الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (90)
.• * •.
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 90].
.• * •.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}؛ أي: الشِّرك]، قوله:[مَن جاء] نَقُولُ فِيهِ كما قُلْنَا فِي قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} لِأَنَّ الْإِنْسَان قد يعملُ السيئةَ ولكِنه لا يأتي بها، وذلك بأنْ يتوبَ مِنْهَا أو تكون له أعمالٌ صالحةٌ تُكَفِّرها أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا مجرَّد المشيئة فالغالب أَنَّهَا تُغفر يوم القيامةِ فيقرّر بذنوبِه ثُمَّ يُقَال له: غَفرناها لك.
وقوله: [أي: الشرك] فِيهِ نظرٌ، وإنما حَمَلَه عَلَى ذلك تفسيرُه الحسنةَ بأنها (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)، وَهُوَ توحيدٌ، فقال:{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} أي الشركِ، ولكِن الصَّواب أنّ المُراد بالسيئةِ هنا الجنسُ، فيشمل كُلّ سيِّئ
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} بأن وليتها، وذُكِرَتِ الوجوهُ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ الشَّرَف مِنَ الحواسّ، فغيرُها من باب أَولَى].
الذي أوجبَ للمؤلِّف أن يحملَ السيِّئ عَلَى الشركِ جوابُ الشرطِ {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّار} فيقول: إن هَذَا لا يَكُون إِلَّا لِلكَافِرِينَ، وهَذَا فِيهِ نظرٌ أيضًا؛ لِأَنَّ مَن جاء بالسيئةِ ولو دونَ الشركِ فَإِنَّهُ إن لم يُغْفَرْ له يُكَبّ فِي النَّارِ،
ولكِنَّه يُعاقَب عَلَى حسَب ذنوبِه، ثُمَّ بَعْد ذلك يُخْرَج منها، إمَّا بشفاعة وَإمَّا بانتهاءِ جزائِه إذا لم يشفعْ له.
فالحاصل أننا نَقُول: إن قولَه: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} لا يَلزَم منه الخلودُ، بل قد تُكَبّ وُجوههم فِي النَّار ثُمَّ يَنْجُونَ.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: إذا كانوا عصاةً فإن موضعَ السجودِ لا تأكله النَّارُ، فكيف نَقُولُ: كُبَّتْ وُجُوهُهم فِي النَّار؟
قُلْنَا: إذا كُبّ عَلَى وجهِه أصابتْه النَّارُ إِلَّا موضعَ السجودِ، وهَذَا لا يَمنَع أن يُكَبّ عَلَى وجهه وتُحمَى مواضعُ السجودِ مِنَ النَّار.
وقوله: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّار} جواب الشرط ماضٍ، فَكَانَ مُقتضى الأَمْر أن يَقُول: ومن جاءَ بالسيئةِ كُبَّت؛ لِأَنَّ فعل الشرط إذا كَانَ ماضيًا وجوابه كَانَ ماضيًا أيضًا فلا يحتاج إِلَى الفاء، يَقُولُونَ: إن الفاء هنا تدلّ عَلَى تقدير (قد)، يَعْنِي:(فقد كُبَّت)، وتكون دالَّة عَلَى التحقيقِ لهذَا الأَمْرِ؟ لِأَنَّ (قد) للتحقيقِ، ولَكِنَّهَا حُذفتْ لفظًا وأُشيرَ إليها معنًى، فالفاء تشير إِلَى (قد)، وحُذِفَتْ لَفظًا لِأَنَّ (قد) للتحقيق، والمسألة لم تَقَعْ، فَكَانَ فِي تحقيقها بـ (قد) وهي لم تقعْ نوعٌ من التناقضِ، فلذلك حُذفت فِي اللفظِ وأُشير إليها بالمَعْنى بالفاءِ، وكما هُوَ معلومٌ أن جوابَ الشرطِ إذا اقترنَ بـ (قد) فيجب أن يَكُونَ مَقرونًا بالفاءِ.
اسْمِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ
…
وَبِمَا وَلَنْ وَبِقَدْ وَبِالتَّنْفِيسِ
سبعةُ مواضعَ إذا كانتْ جوابًا للشرطِ وجبَ اقترانُ الفاءِ بها.
