الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّالث
محمَّد صادق النَّجمي
وكتابه «أضواء على الصَّحيحين»
خَطَّ (النَّجمي) هذا الكِتابَ باللِّسانِ الفارسيِّ، ثمَّ نُقِل بعد موته إلى العَربيَّة
(1)
، لم يقصُره على تعقُّبِ «البخاريِّ» حتَّى ألحق به صِنوه مسلم، فعُدَّ سِفرُه هذا مِن أهمِّ ما كتَبتهُ الشِّيعة الإماميَّة وأكثرها مَطاعِن في «الصَّحيحين» ، فلذا حرِصوا على نشره بكِلتي لُغَتَيه على أوسعِ نطاقٍ.
ولقد أبانَ الكاتبُ في مقدِّمته له عن غَرضِ وَضعِه إيَّاه، فقال:
«هكذا أصبحَ الكتابان «صحيح البخاري» و «صحيح مسلم» مَدارَ العقائد عند أهلِ السُّنة، وهذه الأمور هي الَّتي دَعَتْنا إلى البحثِ والتَّنقيبِ في «الصَّحيحين» ، وكشفِ حقيقتِهما وماهِيَّتهما، كي تَتجَلَّى الحقائقُ الَّتي استَترَت خلفَ الأستارِ السَّميكة مِن التَّقاليد، والعَصبيَّات، والظُّلمات، والأوهام، الَّتي ظَلَّت مَسدولةً لفترةٍ تزيد على ألفِ سنةٍ»
(2)
.
(1)
ألفه سنة 1388 هـ، ونقله يحيى البحراني إلى العربية، وقد شجعه عبد الحسين الأميني صاحب كتاب «الغدير» على إكماله، وقدم له مرتضى العسكري صاحب كتاب «أحاديث أم المؤمنين عائشة» ، وهناك ترجمة أخرى للكتاب باسم «تأمُّلات في الصَّحيحين» بتعريب مرتضى القزويني، ولا تخلو الترجمتين من زيادة ونقص واختلاف يسير، انظر «موقف الإمامية من أحاديث العقيدة» لفيحان الحربي (ص/104).
(2)
«أضواء على الصحيحين» (ص/60 - 61).
وترتيب الكتاب على المَوضوعاتِ بحسب اختيار المؤلِّف، لا على أبوابِ «الصَّحيحين» ، حيث جعَلَه على ثمانيةِ فصول:
الفصل الأوَّل: تَكلَّم فيه عن سِيَرِ الحديثِ وأهميِّته، مُقتفيًا أثر (جعفرٍ السُّبحانيَّ) في أغلاطِه نفسِها في هذا الباب
(1)
! وزادَ هو ما ادَّعاه تَأخُّرًا لتَدوينِ الحديثِ عند أهل السُّنة، زاعمًا أنَّ الشِّيعةَ كانوا أسبقَ إلى التَّدوين منهم!
ولستُ أدري: أيَّ رافضيٍّ سبَّابٍ للصَّحابة سَبَق إلى تصنيفِ كتابٍ حديثيٍّ بأسانيدِه هو يَعنيه! فإنَّ أوَّلَ كتابٍ حَديثيٍّ ينسبونه لطائفتهم هو كتابُ سَليم بن قيس الهِلالي (ت 85 هـ)
(2)
، يعدُّه بعضهُم -حسب شيخِهم النُعمانيِّ
(3)
- «أصلًا مِن أكبرِ كُتبِ الأصولِ الَّتي روَوْها مِن حَمَلةِ حديث أهلِ البيتِ، بل هو أقدَمُها»
(4)
.
لكن الحقُّ أنَّ الكتاب مَوضوعٌ عليه، غير مَوثوقٍ بما فيه عند أكابرِ الإماميَّة
(5)
؛ ولم يكُن للـ (نَّجميِّ) غَرضٌ من هذه الدَّعوى، إلَّا إسقاطَ اعتبارِ «الصَّحيحين» بحُجَّة تأخُّرِ تصنيفِهما عن زمن النُّبوة.
وأمَّا الفصل الثَّاني: فترجَم في المؤلِّف للشَّيخين ترجمةً مُوجزةً، شانَها بقدحِ أمانتِهما، والطَّعنِ في عَقدِهما، وازدراءِ أفهامِهما، ينقل في ذلك نصوصَ افتراءاتِ «القول الصُّراح» لشيخ الشَّريعةِ لأصبهانيِّ
(6)
.
(1)
انظر كتاب «الحديث النبوي بين الرواية والدراية» لجعفر السبحاني (12 - 33).
