الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (45)
* * *
قَالَ اللهُ عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)} [النمل: 45].
* * *
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} هَذِهِ الجملةُ فيها ثلاثةُ مؤكِّدات: القَسَم واللام وقد، {أَخَاهُمْ} مَفْعُول {أَرْسَلْنَا} ، و {صَالِحًا} عطف بَيَان له وَلَيْسَ بدلًا؛ لِأَنَّ كونَه عَطْفُ بَيَان أوضحُ؛ إذ إنَّهُ يُبَيِّن المُبْهَم فِي قوله:{أَخَاهُمْ} .
يَقُول الله تَعَالَى: {إِلَى ثَمُودَ} ثمود هَذِهِ قبيلة موجودة فِي مكانٍ يُسمَّى الْآنَ مدائنَ صَالِح، ويسمَّى الحِجْر، ويُسمَّى ديارَ ثَمُود، هَذِهِ القبيلةُ يَسَّرَ اللهُ تبارك وتعالى لها من أَسْبابِ العمران فِي السهلِ والجبلِ ما بَرَزَتْ به عَلَى غيرِها، كما قَالَ لهم نبيُّهم مذكِّرًا لهم:{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)} [الشعراء: 149]، أرسلَ الله إليهم صالحًا وأتاهم بآيَةٍ عجيبةٍ، وهي ناقةٌ لها شِرْبٌ وللقومِ شِرب، يعني أن هَذِهِ البئر الَّتِي تشرب مِنْهَا الناقة وهي أوسع الآبار وأغزرها ماءَّ، أُذن لهم أن يشربوا مِنْهَا يومًا، وأُمِروا بأنْ يَدَعُوها يومًا للناقةِ تَشرب منها، وتذهب فِي اليوم الثاني للرعي، وَفِي اليومِ الَّذِي تشرب منه، قيل: إنَّهُم يأتون إليها، ومَن سقاها دلؤا أعطته دلوًا منَ اللَّبَن، وهَذَا من الأُمُور الإسرائيليَّة الَّتِي لا تُصدَّق ولا تكذَّب، لكِنَّهم مَعَ هَذِهِ النعمةِ العظيمةِ فِي هَذِهِ الناقةِ كَفَروها والعياذُ باللهِ، قَالَ تَعَالَى:{فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)} [القمر: 29]، عَقَرَ هَذِهِ الناقة وكَفَروا بهَذه النعمةِ العظيمةِ.
يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [{أَخَاهُمْ} من القبيلةِ]، لماذا قَالَ: من القبيلة؟ احترازًا من الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أخا لهم إِلَّا نفرًا يسيرًا آمنوا معه.
ثم قَالَ رحمه الله: [{أَنِ} أي بأن {اعْبُدُوا اللَّهَ}]، أفادنا المُفَسِّر أنَّ (أنْ) هنا مصدرَّية، ولكِن يجوز فيها وجهٌ آخرُ أن تكون تفسيرَّية؛ لِأَنَّ {أَرْسَلْنَا} يتضمن: أوحينا، والوحي فِيهِ معنى القَوْلِ دونَ حُرُوفِه، وهَذَا هُوَ دلالة (أنِ) التفسيرية، أن يَسْبِقَها فعلٌ فِيهِ معنى القَوْلِ دون حروفِه.
إِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تفسيرَّية ما صحّ أن نقدِّر الباء، أي:(بأن) بل نقدِّر (أن) بمعنى (أي) أي اعبدوا الله، يَعْنِي: أَوحينا إليه أي اعبدوا الله.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{اعْبُدُوا اللَّهَ} وَحِّدوه]، وهَذَا مأخوذ من تفسير ابن عبَّاس فيما أَظُنُّ فِي قوله تَعَالَى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]، قَالَ: لِيُوَحِّدُون.
فجعل العِبادَةَ هِيَ التوحيدَ، ولكِن الصَّحيح أن العِبادَةَ التذلُّل لله سبحانه وتعالى بالطاعة؛ لِأَنَّ هَذِهِ المادة: العين والباء والدال تدل عَلَى الذلّ، ومنه قولهم: طريق معبَّد أي مذلَّل لسالكيه، فعبادة الله معناها الذلُّ له بالطاعةِ، ومنه، بل من أعظم ذلك تَوْحِيدُه، فالصَّوابُ أن المُراد بالعِبادَة التذلُّل لله سبحانه وتعالى بالطاعة.
قال تَعَالَى {فَإِذَا هُمْ} الفاء حرف عطفٍ، و (إذا) فُجائيَّة، يعني فما الَّذِي حصل بَعْد إرسالِه، إذا المفاجأة بالتفرُّق.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} فِي الدين، فريق مؤمنون من حين إرسالِهِ إليهم، وفريق كافرون].
انقسم قومه إِلَى قسمينِ: قسم آمنوا به وقسم آخر كفروا به، والَّذِينَ آمنوا به هم