الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَطلب الثَّاني
دعوى أنَّ اختلاف رواياتِ «الصَّحيح» أمارة على وقوع العبثِ بأصله
لقد أوغَلَ (غُلامي) في طعنِه بنُسخ البخاريِّ حين زادَ بتصوُّره المختلِّ للاختلافاتِ الحاصلةِ بين رواياتِه شُبهةً أخرى، يقول عن ذلك:«يُؤكِّد بعضُ المُحدِّثين من أهل السُّنة وجود روايات نُسبت إلى الصَّحيح لا توجد في نُسخِه الأخرى»
(1)
.
واستشهدَ على دعواه بما رآه أبو العباس القرطبيُّ (ت 656 هـ) في بعضِ النُّسَخِ القَديمةِ مِن «البخاريِّ» ما نَصُّه: «قال أبو عبد الله البخاريُّ: رأيت هذا القَدَح -يعني قَدح النَّبي صلى الله عليه وسلم الَّذي كان عند أنس بن مالك رضي الله عنه بالبَصرة وشربتُ منه، وكان اشتُري مِن ميراثِ النَّضر بن أنس بثمانمائة ألف»
(2)
.
فكان لازمُ هذا عند (غلامي) أنَّ النُّسَخ المتأخِّرة للصَّحيح قد أُحِدثَ فيها وغُيِّرَ، ما جَعَلها تختلف عن النُّسَخ القديمةِ بشهادة كلام القرطبيِّ عنده.
ثمَّ استرسلَ (غلامي) في محاولةِ التَّأكيدِ على الخرقِ السَّافر لمُقتضياتِ التَّوثيق السَّليم لمُدوَّنات الحديث، باستدعاءِه شاهد حديثِ ابنِ عبَّاس رضي الله عنهم،
(1)
«البخاري وصحيحه» ص/12
(2)
«فتح الباري» (10/ 100).
والَّذي فيه: «وَيْحَ عمَّار! تقتلُه الفئةُ الباغية، يَدعوهم إلى الجنَّةِ ويَدعونه إلى النَّار» .
فبعدَ أن نقلَ عن بعضِ شُرَّاحِ «الصَّحيحِ» تقريرهم لحذف البخاريِّ من هذا الحديث جملة: «تقتله الفئة الباغية» ، قال (غلامي):«ما يُثير الدَّهشة، أنَّه ومع كثرةِ المناقشاتِ في حذفِ روايةِ عمَّار المذكورةِ، هو وجودها في النُّسَخ الَّتي بين أيدينا! فمِن أين مَصدرُ ذلك إذن؟! .. ومِن هنا يُمكن القول أنَّ ما يوجد بين دَفَّتي البخاريِّ، وفي جميع مُجلَّداته، ليس كلُّه مِن تصنيف محمَّد بن إسماعيل»
(1)
.
فبنفسِ هذه النَّظرةِ القاصرةِ إلى اختلافِ رواياتِ البخاريِّ استباحَ بعضُ مُغَفَّلي أهلِ السُّنةِ الطَّعنَ في بعضِ متونِ «الصَّحيحِ» ؛ منهم (محمَّد سعيد حَوَّا)
(2)
الَّذي احتجَّ بظهورِ الاختلافِ بين النُّسَخ الخطيَّة، ليتشكَّك في سَلامةِ أحاديثِها مِن التَّصرفِ
(3)
.
والَّذي أبردَ قلبَ (غلامي) بطروءِ تصرُّفِ الرُّواةِ في مُسودَّة البخاريِّ: وقوفُه في الكتابِ على أسانيد مُبتدَؤُها أحَدُ رُواةِ «الصَّحيح» من تلاميذ البخاريَّ! فيقول: «إنَّنا نجِدُ رواياتٍ يَرِد فيها محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ كحَلقةٍ في سلسلةِ الرُّواة والإسناد! بمعنى أن المُؤلَّف يتَحوَّل إلى راوٍ للحديثِ فقط! كما هو الحال في كتابِ العِلم .. »
(4)
، و «لا يخفى أنَّ ذِكرَ المؤلِّف لابُدَّ أن يأتي في بدءِ السَّند»
(5)
.
(1)
«البخاري وصحيحه» (ص/1).
(2)
أستاذ للحديث النبوي بجامعة مؤتة بالأردن، وهو ابن سعيد حوَّا (ت 1409 هـ)، الكاتب الإسلامي المعروف، وهو من أبرز حاملي راية الإخوان المسلمين في سوريا.
(3)
مقالة محمد سعيد حوا في جريدة «الدستور الأردنية» بتاريخ 11 ربيع الأول 1431 هـ، الموافق 25/ 2/2010 م، عدد رقم (15309).
(4)
«البخاري وصحيحه» (ص/12).
(5)
«كشف المتواري في صحيح البخاري» لجواد خليل (1/ 71).
قصدُه بهذا، ما جاء نَصًّا في (كتابِ العلم) مِن «الصَّحيح»:«وأخبرنا محمَّد بن يوسف الفربري: وحَدَّثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدَّثنا عبيد الله بن موسى، عن سفيان قال: «إذا قُرِئ على المُحدِّث، فلا بأس أن يقول: حدَّثني» ، قال: وسمِعتُ أبا عاصم يقول عن مالك وسفيان: «القراءةُ على العالِمِ وقراءتُه سَواء» اهـ