الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (11)
* * *
قَالَ اللهُ عز وجل: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النمل: 11].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{إِلَّا} لكِن {مَنْ ظَلَمَ} نفسَه {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا} أتاه {بَعْدَ سُوءٍ} أي: تاب {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} أَقْبَلُ التوبةَ وأَغْفِر له].
قَدْ يَقُوُل قَائِلٌ: سبحان الله العظيم! ما لهَذِهِ الجملة وللكلام الَّذِي قيل {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} ؟
فنَقُول: إن موسى عليه الصلاة والسلام لمّا قَالَ الله له: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} لعلَّه تذكر أَنَّهُ قد وقعَ مِنه خطيئةٌ، والخطيئةُ أَنَّهُ قتل نفسًا، وكأنه عندما يَتَذَكَّر هَذَا قد يَستبعِد فِي نفسه أن يَكُونَ من الرُّسُل، فقَالَ اللهُ سبحانه وتعالى:{إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} لِيُذَكِّرَهُ بما مَنَّ به عليه منَ التوبةِ، {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} ، {بَدَّلَ} المُفَسِّر فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ: أتى حُسْنًا؛ لِأَنَّ ظاهره فِي الحقيقةِ لا يَستقيم به المَعْنى: (بَدَّلَ حُسنًا بسوء) أيّهما المأخوذ؟ فـ {بَدَّلَ} تدل عَلَى أن هناك بَدَلًا ومُبْدَلًا منه، فإذا قلتَ: بدَّل حسنًا بسُوء؛ يصير الحُسْن مَدْفُوعًا والسوءُ مأخوذًا.
قولك: بدَّلْتُ ثَوْبي بثَوْبِك، فالمَأْخوذ هُو الأَخِير. فهنا {بَدَّلَ حُسْنًا} لو أخذنا بظاهرها فمعناه أَنَّهُ ترك حسنًا وأخذ سوءًا، ولهَذَا فسَّر المُفَسِّر قوله:{بَدَّلَ} بـ (أتَى).
والدَّلِيل عَلَى ذلك أَنَّهُ لو كَانَ المُراد بالتبديل ظاهر معناه: فما صح أن يعبر بِقَوْلِهِ: {بَعْدَ سُوءٍ} ، لو كَانَ كذلك لقال: بدَّل حسنًا بسوء، وما قَالَ:{بَعْدَ} ، فلما قَالَ:{بَعْدَ سُوءٍ} عُلِمَ أن بَدَّل هنا بمعنى استبدلَ، واستبدل بمعنى أخذ، قَالَ تَعَالَى:{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61]، وأخذ مثلَما قَالَ المُفَسِّر بمعنى: أتى.
والمَعْنى من الآيَة الكَريمَة أنَّ مَنْ أتى حُسنًا بَعْد سوءٍ فإن هَذَا الحسنَ ينفي السوءَ، ولهَذَا قَالَ:{فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} يَعْنِي: أغفِر له.
جملة {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} إِذَا قَالَ قَائِلٌ: ما مُطابقتها للشرطِ؟ لِأَنَّ قوله: {مَنْ ظَلَمَ} إعرابه: (من) اسْم شرط جازِم وليست اسمًا موصولًا مستثنى، لِأَنَّ الاستثناء هنا منقطع، و {ظَلَمَ} فعل الشرط، وجملة {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} جواب الشرط.
أقول: لَوْ قَالَ قَائِل: ما وجه ارتباط الجوابِ بالشرطِ؟
فالجواب: أنه لما ذكر الله سبحانه وتعالى هذين الاسمين فِي قوله تَعَالَى: {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَإِنَّهُ يريد مُقتضاهما، فمقتضى المغفرةِ أن يَغْفِرَ لهَذَا الَّذِي ظلم ثُمَّ بدَّل حسنًا بَعْد سوءٍ، ومُقتضى الرَّحْمَةِ أيضًا أن يرحمَه.
ونظير هَذَا قوله تَعَالَى فِي المحاربين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34]، يعني يَسْقُط عنهم الحدُّ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقتضى المغفرة والرَّحْمَة. فهنا مقتضى المغفرةِ والرَّحْمَةِ أنَّ مَن {بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ويرحمه.
وهل يشمل الرُّسُل وغير الرُّسُل؟