الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالفرارِ، ويتحرَّز بالمُدافعةِ، وَيتَحَرَّز بالصِّياح لِمَن حَوْلَه، ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ قَوْلنا: إنَّهُ عَلَى خُفيَة أَنَّه لا يوجدُ عندَه أحدٌ؛ لأَنَّ الغالبَ أَنَّهُ لا يُقْتَل إِلَّا إذا كَانَ لا يوجد عنده أحد، لكِن الكَلام عَلَى غِرَّة منَ المقتولِ، هَذَا هُوَ قَتْل الغِيلة.
فهَؤُلَاءِ الجماعة تَقَاسَمُوا عَلَى هَذِهِ الفِعْلة القَبِيحَة المُشِينة، ولكِنهم لم يحصُلْ لهم تنفيذُ ما أرادوا؛ لِأَنَّهُم مَكَرُوا، ومكرَ اللهُ، واللهُ خيرُ الماكرينَ.
هل يجوزُ سلوكُ مبدإِ الاغتيالاتِ مَعَ الأعداءِ؟
إنْ كَانوا يَسْلُكُونه معنا سلكِناه معهم، قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126].
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:
وَفِي قوله: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} دليل عَلَى إنكارِ المدَّعي، وهَذَا شَيْء واضح، أَمَّا الفاعل للسيئة فلا يُهِمُّه أن يُنْكِر فِعْلَه، يَعْنِي: مَن قتلَ يهون عليه أن يُنْكِرَ القتلَ؛ لِأَنَّ القتلَ أعظمُ من إنكارِه، فلهَذَا قَالَ:{ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:
أنَّ البَيِّنَة عَلَى المدَّعِي واليمينَ عَلَى مَن أنكرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا أن هَذَا القَوْل يُبَرِّئهم ما صحَّ أن يَتَّفِقُوا عَلَى اتِّخاذِهِ حُجَّةً؛ يَقْتُلُونه ويَقُولُونَ: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} ، فاتَّفَقُوا عَلَى هَذَا، دلَّ هَذَا عَلَى أنَّ الإنكار يُبَرَّأُ به المُدَّعَى عليه، ووَجْهه: أَنَّهُ لولا أن ذلك يُبَرِّئُهم لم يَنْفَعْهُم الاتفاقُ عليه؛ لِأَنَّهُ لو قَالُوا: ما شهدنا مَهْلِكَهُم سيقال: أنتم القاتلونَ، فهَذَا أيضًا دليلٌ عَلَى أنَّ البيِّنة عَلَى المدَّعي واليمين عَلَى مَن أنكرَ.
فإذا ادَّعَى شخصٌ أن هَذَا الرجلَ قتلَ والدَه، نَقُول له: هاتِ بيِّنَةً، فإذا لم يأتِ
ببينةٍ فَإِنَّهُ لا يَثْبُتُ له الحقُّ؛ لِأَنَّ البيِّنة عَلَى المُدَّعِي واليمينَ عَلَى مَن أنكرَ. ولكِن هل هَذَا عَلَى إطلاقه؟
المشهورُ مِنَ المَذْهَبِ أَنَّهُ عَلَى إطلاقِه، وَأَنَّهُ لو كَانَ المُدَّعَى عليه القتلُ مِن أفجرِ النَّاسِ والمقتولُ من أطيبِ النَّاسِ، وكذلك المُدَّعِي فَإِنَّهُ لا يُؤْخَذ بقَوْلِهِ؛ لِعُمُومِ قولِ الرَّسُول عليه الصلاة والسلام:"الْبَيِّنةُ عَلَى المُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"
(1)
.
واختارَ شيخُ الإِسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّة رحمه الله أنَّ هَذَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ، ولكِن تُجْرَى فِيهِ القَسامةُ إذا كَانَ هَذَا الرجلُ معروفًا بالفسوقِ، والمقتول معروفًا بالصدقِ والاستقامةِ، وكذلك أولياؤه، قَالَ: فإن هَذه قَرِينَة تُغَلِّبُ عَلَى الظنِّ صِدْقَ المُدَّعِي، وَعَلَى هَذَا فتُجْرَى فِيهِ القَسَامَةُ. وما قاله الشيخُ فليسَ ببعيدٍ.
الأَمْر الثاني بالعكسِ؛ لو أنَّ شخصًا قتلَ إِنْسَانًا وقال: نعمْ أنا قتلتُ ولكِن الرجل صالَ عليَّ ولم يَنْدَفِعْ إِلَّا بالقتلِ، فماذا أصنع؟
المَذْهَب: لا يُقْبَل قَوْلُه ويُقْتَل؛ فلو أنَّ إِنْسَانًا أَدَّعِي عليه أَنَّهُ قاتلُ فلانٍ، قَالَ: نعمْ أنا الَّذِي قتلْتُه لكِنَّني قتلتُه دِفاعًا عن نفسي؛ لِأَنَّ الرجل يريد أن يَقْتُلَنِي. نَقُول له: هاتِ بيِّنةً أَنَّهُ صالَ عليك وإلا قتلناك. قَالَ: لا يُمكِن أن يَكُونَ عندي بيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ ما صالَ عليَّ أمامَ النَّاسِ، لو يَدْرِي أن حوله أحدًا ما صالَ.
نَقُول: إذن نَقْتُلك وبوم القيامةِ تَخْتَصِمُون عند الله. هَذَا هُوَ المذهَب، واختارَ الشيخُ هنا أَنَّهُ يُقْبَل قولُ المعروفِ بالصدقِ، فإذا كَانَ هَذَا القاتلُ الذي يَقُول: أنا قتلتُه دفاعًا مُسْتَقِيمًا، والمقتولُ معروفٌ بالفجورِ والاعتداءِ عَلَى الخلقِ، فَإِنَّهُ يُقْبَل قولُه ولكِن يَحْلِف تأكيدًا لقوله.
(1)
رواه الدارقطني (3/ 110، رقم 98)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 252، رقم 20990).
وما قاله الشيخ رحمه الله هُوَ الصَّحيحُ، ولا يمكن العَمَلُ إِلَّا به، أم كوننا نَقُول: نقتلك وتجد حسابك عند الله! هَذَا فِيهِ نظرٌ، حَتَّى لو وُجدتْ قرينةٌ تدلُّ عَلَى صِدْقِ الرجلِ غير مسألة حال هَذَا وحال هَذَا. يعني مثلًا لو وُجِدَ فِي بيتِه، فلو وُجِد المقتولُ فِي بيتِ القاتلِ، وقال: أنا قتلتُه عمدًا بدونِ شُبهةٍ لَكِنَّهُ ادَّعى أَنَّهُ صالَ، وقال: جاء إليَّ ودخلَ البيتَ لِيَقْتُلَنِي أو سينتهك حُرْمَة أهلي، فوجدتُ أَنَّهُ لا يَندفِع إِلَّا بالقتلِ، نَقُول: ولو كان؛ لِأَنَّهُ يجوزُ أَنَّهُ استضافه ويتدرَّج به ويقول: تَفَضَّل عندنا؛ لأجلِ أن يقتلَه.
والحاصلُ: أنَّ هَذِهِ مشكلةٌ، ولا يستقيمُ الحالُ إِلَّا عَلَى ما قالَه شيخُ الإِسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّة رحمه الله.
الحاصل: أن قوله: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} يَدُلّ عَلَى أن المُنْكِر مقبولُ القَوْلِ ما لم يأتِ المُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ.
* * *