الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (64)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)} [النمل: 64].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ} فِي الأرحامِ مِن نُطفةٍ {ثُمَّ يُعِيدُهُ} بَعْد الموتِ، وإنْ لم تَعْتَرِفُوا بالإعادة؛ لقيامِ البراهينِ عليها].
قوله: {أَمَّنْ يَبْدَأُ} مثلما قُلْنَا فيما سبق: إن أصلها: (أم من)، لَكِنَّها أُدغمت اتِّباعًا للرسمِ العُثمانيّ، ومن فوائد قَرْنِها ألَّا تتصادمَ مَعَ القراءةِ الأُخْرَى وهي (أَمَنْ يَبْدَؤُا).
وقوله: {يَبْدَأُ الْخَلْقَ} المُفَسِّر رحمه الله قَصَّرَ فِي التفسيرِ حَيْثُ قَالَ: [في الأرحامِ مِن نُطفة]، والصَّواب أَنَّهُ أعمُّ من ذلك، فيبدأ الخلقَ فِي الأرحامِ مِن نُطفة هَذَا فردٌ من أفرادِه، وإلّا فقد بدأ خلق الْإِنْسَان من طِين، ثُمَّ جعل نسلَه من سُلالة من ماءٍ مَهِين. أيضًا فإن بعض الأَشْيَاء تَتَوَلَّد ولا تَتَوَالَد ولَيْسَ لها أرحامٌ تكون فيها، وإنما تتولد مما تتولد منة بدون أن يوجدَ لها أرحامٌ، فالصَّواب فِي هَذَا أن يُقَال بالعموم:{يَبْدَأُ الْخَلْقَ} أي: يُوجِده ابتداءً فِي الأرحامِ وغيرِ الأرحامِ، لا أحد يستطيع أن يفعلَ ذلك، قَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73]، فلو يجتمعون كلهم - الَّذِينَ
يدعون من دونِ اللهِ - لِيَخْلُقُوا ذُبابًا ما استطاعوا. وأبلغُ من هَذَا {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} هذا الذبابُ الضعيف إذا سلبهم شيئًا فلا يستطيعون أنْ يَرُدُّوه {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73].
إِذَنِ: الَّذِي {يَبْدَأُ الْخَلْقَ} هُوَ الله، وَالَّذِي يعيده هُوَ الله سبحانه وتعالى، وقول المُفَسِّر رحمه الله:[وإن لم تَعترِفوا بالإعادةِ؛ لقِيام البراهين عليها]، لا حاجة لتقديره؛ لِأَنَّ الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر بدء الخلقِ فإن إعادة الخلق بالفطرة والعقل أهونُ من ابتدائِهِ، فهُوَ إذا تقرَّر أَنَّه يبدأ الخلق فَإِنَّهُ من المعلومِ أنه يُعيده؛ بل إعادته أهون، فعلى هَذَا يَكُون الله تَعَالَى قد قَرَّرَ أُلوهِيَّته بهَذَا الفِعْل العظيمِ؛ وَهُوَ بَدْءُ الخَلْقِ وإعادته.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ} - أي من جهةِ السَّمَاءِ - بالمطرِ {وَالْأَرْضِ} بالنباتِ]، فالرزقُ الَّذِي يأتي من السماءِ هو المطرُ، والذي يأتي منَ الْأَرْض هُوَ النبات؛ هَذَا ما قَالَهُ المُفَسِّر.
ويجوز أن نَقُولَ: إنَّ قوله: {مِنَ السَّمَاءِ} أي من العُلُوّ، {وَالْأَرْضِ} أي مِنَ النزولِ، وَيكُون هَذَا كقولِهِ تَعَالَى:{لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة: 66]، ويَكُون المُراد بالسَّمَاء ما كَانَ من الأشجارِ الرفيعةِ العاليةِ، وبالْأَرْضِ مثل: الزروع والأشجار الممتدَّة عَلَى الْأَرْض الَّتِي لَيْسَ لها ساقٌ. أو نَقُول: إن الآيَة أعمُّ من هَذَا فتشمل المطر؛ لِأَنَّهُ من السَّمَاء، وتشمل ما أَشَرْنَا إليه مِنَ الثَّمَرات منَ الأشجارِ العاليةِ الَّتِي يَتَوَصَّلُ إليها هَؤُلَاءِ، فتكون فِي السَّمَاء وتكون فِي الْأَرْض.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} الجوابُ: لا يَفعل شيئًا مما ذُكِرَ إِلَّا اللهُ، ولا إله معه.
وهَذِهِ الآيَة جمعَ اللهُ فيها بين بدء الخلق والرزق؛ لِأَنَّ المخلوقات تَحتاجُ إِلَى
إمدادٍ وتحتاج إِلَى إعدادٍ، فالإعداد بابتداءِ الخلقِ؛ لأن الله إذا ابتدأ الخلقَ أعدَّ الْإِنْسَان بكلِّ ما هُوَ لازِمٌ له، والإمداد بالرزقِ مِنَ السَّمَاء والْأَرْض.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{قُلْ} يا مُحَمَّدُ {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} حُجُّتكُم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}]
{هَاتُوا} هَذِهِ هل هِيَ فعلُ أمرٍ أو اسمُ فِعل أمر؟
هي فِعْلُ أمرٍ؛ والنَّحْوِيُّون مخُتلِفون، لكِن الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهَا فِعلُ أمرٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي تَلْحَقُه العلامةُ يَكُون فعلَ أمرٍ، وَالَّذِي يبقى عَلَى حالٍ واحدةٍ يَكُون اسمَ فعلِ أمرٍ. فأنت تخاطب واحدا فتقول: صَهْ، وتخاطب اثنينِ فتقول: صَهْ، وتخاطب جماعة فتقول: صَهْ.
إِذَنْ: هِيَ اسمُ فعلِ أمرٍ، لكِن (هات) تُخاطِب واحدًا فتقول: هاتِ، وتخاطب أُنثى فتقول: هاتي، وتخاطب جماعةً فتقول: هاتوا، وتخاطب نساءً فتقول: هاتِينَ. إذن فهي فِعْلُ أمرٍ.
ومعنى {هَاتُوا} يعني أَحْضِروا، و (البُرهانُ) هُوَ الدَّلِيلُ، وخَصَّه بعضهم بالدَّلِيل القاطعِ، وقَالُوا: إن الدَّلِيل إن كَانَ قطعيًّا فِي دلالته فَهُوَ برهانٌ، وإن كَانَ ظَنِّيًّا فَهُوَ دليل وَلَيْسَ ببرهانٍ، ولكِن الظَّاهر من الآيَاتِ الكَريمَةِ أن البرهانَ فِي الْقُرْآنِ دليلٌ؛ سواء كَانَ قطعيًّا كما قَالَ أهل المنطِق أم غيرَ قطعيٍّ، فعلى هَذَا يَكُون قوله سبحانه وتعالى:{هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} شاملًا للقطعيّ والظّنِّيِّ؛ لِأَنَّهُم لَيْسَ عندهم لا دليل قطعيّ ولا ظنّيّ.
قوله: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الأَمْر فِي قوله: {هَاتُوا} المُراد به التحدِّي.