الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (20)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} [النمل: 20].
* * *
قوله: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} : {الطَّيْرَ} (أل) هَذِهِ للعهدِ أو لعمومِ الجنسِ؟
أقول: إنَّهَا للعهدِ؛ لِأَنَّهَا تعودُ عَلَى الطيرِ الذكورِ فِي قوله: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ} [النمل: 17]، وَعَلَى هَذَا فيَكُونُ تَفَقُّدُهُ للطيرِ فِي نفسِ هَذِهِ المسيرةِ.
قَالَ المُفَسّر رحمه الله: [{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} ليَرَى {الْهُدْهُدَ} الَّذِي يرى الماءَ تحتَ الْأَرْضِ، وَيدُلُّ عليه بِنَقْرِهِ فيها، فتَسْتَخْرِجُه الشياطينُ لاحتياجِ سُلَيْمَان إليه للصلاةِ فلم يَرَهْ]، هَذَا مِن كِيسِ المُفَسِّر رحمه الله، يَقُول: تَفَقَّدَ الطيرَ لأجلِ أن يرى الهدهد ليَرى المَاء تحت الْأَرْض، وإذا رأى الأَنْهار تجري تحتَ الْأَرْض نقرَ بمنقارِه، يعني قَالَ: احفِروا هنا، ثُمَّ يأمر الشَّياطِين فتحفر هنا وكأنَّه جُيُولجيّ! من يَقُول هَذَا؟ !
بل إنَّ تَفَقُّدَه الطيرَ لِأَنَّهُ كما سلفَ كَانَ عليه الصلاة والسلام منظِّمًا لجنودِه، فيَتَفَقَّد أين ذهب، ولهَذَا ما قَالَ: تفقد الهدهدَ أو الهدَاهِد، بل قَالَ: تَفَقَّدَ الطيرَ كلَّه؛ لِأَنَّهُ كما هُوَ معروف أن الطيور تَسْبَحُ فِي الهواءِ، فقد يَشِذُّ مِنْهَا شيءٌ، فَهُوَ عليه الصلاة والسلام تفقدها لأجلِ تكميلِ التنظيمِ.
ثم إنَّ دعواهم أنَّ الهدهدَ يرى الَّذِي تحت الْأَرْض؛ هَذَا لَيْسَ بصحيحٍ، ادفِنْ حبًّا فِي الْأَرْض واجعلِ الهداهدَ تأتي إليه هل تراه أو لا تراه؟ لا تراه بالتأكيد، إذا لم ترَ الحبَّ القَريبَ كيف ترى المياهَ البعيدةَ.
المهم أن الهدهدَ مثلُ غيرِه يَنْحَجِبُ نورُ عينيه بالكثافةِ فلا يرى شيئًا.
ثم إن سُلَيْمَان عليه الصلاة والسلام لَيْسَ بحاجةٍ إِلَى هَذَا، بل إن سُلَيْمَان من هَذِهِ الناحيةِ كغيرِه منَ البشرِ، إن وجدَ ماءً انتفعَ به، وإن لم يجِدْ فإن الله تَعَالَى يُيَسِّر له الماء بأيِّ وسيلةٍ.
قوله: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} : {مَا} اسمُ اسْتِفْهامٍ، وهل الغَرَضُ منه الاستخبارُ أوْ الِاستنكارُ؟
قيل: الغرضُ الاستخبارُ، أي يسأل سؤالًا حقيقيًّا، يَقُول: أين الهدهد؟ وَقِيلَ: إنَّهُ استنكارٌ.
والظَّاهر أَنَّهُ لا يَجْهَلُه؛ لِأَنَّ الأَصْلَ فِي الاسْتِفْهامِ الاستخبارُ. قَالَ بعضهم: وَفِي الآيةِ قلبٌ، وإن التَّقْدير:(ما للهدهد لا أَرَاهُ) ولكِن هَذَا لَيْسَ بصحيحٍ، بل الآيَة عَلَى ترتيبها، فَهُوَ يسأل ويقول: لماذا لا أَرَى الهدهدَ؟ هل هناك مانعٌ مَنَعَنِي من رُؤْيَتِه، أو أَنَّهُ كَانَ غير موجودٍ؟ ولذلك أَضْرَبَ عنِ الأوَّلِ وقال:{أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} ، و {أَمْ} هو هَذِهِ منقطعة و {أَمْ} المنقطعة - كما تَقَدَّمَ - تكونُ بمعنى (بل) والهمزة، يَعْنِي:(بل أكانَ من الغائبينَ) وحينئذٍ أضربَ عن الكَلامِ الأوَّلِ وعرف أَنَّه لا عِلَّة فِي بَصَرِه، وإنما العِلَّة غَيبة هَذَا الهدهدِ.
قَالَ المُفَسِّر: [{أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} فلم أَرَهُ لِغَيْبَتِه، فلَمَّا تحَقَّقَهَا قَالَ: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا}].