الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك فِي مسألةِ العِينة، والعِينة أن يبيعَ الشَّيْءَ عليه بثمنٍ مؤجَّل ثُمَّ يَشتريه نفس البائع منه بأقلّ منه نقدًا، فهَذِهِ مسألة العِينة.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ألا يَرِد عَلَى هَذَا اشتراط التعيين بالنِّسْبَةِ للنِّكاح؟
قُلْنَا: العقد لا يَنتهي إِلَّا بالتعيينِ، فإذا قَالَ: قَبِلْتُ نِكاحَ فلانةَ حَصَلَ التعيينُ، ولا يَصِحُّ أن يَقُول: قَبِلْتُ نِكاحَ إحداهما، كما أن البيع أيضًا: بِعتك بعشرة نقدًا وبعشرين نسيئةً، يَقُول: قبلت بعشرين النسيئة أو قبلت بعشرة نقدًا، لَا بُدَّ من هَذَا؛ لِأَنَّ القبولَ يُعَيِّن، المهمّ الكَلام عَلَى الإيجابِ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:
أَنَّهُ يجوز للإِنْسَان أمامَ عدوِّه أن يُظْهِرَ العظمةَ؛ لِأَنَّ سُلَيمَان أراد بإحضار هَذا العَرْش إظهارَ عَظمَتِهِ وقُدْرَتهِ، وَأنَّهُ استطاع أن يأتيَ بعرشها المحصَّن بلَا شَكّ؛ لِأَنَّهُ كما جرتِ العادةُ قُصُور الملوك لَا بُدَّ أن تكون محصَّنة وعليها حَرَس، لا سيما مثل العَرْش، وَأَمَّا زَعْمُ المُفَسِّر رحمه الله أَنَّهُ إِنَّمَا أَتَى به ليَتَمَلَّكَهُ فلا دليلَ فِي الآيَة عَلَى ذلك.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ:
أن سُلَيمَان عليه الصلاة والسلام إمَّا أنَّهُ تَفَرَّسَ أو أُوحِيَ إليه بأن هَؤُلَاءِ القوم سوف يأتونه؛ لِأَنَّهُ لمَّا ردَّ الرَّسُول بالهَدِيَّة وقال: {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37]، ما جاءه الجوابُ، فطَلَبَ أن يُحْضرَ عَرْشُها، ممَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ علِم بأنها ستأتي وقومها، ولكِن من أين علم ذلك؟
قُلْنَا: إنَّهُ أَمَّا مِنْ وحي، وَإمَّا من فراسة؛ لِأَنَّ مثل هَذهِ العبارات الَّتِي تُرسَل:{فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} بهَذهِ الْقُوَّة تَقتضي أن العدوَّ يَخْنَعَ ويَخْضَعَ، إن كَانَ بفراسةٍ فَهُوَ دليل عَلَى جواز الحكم بالفراسة، وقد ذكرنا
عدة مراتٍ أَنَّهُ يجوز الحكم عَلَى الشَّيْء بمقتضى غَلَبَةِ الظنّ، بل يجوز أن يحلف عليه بمقتضى غلبة الظنِّ، والفِرَاسة تؤدي إِلَى غلبة الظنّ، ولكِن لَيْسَ مجرَّد الوهم يُجَوِّز أن تحكمَ بالظنِّ، بل لَا بُدَّ للفراسةِ من قرائنَ تدل عليها؛ إمَّا قرائن سابقة وَإمَّا قرائن مقارِنة، وَأَمَّا أن تحكمَ بشيءٍ لَيْسَ فِيهِ قرينةٌ فهَذَا حكمٌ بالظنِّ.
* * *