الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِنَفْسِهِ}، إِلَّا أَنَّهُ قد يُؤْخَذُ منه مُقَاصَّةً، كما جاء فِي الحديث الصَّحيح
(1)
فِي المفلِسِ الَّذِي يأتي يوم القيامة بحسناتٍ أمثالِ الجبالِ وقد ظَلَمَ هَذَا وأخذَ مالَ هَذَا، فيأخذ هَذَا من حسناتِهِ، وهَذَا من حسناتِه، وإلَّا فثوابك لك، ما يُمْكِن أن أحدًا يعتدي عليه أبدًا أو يأخذه، فَهُوَ مدَّخَر عند الله سبحانه وتعالى.
والصدقةُ عن الميِّت من عملك؛ لأنك أنت الَّذِي اخترتَ أنْ يتحوَّلَ إِلَى هَذَا الميت ولكِن لا يؤخَذ منك، وَأَمَّا إذا أردتَه أنت فهَذَا من عملِكَ؛ لِأَنَّ عَمَلَكَ قد تريده لنفسك أو لغيرِكَ، وهَذَا أيضًا مقيَّد بما جاءتْ به السنَّة.
وقوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} ما قَالَ: ومَن كفرَ فَإِنَّمَا يَكْفُرُ عَلَى نفسِهِ كما قَالَ: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} ؛ لِأَنَّ رحمة الله تَعَالَى سبقتْ غَضَبَه، وإلَّا فالحقيقة أنَّ مَن كفرَ فعلى نفسِه، مثلما قَالَ الله تَعَالَى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46]، لكِن أحيانًا يَكُونُ السياقُ يَقتضِي خلافَ ذلك، فهنا يَقُول:{مَنْ كَفَرَ} فَإِنَّهُ لا يضرُّ اللهَ شيئًا؛ لِأَنَّ الله تَعَالَى غنيٌّ عنه وعن شُكْرِهِ، وَهُوَ مَعَ ذلك كريم، قد يجود عَلَى الكافرِ بالإمهالِ لعلَّه يشكر، ولهَذَا قَالَ:{فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} .
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ:
الردُّ عَلَى الجَبْرَّية؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لِأَنَّهُ أضاف الشكرَ إِلَى نفسِه، وَلَيْسَ فِي الآيَة ردٌّ عَلَى الْقَدَرِّية؛ لِأَنَّ قوله:{لِيَبْلُوَنِي} هَذَا من فعل اللهِ، فالعطاءُ من فضلِ اللهِ سبحانه وتعالى، وَهُوَ لا يتحدَّث عن عَمَلِهِ، لم يَقُلْ: إنَّ عملي منَ اللهِ، بل قَالَ: هَذَا العطاءُ مِنَ اللهِ سبحانه وتعالى.
* * *
(1)
أخرجه مسلم: كتاب البر والصلاة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم (2581)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ولكِن هَذَا الأَمْر لا يُجابُون إليه، وإن كَانَ فِي ذلك نصرٌ للرَّسُول لكِنهم لا يجابون إِلَى ذلك؛ لِأَنَّهُم إذا أُجِيبوا إليه صار معناه أَنَّهُم يجابون عَلَى اقتراحاتهم، مثلما قالوا لما قيلَ لهم عن البعث؛ قَالُوا:{فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)} [الدخان: 36]، فيقال لهم: الرُّسُلُ ما قالوا لكم: إنكم تُبْعَثُون الآنَ، تُبْعَثُون يومَ القيامةِ، لو قَالُوا: تُبْعَثُونَ الآن، كنا نَقُول: نعم ائْتُوا بآبائهم، لكِنهم قَالُوا: تُبْعَثون يوم القيامة وانتظروا يوم القيامة وستجدون آباءكم.
يَقُول الله عز وجل حكايةً عن صالحٍ: {لَوْلَا} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [هَلَّا {تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} مِنَ الشركِ]، {لَوْلَا} بمعنى (هلا) وهَذَا من معاني {لَوْلَا} أن تكون للتحضيضِ، ولها معانٍ أخرى أيضًا، ويقال فيها: حرف امتناع لوجودٍ، قَالَ تَعَالَى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: 40]، امتنع تهديم الصوامع لدفعِ اللهِ سبحانه وتعالى النَّاسَ بعضَهم ببعضٍ.
ما الَّذِي يُعَيِّنُ هَذَا المَعْنى من هَذَا المَعْنى؟
يُعَيِّنُه السياقُ، وبهَذَا وبكثير من أمثالِهِ يَتبَيَّنُ أن الكلمات لَيْسَ لها معنى ذاتيّ، بمعنى أَنَّهَا خُلِقَتْ له، وإنما هِيَ قوالبُ وثيابٌ للمعنى الَّذِي يَدُلّ عليه السياقُ، فأيّ ثوبٍ تُرَكِّبه لمعنًى يَدُلّ عليه السياقُ فَهُوَ هو، وبهَذَا التقرير أيضًا يتبين أنَّ ما ذهبَ إليه شيخُ الإسْلام ابنُ تَيْمِيَّة رحمه الله من أنه لا مجاز في اللُّغة العَربيَّة أَنَّهُ أمر صحيحٌ
(1)
، وأن كُلّ كلمة اسَتُعملت فِي مَقامها فهي حقيقة فيه، وكون أَنَّهُ مثلًا ما تعرف بهَذَا اللفظ إِلَّا لذاك المَعْنى الَّذِي لم تُسْتَعْمَل فِيهِ ما يَدُلّ عَلَى أن ذاك هُوَ معناها الذاتيّ؛ لأنَّنا نَقُول: لَيْسَ للكلمات معنى ذاتيّ، واللهُ أَعْلَمُ.
(1)
انظر: الحقيقة والمجاز ضمن مجموع الفتاوى (20/ 401 - 497).
لَا شَكَّ أنَّ مَعْرِفَتها بأنَّ الله تَعَالَى هُوَ المستحِقّ للعبادة من باب أَولى، فهَذَا وجهٌ من أوجهِ الاختبارِ فِي هَذِهِ القصّةِ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل تصرُّف سُلَيْمَان فِي عرش ملكةِ سبأ جائز؟
فالجواب: يجوز للمصلحةِ، أي لمصلحةِ الغيرِ؛ لِأَنَّ هَذَا التصرُّف لمصلحتها هي، وقد يقال: إن سُلَيْمَان صلى الله عليه وسلم تَصَرَّفَ فِيهِ بناءً عَلَى أَنَّهَا لم تُظْهِرْ إسلامَها بعدُ، وأنها إِلَى الْآنَ وهي فِي حربٍ، فلم يَسْتَقِرَّ الأَمْر بَعْد وإِلَى الْآنَ ما عَلِمَ ولا تحقّق، مَعَ أَنَّهُ يقولُ:{قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} ، لكِن قد يَكُونون مسلمينَ لله أو مستسلمينَ له.
وَعَلَى كُلّ حالٍ: لا يُحْكَم عليها إِلَّا بَعْد أن تُظهِر إسلامها.
* * *