الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:
تَحذيرُ العَبْدِ مِنَ المُخالفةِ عَلَنًا أو سِرًّا، كيف ذلك؟ لأنك إذا عَلِمتَ بهَذَا الأَمْرِ، بأن الله يعلمُ ما تُخْفِي وما تُعْلِن، يَلْزَمُ مِن ذلكَ أن لا تُخَالِفَه، لا تقلْ: سأفعلُ هَذَا المحرَّم لِأَنَّ الله لا يَدْرِي، أو سأترك هَذَا الواجبَ لِأَنَّ الله لا يدري، بل الله سبحانه وتعالى يَعلمُ، والْإِنْسَان لو عَلِمَ أن المعظَّم عندَه يعلم بأفعالِه، لَتَرَكَ ما لا يُرْضِيه، لو عَلِمْتَ مثلاً أن أباك أو الرجلَ الَّذِي تحترمه يعلم بما تفعل، فهل تفعل ما يخالف رضاه؟ لا تفعل، لا سيما إذا كَانَ محبوبًا لديك ومُعَظَّمًا، فإذا كَانَ كذلك فالربُّ من باب أَولى.
ولهَذَا ينبغي لكَ كلَّما دَعَتْكَ نفسُك إِلَى معصية، بل إِلَى مخالفةٍ بتركِ أمرٍ أو فعلِ نهىٍ، يَجِب عليك أن تتذكرَ هَذَا الأَمْرَ، أن الله سبحانه وتعالى يَعْلَم مخالفتَكَ، فيَلْزَم من هَذَا أن تَرْتَدِع، ولهَذَا جاء فِي الحديث وإن كَانَ فِيهِ نظرٌ:"أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللهَ مَعَكَ حَيْثُما كُنْتَ"
(1)
؛ لأنك إذا عَلِمْتَ هَذَا العلمَ أوجبَ لك الاستقامةَ والثباتَ عَلَى الأَمْرِ.
قوله: {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25]، فيها قِراءتان
(2)
: {مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} و"ما يخفون وما يعلنون"، أَمَّا عَلَى قراءة:{أَلَّا يَسْجُدُوا} [النمل: 25]، عَلَى حَسَبِ تفسيرِ المُفَسِّر فالمناسبُ: ما يخفون وما يعلنون، وَأَمَّا إن كَانَ عَلَى قراءة الكِسائي:"أَلَا يا اسجدوا"، وهي قراءة سَبْعِيَّة
(3)
، فتناسب:{مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25]؛ لِأَنَّ اسجدوا فعلُ أمرٍ، وفعل الأَمْر للمُخَاطَب، فيَقْتَضي أن الأفعال الَّتِي
(1)
رواه الطبراني في الأوسط (8796)، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(2)
الحجة في القراءات السبع (ص: 271).
(3)
المصدر السابق نفس الموضع، والسبعة في القراءات (ص: 480).
بعده تكون للمخاطَب أيضًا، يَعْنِي: ألا يا قوم اسجدوا، وَهُوَ هنا لا يخاطب سُلَيْمَان؛ لِأَنَّ سُلَيْمَان يسجد لله، ولكِنه لقوَّةِ استحضارِهِ ما كانت عليه ملكة سبأ خاطبهم بِقَوْلِهِ:(أَلا يا اسجدوا).
* * *