الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معلَّقة عَلَى الاصطفاءِ، وهَكَذَا أحكام الله الكونيَّة والْقَدَرَّية كلّها مربوطة بأَسْبابها، وذلك لثبوتِ الحِكْمَةِ فِي أحكامِ اللهِ؛ إذ إنَّ الله لا يفعل شيئًا إِلَّا لحكمة.
الْفَائِدَة الثَّامِنَةُ:
الثَّناء عَلَى المُصْطَفين لسلامتهمْ.
الْفَائِدَة التَّاسِعَةُ:
أنّ ما جاءت به الرُّسُلُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نقصٌ، سواء كَانَ ذلك فِي الأحكام الشَّرْعِيَّة أو فِي الأخبارِ، فما أخبرتْ به الرُّسُلُ فَهُوَ حقّ، لَيْسَ فِيهِ كذِب، وما أمرتْ به أو نهتْ عنه فَهُوَ عدلٌ، لَيْسَ فِيهِ جَوْر ولا ظُلم؛ لِأَنَّ قوله:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} أول من يدخل فِيهِ الرُّسُلُ؛ ولهَذَا يَقُول الله عز وجل فِي سورة الصافَّات: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180]، فسلَّم عَلَى الرُّسُلِ لسلامةِ ما قالوه منَ النقصِ والعيبِ، وهَكَذَا هنا {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} .
الْفَائِدَة الْعَاشِرَةُ:
أن من قام بما يجبُ عليه منْ الِاجتهاد فأخطأ فلا إثمَ عليه؛ لِقَوْلِهِ: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} فإذا اجتهد الْإِنْسَانُ فِي طَلَب الحَقِّ وتحرِّي الحَقّ وأخطأ فلا إثمَ عليه فِي هَذَا الخطإِ؛ لِأَنَّهُ ما دام مُتحرِّيًا للحقِّ وطالبًا له وفاعلًا لأَسْبابِهِ فَهُوَ منَ العبادِ المصطَفَيْن، فإذا حَصَل عليه خَلَل فَهُوَ سالمٌ مما يَكُون بهَذَا الخطأ، وهَذَا يَشهَدُ له قول الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فَأَخْطأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِذَا حَكَمَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ"
(1)
.
الفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: جواز المقارنةِ بينَ ما هُوَ خيرٌ مَحض وما لا خيرَ فيه؛
(1)
رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث رقم (6919)؛ ومسلم، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، حديث رقم (1716)، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
مراعاةً للخَصْمِ وإقامة للحجَّة عليه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} ، فإن من المعلوم أن الله خيرٌ مما يُشرِكون، ولا مقارنةَ بينه وبينهم، لَكِنَّهُ يُخاطِب قومًا مشركينَ، إن كانتِ القراءةُ بالتاءِ، لِأَنَّ فيها قراءتينِ (أمَّا تشركون) و (أمَّا يُشْرِكون)، أو يتحدث عن قوبم مشركينَ، فلهَذَا راعَى أحوالهم فقال:{آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} .
<مز>الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أنَّ من أساليبِ المناظَرة إلزامَ الخَصْم بما يُقِرّ به، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لا يمكن أَنْ يَقُولُوا: إن آلهتهم خيرٌ أبدًا، ولهَذَا أعقبها بِقَوْلِهِ:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [النمل: 60]، ممَّا هُوَ من أفعال الرُّبُوبِيَّة الَّتِي لا يمكِن لهم أن يَدَّعُوا أن آلهتهم تفعلها.
<مز>الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: عَدْلُ اللهِ سبحانه وتعالى فِي إقامةِ الحُجَّة عَلَى المعانِدِين؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} ؛ لأنَّهُ إذا وصلتِ الحالُ إِلَى هَذَا الأَمْرِ إِلَى أن يَقُول لهم: آللهُ خيرٌ أم أصنامكم، فيَكُون هَذَا من جملةِ ما يُقَال لهم، يَعْنِي: قل: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} وقل أيضًا لهَؤُلَاءِ: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} .
فيَكُون من جملة المقول، وهَذَا فِي غاية ما يَكُون منَ العدلِ وإقامة الحجَّة، وإلَّا فالله قادر عَلَى أن يدعَ هَؤُلَاءِ ويبين الحَقّ ولا حاجة إِلَى مناظرةٍ، ولكِن لإقامة الحجَّةِ عَلَى هَؤُلَاءِ ولكمالِ العدلِ فيما لو عُوقِبوا أن تكون عقوبتهم بَعْد إقامةِ الحجَّة فصار مثل هَذَا الكَلام.
<مز>الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أن لله سبحانه وتعالى الجيرَّية المطلَقة فِي كُلّ شيءٍ، خِلافًا لمَا مشَى عليه المُفَسِّر حَيْثُ قَالَ:[{آللَّهُ خَيْرٌ} من يَعْبُدُه]، فالصَّواب: آلله خيرٌ فِي كُلّ شَيْء، خيرية مطلقة فِي صفاته وَفي أفعاله المتعلقة بعابديه.
<مز>الْفَائِدَةُ الخامِسَة عَشْرَةَ: بَيَان جواز إلزام الخَصْمِ بما لا يُمْكِنه إنكارُه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} .
<مز>الْفَائِدَةُ السَّادِسَة عَشْرَةَ: جوازُ المقارنةِ بينَ شَيئينِ لا يَختلِفانِ فِي المَعْنى من أجلِ إقامةِ الحُجَّة، لِقَوْلِهِ:{آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} وذلك بأن ما يشركون به مَعَ الله لَيْسَ فِيهِ خيرٌ إطلاقًا، كما قَالَ الله تَعَالَى:{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} [غافر: 20]، ما قَالَ: لا يَقضون بالحقّ، قَالَ:{لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} يعني لَيْسَ لهم أيّ حُكْم وَلَيْسَ لهم أيّ سُلْطَة، إطلاقًا لَيْسَ فيها خير، فهي أحجار وأشجار لا يُنتفَع بها.
* * *