الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَائِدَة الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:
أن الإِسْلامَ والإِيمانَ شيءٌ واحد، لِأَنَّ قوله:{أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فلَا شَكَّ أن ما أُمِرَ به هُوَ أعلى الحالاتِ، وَهُوَ الإِيمانُ، ولكِن هَذِهِ المسألة -وهي: هل الإِسْلام هُوَ الإِيمان أو لا- فيها أيضًا عِراك بين أهل السنّة والجماعة أنفسهم، وبينهم وبين الأشاعرةِ، والصَّواب أن يقال: إن الإِسْلام عندَ الإطلاقِ يَشمل الإِيمانَ، والإِيمان عندَ الإطلاقِ يشملُ الإِسْلامَ، وَأَمَّا عند التقييدِ وأن يُقْرَنَ بينهما فَإِنَّ الإِيمان يَكُون ما وَقَرَ فِي القلبِ، والإِسْلام ما قامتْ به الجوارح؛ لِأَنَّ الإِسْلام منْ الاستسلام، وَهُوَ عدم المعارضة، بل الموافقة، فالمنافقون الَّذِينَ لا يُظهِرون معارضةً نسميهم مسلمينَ، لكِن لا نسميهم مُؤْمِنيِنَ؛ لعدم وجودِ الإِيمانِ فِي قلوبهم.
ومن النَّاس من يَكُون وسطًا، قَالَ تَعَالَى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]، قال: لمّا يَدْخُلْ، ما قَالَ: لم يَدْخُلْ، ليفيد أن الإِيمانَ قريبُ الدخولِ فِي قلوبهم، لَكِنَّهُ لم يدخلْ، إِنَّمَا هُوَ قريبٌ.
والإِيمان منَ المنافقينَ بعيدٌ، هم يَنفِرون منه، فلو قَرُبَ إليهم نفروا منه، لكِن هَؤُلَاءِ الأعراب لم يدخلِ الإِيمانُ فِي قلوبهم إِلَّا أَنَّهُ قريب {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].
إِذَنِ: الصَّواب فِي هَذِهِ المسألة: أن الإِيمانَ والإِسْلامَ إذا اقتَرَنا افتَرَقا، وإذا افتَرَقَا اجتَمَعَا، فالإِيمان إذا اقترنَ مَعَ الإِسْلامِ فُسِّرَ هَذَا بهَذَا، وهَذَا بهَذَا، أَمَّا عند الإطلاقِ فيدخل فيه.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ذكرتم أنَّ المنافقينَ مُسلِمون ظاهرًا، أي منقادونَ، أليس هَذَا فِيهِ إشكالٌ؟
فالجواب: الرَّسُول أرادَ أن يفسِّر ذلك بالأَعْمالِ الظَّاهرةِ المبنيَّة عَلَى الإخلاصِ، والأَعْمال الظَّاهرة عند المنافقينَ ليستْ مبنيَّة عَلَى الإخلاصِ، ولهذَا يأتون ويصلون مَعَ النَّاس، ويذكرون الله تَعَالَى فِي صلاتهم لكِنهم لا يذكرون الله إِلَّا قليلًا، والرَّسُول عليه الصلاة والسلام لم يفرِّق بينهم وبين أقاربهم فِي الميراثِ وغيره، فيُوَرِّثُ بعضهم من بعض. وأخذ بهَذَا شيخ الإِسْلام ابن تَيْمِيَّة وقال: إن المنافقَ يَرِثُ من المؤمنِ، والمؤمن يرثُ منَ المنافقِ
(1)
.
وهَذَا الَّذِي قاله صحيح إِلَّا أننا نعارضه فيما إذا عُلِمَ نفاقُه، فَإِنَّهُ إذا عُلم نفاقه لا يجوز أن يورَّث منَ المسلمِ أو يورَّث المسلمُ منه، وقد قَالَ الله تَعَالَى:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84].
فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم يعلمُ المنافقينَ؟
قُلْنَا: فيهم ناسٌ يعلمهم وفيهم ناسٌ لا يعلمهم.
.• * •.
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (7/ 210) و (7/ 617).