الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (70)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)} [النمل: 70].
* * *
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى:
أن الداعيَ إِلَى اللهِ إذا بَذَلَ ما يَجِب عليه فلا يَنبغي أنْ يحزنَ لمخالفةِ النَّاسِ؛ لِقَوْلِهِ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} ، والحِكْمَةُ من ذلك: أنَّ حُزْنَ الْإِنْسَان عَلَى مخالفةِ النَّاسِ يُعِيقُه عن الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، وَيسْتَحْسِر من أجلهم؛ لِأَنَّهُ لا يمكن للنفسِ أنْ تَمْتَدَّ وتسير وهي حزينةٌ، ولكِن أنتَ سِرْ عَلَى حَسَبِ ما أُمرتَ؛ إنِ اهتدى النَّاس فلكَ ولهم، وإنْ لم يهتدوا فلكَ وعليهم، ولهَذَا إذا حَزِنَ الْإِنْسَان فِي هَذِهِ الأُمُورِ فَإِنَّهُ ييأسُ ويستحسر ولا يَنْشرِح صدرُه ولا تنبسط نفسُه.
الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ:
عناية الله تَعَالَى بالرَّسُول صلى الله عليه وسلم بالتسلية والتفريج عنه؛ لِقَوْلِهِ: {وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} وجه ذلك: أنَّ نَهْيَهُ عن أنْ يَكُونَ فِي ضيقٍ معناه أنَّ مكرَهُم لا يَضُرُّهُ، وإن ضاقتْ به نفسُه فإن ذلك لا يضرُّه؛ لِأَنَّ الله يَقُول:{وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ} أي لا يُهِمّك أَمْرُهم ولا تَضِق منه، فإن لدينا ما هُوَ أعظمُ، قَالَ تَعَالَى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ:
هَذَا الأَمْرُ يَكُونُ للرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام ولغيره؛ فكُلُّ مَن يدعو إِلَى شريعةِ الرَّسُول عليه الصلاة والسلام فإنَّنا نُوَجِّه إليه هَذَا الخطابَ، ونَقُول: إذا
رأيتَ النَّاسَ لم يَقْبَلُوا فلا تَحْزَنْ ولا تكنْ فِي ضِيقٍ ممَّا يمكرونَ، وإلَّا فإن أعداء الرُّسُلِ سوفَ يمكرون بالدعاةِ إِلَى دينِ الرُّسُلِ، وسوف يَبُثُّونَ ضِدَّهُمُ الدعاياتِ وسوف يُؤْذُونَهم بالقَوْل ويُسْمِعُونهم ما يَكْرَهُون، وربما يؤذونهم بالفِعْل، والْإِنْسَانُ عليه أن يَصْبِرَ.
والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جاء بأبين الأُمُورِ وأُوذِيَ فِي بيته وَفِي بدنه حاضرَا ومسافرًا، إِلَى حدّ أَنَّهُم يأتون بِسَلَى الجزور وَيضَعُونه عليه فِي المَسْجِد الحرامِ الَّذِي مَن دَخَلَهُ كَانَ آمنًا، يضعونه عليه وَهُوَ ساجدٌ للهِ، فهل يوجد أبلغ من هَذِهِ أذيَّة؟ ! يأتون بالقاذورات والعَذِرَات ويُلْقُونها عَلَى عَتَبَةِ بابِهِ
(1)
، مَعَ أَنَّهُم يُجِيرُ ونَ أفسقَ النَّاس وأفجرَ النَّاس إذا جاء إِلَى مكَّة، ولا يجيرون الرَّسُول عليه الصلاة والسلام.
وعندما ذهب الرَّسُول عليه الصلاة والسلام إِلَى الطائف لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى الله سَخِرُوا به واسْتَهْزَؤُوا به واصطفُّوا صَفَّيْنِ منَ السفهاءِ والغِلمان وغَيرهم وجعلوا يَرْمُون النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بالحجار حَتَّى أَدْمَوْا عَقِبَهُ، ولا أفاق إِلَّا وَهُوَ فِي قَرْنِ الثَّعَالِبِ، ومعَ ذلك صبرَ، وقد جاءه مَلَكُ الجبالِ يَسْتَأْذِنُهُ أن يُطْبِقَ عليهم الأَخْشَبَيْنِ فقال:"بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ؛ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ"
(2)
.
إِذَنْ: إذا رأينا هَذَا نعلم أَنَّنا ما أصابنا هَذَا الأذى الَّذِي أصابَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْآنَ، ونسألُ اللهَ العافيةَ، ومعَ ذلك تجد الْإِنْسَان منّا يَتَضَجَّر عندما يسمعُ كلمةً
(1)
انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (1794).
(2)
انظر: صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قَالَ: آمين، والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، حديث رقم (3059)؛ صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، حديث رقم (1795).
ويقول مثلًا: أنا لستُ بملزومٍ، دَعنا نُداهِن النَّاس ونمشي مَعَ العالمِ.
وهَذَا لَيْسَ بصحيح، فأنتَ إذا كنتَ قويًّا فِي الحَقّ فالحقُّ مَنصورٌ، ولا يَلْزَم أن يَكُون نَصْرُه فِي حياتِكَ وَعَلَى يَدِكَ، قد يتأخَّر النصر لكِن تكون أنتَ فاتحةَ خيرٍ لدينِ اللهِ، ولذلك نصرُ الْحَقَّ لَيْسَ بلازمٍ أنْ يَكُونَ فِي حياةِ الْإِنْسَانِ، وَلَيْسَ بلازمٍ أن يَكُونَ فِي عصرِهِ، الْآنَ نحن نَفْرَح بانتصارِ المُسلِمينَ فِي بدرٍ، مَعَ أننا ما ذُقنا طعمَ هَذَا النصرِ مباشرةً، لكِن لِأَنَّهُ الحَقّ انتصرَ، ونفرح بأن الله أنجى موسى وأهلَكَ فِرْعَوْنَ، مَعَ أننا لم نَطْعَم هَذَا النصرَ، ولكِنه نصرُ الحقِّ، فالمؤمنُ يفرح بانتصارِ الْحَقَّ ويرى أَنَّهُ انتصار له فِي أيّ زمانٍ وَفي أيِّ مكانٍ، إذا كَانَ صادقًا مَعَ اللهِ سبحانه وتعالى، فلذلك يَقُول الله تَعَالَى:{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} لِأَنَّ العاقبة للمتَّقين، وعاقبة المُشْركينَ أسوأُ عاقبةٍ.
* * *