قوله: {هَلْ تُجْزَوْنَ} ؛ أي: ما تُجْزَوْنَ، يَعْنِي أنَّ الاسْتِفْهامَ هنا بمعنى النفيِ،
والاسْتِفْهامُ بمعنى النفيِ أبلغُ منَ النفيِ المجرَّد؛ لِأَنَّهُ يَدُلّ عَلَى النفيِ وزيادة. فقولنا: ما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كنتم تعلمون يَدُلّ عَلَى أَنَّهُم لا يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانوا يعملون، لكِن قوله:{هَلْ تُجْزَوْنَ} يَدُلّ عَلَى تقريرِ هَذَا الأَمْرِ، وَأنَّهُ لا يمكن للإِنْسَانِ أنْ يُجازَى إِلَّا بما كَانَ يعمل، وَيكُون فِيهِ تقريرٌ وتقريعٌ فِي نفسِ الوقتِ.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [ويُقال لهم تَبكيتًا]: {هَلْ} ما {تُجْزَوْنَ إِلَّا} جَزَاء {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} منَ الشِّرْك والمَعاصِي]، قوله رحمه الله:[{إِلَّا} جَزَاء {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}]، فِيهِ صرفٌ للفظِ عن ظاهرِه؛ لِأَنَّ قوله:{إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يَقتضي أن يَكُونَ العَمَلُ هُوَ الجزاءَ نفسَه {إِلَّا مَا كُنْتُمْ} ، ومن المعلوم أن العَمَل لَيْسَ الجزاءَ، بل الجزاء شيءٌ والعَمَل شيءٌ آخَرُ. فعندما تستأجرُ إِنْسَانًا يعمل لك، ثُمَّ تعطيه الأجرةَ، فعَمَلُه غيرُ أُجرتِهِ.
والعاملُ للهِ سبحانه وتعالى عَمَلُه غيرُ جزائِه، فظاهرُ الآيةِ {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أنَّ الْإِنْسَان يُجزى بعملِهِ، لذلك احتاج المُفَسِّر أن يقدِّر هَذَا المحذوفَ: إِلَّا جزاء ما كنتم تعملون، لكِن ما فِي الآيةِ أبلغُ؛ لِأَنَّهُ من بابِ المبالغةِ فِي العدلِ أنْ يجعلَ الجزاء هُوَ العَمَلَ، كأنَّ الجزاءَ نفسَه عَمَلُك مبالغةً فِي العدلِ، فأنت إذا كنتَ تريدُ ثوابًا كثيرًا فاعمَلْ كثيرًا؛ لأن ثوابَك عَمَلُك.
وأما قوله: [{هَلْ} ما {تُجْزَوْنَ إِلَّا} جَزَاء {مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ، ، ففيه أيضًا ركاكة، ما تُجزون إِلَّا جزاءَ العَمَلِ! فمعلوم أن كلمةَ (تُجْزَوْنَ) يُستفاد مِنْهَا الجزاءُ، فلا حاجة إِلَى تقديرٍ.
فالصَّواب إبقاءُ الآيةِ عَلَى ظاهرها، ويُفهَم أن الَّذِي يُعْطَوْنَه هُوَ الجزاءُ مِن
قولِه: {هَلْ تُجْزَوْنَ} . والتعبيرُ عن الجزاءِ بالعَمَلِ نفسه مبالغةٌ فِي العدلِ؛ بحيثُ يَكُون جزاؤك عَمَلَكَ.
وقوله رحمه الله: [مِنَ الشِّرك والمَعاصِي]، هَذَا ما ذهبَ إليه جمهورُ أهلِ العلمِ، وَهُوَ الصَّوابُ؛ أن الكافرَ يعاقَب عَلَى أصلِ الكفرِ وَعَلَى المَعاصِي أيضًا الَّتِي عَمِلها، فالمشركُ إذا زَنَا وسَرَقَ وشَرِبَ الخمرَ يُعاقَب عَلَى ذلك، فيعاقَب عَلَى الأَصْلِ والفرعِ، واستدلُّوا لذلكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 40 - 46]. فالصدقةُ ليست من الأصول، والصَّوابُ أنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الأُصُول وأن تاركها يُكَفَّر، لكِن الصَّدَقَة ليستْ منَ الأصولِ، حَتَّى الزكاة عَلَى القَوْلِ الصَّحيحِ لا يُكَفَّر تَارِكُها، ومعَ ذلك ذَكَرُوا أَنَّهَا من أَسْبابِ دُخُولِهمُ النَّارَ، ولولا أنَّ لها تأثيرًا فِي الجزاءِ ما صارتْ منَ الأَسْبَاب.
وهَذَا دليلٌ عَلَى أَنَّهُم يعاقَبون عَلَى فروعِ الإِسْلامِ كما يُعاقَبون عَلَى أصولِهِ، وَعَلَى هذا فيعاقبون عَلَى معاصيهم الَّتِي دونَ الشركِ، وهَذَا بلَا شَكّ كمالُ العدلِ؛ لأَنَّهُ إذا كَانَ المسلمُ يعاقَب عليها فكيف بالكافر؟ ! هل تكون للمسلمِ نِقْمَة وتكون للكافر نعمة؟ ! لا، بل أبلغُ من ذلك الكافر يعاقَب حَتَّى عَلَى المباحِ للمؤمنِ، قَالَ الله تَعَالَى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 32]. ففُهِم من قوله: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَنَّهَا لغير المُؤْمِنيِنَ ليستْ خالصةً، وأنهم سيُجازون عليها.
وهَذَا أيضًا مُقتضَى النظر؛ إذ كيف يَتَنَعَّمُ الْإِنْسَان بنِعَمِ الخالقِ وَهُوَ يَعصي الخالقَ، لَا بُدَّ أن يعاقبَه، يَقُول: أنا أحسنتُ إليكَ، أَطْعَمْتُك وسَقَيْتُك وكَسَوْتُك