الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (72)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} [النمل: 72].
* * *
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى:
أنَّ البلاءَ موكلٌ بالمَنْطِق، وأن الْإِنْسَان إذا استعجلَ الشَّرَّ وقعَ فِيهِ؟ ؛ لِقَوْلِهِ:{عَسَى أَنْ يَكُونَ} ، وعسى - كما قَالَ ابن عباس - إذا جاءتْ فِي كلامِ اللهِ فهي للوجوبِ
(1)
؛ لِأَنَّ معناها التوقُّع، وأن هَذَا أمرٌ قد حانَ وَقْتُه؛ إذ إنَّ الترجِّيَ بالنِّسْبَةِ إِلَى اللهِ غيرُ مُمْكِن؛ لِأَنَ الترجِّيَ طلبُ ما فِيهِ عُسْرٌ، ولا شَيْء عسير عَلَى الله عز وجل.
الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ:
سَعَة حِلْمِ اللهِ؛ لِقَوْلِهِ: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي} (بعض) دون الجميع، وهَذَا من حِلْم اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَاده، فإنّ هَؤُلَاءِ المكذِّبين لِرُسُلِهِ المنابِذِينَ لهم المتحدِّينَ لهم يُقَال لهم:{عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} وَلَيْسَ هَذَا بأوَّل دليلٍ عَلَى حِلْمِ اللهِ؟ بل له أمثلة كثير فِي الْقُرْآنِ؛ مِنْهَا قوله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [البروج: 10]، يُحْرِقون أولياءَهُ بالنَّار وَيعْرِض عليهم التوبةَ، فهَذَا من أعظمِ الحِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لو رُدَّ الأَمْرُ إِلَى
(1)
انظر: تفسير ابن أبي حاتم (3/ 905).
مراعاةِ العدلِ لأحرقَ اللهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أحرقوا أولياءَهُ، ولا يَعْرِض عليهم التوبةَ، ولكِنَّ حِلْمَ اللهِ سبحانه وتعالى واسعٌ، ورَحْمَته سَبَقَتْ غَضَبَهُ.
فهنا قَالَ: {رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي} لا كُلّ الَّذِي تَسْتَعْجِلون، ونَقُول: هَذَا فضلٌ، وباب الفضل أبلغُ فِي الكمالِ، فهَذَا فضلٌ لِأَنَّ العدلَ أن يُعَاجِلَهُمْ بالعقوبةِ؛ لِأَنَّهُم فعلوا الذنبَ، وفاعلُ الذنبِ يُعاقَبُ عليه، بل هَذَا فضلٌ، والفضل أعلى من العدلِ، والله تبارك وتعالى مُعَامَلته لعبادِهِ دائرةٌ بينَ الفضلِ والعدلِ، وهناك أمرٌ ثالثٌ وَهُوَ الجَوْر؛ فإن المعاملة قد تكونُ جَوْرًا أو عدلًا أو فضلَّا. والجورُ مُمْتَنِعٌ فِي حقِّ اللهِ، قَالَ تَعَالَى:{وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، والعدلُ والفضلُ حُكْمه بين عِبادِهِ دائرٌ بينهما، ولهَذَا قَالَ:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90].
* * *