّل -وهو عَينُ الحُمقِ والسَّفَه! - والإنكارَ على مَن أفشَى الحقائقَ بأنَّه لا يَعقِلُ.
وبه تَعلمُ العلَّة من تَسميةِ السَّلفِ لضُلَّالِ المُبتدِعةِ بـ (أهلِ الأهواء)، لأجل «غَلَبةِ الهَوى على عقولهِم، واشتهارِهم به»
(2)
.
من هذا يتحصَّل: أنَّ المُطالبة بتهذيب النُّفوسِ أوْلى وآكدُ من تصحيح العقول، ذلك أنَّ العقل المُجرَّد مُنصِفٌ لكن إن تَرَكته النَّفس! ولم تدُسَّ فيه هَواها، وبذا تُدرك سِرَّ كثرة مدح الله للعقلِ وذمِّه للنَّفس
(3)
!
إذا تَقرَّر هذا: فإنَّه لا مَحيد عن القول بأنَّ كِلَا الدَّليلين -العقليِّ والنَّقلي- تَعْتوِرُهما القطعيَّةُ والظَّنيَّةُ، فلا تُحصَر القطعيَّة في الدَّليل العقليِّ، ولا الظَّنية إلى الدَّليل النَّقلي؛ بل لا يخلوا الحالُ مِن أنْ يكون الدَّليلان: إمَّا قطعيَّان، أو ظنِّيَّان، أَو أحدهما قطعيٌّ، والآخر ظَنيٌّ.
(1)
«البصائر والذخائر» لأبي حيَّان (7/ 59).
(2)
«الاعتصام» للشاطبي (ص/192)
(3)
انظر هذا المعنى في «سطور» لعبد العزيز الطريفي (ص/208).
فإن كانا قَطعيَّين: فإنَّه يمتنع حصولُ التَّعارض بينهما، لاستلزام ذلك الجمعَ بين النَّقيضين، وهو غير جائز
(1)
.
وإن كانا ظَنِّيَين: فيُلْتَمَس ترجيحِ أحَدِ الدَّليلين بمُختلف أدوات التَّرجيح المُمكنة، فأيُّهما تَرجَّح بها، كان هو المُقدَّم.
وأمَّا في حالةِ كونِ أحَدِ الدَّلِيلَيْن قَطعِيًّا والآخر ظنِّيًا: فإنَّ التَّقديمَ حاصلٌ للقَطعيِّ منهما، سواءٌ كان سَمعيًّا أو عقلِيًّا
(2)
.
وبهذا التَّقرير، يَتبينُ ما تأسَّس عليه تقسيمُ الرَّازي مِن مُغالطة، ناشئة عن نظرِه إلى نوعِ الدَّليل، لا إلى مَرتبتِه في درجاتِ العلمِ؛ وكان الصَّوابُ أن يَتَّجه هذا النَّظرُ إلى درجةِ الدَّليل مِن حيث إفادتُه للقطعِ أو الظَّنِ
(3)
.
وبنفسِ هذا البيان المُفصَّل يتبيَّن -في المُقابل- غلَطُ مَن جعلَ مذهبَ السَّلَفِ عند التَّعارضِ: تقديمَ النَّقلِ على العقلِ؛ وهذا التَّقرير فاسِدٌ أيضًا! وهو وَهمٌ تَسَرَّب في كتاباتِ بعضِ المُعاصِرين
(4)
، ناتج عن فهمِ خاطئٍ لكلامِ ابن تيميَّة مُنتَزعٍ مِن سياقاتِه؛ إذ لم يكُن مُراد ابن تيميَّة تقريرَ أصلٍ حين عبَّر أحيانًا بتقديم النَّقل على العقل، بل كان منه مُجاراةً للخَصْمِ في مَقام جَدلٍ، وتَنزُّلًا للرَّازي بصِحَّةِ التَّعارضِ، ليتوصَّل به إلى نَقضِه بكونِ خبر الصَّادق المَصدوقِ صلى الله عليه وسلم أولى بالتَّقديمِ.
فإنَّه بعد كلامٍ طويلٍ في مُناقشته قال: « .. فإنَّا في هذا المقامِ نتكلَّم معهم بطريقِ التَّنزُّلِ إليهم، كما نَتنزَّل إلى اليهوديِّ والنَّصرانيِّ في مُناظرتِه، وإن كُنَّا عالمِين ببُطلانِ ما يقولُه .. »
(5)
.
(1)
«البحر المحيط» للزركشي (8/ 124).
(2)
انظر «درء التعارض» لابن تيمية (1/ 79 - 80).
(3)
انظر «درء التعارض» (1/ 125 - 126).
(4)
كما تراه - مثلًا - في كتاب «الصِّفات الإلهيَّة» لمحمد أمان الجامي (ص/58)!
(5)
«درء التَّعارض» (1/ 188).
وحاصل القول في هذا المَبحث أن يُقال:
إنَّ غَلطَ عامَّة القائلين بهذه القِسمة الخاطئة لما هو قطعيٌّ وظنيٌّ من دلائل العقل والنَّقل: ناجمٌ عن نقصِ تشرُّبٍ لدلائلِ الشَّريعة، فما عادَت تُفيد في قلوبِهم ذاك اليقينَ الَّذي تُفيدُه الدَّلائل العَقليَّة الَّتي أقبلوا عليها؛ مِمَّا أدَّى بهم إلى مَزيدٍ مِن الإعراضِ عن أخبارِ الآحادِ، ومِن ثَمَّ استسهلوا رَدَّها لأدنى شُبهةِ مُخالفةٍ لتصوُّراتهم.
فالخطرُ كلُّ الخطر، أن تكون سُنَن النَّبي صلى الله عليه وسلم في نَظر المسلمين تابعةً لعقولهم المُتنافرة، والخيرُ كلُّ الخير في أن يكون الدِّين بسُنَّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم حاكمًا، والعقل مُفسِّرًا ومُبيِّنًا، مَخلوقًا ليَسير خلفَه، لا ليُواجِهَه؛ فإنَّ مَثَل العقلِ كالبَصَر، ومَثل السُّنة كالضِّياء، فإذا واجَه البَصر الضِّياءَ احترقَ وعَمِي، وإذا استضاءَ به انتفعَ.
وإنِّي لأضمنُ لإخواني من أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّهم إن ساروا وراء سُنّته تفقُّهًا على أصولِ فقهاء الأمَّة، ثمَّ أحسنوا تنزيلَها على واقِعهم بالحكمةِ وحُسنِ السِّياسة: أنَّه يتمُّ لهم كلُّ شيء، ويبلغوا ما يُريدونه مِن الجامعتين الدِّينيَّة والسِّياسيَّة، كما تَمَّ لأسلافِهم في العهدِ الأوَّل؛ والله الهادي لا إله إلَّا هو.