الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
تباين أغراض الإماميَّة من دراسة «الصَّحيحين»
هذا؛ وما تزال خصائص هذه المَراحل الثَّلاثة مستمرَّةً من جِهة التَّطبيق لطرائقها، بحيث لا نعدم لكلِّ مرحلةٍ مَن يُمثِّلها مِن كتابات مُتشيِّعة العَصرِ، على ما فيها من تداخل وترابط، بحيث تدعُم الحديثةُ منها أصولَ القديمةِ، مع اختصاصِ هذه المرحلة الأخيرةِ بغَزارةِ مُصَنَّفاتها، والانهماك في تتبُّع تفاصيل «الصَّحيحين» كما تَقدَّم.
والَّذي يَتَتبَّع مَواقفَ الإماميَّة المُعاصرين مِن «الصَّحيحين» ، سيستشعر تَبايُنًا بينهم في غرض تناولهما بالدِّراسة:
ففريقٌ منهم: قد عُني بالتَّنقيبِ عمَّا يصلُح عاضِدًا لأصلٍ مِن أصول اعتقادِهم الباطلِ، ولو على وجهٍ مِن التَّعسُّفِ
(1)
.
وفريقٌ آخر -وهو المَعنيُّ بهذه الدِّراسة-: يحاولُ إسقاطَ الكِتابين عنوةً، والتَّفتيشَ عن مُتناقضاتِهما ممَّا يصلح شبهةً تُريب أهل السُّنة فيهما.
وكان أوْلى بالقوم أن ينشغلوا بستر مُتناقضات أخبارهم مِمَّا أوْهاه رُواتهم الكَذَبة فأعياهم رقعُه، مِمَّا اضطرَّ شيخَ طائفتهم الطُّوسيَّ (ت 460 هـ)
(2)
للقيامِ
(1)
ويمثِّل هذا القسم مجموعة من الكُّتاب الإماميَّة المعاصرين، منهم: محمد علي الحلو في كتابه «عقائد الشيعة برواية الصحاح الستة» ، ومحمد تقي الصادقي في «الشيعة في ميزان صحيحي أهل السنة» .
(2)
«تهذيب الأحكام» للطوسي (1/ 2 - 3).
برأب شيءٍ من صدعِها في كتاب ضخمٍ، أقرَّ فيه برُكامِ المُتشاكسات المُثقَل بها تُراثهم مِمَّا عالجَه منها، قائلًا في تقدِمَتِه:«لا يكاد يتَّفق خبرٌ إلَّا وبإزائه ما يُضاده! ولا يسلم حديثٌ إلَّا وفي مُقابلته ما يُنافيه!»
(1)
.
فلم يجد هذا الطُّوسي ما يُسوِّي به زَيغَها، إلَّا بحملِ خمسمائة روايةٍ منها على أنَّها ما خرجت إلَّا مَخرج التَّقية!
(2)
(1)
محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر الطوسي: مفسر وفقيه شيعي، المُلقب بشيخ الطائفة الإمامية، انتقل من خراسان إلى بغداد سنة 408 هـ وأقام أربعين سنة، أُحرقت كتبه عدة مرات بمحضر من الناس، كان من تصانيفه «الغيبة» و «الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار» ، انظر «الأعلام» للزركلي (6/ 84).
(2)
ومن طريف ما يذكر في هذا المقام، أن الأحاديث التي يوردها الإمامية لدرءِ التعارض الحاصل في مرويات أئمتهم متعارضة هي نفسها فيما بينها! وفي ذلك قول محمد باقر الصدر (ت 1400 هـ) في جزء «تعارض الأدلة الشرعية» من كتاب «بحوث من علم الأصول» لمحمود الهاشمي، تحت عنوان (أخبار العلاج)(ص/337)، قال:« .. وهي الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام لعلاج حالات التَّعارض والاختلاف الواقع بين الرِّوايات .. والطَّريف أن هذه الأخبار قد ابتلت بنفسها بالتَّعارض فيما بينها!» .