الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معلومٌ بالفِطرة، وكونهم يفعلونه وهم يشاهد بعضهم بعضا هَذَا أشدُّ وأعظمُ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أَنَّهُ يَنبغي إبرازُ الغرضِ الَّذِي من أجلِهِ أُرْسِلَ الرَّسُولُ؛ لِأَنَّ الرُّسُلَ كلَّهم كافَّة أُرسلوا لتوحيدِ اللهِ، لكِنَّ بعضَهم يبيِّن مَعَ الأَمْر بعبادةِ اللهِ أَنَّهُ أُرسِل لهَذَا الغرضِ، ولوطٌ هنا بَيَّن اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ أرسله لغرضِ انتشالِ قومِه من هَذِهِ الفاحشةِ العظيمةِ، لِقَوْلِهِ:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} مَعَ أَنَّهُ عليه السلام لَا بُدَّ أَنَّهُ قَالَ لهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} ، لكِن لمّا كانت هَذِهِ الفاحشةُ ظاهرة فيهم بيَّنها الله تبارك وتعالى، فَهُم مؤمنونَ، والرُّسُل طالبوهم أولاً بالإِيمان، وهم إمَّا أَنَّهُم أخطؤوا فِي هَذِهِ العَمَلية مَعَ تحقيق العِبادَة، وليَكُون الأَمْر بعبادة الله من باب الأَمْر بالاستمرار عليها، أو أَنَّهُم يأمرونهم ثُمَّ بَعْد ذلك إذا استقرّ الإِيمان فِي نفوسهم نَهَوْهُم عمّا هم عليه.
الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: أن الرُّسُل يُرسَلون إِلَى قومهم؛ لِقَوْلِهِ: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} ولم يُبْعَثْ أحد إِلَى عمومِ النَّاسِ إِلَّا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: بَيَان عِظَم اللُّواط وقُبْحه وَأنَّهُ فِي قِمَمِ الفواحشِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} .
الْفَائِدَة الرَّابِعَةُ: بَيَان وجوبِ الإنكارِ عَلَى مَن أتى بهَذهِ الفاحشةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَأْتُونَ} لِأَنَّ الهمزةَ هنا للاسْتِفْهامِ والتوبيخِ، ولَا شَكَّ أَنَّهُ يُنْكَرُ عليه، لكِن بماذا يعاقَب؟
فِي شريعتنا يعاقَب بالقتلِ مُطلَقًا، سواء كَانَ مُحْصَنًا أم غيرَ محصَنٍ، وهَذَا هُوَ
ما دلّ عليه الحديثُ الَّذِي فِي السُّنَنِ وصَحَّحَهُ الحاكِمُ وغيرُه من قولِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالمَفْعُول بهِ"
(1)
، وَهُوَ الَّذِي أجمعَ عليه الصحابةُ كما حكاه عنهم شيخُ الإِسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّة رحمه الله
(2)
.
لكِنهمُ اخْتَلَفُوا كيفَ يُقتل؛ هل يُقتل بالرجمِ أو بإلقائِهِ من شاهقٍ وإتباعِهِ بالحجارةِ، أو يُقتل بالسيفِ أو يقتل بالإحراقِ بالنَّار، وقد فعلَه أبو بكرٍ وفعله عبد الله بنُ الزُّبَيْر، وفَعَلَه هِشامُ بنُ عبدِ المَلِكِ، واختلفوا فِي هَذَا، فالمهمُّ أَنَّهُم اتفقوا عَلَى قتلِهِ، وتكون الكيفيّة هنا راجعةً إِلَى الإمامِ، إذا رأى أقوى كيفية تردع عن هَذَا العَمَل الخبيثِ فَإِنَّهُ يَسْلُكُهُ.
الْفَائِدَة الخَامِسَةُ: أنّ الفواحشَ تُقَبَّح بِحَسَبِ ما يُقْتَرَن بها؛ لِقَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} فإن هَذِهِ الفاحشةَ مُنكرَة، ولَكِنَّهَا إذا كانت عَلَنًا وجَهْرًا يَظْهَرُ النَّاسُ بعضهم أمامَ بعضٍ فيها صارتْ أقبحَ وأعظمَ، ولهَذَا أتى بالجملةِ الحاليّة فِي قولِه:{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} .
* * *
(1)
رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب فيمن يعمل عمل قوم لوط، حديث رقم (4462)؛ والترمذي، كتاب الحدود، باب ما جاء في حد اللوطي، حديث رقم (1456)؛ وابن ماجه، كتاب الحدود، باب من عمل عمل قوم لوط، حديث رقم (2561)؛ وأحمد (1/ 300)(2732)، والحاكم في المستدرك (4/ 395)(8047)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (28/ 335).