الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (32)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل: 32].
* * *
فى قِصَّة مَلِكَةِ سَبَأ عندما جاءها الكتابُ من سُلَيْمَان عليه الصلاة والسلام قالت لقومها: {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} [النمل: 32]، المَلَأ بمعنى: الأشراف، وذلك بأن الملوكَ والرؤساءَ يَكُونُ جُلَسَاؤُهم دائمًا أشرافَ النَّاسِ، فوَجَّهَتْ إليهم الخطابَ:{قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ} [النمل: 38]، وسبق ذِكْر الفائدة فِي قولِها:{يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ} [النمل: 29]، قولها:(يا ملأ) إظهارًا لعلوِّ شأنهم حَيْثُ نُودُوا بمناداةِ البعيدِ.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي} [يوسف: 43]، بتحقيق الهمزتين]. {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي} هَذَا تحقيق الهمزتينِ.
[وتسهيل الثَّانِيَة بقلبها واوًا]، (يا أيها الملأ وفتوني)، وهَذَا مبنيٌّ عَلَى القاعدة اللُّغوية أَنَّهُ إذا ضُمَّ ما قبل الهمزةِ فَإِنَّهُ يجوزُ قَلْبُها واوًا.
وَقُلْنَا: إن من فائدة هَذِهِ اللُّغةِ تصحيح أذانِ كثيرٍ منَ النَّاسِ الَّذِينَ يَقُولُونَ فِي أذانهم: اللهُ وَكبر، بل حَتَّى الصلوات، فإن بعض النَّاس فِي تكبيرة الإحرام يَقُول: اللهُ وَكبر.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي}
…
أي: أشيروا عليّ {فِي
أَمْرِي}] ، واحد الأُمُور وَلَيْسَ واحد الأوامر؛ لِأَنَّ المُراد بالأَمْر هنا الشأنُ.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا} قَاضِيَتَهُ {حَتَّى تَشْهَدُونِ} تَحْضُرُون].
وهَذَا من كمالِ ذَكائها أَنَّهَا أشارتِ المَلَأَ حَتَّى إذا نتجَ عن تَصَرُّفِها شيءٌ لا يُرضى يَكُونُ اللومُ عَلَى هَؤُلَاءِ الملأِ الَّذِينَ أشاروا، ولا يجعلون اللومَ عليها؛ ولهَذَا قالت: إنَّهَا ما تَقْطَع أمرًا حَتَّى يشهدوها، وقولها:{مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا} أي: قاضية له، {أَمْرًا} هَذِهِ نَكِرَة فِي سياقِ النفيِ، فتكون للعمومِ، لكِن المُراد بذلك الأَمْر المتعلّق بالدولةِ بلَا شَكّ، وَأَمَّا الأَمْرُ الخاصّ فإن لكلِّ إِنْسَانٍ التصرُّف فيه، وكذلك قول الله تَعَالَى للنبي صلى الله عليه وسلم:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر} [آل عمران: 159]، هَذَا الأَمْر من الأُمُورِ الْعَامَّة الَّتِي هِيَ للجميعِ، وَلَيْسَ الرَّسُول عليه الصلاة والسلام ولا غيره مأمورًا أن يشاورَ النَّاس فِي كُلّ أمورِهِ، حَتَّى لو أراد أن يتغدى أو يتعشى ذهب يَقُول للناس: ماذا تقولون؟ لا، ولكِن المقصود الأُمُور الْعَامَّة الَّتِي يَشْتَرِك فيها النَّاس، فيؤمَر فيها بالتشاور.
وقولها: {قَاطِعَةً أَمْرًا} هَذَا أبلغ ممَّا فسَّر به المفسِّر بالقضاء؛ لِأَنَّ القطعَ يَدُلّ عَلَى الإِمرةِ والعزيمةِ والفِعْل، بخلافِ القضاءِ حيث يقضي الحُكْم فقطْ بدونِ أنْ يفعلَ.
وقولها: {حَتَّى تَشْهَدُونِ} فيها إشكالٌ لُغَوِيّ، وهي ثبوتُ النونِ مَعَ أن {حَتَّى} ناصبة، فما هُوَ الجوابُ؟
النون هَذِهِ للوقايةِ؛ ولذلك تجدها مكسورةً {حَتَّى تَشْهَدُونِ} ، لو كانت نون الرفعِ لقالَ:(تَشْهَدُونَ)، وما أظنُّ أَنَّهَا تُشْكِل عَلَى طالبِ العلمِ؛ لِأَنَّهَا مكسورةٌ، ومثل هَذَا قوله تَعَالَى فِي سورة الذاريات:{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} [الذاريات: 59]: فقوله: {فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ} إذا وقفتَ عليها تُسَكّن النونَ