الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (21)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21].
* * *
قوله: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} هَذِهِ الجملةُ مُؤَكَّدَة بثلاثةِ مُؤَكِّدَاتٍ: وهي: اللامُ المُوَطئة لِلْقَسَمِ، والقَسَم قبلها مُقَدَّر، هَذَانِ اثنانِ، والثَّالثُ: النونُ.
قوله: {عَذَابًا} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [تعذيبًا]، إشارة إِلَى أن (عذابًا) اسْم مَصْدَر؛ لِأَنَّ عَذَّبَ مصدرها (تعذيب)، واسم المصدر منها:(عذاب). نظيرها: (كَلَّم) مَصْدَرُها (تكليم)، واسم المصدر مِنْهَا (كَلام)، و (سلَّم تسليمًا)، واسم المصدر (سلام).
قوله: [{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا} تعذيبًا {شَدِيدًا}]، ما هُوَ الشديد عَلَى رأيِ المُفَسِّر؟
قال رحمه الله: [بِنَتْفِ رِيشِهِ وذَنبِهِ ورَمَيْهِ فِي الشَّمْسِ فلا يَمْتَنِع مِنَ الهوَامِّ]، هَذَا شيءٌ عجيبٌ، فتقدير هَذَا التعذيب بهَذَا الشَّيْء عَلَى أيِّ دليل؟ ! وبعضهم يَقُول:{لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} أَحْبِسُه مَعَ شيءٍ لَيْسَ من جِنْسِهِ، فأضع الهدهدَ مَعَ العَصَافيرِ، وَيقُوُلونَ: من أشدِّ العذابِ عَلَى الحيوانِ أنْ يُحْشَرَ فِي غيرِ جِنْسِهِ، فلو وُضِعَ الآدميُّ مَعَ الجنِّ يتعذَّب، أو الجنّ مَعَ الآدميِّ يتعذبون. ولكِن هَذَا أيضًا لَيْسَ
بصحيحٍ؛ لأنَّنا نشاهد الْآنَ أن أَشْيَاء تُجْعَل مَعَ غير أجناسها ولا تتعذب، كأن يَكُون عند أحدهم مَوَاشٍ؛ بقر وغنم وإبل ومَعْز وَيكُونون دائمًا فِي حوش واحدٍ ولا يتعذبون.
فالصَّواب أن هَذَا التعذيبَ الَّذِي قاله سُلَيْمَان غيرُ معلومٍ لنا، إِنَّمَا هُوَ عذاب شديد، والله تبارك وتعالى لم يُبَيِّنْهُ ولكِن يكفي أن نعرفَ أَنَّهُ شديد، هَذِهِ واحدة.
الثَّانِيَة: {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} : (أو) فِي قوله: {لَأَذْبَحَنَّهُ} هَذِهِ للتنويعِ، يعني إمَّا هَذَا أو هَذَا، وقوله:{أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [بِقَطْعِ حُلْقُومِهِ]، هَذَا صحيحٌ؛ لِأَنَّ الذبحَ بقطعِ الحلقومِ والمَرِيء من عند الرقبةِ.
والثَّالثة: قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{أَوْ لَيَأْتِيَنِّي} بنونٍ مُشَدَّدَةٍ مكسورةٍ أو مفتوحة، يليها نونٌ مكسورةٌ
(1)
]، {لَيَأْتِيَنِّي} هَذِهِ واحدة أو "لَيَأْتِيَنَّنِى" والفرق بينهما أن نون الوِقاية إمَّا أن تُحْذَف وَإمَّا أن توجد، وَأَمَّا نون التَّوْكيد فموجودة، ونون التَّوْكيد هِيَ المشدَّدة، لكِنْ إنْ حذفتَ نونَ الوقايةِ كسرتَ نونَ التَّوْكيدِ:(يَأْتِيَنِّي)، وإن لم تحذف فإنها تبقى مفتوحةً:"يَأْتِيَنَّنِى".
وهَذَا أمر ثالثٌ، فتَوَعَّدَهُ سُلَيْمَان بواحد من أمرينِ إِلَّا إذا أتى بشيءٍ، أي:{بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [ببرهانٍ بَيّن ظاهرٍ عَلَى عُذْرِهِ]، وكلمة (سلطان) تَرِدُ كثيرًا فِي الْقُرْآن، ومعناها العامُّ: هِيَ السُّلطة الَّتِي يَتَمَكَّنُ بها الْإِنْسَان من الوصولِ إِلَى غَرَضِه، فهَذَا معناها العامُّ، والسلطان تارَةً يَكُونُ المُرادُ به الدَّلِيل؛ قَالَ تَعَالَى:{أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} [الصافات: 156]، وتارَةً يُرادُ به القُدْرَة؛ قَالَ تَعَالَى:{لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33]، وتارَةً يُرادُ به البيِّنة، مثل هَذِهِ الآيَة؟ قَالَ: {لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ
(1)
حجة القراءات (ص: 524).
مُبِينٍ}، يعني بيِّنة عَلَى عُذْره، والمَعْنى العامُّ للسلطانِ: السُّلْطةُ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بها صاحِبُها مِنَ الوُصُولِ إِلَى غَرَضِهِ، سواء كَانَ ذلكَ دفاعًا عن نفسِه أو إثباتاً لأمرٍ.
وقوله: {مُبِينٍ} فَسَّرَهَا المُفَسِّر بِبَيِّن، وَعَلَى قولِ المُفَسِّر لا تَصِحُّ بمعنى مُظْهِر، يعني لا تصح مُتَعَدِّيَة عَلَى رأيِ المُفَسِّر؛ لِأَنَّهُ رحمه الله فَسَّرَهَا بأنها لازِمة، والصَّواب أَنَّهَا تَصِحُّ أيضًا مُتَعَدِّيَة، يَعْنِي: بسلطانٍ مُظْهِرٍ لِعُذْرِهِ، ونحن إذا فَسَّرْنَاها بهَذَا نكون أخذنا بالتفسير الَّذِي فَسَّرَهَا به المُفَسِّر وزيادة.
* * *