الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (49)
* * *
قَالَ اللهُ عز وجل: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل: 49].
* * *
قوله: {قَالُوا} أي: هَؤُلَاءِ التسعة، قَالَ المُفَسِّر رحمه الله:[{قَالُوا} أي: قَالَ بَعْضُهم لبعضٍ {تَقَاسَمُوا} أي: احْلِفُوا {بِاللَّهِ}]، يعني طَلَبَ بعضهم مِن بعضٍ أنْ يَتَعَاهَدوا عَلَى هَذَا الأَمْرِ ويتحالفوا عَلَى أنْ يُبَتِّتُوا صالحًا وأهلَه، ومعنى البياتِ إنزالُ العقوبةِ به ليلًا، فهنا حَلَفوا - والعياذُ باللهِ - وهَذَا الحلِف الفاجِر عَلَى أنْ يُبَتُوا صالحًا وأهلَه، ولهَذَا قَالَ:{لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} اللامُ فِي قولِهِ: {لَنُبَيِّتَنَّهُ} واقعةٌ فِي جوابِ القَسَمِ، والنون للتَّوكيدِ، فهم أكَّدوا هَذَا الفِعْل باليمينِ واللامِ والنونِ.
يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: [{لَنُبَيِّتَنَّهُ} بالنونِ والتاءِ وضَمّ التاءِ الثَّانِيَةِ]، إذا جعلناها بالتاء لَزِمَ ضَمُّ الثَّانِيَة:"لَتُبَيِّتُنَّهُ"، وَأَمَّا {لَنُبَيِّتَنَّهُ} فإنَّ التاءَ تَبْقَى مفتوحةً
(1)
.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَأَهْلَهُ} أي: مَن اَمنَ به أَيْ نَقْتُلُهُمْ لَيْلًا]، هَذَا تفسيرُ البياتِ، والمُرادُ بالأهلِ أتباعُهُ كما قَالَ المُفَسِّر، ولكِن قد يُنازَع فِي هَذَا ويُقال: إن المُرادَ به أهلُه الخاصُّون، يعني أهل بَيْتِه؛ لِأَنَّهُم هم الَّذِينَ يَكُونونَ فِي الغالب معه فِي الليلِ، فإنَّ الغالبَ أنَّ الْإِنْسَانَ فِي الليلِ لا يَكُونُ معه فِي بيتِهِ إِلَّا أهله الخاصَّون به.
(1)
الحجة في القراءات السبع (ص: 272).
ثُمَّ بَعْد ذلك، أي بَعْد أنْ نُبَيِّته {لَنَقُولَنَّ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله:[بالنون والتاءِ وضَمّ اللامِ الثَّانِيَةِ]، أي: وضمِّ اللامِ الثَّانِيةِ إذا كانتْ بالتاءِ: (لتَقُولُنَّ)، أَمَّا عَلَى قراءةِ النونِ فهي بالفتح:{لَنَقُولَنَّ} .
يعني: ثُمَّ بعدَ أنْ نُبَيِّتَه ونقتله إذا قامَ وَلِيُّه بالأخذِ بِثَأْرِهِ نَقُول {لِوَلِيِّهِ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [لِوَلِيّ دَمِه].