(2)
سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي: كان من أصحاب علي رضي الله عنه، وعاش في الكوفة إلى أن هرب من الحجاج الثَّقفي إلى النوبندجان من بلاد فارس، ولجأ إلى دار أبان بن أبي عياش فيروز، فآواه ومات عنده، يُنسب له «كتاب السَّقيفة» المَطبوعِ باسم «كتاب سليم بن قيس الكوفي» ، انظر «الأعلام» للزركلي (3/ 119)
(3)
محمد بن ابراهيم بن جعفر الكاتب النعماني: البغدادي الرَّافضي، مفسر ومتكلم؛ قدم بغداد وأخذ عن الكليني، وسافر إلى الشام، من آثاره:«تفسير القرآن» ، و «جامع الاخبار» ، و «الرد على الاسماعيلية» ، و «نثر اللآلي في الحديث» ، و «كتاب الغيبة» ، انظر «معجم المؤلفين» (8/ 195).
(4)
قاله النُّعماني في كتابه «الغيبة» (ص/101).
(5)
بعض الإماميَّة يَنسبون وَضْعَه على سليم إلى أبان بن أبي عياش، كما ذَكَره الحِلِّي، وابن الغَضائري، والمُفيد، انظر نصوصَهم في «مَصادر التَّلقي وأصول الاستدلال العقدية عند الإمامية» لـ د. إيمان العلواني (1/ 429).
(6)
انظر «أضواء على الصحيحين» (ص/67).
ولا غرابةَ أن تصدُر هذه الجهالةُ مِن مثلِه بمرتبةِ إمامينِ جليليْن من أئمَّة الحديث كالبخاريِّ ومُسلم، فهو الَّذي صَيَّرَ مالكَ بنَ أنس ووهبَ بنَ مُنبِّه مِن مَشايخِ البخاريِّ في الحديثِ!
(1)
وقد وُلد البخاريُّ بعد موتِهما بسنواتٍ.
وأمَّا الفصل الثَّالث: فنقَل فيه (النَّجميُّ) كلامَ بعض العلماء في الثَّناءِ على «الصَّحيحين» ، مُتندِّرًا في ذلك ببعضِ الرُّؤى الَّتي نُقِلت في فضائلِ البخاريِّ، وهذا مِمَّا يراه المؤلِّف غلوًّا وتَنطُّعًا، مع علمِه أنَّ المُترْجِمين للبخاريِّ إنَّما حكوا مثلَ هذه الرُّؤى استئناسًا واستبشارًا، لا احتجاجًا.
وكان مِن قبيحِ جَهالاتِ المؤلِّف المنبئةِ عن ضحالةِ علمِه وسوءِ طويَّتِه:
نِسبتُه لأهلِ السُّنة تسميَّتَهم للكُتبِ السِّتة بـ (الصِّحاح)، لكونِ «جميع ما وَرَد فيها مِن الأحاديث والرِّوايات -سواء مِن وجهةِ نظرِ مُؤلِّفيها، أو مِن وجهةِ نظرِ علماءِ أهلِ السُّنة- صحيحةً ومُطابقةً للواقع، وأنَّهم يَعتقدون بأنَّ كلَّ ما جاء في هذه الصِّحاح السِّتة، ونُسِب إلى الرَّسول صلى الله عليه وسلم، فإنَّه قد خرج مِن بين شَفَتي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم»
(2)
.
فلَيْتَه قدِر أن ينقل هذا الهُراءَ عن أحَدٍ مِن علماء السُّنةِ، حتَّى ننظُر في وجهِ كلامِه؛ وكلُّ حَديثيٍّ عندنا مُبتدئٍ يعلمُ أنَّ أربابَ السُّنَن الأربعةِ لم يشترطوا الصِّحة في ما ساقوه مِن أخبارَ في مُصنَّفاتهم، وإنَّما أطلق عليها بعض العلماء تلك التِّسمية لأنَّ أغلب ما فيها صحيح أو مَقبول، ومن ركائز الفقهاء في الاحتجاج.
وأمَّا الفصل الرَّابع من كتابِه: فساقَ فيه ما رآه أدلَّة على ضَعفِ «الصَّحيحين» وسُقمِهما، منها دعواه ضعفُ أسانيدِها، فينقلُ فيه عن ابن حَجرٍ «أنَّ الحفَّاظَ وعلماءَ فنِّ الرجالِ، ذكروا أنَّ ضعفاءَ رُواتِهما يبلغُ الثَّلاثمائة شخصٍ»
(3)
.
(1)
انظر «أضواء على الصحيحين» (ص/111).
