الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (50)
* * *
قَالَ اللهُ عز وجل: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 50].
* * *
قَالَ المُفَسِّر: [{وَمَكَرُوا} فِي ذَلِكَ {مَكْرًا}]، و {مَكْرًا} مُنكر أحيانًا، يَكُون من فائدةِ التنكيرِ التعظيمُ، أي: مَكَرُوا مكرًا عظيمًا، والمكرُ فسَّره بعضهم بأنه التوصُّل بالأَسْبَاب الخفيَّة إِلَى الإيقاعِ بالخَصْمِ؛ لِأَنَّ الأَسْبَاب الظَّاهرة لا تُسمَّى مكرًا وإنما هِيَ أَسْباب خفيَّة.
قَالَ اللهُ سبحانه وتعالى فِي مقابلةِ ذلك: {وَمَكَرُوا مَكْرًا} أي: مكرًا أعظمَ من مكرِهم، قَالَ المُفَسِّر رحمه الله:[أي جازَيْنَاهم بتعجيلِ عُقُوبَتِهِمْ]، ففسَّر المكر بالمجازاةِ، والصَّحيحُ أن المكرَ أخصُّ منَ المجازةِ؛ لِأَنَّهَا مجازاةٌ منْ حَيْثُ مأمنُ المُجَازَى، لكِن أراد المُفَسِّر أنْ يدفعَ بذلك صفةَ المكرِ عنِ اللهِ سبحانه وتعالى، ففسَّره بالمجازاةِ، والصَّواب عند أهلِ السنَّة والجماعة أنَّ المكرَ لا يجوزُ أن يُحَرَّف إِلَى معنى المجازة المطلَقة، وَأنَّهُ لا يَمْتَنِع وصف الله تبارك وتعالى به فِي مَحَلِّه، فالمكرُ فِي مَحَلِّه يُعْتبَرُ مَدْحًا، وَفِي غيرِ مَحَلِّهِ يُعْتَبر ذَمًّا، والمكرُ بهَؤُلَاءِ الماكرينَ يُعْتَبر مَدْحًا عظيمًا، ولهَذَا الصَّحيحُ فِي هَذِهِ المسألةِ الَّذِي عليه أهلُ السنَّة والجماعة أنَّ اللهَ تَعَالَى يُوصَف بالمَكْرِ، لا عَلَى الإطلاقِ، فلا يقالُ: إن اللهَ ماكرٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الإطلاق يَتَضَمَّن صِفة الذمّ، وإنما
يقال: ماكرٌ بمَن يَمْكُرُ به، أو بمَن يَسْتَحِقّ المكرَ، وحينَئذٍ يَكُونُ صفةَ مدحٍ.
والصِّفَات تنقسمُ إِلَى ثلاثةِ أقسامٍ:
أحدها: صفاتٌ حُسْنَى بكلِّ حالٍ، فهَذه ثابتةٌ للهِ عَلَى وجهِ الإطلاقِ، كالسمعِ والبصرِ والعلمِ والحياةِ والقُدْرة ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
والثَّانِيَة: صفاتُ نقصٍ عَلَى كُلّ حالٍ، أو صفاتُ سَوْءٍ عَلَى كُلّ حالٍ، فهَذه يُنَزَّهُ اللهُ عنها عَلَى كُلّ حالٍ، مثل الظُّلم واللُّغُوب والجَهْل والعَمَى والموت والمرض والولادة والوزير والشَّريك والجُوع والعَطَش، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، هَذِهِ يُنزَّه الله عنها بكلّ حالٍ.
والثَّالثة: صفات ذات وجهينِ، تكون مدحًا فِي حالٍ وتكونُ ذمًّا فِي حالٍ، فهَذِهِ لا يُوصَف الله بها عَلَى الإطلاقِ ولا تُنْفَى عنه عَلَى الإطلاقِ، مثل: المَكْر والخِداع والاستهزاء والسّخْرِيَة وأمثالها، هَذِهِ لا يُوصَف الله بها عَلَى كُلّ حالٍ، ولا تُنفَى عنه بكلِّ حالٍ، بل يُوصَف بها حَيْثُ تكون كمالًا، وتُنفَى عنه حَيْثُ تكون نقصًا، قَالَ الله تَعَالَى:{فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79]، وقال تَعَالَى:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ} [البقرة: 15]، وقال تَعَالَى:{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النِّسَاء: 142]، وقال تَعَالَى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: 30].
قوله: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} يعني هم لا يشعرون بعاقبةِ مكرِهم، وهل يَتِمُّ لهم ما أرادوا أم لا؟ ولا يشعرون كيف يمكر الله بهم، فهم لا يشعرون لا بهَذَا ولا بهَذَا، لا بنتيجةِ مَكْرِهِم ولا بمكرِ اللهِ بهم؛ لِأَنَّهُم - والعياذُ بالله - متمادُونَ فِي الضلالةِ، والغالبُ أن الَّذِي يتمادى فِي الضلالةِ يَعْمَى فلا يُبْصِر، ويُصَمّ فلا يسمع، فلهَذَا قَالَ:{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ، والجملةُ فِي قوله:{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} مَحَلُّها منَ