الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (59)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{قُلِ} يا مُحَمَّد {الْحَمْدُ لِلَّهِ} عَلَى هلاك كفَّار الأمم الخاليَةِ].
{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} الأَمْرُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أو لكلِّ مَن يمكِن أنْ يُوَجَّه إليه مِن العقلاء.
قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أطلقَ هنا ما يُحْمَد عليه، فَهُوَ أعمُّ مِمَّا قَالَهُ المُفَسِّر، وإنْ كَانَ السياقُ يَقتضي ما قَالَهُ المُفَسِّر لَكِنَّهُ يجبُ أنْ يُؤْخَذ بالعمومِ، وَيكُون من جملةِ ما يُحْمَد عليه إهلاكُ الكفارِ؛ لِأَلهُ دالّ عَلَى عدلِهِ بأخذِ هَؤُلَاءِ، وَعَلَى فَضْلِهِ بالأَنْبِياء والمُؤْمِنيِنَ، حَيْثُ أخذ أعداءهم.
ولَكِننا نَقُول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} هَذَا عامٌّ، يُحْمَد عَلَى كامل أوصافِه وَعَلَى أحاسنِ أفعالِه، فأفعاله كلُّها حُسْنَى، وصفاته كلها كاملة، فيُحمَد عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا، وَيكُونُ إهلاكُ كفارِ الأُمَمِ من جملةِ ما يُحمَد عليه، وهَذَا هُوَ السرُّ فِي أنَّ الله تَعَالَى لم يَقُلْ: قُلِ الحمدُ للهِ عَلَى هَذَا، بل قَالَ:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} ؛ ليَكُونَ اللهُ تبارك وتعالى مَحمودًا عَلَى كُلّ حالٍ، ومن جملةِ ما يُحمَد عليه إهلاكُ المكذِّبين للرسل.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} هم]، هَذَا المَفْعُول قَدَّره المُفَسِّر.
وقوله: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} هل هُوَ داخل فِي ضمن المَقُول، يَعْنِي: قلِ: الحمدُ للهِ وقلْ: سلامٌ عَلَى عِبَادِه الَّذِينَ اصطفَى، فيَكُون الْإِنْسَان مأمورًا بالثَّناء بحمدِ اللهِ وبالدعاءِ عَلَى عبادِ اللهِ الَّذِينَ اصطفاهم بالدعاء لهم، لِقَوْلِهِ:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} ، أو هِيَ جملةٌ مُسْتَقِلَّة خبرٌ منَ الله سبحانه وتعالى بأنه سَلَّمَ مَنِ اصطفاهُ وأنجاه؟
فِيهِ احتمالٌ للأمرينِ، لكِن أيُّهما أقربُ إِلَى السياق؟
لا يترجح عندي أحدُ الاحتمالينِ؛ لِأَنَّ لكل منهما وَجْهًا، فالْإِنْسَان مأمور أن يحمدَ اللهَ ومأمورٌ بأن يُسَلِّمَ عَلَى عبادِ اللهِ.
وكذلك أيضًا الله تبارك وتعالى محمودٌ عَلَى كمالِ صِفاتِه. ثُمَّ إخباره بأنه سَلَّمَ هَؤُلَاءِ هَذَا أيضًا مما يُحْمَد عليه؛ لِأَنَّ زوالَ النَقّمَ كجَلْبِ النِّعَمِ، وَيكُون فِي هَذَا فائدةٌ، وَهي أن العبادَ الَّذِينَ اصطفاهم الله قد أحلَّ عليه السلام، فلا ينالهم ما ينالُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار، ويَكُون الله تَعَالَى محمودًا عَلَى الأَمْرينِ: عَلَى إهلاك الْكُفَّارِ وَعَلَى تسليمِ عباده الَّذِينَ اصطفى.
وقوله: {الَّذِينَ اصْطَفَى} أي: اختارهم، والله تبارك وتعالى يَخْلُقُ ما يشاء ويختار؛ يختار ما يَخْلُق ويَصْطَفِيه، فمن جملة ما اختارَ من بني آدمَ اختارَ الأَنْبِياء، كما قَالَ الله تَعَالَى:{وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} [ص: 47]، واختار أيضًا المُؤْمِنيِنَ، فإن المُؤْمِنيِنَ بالنِّسْبَةِ للكفار مُصْطَفَون، والأَنْبِياء صفوة الصفوة، والاصطفاءُ كغيرهِ من الصِّفَاتِ
الَّتِي تكون متفاوتةً بحسَب ما قام به العبدُ من أَسْبابِ الاصطفاءِ، فكلَّما كَانَ الْإِنْسَان أقومَ بعبادةِ اللهِ وأشدَّ تعظيمًا لله سبحانه وتعالى كَانَ أشدّ اصطفاءً.
قَالَ المُفَسِّر: [{آللَّهُ} بتحقيق الهمزتين]، (أألله)[وإبدال الثَّانِيَة ألفًا]، (آلله)[وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهَّلَة والأُخْرَى وتركها]، التسهيل فِيهِ صفتان؛ يدخل بينهما ألف، أي بين الهمزة والمسهَّلة، أو بدون ألف؛ فتكون القراءات أربعًا.