(2)
انظر «أضواء على الصحيحين» (ص/73 - 74).
(3)
انظر «أضواء على الصحيحين» (ص/91).
فأمَّا ما أحالَ إليه المؤلِّف في «هُدى السَّاري» لابن حجر، فعند الرُّجوعِ إليه نجده خاليًا مِمَّا أفادته عبارَته! فإنَّما ذكَرَ ابن حَجرٍ في هذا الموضع من كتابه الرُّواةَ المُتكَلَّمَ فيهم بأدنى كلامٍ وفيهم الثِّقات، لا المَفروغَ مِن ضَعْفِهم
(1)
! ولا يلزمُ مِن مُجرَّد كلامِ أحدٍ في راوٍ، تحُّققَ كلامِه فيه من حيث الواقِع، ومَعروفٌ أنَّ الشَّيخين قد يُخرجان لمِن فيه كلامٌ في مَواضع مَعروفة، تبيَّن لهما صِدقه في ما رَواه؛ هذا إن لم يكن الرَّاوي في رأيِهما ثابت العدالة والضَّبط
(2)
.
ثمَّ قول المؤلِّف في موضعٍ آخر من فصلِه هذا: «إنَّ الأحاديث غير الصَّحيحة والضَّعيفة، يبلغُ عددُها فوق ما عَدَّه ابن حَجرٍ كما نقل عنه الحُفَّاظ، حيث قال: إنَّها لا تَتَجاوز المائةَ وعشرة أحاديث، ضعيفةٌ مِن جهةِ المتنِ»
(3)
:
هو نقلٌ مَشحونٍ بالكذبِ، فإنَّ الَّذي ذَكَره ابن حجر عِدَّةَ الأحاديث الَّتي أعَلَّها الدَّارقطني وبعضُ العلماءِ مِن جِهة أسانيدِها، مع الإجابةِ عن ذلك كُلِّه أو أكثره
(4)
؛ فإنَّه ذكَرَ الأحاديثَ الَّتي انتقِدت على الشَّيخين، فقَسَّمها أقسامًا، جلُّها مُتعلِّق بصناعةِ الإسنادِ، ولا تَمسُّ المتونَ بسوءٍ، لا كما تَقوَّله المؤلِّف، وعَزَاه مَيْنًا للحافظِ
(5)
.
وأمَّا الفصل الخامس: فخصَّصه (النَّجميُّ) للطَّعنِ في أحاديثِ الصَّفاتِ الإلهيَّةِ الَّتي أخرَجاها، فجرى في مِضمارِ المُعتزلةِ في إنكارِها لرؤيةِ الله تعالى يومَ القيامة، وأنكرَ معها كثيرًا مِن الصِّفاتِ الذَّاتيةِ الخَبريَّة، ثمَّ عرَض لمُعتقدِ الإماميَّة في هذا الباب من الاعتقاد؛ لكَأنَّما تقرأُ فيه عَقْدَ القاضي عبد الجبَّار الهمداني!
(1)
انظر «هدى الساري» (ص/384)، ونكت ابن حجر على «مقدمة ابن الصلاح» (1/ 287).
(2)
انظر تفصيلها في «التنكيل» للمعلمي (1/ 458)، وللزيلعي في «نصب الراية» (1/ 341 - 342) تحقيق جيد في إخراج البخاري ومسلم للرُّواة المتكلم فيهم.
(3)
انظر «أضواء على الصحيحين» (ص/90).
(4)
انظر مقدمة «فتح الباري» (1/ 346).
(5)
انظر «هدى الساري» (ص/347).
وأمَّا الفصل السَّادس: فخاضَ فيه الكاتبُ في النُّبوات، وقارنَ بين أهلِ السُّنة والشِّيعة الإماميَّة في هذا الباب، ورَدَّ جملةً مِن أحاديث «الصَّحيحين» في ذلك، كحديثِ كذباتِ إبراهيم عليه السلام، وطعنِ موسى عليه السلام لعَينِ المَلَك.
وأمَّا الفصل السَّابع: فحشدَ فيه ما يزعُمه من أحاديث في «الصَّحيحين» تَنتقصُ قدرَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، مِنها ما كان تَقدَّم مِن أحاديثِ السَّهو في الصَّلاة والنِّسيان.
وحين عَرَّج على حديث شَقِّ صدرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم صغيرًا، نَفى القصَّة جملةً وتفصيلًا، وعلَّة ذلك عنده: أنْ «لو كان لهذه القصَّة حقيقة كسائر القضايا، لذكرَها أئمَّةُ أهل البيت، الَّذين هم أدرَى بما في البيت، بينما تَراهم لم يَدَعوا صغيرةً ولا كبيرةً ممَّا تمُتُّ بحياةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم وتاريخِه، إلَّا وَذَكرُوها»
(1)
.
