الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثالث
صالح أبو بكر
(1)
، وكتابه:«الأضواء القرآنيَّة لاكتساح الأحاديث الإسرائيليَّة وتطهير البخاريِّ منها»
بمقدور أيِّ قارئٍ لكتابِ هذا الرَّجل إذا ما قابَلَه بأسوتِه «أضواءِ» (محمود أبو ريَّة)، أن يخلُص إلى أنَّ كتاب الأوَّل ما هو إلَّا نسخةٌ مُعدَّلة مِن الثَّاني لا غير، لم يكَد يَأتي فيه بزائدٍ مُبتكرٍ؛ فلقد تابعَ (أبو ريَّة) على تخبُّطاته وجهلِه فيه، واعتمد على أوهامِه وتخرُّصاته، «بل نستطيع القولَ أنَّ الجزءَ الأوَّل منه خلاصة لكتاب أبي ريَّة»
(2)
.
فكأنَّ المؤلِّف ما أرادَ إلَّا أن يُحيِي ذكرَ (أبو ريَّة) بعد أن كاد يخمُد، «يظهر هذا في كثرةِ الاقتباساتِ وطولهِا، حتَّى لتبلغُ الصَّفحاتِ العديدة؛ كما تظهرُ أيضًا في المنهجِ الَّذي استخدَمه المُؤلِّف، والَّذي لا يختلِفُ عن مَنهجِ أبي ريَّة»
(3)
في إنكارِ الرِّوايةِ، والتَّشنيعِ على أهلِ الحديثِ، واتِّهامِ أبي هريرة رضي الله عنه بالكذِب
(4)
.
(1)
كاتب مصري كان منتميا لجماعة (أنصار السنة المحمدية) بالإسكندرية، ثم فُصل منها بمجرد صدور كتابه «الأضواء القرآنية» ، صرح في أكثر من موضع في كتابه هذا باقتصار الهداية على القرآن وحده ونبذ السنة، وقد تمت مصادرته من قِبل لجنة البحوث الأزهرية، انظر «السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام» لعماد الشربيني (ص/493).
(2)
«منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير» لـ د. فهد الرومي (ص/750).
(3)
«مرويَّات السِّيرة» لأكرم العمري (ص/44).
(4)
«الأضواء القرآنية» (ص/292).
وكتاب (صالح) ينقسِمُ إلى جُزأين:
الأوَّل منهما: خَصَّه لقضيَّةِ الحديثِ ومَراجِعِها العلميَّة، منذ الخلافةِ الأولى إلى عصرِنا هذا.
أمَّا الثَّاني: فأودَعَه نماذجَ ممَّا يراه إسرائيليَّات مَدسوسة على البخاريِّ، بَلَغ بها (مائةً وعشرين) حديثًا، مُتعقِّبًا كُلًّا منها بالإنكارِ وإبراءِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، بل وإبراءِ البخاريِّ منها أحيانًا، يعني عدمَ تقصُّدِه اختلاقَها، وإنَّما اغترَّ في ذلك برُواتِها الكَفَرة! فيقول:«التَّعقيب القرآنيِّ على كلٍّ منها، بما يثبِت أنَّها دخيلةٌ على كلامِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وبما لا يُسيء إلى البخاريِّ، الَّذي حسْبُه -عند ربِّه- صدقُ نيَّتِه وإخلاصه، حتَّى يعلمَ المسلمون كيف استطاعَ الشَّيطان أن يستخدمَ أعوانَه مِن كُفَّار الإنسِ في الكيدِ للإسلامِ والمسلمين» !
(1)
.
يَلين هذا اللِّين في الكلامِ عن البخاريِّ لأجل ما يعلمه من عظيم منزلتِه في قلوب المسلمين لا غير، فإنَّه لا يَتورَّع مِن أن يرمِيَ بعدُ غيره من المحدِّثين بكلِّ نقيصةٍ! وأن يعيب على المُصنِّفين اقتنائَهم «كُتبًا غريبةً» يوهمونَ بها قدرتَهم على تحقيقِ الأسانيدِ وتقريرِ أحوالِ الرِّجال، وهم في نظرِه «سُذَّجٌ قد انطَلَت عليهم دَسائس الذِّميِّين، وألاعيبُ الزَّنادقة في روايتهِم للمَوضوعات»
(2)
.
وأمَّا عملُه في كتابه «الأضواء القرآنيَّة» :
فمنهج المؤلِّف -في الجملةِ- فيه خالٍ مِن الصِّناعةِ الحَديثيَّة، إنَّما هو -كما أسلفنا ابتداءً- استنساخ لكتاب (أبو ريَّة)، ثمَّ نَفَخَه بعريض العبارات؛ فإذا ما استشكلَ فيه حديثًا بعقلِه، أو مَجَّه بذوقِه، ما كان شيءٌ أيسرَ عليه مِن نسبتِه إلى «وحيِ الخيالِ الشَّارد، أو الكيد الإسرائيليِّ اللَّعين»
(3)
.
(1)
«الأضواء القرآنية» (ص/3).
(2)
«الأضواء القرآنية» (ص/42).
