الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (37)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} بما أتيتَ من الهديَّة].
الخطاب الْآنَ للرَّسُولِ، وهَذَا من تعديدِ الأساليبِ لفائدةٍ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ حملوا الهديَّة هم الجماعةُ جميعًا، فناسبَ أنْ يُخَاطِبَهم جميعًا؛ لِأَنَّهُم حَمَلُوا هَذِهِ الهَدِيَّةَ، وهنا لمَّا أرادَ أنْ يحملهم الإبلاغَ فإن تحميل الإبلاغِ للجماعةِ تَضِيع فِيهِ المسؤوليةُ، فحَمَّلَ الإبلاغ رَئيسَهم فقطْ؛ لأنك إذا وَصَّيْتَ جماعةً مثلًا لشخصٍ من النَّاسِ ضاعتِ المسؤوليةُ وصارَ كُلّ واحدٍ منهم يَتَّكِل عَلَى الآخَرِ فلا يحسن الإبلاغُ، لكِن إذا حَمَّلْتَها واحدًا فحينئذٍ يَتَحَمَّل ويؤدي؛ ولهَذَا حَمَّل الرئيسَ فقال:{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [النمل: 37]، أي: إِلَى جماعتِكَ الَّذِينَ أرسلوكَ.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [بما أتيتَ مِنَ الهديَّة {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ} لا طاقةَ لهمْ بها {وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا} من بَلَدِهِمْ سبأ، وسُمِّيَتْ باسمِ أبي قَبيلتهم، {أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} أي: إنْ لم يأتوني مسلمينَ].
هَكَذَا الْقُوَّة؛ لِأَنَّهُ لا يريدُ المالَ ولا يريد الدُّنْيا وإلا لَخَضَعَ وخَنَعَ لهَذِهِ الهَدِيَّة الكبيرةِ الَّتِي أُرسل بها جماعةٌ، ولكِنَّه لا يريد ذلك، فخاطبهم بهَذِهِ العباراتِ القويَّة.
قوله: {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ} اللام مُوَطِّئَة لِلْقَسَمِ، والنون للتوكيد، فعلى هَذَا فالجملة مؤكَّدة بثلاثةِ مؤكِّداتٍ: القسم، واللام، والنون، ثُمَّ فيها منَ التعظيمِ {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ} ، ولم يقل:(فلآتينهم)؛ لِأَنَّ هَذَا أبلغُ فِي الهَيبةِ، سواء أراد تعظيم نفسه، أو أراد بذلك آتيهم بجنودي.
وقوله: {لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} فِيهِ استصغارُ هَؤُلَاءِ الجماعةِ الَّذِينَ أَرسَلُوا بهَذِهِ الهديَّة، فاستصغرهم منَ الناحيةِ الماليَّة فِي قولِه:(ما آتاني اللهُ خيرٌ مما آتاكم)، ومن الناحيةِ العسكريَّة فِي قولِهِ:{لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} لا طاقة لهم بها؛ لِأَنَّ عنده من الجنودِ الجنّ والإنس، بل والطير أيضًا، فما لهم طاقة بهَذَا الشَّيْء.
قوله: {وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً} فنَحْتَلّ بلادهم ونُخْرِجهم مِنْهَا أذلَّة {وَهُمْ صَاغِرُونَ} الفرق بين الأذِلَّة والصَّغار: الأذلة: الذُّلّ فِي النفسِ، والصَّغار: فِي البَدَنِ، يَعْنِي يَكُون مُسْتَسْلِمًا ظاهرًا وباطنًا، مستسلمًا ظاهرًا بالصغارِ، ومستسلمًا باطنًا بالذلِّ، قَالَ الله تَعَالَى:{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45]، فالخشوعُ بمعنى الصَّغار، والذلُّ هُوَ ذلُّ النفسِ والعياذ باللهِ، وهَذَا دليلٌ عَلَى أن سُلَيْمَان عليه الصلاة والسلام عنده من قوَّة العزيمةِ، وقوة السلطانِ ما استطاعَ أن يُعَبِّر بهَذَا التعبيِر لهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْدَوْا له بهَذِهِ الهديَّة.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: كيفَ يَلِيق بسُلَيمان عليه الصلاة والسلام أن يقابلَ جماعةً أَهْدَوْا إليه هديةً بهَذَا الأسلوبِ العنيفِ، لماذا لم يُجِبْ بأسلوبٍ لطيف؟
الجواب عن هذا: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أرادَ أنْ يُظْهِرَ لهم قوَّتَه، وَأَنَّهُ لا يَهْتَمّ بشأنِهِم، ثُمَّ إن اختبارهم له مَعَ أَنَّهُ قَالَ:{أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31]، يَدُلُّ عَلَى شكٍّ فِي دعوتِه، هُوَ دعاهم إِلَى الإِسْلامِ، وهم شَكُّوا فِي ذلك بإرسالِ الهديَّة،