لكن واقعُ مُصنَّفاتِ طائفتِه تُكذِّب ادِّعاءَه هذا وتوهن حُجَّتَه؛ وإلَّا: فأينَ نَقْل الإماميَّةُ لسيرةِ النَّبي صلى الله عليه وسلم بالسَّندِ المُتَّصل الصَّحيحٍ أصلًا؟! بل أين اعتناؤُهم بأحاديثِه صلى الله عليه وسلم في شَتَّى الأبوابِ الشَّرعية الأخرى؟! المُعتني بذلك أعزُّ فيهم -والله- مِن الغُرابِ الأعصم، فإنَّهم لا يتناقلون من الرِّواية إلَّا ما كان عن أئمَّتهم في الأعمِّ الأغلب
(2)
.
وفي هذا الفصلِ أيضًا: مَا يدلُّ على جهل الكاتبِ بأدلَّةِ مَذهبِه الَّذي ينتصرُ له: فتراه يستنكر متونًا في «الصَّحيحين» ، هي في أمَّاتِ كُتبِ الإماميَّة لو كان يعلمُ!
تراه -مثلًا- في استقباحِه حديثَ بولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قائمًا، بداعي أنَّه «ليس فقط لا يَتلاءم ومَقام النُّبوة فحسب، بل إنَّه يُشين بأيِّ فردٍ مِن الأفراد! ممَّن له معرفة سطحيَّة بالمعارف الدينيِّة! أو يكون مُحترمًا عند نفسه!»
(3)
.
(1)
انظر «أضواء على الصحيحين» (ص/241).
(2)
بل أشار شيخهم الحرُّ العاملي، إلى أنَّهم يتجنَّبون روايةَ ما يُرفع إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، خشيةَ أن يكون من روايات أهل السُّنة! انظر «وسائل الشِّيعة» (20/ 391).
(3)
«أضواء على الصحيحين» (ص/270)
مع أنَّ جعفرًا الصَّادق -مَن يعتبرُه هو وأرباب فِرقته مَنبعًا للتَّشريع- يُجيب مَن استفتاه عن التَّبولِ قائمًا، قائلًا:«لا بأسَ به»
(1)
!
أمَّا الفصل الأخير مِن كتابِه: فقد خَصَّصه النَّجمي للقدحِ في خلافةِ الخُلفاء الثَّلاثة الأُوَل رضي الله عنهم، مُدَّعيًا أحقيَّةَ عليٍّ رضي الله عنه بها دونهم، لفضائلَ ساقَها له حَشاها بالغَثِّ والسَّمين.
وحاصل القول: أنَّ الكاتب في ما مَضى مِن الفصول كلِّها: مُكثرٌ مِن التَّناقض، يُثبت القولَ ثمَّ ينقضُه بعدُ بصفحات! مع جُرأةٍ عجيبةٍ على الكذب والتَّلبيس.
فكان -مثلًا- يَدَّعي على علماء السُّنةِ أنَّهم يقولون بعصمةِ «الصَّحيحين» ، وأنَّهما مُنَزَّهين «مِن أنْ تَنالهما الآراءُ والأفكارُ وإبداء الرَّأي فيهما، وأنَّ البحثَ والتَّحقيقَ فيهما، يكادُ يكون تَوهينًا لهما، وهذا بمثابةِ التَّوهين للقرآن، ولا توبةَ ولا غفرانَ لِمن يقومُ بذلك» !
(2)
.
ثمَّ هو بعد هذا التَّعميمِ العَقيمِ، يأتي بعد صفحةٍ واحدةٍ فقط، ليُلغي تُهمتَه تلك مِن غير شعورٍ، مُقرًّا بأنَّ «هناك علماء مِن أهلِ السُّنةِ أنفسِهم قد نظروا إلى «الصَّحيحين» نظرةَ المحقِّقِ البحَّاثة، فوَضَعوا ما احتواه الصَّحيحان على طاولةِ التَّشريح، وَوازَنوهما بالمِعيارِ الواقعيِّ»
(3)
!
وآفةُ الكَذَّاب النِّسيانُ! والحمد لله.
(1)
«الكافي» للكليني (6/ 500)، و «وسائل الشيعة» للعاملي (1/ 352).
(2)
«أضواء على الصحيحين» (ص/80).
(3)
«أضواء على الصحيحين» (ص/81).