(3)
«الأضواء القرآنية» (ص/5).
وهكذا عامل أغلبَ أحاديث «الصَّحيحين» ، كلُّ حديثٍ فيهما لم يستوعِبه ألحَقَه في الحال بالإسرائيليَّات!
ولمَّا أرادَ أن يُدلِّل على شُبهتِه في إسرائيليَّة المَنقول، وبعد نسفِه لجهودِ البخاريِّ في جمع الصِّحاحِ مِن الحديث، فاجأَ القارئَ بمعلومةٍ خطيرةٍ لم ينتبه لها إلَّا حضْرَتُه! عنونَ لها بعنوانٍ لافتٍ يقول فيه:«اعتراف صريحٌ من البخاريِّ بوضع الحديث» !
(1)
.
وليسَ أحدٌ مِن طلبةِ الحديثِ فضلًا عن أئمَّتِهم يجهل أنَّ الوضعَ واقِعٌ في كثيرٍ مِن الأحاديث، فما الجديد في هذا العنوان؟! لكن الغَباوة أن يُحتجَّ بهذا البعضِ فيُحكَم به على الكلِّ.
مثلُ هذا الجهل المنهجيِّ في الاستدلالِ، أدَّى بالمؤلِّف إلى جملةٍ مِن التَّناقضات العلميَّة، من ذلك:
أنَّه في الوقت الَّذي يَدَّعي فيه ترجيحَ مسلمٍ لكذبِ عكرمة مولى ابن عباسٍ، يزعمُ أنَّ مسلمًا خرَّج له حديثًا لأجلِ أن يُقويَّ به حديثًا رواه سعيد بن جبير في المَوضوعِ نفسه
(2)
!
ومتى كانت رواية الكَذَّاب عاضدةً لغيرِها أصلًا؟! فضلًا عن تقويتها لرواية إمامٍ ثبتٍ كسعيد بن جبير؟!
ثمَّ هو لفرط جهله بطبيعة المرويَّات، يرى أن الاختلافَ في رواية بعض ألفاظِ الأحاديث المُتعلِّقة بالموضوعِ الواحدِ: دالٌّ على الوضعِ والدَّس، هكذا ضربة لازبٍ! ومثَّلَ لذلك بأمثلة، منها -مثلًا- ما أجاب به علي رضي الله عنه من سألَه: هل عنده كتابٌ غير القرآن؟ فورد عنه عباراتٌ مختلفةٍ في ثمانِ روايات، ساقَها البخاريُّ في كُتبٍ مختلفةٍ مِن «صحيحه» .
(1)
«الأضواء القرآنية» (ص/48).
(2)
«الأضواء القرآنية» (ص/72).
ففهِم هو من هذا الاختلاف في العباراتِ تناقضًا مُسقطًا لأصل الخبرِ! الأمر الَّذي لم يفطِن له البخاريُّ نفسه، ولا أحدٌ مِن العلماء قبله وبعده!
وقد غفل المسكين عن أنَّ عليًا رضي الله عنه قد سئُل مِن غير واحدٍ مِن التَّابعين، ثمَّ قد غَبِيَ عن أنَّ الجمعَ يَسيرٌ بين هذه الرِّواياتِ، فإنَّ الصَّحيفة كانت واحدةً، وجميعُ ما ذُكر فيها مَكتوبٌ فيها حقًّا، فكان كلُّ واحدٍ مِن الرُّواة ينقل عنه ما حفِظَه
(1)
.
وأمَّا تفسيرات الرَّجلِ لاختياراتِ البخاريِّ في كتابِه، فهو يهرف فيها بأيٍّ كلامٍ، فمِن ذلك:
اتِّهامه اصطفاءَ البخاريِّ للمتونِ بالانحيازِ إلى السُّلطةِ الحاكمةِ، وذلك أنَّه فَسَّر عدمَ روايتِه في «صحيحه» عن الأئمَّة الصَّادق والكاظم مِن آل البيت، بكونِه في ذلك متأثِّرًا بحكمِ الأمويِّين للشَّام
(2)
!
ومعلومٌ بداهةً أنَّ البخاريَّ عاشَ في العصرِ العَباسيِّ لا الأمويِّ، وهو بعكس ذلك عصرٌ يعادي بني أميَّة، ويقرب مُبغضيهم!
(3)
مع العلم أنَّ البخاريَّ قد خرَّج حقًّا لغيرهم مِن أئمَّة آل البيتِ، كما سبق به البَيان.
وستأتي أمثلةٌ كثيرة لمُعارضاتِه المُهترئةِ لأحاديثِ «الصَّحيحين» ، في بابِها المُناسب من الباب الثَّالث من هذا البحث، والله من وراء القصد.
(1)
انظر «فتح الباري» لابن حجر (1/ 205)، ولهذه الرِّوايات أوجه أخرى للجمع ليس هذا موطن بسطها، انظرها في «مرويات السيرة» لـ د. أكرم العمري (ص/39).
(2)
«الأضواء القرآنية» (ص/77).
(3)
انظر «مرويات السيرة» لـ د. أكرم العمري (ص/43).