الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (91)
* قَالَ اللهُ عز وجل: ({إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل: 91].
.• * •.
قَالَ المُفَسِّر: [قُلْ لَهُم: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} أي مَكَّة]، المكان الَّذِي قَالَه النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام فِيهِ هُوَ مكَّة؟ لِقَوْلِهِ:{هَذِهِ الْبَلْدَةِ} والإشارة هنا للقريب {الَّذِي} ولم يقل: (الَّتي) لِأَنَّهَا صِفة لمذكَّر {رَبَّ هَذِهِ} ولهذَا تُعرب (الذي) عَلَى أَنَّهَا اسْم موصول مبنيّ عَلَى السكون فِي محلّ نصب، صفة لربّ، وقصدنا هنا بالذُّكُورِيَّة لَفظًا أم معناها؟ فلا نَقُول: اللَّفْظ مُذَكَّر، أَمَّا الله عز وجل فلا يجوزُ وَصْفُهُ لا بهَذَا ولا بهَذَا.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله في قوله: {رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} : [جَعَلَها حَرَمًا آمِنًا]، جعلها شرعًا حَرَمًا آمنًا.
وقوله: {رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} إضافته الرُّبُوبِيَّة إليها تفيدُ الفضلَ، وأن الله تَعَالَى قد اعتنى بها وشرَّفها، ثُمَّ قَالَ رحمه الله:[لا يُسفَك فيها دمُ إِنْسَانٍ]، والحديث:"لَا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ"
(1)
، وأيهما أعمُّ (دم الْإِنْسَان) أو (دم) فقط؟
(1)
رواه البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، حديث رقم (104)؛ ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إِلَّا لمنشد على الدوام، حديث رقم (1354)، عن أبي شريح رضي الله عنه.
(دَم) أعمُّ، ولهذَا لا يُسفَك فيها دمُ إِنْسَانٍ ولا دَمُ صيدٍ، وَأَمَّا المواشي من الإبلِ والبقرِ والغنمِ وما أَشْبَهَهَا فإن هَذَا دلَّتْ السنَّة عَلَى جوازِه.
وقوله رحمه الله: [ولا يُظلَم فيها أحد]، هَذَا لَيْسَ خاصًّا بمكَّة، حَتَّى غير مَكَّة لا يجوز أن يُظلمَ فِيهِ أحدٌ؛ ولذلك ما جاء فِي الحديثِ: لا يُظْلَم فيها أحدٌ؛ بل قَالَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: "لَا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ"؛ فليس من خصائصِ مكَّةَ ألَّا يُظْلَم أحد، صحيح أن الظلم فِي مكَّةَ أعظمُ من غيرِه، قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، فقوله:{بِإِلْحَادٍ} الباء تدلّ عَلَى أن الفِعْل مضمَّن معنى العزيمةِ الصادقةِ، أَمَّا أنَّ الظلم فِي غيره مباح فلا.
مسألة: هل السيئة تُضاعَف فِي مَكَّة؟
الجواب: ما تُضَاعَف السيئة فِي مكَّة؛ تضاعف بالكيفيَّة فقطْ لا الكمّيّة، ولَيْسَ معناه أن السيئة يُجْزَى عنها سيِّئتانِ، وإنّما المَعْنى أَنَّهَا تكون أعظمَ، فكيفيَّة العقوبة تَختلِف، قد أضرِبُ هَذَا الْإِنْسَان ضربةً واحدةً وأضرب الآخرَ ضربةً واحدةً وتكون هَذِهِ الثَّانِيَة مؤلمِة والأولى غير مُؤْلمِة.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [ولا يُصَادُ صَيْدُها]، هَذَا صحيح، وغيرها يُصاد.
ثم قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [ولا يُخْتَلَى خَلاها]، صحيحٌ، وغيرها يُختلَى، والمَدينَة يختلى خلاها، إِنَّمَا يُحرم الشَّيْء الَّذِي بدون حاجةٍ فِي المَدينَةِ، وَأَمَّا الَّذِي بحاجةٍ فيجوز، وهَذَا الفرق بينها وبين مكَّة.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [وذلك مِنَ النِّعم عَلَى قُرَيْشٍ وأهلها فِي رفعِ الله تَعَالَى عن بلادهم العذابَ والفِتَنَ الشائعةَ فِي جميعِ بلادِ العربِ].
إِذَنْ: قوله: {الَّذِي حَرَّمَهَا} فِيهِ إظهارٌ لفضلِ اللهِ تبارك وتعالى عَلَى ساكني هَذهِ القرية، حَيْثُ جعلَ الله هَذِهِ القريةَ حَرامًا، فقوله:{الَّذِي حَرَّمَهَا} أي جعلها حَرَمًا وجعلها حَرَامًا، وما قلناه أعمُّ ممَّا قَالَ المُفَسِّر؛ لِأَنَّ المُفَسِّر يَقُول:[جعلها حرمًا آمِنًا]، ثُمَّ ذكر الأَشْيَاءَ، فهي حرم وحرام أيضًا، حرمٌ بمعنى أَنَّهَا مُحْترَمَةٌ، وحرام بمعنى أَنَّهَا محرَّمة، لهَذَا مَنْ قَصَدَها فَإِنَّهُ يُشْرَع له بإجماعِ أهلِ العلمِ ألَّا يدخلها إِلَّا مُحْرِمًا، وَفي وجوبه خلاف معروف.
أيضًا من جملة احترامها أن المُشركينَ لا يقربون المَسْجِد الحرامَ، فيَكُون الحرمُ كلّه محرَّمًا عليهم؛ لِأَنَّ دخولهم الحرمَ مِن قُربان المَسْجِد الحرامِ، فلهَذَا كَانَ ذلك احترامًا لهَذِهِ البلدةِ، ومع ذلك يقولُ الله عز وجل:{وَلَهُ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: {كُلُّ شَيْءٍ} فَهُوَ ربُّه وخالقه ومالِكه]، الجملةُ الأخيرةُ فيها فائدة عظيمة؛ لِأَنَّهُ لما قَالَ:{رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} قد يَتَوَهَّم مُتَوَهِّم أَنَّهُ تختصُّ ربوبيَّته بهَذه البلدةِ، فأتى بَعْد ذلك بالتعميمِ؛ قَالَ:{وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} . ونظيرُ هَذَا قوله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: 10]، قَالَ بعدها:{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]، حَتَّى لا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّم أن ذلك الفضلَ خَاصّ بأولئكَ، فبيَّن أن الجزاء للجميعِ، وَهُوَ الجنَّة، وإنْ كانوا لا يَسْتَوُونَ، ففي قوله:{رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} رُبُوبِيَّة اللهِ عامَّة لكلِّ شيءٍ، لكِن ربوبيَّته لهَذِهِ البلدة أخصّ مِن ربوبيَّتِه الْعَامَّة.
قوله: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، أَمَرَهُ اللهُ عز وجل، قَالَ:{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ} [الرعد: 36].
قال: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، أليست العِبادَة هِيَ الإِسْلام؟