الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتعبير ظاهر جدًّا فِي الفرقِ بينهما؛ لِأَنَّ (عرش) نَكِرة و {الْعَرْشِ} معرفة، فدلَّ ذلك عَلَى أن هَذَا العَرْش عرشٌ عظيمٌ معلومٌ مفهومٌ فِي الأذهانِ، بخِلاف الأوَّل.
وَيقُول المُفَسِّر رحمه الله: إنه قاله فِي مقابلةِ عَرْش بلقيس، نعم هَذَا صحيحٌ، فواضحٌ أَنَّهُ قَالَه لأجلِ أنْ يُبَيِّن أن صاحبَ العَرْش العظيم هُوَ المستحِقّ لِأَنْ يَكُونَ مالكًا، وَأَمَّا هَذِهِ المَلِكَة فإنَّ لها عرشًا وَلَيْسَ لها العَرْش.
من فوائد الآية الكريمة:
الفَائِدَة الْأُوْلَى:
إثبات عرشِ اللهِ؛ لِقَوْلِهِ: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]، والعَرْش هُوَ أعلى المخلوقاتِ، وَهُوَ غير الكرسيّ، وَلَيْسَ هُوَ المُلك كما قاله مُنْكِرو العلوّ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: المُراد بالعَرْش المُلك، فتقُولُونَ:{اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، أي: استولَى عَلَى الملك، وهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بصحيحٍ، والعَرْش معروفٌ عند العربِ، وَفِي اللُّغة العَربِيَّة: بأنه سَرير المَلِك الخاص به.
الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:
إثباتُ انفرادِ اللهِ تَعَالَى بالأُلوهيَّة، لِقَوْلِهِ:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [النمل: 26].
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: هَذَا النفيُ أو الحصرُ حقيقيّ أو إضافيّ؟
إِذَا قُلْنَا: حقيقيّ، فهَذَا يَلْزَمُ منه أن يَكُون الإله لَيْسَ بمعنى معبود، لزِم أن يَكُون الحصر إضافيًّا، إذ هناك معبود سِوَى الله وهي الأصنامُ، فيَصِير معنى: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أي: لا مَعْبُودَ بحقٍّ إِلَّا اللهُ، وحينَئذٍ يَكُونُ الحَصْرُ إضافيًّا، وإنْ جَعَلْنَاهُ حَقِيقِيًّا فإنَّنا يُمْكِنُ أن نَقُولَ: إن المُرادَ بالإلهِ فِي قولِهِ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [الصافات: 35]، الإلهُ المستحِقُّ، يَعْنِي: لا إلهَ مُسْتَحِقّ إِلَّا الله، ولكِن هَذَا التَّقْدير يعودُ عَلَى الأوَّل.
واعلَمْ أن الله سبحانه وتعالى سمَّى الأصنام آلهةً؛ سَمَّاها آلهة فِي قوله تَعَالَى: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [هود: 101]، فأثبتَ أَنَّهَا آلهة، وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى نفى أن تكون آلهةً فقال تَعَالَى:{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: 40]، والجمعُ بينهما ظاهرٌ؛ أنَّ إثباتَ كونها آلهةً باعتبار هَؤُلَاءِ العابدينَ؛ لِأَنَّهُم يَعتقِدون أَنَّهَا آلهة، ونفي أن تكون آلهة وإنما هِيَ أسماء باعتبار حقيقة الأَمْرِ أَنَّهَا ليستْ بآلهةٍ تَسْتَحِقّ أن تُعْبَد؛ ولهَذَا نُفي أن تكون آلهةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لها الْحَقّ فِي أن تُعْبَد.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما الفرق بين الحصر الحقيقيّ والإضافيّ؟
قُلْنَا: مثال الحصر الحقيقيِّ والإضافيِّ إذا قُلْنَا: إن {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [الصافات: 35]، أي لا معبود بحق إِلَّا الله صار حصرًا إضافيًّا، باعتبار أن يَكُون بحق، أمَّا بحق وباطل فيوجد آلهة سِوَى الله، وحينَئذٍ يَكُون الحصرُ إضافيًّا، يَعْنِي بالإضافةِ إِلَى الإلهِ الحقّ، فإذا قُلْنَا: حقيقيٌّ فَهُوَ باعتبارِ الواقعِ أَنَّهُ لا يوجد إله إِلَّا الله، وأنّ هَذِهِ الآلهة هِيَ مجرد أسماء، فيَكُون الحصر حقيقيًّا، أي: باعتبار الحقيقة والواقع، ومؤداهما واحد؛ ولهَذَا أثبت الله الآلهةَ مرة ونفاها مرة أخرى.
الفَائِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: إثبات الرُّبُوبِيَّة؛ لِقَوْلِهِ: {رَبُّ} ، ورب بمعنى: خالق أو بمعنى صاحب؟
بمعنى خالق، وَهُوَ أيضًا مختصٌّ به، إذ إن العَرْش لله سبحانه وتعالى وحدَه.
* * *