ثم قَالَ: {آللَّهُ خَيْرٌ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{خَيْرٌ} لمَن يَعْبُدُهُ {أَمَّا يُشْرِكُونَ} بالتاء والياءِ، أي أهل مكَّة به الآلهة خير لِعَابِدِيها].
قوله: {آللَّهُ خَيْرٌ} خَصَّه المُفَسِّر رحمه الله بخيريتِهِ لمَن يعبده، والصَّواب أَنَّهَا خَيْرِيَّة مُطْلَقَة لمَن يعبده، وهَذَا يَقتضي الإحسان، ولكماله وهَذَا يقتضي الجلالَ والعظمةَ، فهنا لا نَقُول:(آلله) خير من يعبده فقط، بل (آلله) خيرٌ فِي كُلّ صفاتِه وَفِي إحسانِه وعطائِه؛ لِأَنَّ الآيَةَ مُطْلَقة، فيجب إطلاقها، وإطلاقها أكملُ مِن تقييدها؛ لِأَنَّهُ مثلًا قد يَكُون هذا خيِّرًا لمن يتعامل معه لَكِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خيرية مطلقة، يَكُون هَذَا الرجل يتعامل مَعَ شخص وإذا عامله أعطاه فوق ما يستحقّ، لَكِنَّهُ فِي صفاتِهِ الأُخْرَى رَدَيء، ويأتي آخرُ جيِّد وخَيِّرٌ فِي صفاته الأُخْرَى لكِن إذا تعامل معه هَذَا الرجل ربما لا يعطيه ما يستحقّ، فيَكُون الأوَّل خيرًا له من الثاني، ومع ذلك فَهُوَ ناقصٌ.
فقول المُفَسِّر رحمه الله: خير لمَن يعبده، هَذَا فِيهِ نظر؛ أولًا: أَنَّهُ تقييد للمطلَق بلا دليلٍ. ثانيًا: أن هَذَا التقييدَ لا يَقتضي الأفضليَّةَ، ولذلك يَجِب أن يُقال:(آلله خير) فِي كُلّ شيءٍ؛ فِي صفاتِه وَفِي ثوابِه وجزائِه لمَن يَعْبُدُهُ.
قوله: {أَمَّا يُشْرِكُونَ} يعني أم الَّذِي يشركونه مَعَ الله من الأصنام وغيرها، والجواب:"بل اللهُ خير"، ولهَذَا يَنبغي لك إذا قرأتَ مثل هَذَا أن تقولَ: بل الله، وهَذِهِ المعادلةُ لا تَقتضي المقاربةَ أو المماثلةَ، فَإِنَّهُ قد يُفَاضَلُ بين الشيئينِ مَعَ خلوِّ الطرفِ الثاني منهما، قَالَ الله تَعَالَى:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24].
مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مُسْتَقَرّ النَّار خيرٌ وَلَيْسَ فيها حُسْن مَقيل، بل إنَّهُم يُفَضِّلُون بين أمرين متعاكسين، فيقال مثلًا: الشتاء أشدُّ مِنَ القَيْظِ، وأبلغُ من هَذَا: الشتاءُ أبردُ منَ القَيْظِ، مَعَ أنّ القَيْظَ لَيْسَ فِيهِ بُرُودَة.
فالحاصل: أن هَذَا ما يَقتضي المماثَلَةَ أو المساواةَ. ولكِن هل يَقتضي النقصَ؟
نعم يَقتضي النقصَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِم المشاركةَ إِلَّا فِي مَقامِ التنزُّلِ فلا يَقتضي النقصَ، يَقُول الشاعر
(1)
:
أَلمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرهُ إِذَا
…
قِيلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ الْعَصَا
لكِن عند التنزُّل لا يَدُلّ عَلَى النقص، فهَذِهِ الأصنام الَّتِي يُشْرَكُ بها مَعَ الله يريد مِنْهَا عابدوها أنْ تَنْفَعَهُم بجلبِ النفعِ أو دفعِ الضررِ، فنَقُول لهم: أيَّما خير؛ أصنامكم أم اللهُ؟ من بابِ التنزُّل مَعَ الخَصْمِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَدَّعُون أن في آلهتهم خيرًا، فيقال لهم: آلله خيرٌ أم ما يشركون، يعني عَلَى زَعْمِكُم، وإن كَانَ لَيْسَ فِيهِ خيرٌ إطلاقًا.
وقوله: {أَمَّا يُشْرِكُونَ} : (أم) هَذِهِ متَّصلة أو مُنْقَطِعة؟ وما الفرق بين المتصلة والمنقطعة لكي نَحْكُمَ عليها؟
(1)
قائل هذا البيت هو محمد جواد بن عبد الرضا عواد البغدادي له ديوان بمكتبة آية الله الحكيم بالنجف، هلك عام 1160 هـ.