ووليُّ الدمِ عندنا فِي الشَّرِيعَة الإِسْلاميَّة هم الوَرَثَة بفرضٍ أو تعصيب، وَقِيلَ: بل همُ العصبةُ؛ لِأَنَّهُم الَّذِينَ يؤدُّون العقلَ عنه، وَأَمَّا ذَوُو الفَرْض فلَيْسُوا مِن أولياءِ الدمِ، والصَّوابُ العمومُ؛ أنَّ أولياءَ الدمِ همُ الورثةُ بفرضٍ أو تعصيبٍ، حَتَّى الزوجة والأمّ هما مِن أولياءِ الدمِ.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{مَا شَهِدْنَا} حَضَرْنَا {مَهْلِكَ أَهْلِهِ} بِضَمِّ الميمِ وفَتْحِها]: (مُهْلَك ومَهْلَك) ولم يَتَعَرَّضِ المُفَسِّر للقراءةِ الثَّالثةِ وهي (مَهْلِك)، فالقراءات فيها ثلاث: فتح الميم وكسر اللام (مَهْلِك)، فتح الميم واللام (مَهْلَك)، ضمّ الميم وفتح اللام (مُهْلَك)، وهاتانِ الأخيرتانِ هما اللتانِ ذكرهما المُفَسِّر:(مُهْلَك أهله ومَهْلَك أهله)، يَقُول رحمه الله:[أي: إهلاكهم أو هلاكهم]، عَلَى القراءتين:(مُهْلَك) أي إهلاك؛ لِأَنَّ (مُهْلَك) من (أَهْلَكَ) الرُّبَاعِيّ، و (مَهْلَك) من هَلَك الثلاثيّ، ولذلك نَقُول: إذا كَانَ الفِعْل ثلاثيًّا فإن المصدر الِميميّ منه عَلَى وزن مَفْعَل: هلك مَهْلَك، قام مَقَام. وإذا كَانَ رُباعيًّا فإن المصدرَ الميميّ منه عَلَى وزن اسْم المَفْعُول، فتقول: مُهْلَك من أَهْلَكَ، وتقول: مُقَام من أقام، وتقول: قام فينا مَقَامَ فلان، مثلما قَالَ أبو حيَّان فِي ذِكْر ابنِ تَيْمِيَّة
(1)
:
(1)
أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي (1/ 247).
قامَ ابْنُ تَيْمِيةَ في نَصْرِ شِرْعَتِنَا
…
مَقَامَ سَيِّدِ تَيْمٍ إِذْ عَصَتْ مُضَرُ
قامَ مَقامًا، لكِن عندما تقول:(أقامَ) تقول: أَقَامَ فِي هَذَا المكان مُقَامَ فُلانٍ بضمِّ الميمِ، لا تقل: مَقام، وهَذه قاعدة معروفةٌ فِي النحوِ؛ أنَّ المصدرَ الميميَّ إذا كَانَ من رُباعيٍّ فَهُوَ عَلَى وزنِ اسمِ المَفْعُول، وإذا كَانَ من ثلاثيٍّ فَهُوَ عَلَى وزنِ مَفْعَل أو مَفْعِل مثل مَهْلِك.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [فلا نَدْري مَن قَتَلَهم]، وهَذَا الإنكارُ كَذِبٌ وليس بصحيح، فما داموا هم الَّذِينَ قتلوه فقولهم:{مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} هَذَا كَذِب، لكِن فِيهِ تَوْرِية؛ لِأَنَّهُم يَقُولُونَ: ما شهِدنا بل فَعَلنا، والشاهِد لم يَفْعَل، ولهَذَا قَالُوا:{وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} .
وجملةُ {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} هل هِيَ من جملة قولهم الَّذِي يدافعون به عن أنفسهم أو هِيَ تقريرٌ لقولهم: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} ، يعني أنهم لم يقولوه للدفاع عن أنفسهم؟ يعني هل قولهم:{وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} من جملة ما يَقُولُونَه للوليّ ليؤكِّدوا النفيَ؟ ما شَهِدنا وإننا لم نَكْذِب عليكم، إننا لَصَادِقُون أننا ما شَهِدنا، هَذَا وجا، أو أن المَعْنى:{ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} يَقُول بعضهم لبعض: واطمئنوا أيُّها الإخوة؛ فإنَّنا صادقون بأننا لم نَشْهَدْ؟
يَحْتَمِل هَذَا وهَذَا، إِنَّمَا المفسِّرون ذكروا احتمالينِ: أحدهما أن يقولوه فِي جملة دِفَاعِهِم عن أنفسهم لوليّ صالح، وعلى هذا فتكون جملة {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} تقريرًا لقولهم: ما شَهِدنا مَهْلِكَ أَهْله، والتَّقْدير: ما شهِدنا وإنا صادقونَ فلن نُخْبِرَكم بشيءٍ، أو أن المَعْنى:{ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} ونحن إذا قُلْنَا هَذَا فإنَّنا صادقون لأنَّنا ما شَهِدنا المَهْلِك، ولَكِنَّنَا أَهْلَكْنَا بأنفسنا، لسنا شهودًا بل فاعلون؛