الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والرَّسُول صلى الله عليه وسلم لما ذكر هَذِهِ الأَشْيَاء فلَيْسَ معناه أن هَذِهِ حتمًا هِيَ الَّتِي تَنْفَع، بل قد يقوم مَقامها ما هُوَ أَولى منها، ونَهْيُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن الكَيِّ لَيْسَ للتحريمِ
(1)
، والنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَفْسُه فَعَلَ وكَوَى سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ رضي الله عنه
(2)
.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُوْلَى:
فِيهِ مَبْدَأ العَصَابات، ولا يزالُ مَوْجودًا إِلَى الآنَ، فإن هَؤُلَاءِ {تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} وما زالَ الأَمْر إِلَى يومنا هَذَا وإلى ما بَعْد واللهُ أَعْلَمُ وَأَنَّهُ سَيَبْقَى؛ لِأَنَّ أهل الشَّرّ لهم طُرُق يَتَفَنَّنُون بها فِي فرضِ شَرِّهِم عَلَى غيرهم.
الْفَائِدَةُ الْثَّانِيَةُ:
أَنَّهُ يمكن أنْ يَجْتَمِعَ الفساد والصلاح، يعني أن الفساد والصلاح قد يجتمعانِ فِي شخصٍ؛ لِقَوْلِهِ:{يُفْسِدُونَ} {وَلَا يُصْلِحُونَ} ، ولولا أَنَّهُ يمكن اجْتِمَاعُهما لم يكنْ لِقَوْلِهِ:{وَلَا يُصْلِحُونَ} فائدة؛ لِأَنَّهُ يَكُون عدم الصلاح مفهومًا من إثباتِ الفسادِ، لو لم يُمْكِنِ اجْتِمَاعُهما.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:
أن الكفر والإِيمان قد يجتمعانِ فِي شخصٍ؛ لِأَنَّ الإِيمان صلاحٌ والكفرَ فسادٌ، وكذلك أيضًا الفُسُوق والطاعة يمكن أن يَجْتَمِعَا، وخالف فِي ذلك طوائفُ منَ النَّاسِ: المُعْتَزِلَة والخوارِجُ والمُرْجِئَة، فالمرجئة قَالُوا: لا يمكن، فالْإِنْسَان إذا كَانَ مؤمنًا كُلّ أحوالِهِ صالحةٌ ولا يُعَذَّب بذنبٍ ولا يُلام عليه، والخوارج والمُعْتَزِلَة
(1)
رواه البخاري، كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، حديث رقم (5356)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
رواه مسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي، حديث رقم (2208)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
بالعكسِ قَالُوا: لا يمكن أنْ يَجْتَمِعَ كفرٌ وإيمانٌ، وفُسُوق وطاعة، بل مَن أتى ما يُوجِب الفِسْق صار كافرًا، ومَن أتى ما يُوجِب الكفرَ صارَ كافرًا عَلَى رأيِ الخوارِجِ، أو خارجًا من الإِيمان بين منزلةِ الإِيمانِ والكفرِ عَلَى رأي المعتزلة، ولَا شَكَّ أن النصوصَ والواقعَ والعقلَ يَدُلّ عَلَى خلافِ ما قالوا؛ لِأَنَّ اجتماعَ هَذَا وهَذَا أمرٌ موجودٌ مَعْلُوم، فالعاصي نَقُول: إنَّهُ مؤمنٌ ناقصُ الإِيمانِ، فلا نُطْلِق عليه الإِيمان المُطْلَق، حَتَّى لو كَانَ عنده إيمانٌ عشرة فِي المِئَة، لَا بُدَّ أن يَكُونَ ناقصَ الإِيمانِ، أو نَقُول: مؤمن بإيمانِهِ فاسِقٌ بكبيرتهِ، مثلًا لوِ اغتابَ الْإِنْسَان رجلًا من النَّاسِ، فهَذِهِ كبيرةٌ منَ الكَبائِرِ تَنْقُصُ الإِيمانَ، وَهُوَ يُصَلِّي ويصوم ويزكِّي ويَحُجّ ويتطوع بسائر التطوُّعاتِ، لا نعطيه وصفَ الإِيمانِ المطلَق، بل نَقُول: مؤمن بإيمانِهِ فاسِق بِكَبيرتِهِ أو مؤمن ناقصُ الإِيمانِ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أليس قوله تَعَالَى: {يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} مثل قول الصحابيّ: فأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ ونُهِينَا عَنِ الكَلَامِ
(1)
، بمعنى أنَّ الوَصْفَ يَتَحَقَّق بواحدٍ منهما؟
فالجواب: لا؛ لِأَنَّ السكوتَ والكَلامَ متناقِضانِ، أَمَّا الصلاحُ والفسادُ فمُتَضَادَّانِ يُمْكِن أنْ يَجْتَمِعَا، فيَكُونُ فِي الشَّيْءِ مَصْلَحة ومَفْسَدة، قَالَ تَعَالَى:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219]، أمَّا هَذا فإمَّا سكوتٌ أو كلام، فهما متناقضان، يعني لا يمكن أن يوجدَ أَحَدُهما إِلَّا بِفَقْدِ الآخَرِ.
(1)
أخرجه البخاري: أبواب العمل في الصلاة، باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة، رقم (1250)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته، رقم (539).