الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهَذِهِ الأشراطُ أيضًا علامة عَلَى قُرْبها، لكِن القُرْب نِسبيّ، لا تظنَّ أن القربَ ثلاثونَ سنةً، أربعونَ سنةً، مائةُ سنةً، حَدَّثَ النَّبِيّ عليه الصلاة والسلام أصحابَه يومًا منَ الأيامِ والشَّمْسُ عَلَى رؤوسِ النخل فقال:"إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا"
(1)
.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى:
أن توجيهَ الخطابِ للرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام أن يَقُولَ قَولًا يَدُلّ عَلَى عنايةِ اللهِ سبحانه وتعالى بهَذَا القَوْلِ؛ لِأَنَّهُ عبارة عن رسالة خاصة.
والْقُرْآن كلُّه الرَّسُولُ مأمورٌ أن يقوله للناسِ، لكِن إذا خصَّ بعض الآيَاتِ بكلمةِ:(قُلْ) فهذا يَدُلّ عَلَى عنايةِ اللهِ تَعَالَى بهَذَا الأَمْرِ، حَيْثُ أوصاه بتبليغِهِ وَصِيَّةً خاصَّةً.
الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ:
أَنَّهُ لا يعلم أحدٌ الغيبَ إِلَّا اللهُ، فالَّذِي فِي المستقبَل لا يعلمه أحدٌ إِلَّا الله بكلِّ حالٍ، والحاضر أو الماضي قد يُعْلَم، ودعوَى عِلْمِه ليستْ من علمِ الغيبِ. وَعَلَى هَذَا فالَّذِينَ يُحَيِّرُونَ ويُخْبِرُونَ عمَّا جَرَى عَلَى العبدِ فهَؤُلَاءِ ليسوا ممن يَدَّعُون علمَ الغيبِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا ماضٍ أو حاضرٌ وَهُوَ معلومٌ، لكِن قد يَكُون غائبًا عن البشرِ شاهدًا للجنِّ؛ لِأَنَّ الجن يعلمون الشَّيْء البعيدَ ويخبرون مَن يصحبهم من الإنسِ.
=الساعة، حديث رقم (50)، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى
…
، حديث رقم (8)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(1)
رواه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء ما أخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هُوَ كائن إلى يوم القيامة، حديث رقم (2191)؛ وأحمد (3/ 61)(11604)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وَعَلَى هَذَا فما نُحَدَّث به عن بعضِ النَّاسِ أَنَّهُ إذا جاءهم المريضُ قَالُوا: أنت أصابك كذا وأصابك كذا وأصابك كذا، ويَكُون الأَمْر كما أخبرَ؛ هَذَا لَيْسَ من دعوى الغيبِ، فتصديقه لَيْسَ كفرًا باللهِ. لكِن يَبْقَى النظرُ فِي حالِ هَذَا الرجلِ؛ هل هُوَ مستقيمٌ فإنَّنا حينئذٍ نَرْكَن إليه ولا حرجَ علينا إذا ذهبنا إليه، أَمَّا إذا كَانَ غير مستقيمٍ بحيث إن الجنَّ لا تَخْدُمُهُ إِلَّا بشركٍ وكفرٍ فَإِنَّهُ لا يجوز لنا أن نذهبَ إليه؛ لما فِي ذلك من الإعانةِ عَلَى الكفرِ.
وقد ذكر شيخ الإِسْلام أنّ الجنّ يخدمون الإنسَ لمصالحهم؛ لمصالح الجنّ، فإذا كانوا كفارًا فإنهم قد يخدمونهم إذا أشركَ الإنسيُّ بالله، وقد تَعْشَقُ امرأةٌ من الجنِّ رجلًا من الإنس وتقول له: أنا أَخْدُمك بشرطِ أنْ يَفْعَلَ بها، أو كذلك رجلٌ من الجنّ يَعشَق امرأةً من الإنس، فيحصل الأَمْر كذلك، فيَكُون الأول شركًا؛ الَّذِي أشرك بالله، والثاني فسوقٌ وزِنا، وقد يخدمه لمجرَّد مَحَبَّته له بدون أيّ سبب؛ فهَذَا لا بأسَ به، وقد يخدمه لله؛ يرى أَنَّهُ عابدٌ وتقيٌّ أو عالم ينفَع النَّاس بعلمه فيخدمه لهَذَا السَّبَب، فما دام أن خِدمة الجنّ للإنس تَتَنَوَّع فإن حكم استخدامِ الإنسِ للجنّ يَكُون بحسَب هَذَا التنوّع، ولا يُقَال: إنَّهُ حرام مطلقًا ولا يُقَال: إنَّهُ جائز مطلقًا، بل عَلَى حَسَبِ الحالِ
(1)
.
وقد بَلَغَنَا أن أحد أهلِ العلمِ كَانَ يُسمَع فِي حَلْقته حركاتٌ بغير مشاهَدةٍ، وَيقُولُونَ: إن الجنّ يحضُرون العلمَ عنده وَإِنَّهُ أحيانًا يَسمعون كلامَا وسؤالًا بدون أن يعلموا بقائِلِهِ، فهَذَا متواتِرٌ عندنا.
وهَذَا لَيْسَ ببعيدٍ إذا كَانَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم حَضَرَه ناس من الجنّ وحضروا الْقُرْآن
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (11/ 307).