الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيأتي - إن شاء الله - بَيَان الفائدةِ فِي هَذَا أن بعض النَّاس إذا ضاق ذَرعًا بالدُّعاة المصلِحين يَقُول لهم: اخْرُجُوا، هَذِهِ لَيْسَت بِلادكم، أو لا تتكلَّمْ فِي هَذَا المَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مسجدكَ، أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
قوله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} هَذِهِ الجملةُ تعليل لمِا سَبَقَها مِن حُكْمٍ وَهُوَ الأَمْرُ بالإخراجِ، (أخرجوهم) لماذا؟ (لأنهم أناس يَتَطَهَّرُون)، قَالَ المُفَسِّر رحمه الله:[من أدبار الرِّجال]، فجعلوا عِلَّة العقوبة ما هُوَ من أَسْبابِ رفعِ العقوبةِ؛ فإن التطهُّرَ عن هَذَا حَسَنٌ يَقتضي المدحَ والثَّناء الجميلَ عَلَى مَن تطهَّر منه، وهَؤُلَاءِ جعلوه بالعكس، لِأَنَّهُم - والعياذ بالله - إمَّا زائغونَ يَعرِفون الحَقّ ولم يَعْمَلُوا به، وَإمَّا ضالُّون أُضِلُّوا عن الحقّ وعَمِيَ عليهم، نسأل الله العافية. والغالبُ أَنَّهُم زائغونَ؛ لِأَنَّ هَذَا معروفٌ لدى البشرِ أنَّ الطبيعةَ تَنْفِر منه ولا أحدَ يَقْبَلُه.
وقوله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} هل هم أرادوا الحقيقةَ وأن هَذَا الفِعْل خبيثٌ وهَؤُلَاءِ يريدون التطهُّر منه، أو أرادوا: يتطهّرون بِزَعْمِهِم، وأن هَذَا الفِعْل لَيْسَ نَجَسًا لكِن هَؤُلَاءِ يريدون أن يتطهروا منه؟
الأقرب الأخير؛ لِأَنَّهُ هُوَ مُقْتَضَى حالهِم، فمقُتضَى حالهم أَنَّهُم رأوا هَذَا المنكرَ معروفًا وهَذِهِ الفاحشةَ يسيرةً فتمسكوا بها.
وقوله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} : {أُنَاسٌ} نكِرة، والمنكّر غيرُ معروفٍ، وكل هَذَا لقصدِ التباعُدِ منه، والإغراء بإخراجِهم.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: بَيَان عُتُوِّ المكذِّبين لِلُوطٍ عليه الصلاة والسلام وأنهم لم يَقتصِروا عَلَى ردِّ دعوتِهِ، بل اتَّفقوا عَلَى أن يخرجوه من البلد.
الْفَائِدَة الثَّانِيَةُ: أنَّهُ ينبغي عند الدَّعْوَةِ إِلَى الشَّيْءِ أن يَقْرِن الداعي دعوته بما يُغْرِي المدعوّين ويُؤَلِّبهم ويقوِّيهم؛ لِقَوْلِهِ: {آلَ لُوطٍ} ، ومن قوله:{مِنْ قَرْيَتِكُمْ} ولم يقولوا: من القريةِ؛ لِأَنَّ قولهم: {مِنْ قَرْيَتِكُمْ} ، فهَذِهِ تُوجِب الحَمِيَّةَ والعَصَبِيّة حَتَّى يخرجوهم، كأنهم قَالُوا: هَذِهِ القريةُ لكم، أَخرِجوا هَذَا الرجل، وكذلك ففي قوله:{آلَ لُوطٍ} يعني هَؤُلَاءِ ليسوا منكم؛ فلا وجهَ لِكَوْنِكم تسكتونَ عنهم.
الْفَائِدَة الثَّالِثَةُ: قَرْنُ الحُكْم بالسَّبَب؛ لقولهم: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} ؛ هَذَا سبب قولهِم {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ} .
الْفَائِدَة الرَّابِعَةُ: أن قول البعضِ إذا رَضِيَهُ الباقونَ فَهُوَ للجميعِ؛ لِقَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ} ، ومنَ المعلومِ أن هَذَا القَوْلَ لَيْسَ للجميعِ؛ لِأَنَّهُم عندما يَقُولُونَ:(أخرجوا) فبعضهم يخاطب بعضًا، ولكِن الكلمة إذا جاءت من بعضِ القومِ ورَضِيَها الآخرونَ فإنها تُنْسَبُ إليهم.
ولهَذَا يخاطب الله اليهود فِي عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بما فعله أسلافهم، وفِي سورة البقرةِ كثير من ذلك؛ كما قَالَ الله تَعَالَى:{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 53]، فموسى الَّذِي أُوتِيَ الكتابَ والفُرقان جاء لأسلافهم وليس لهم.
وكذلك قَالَ: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة: 92]، والَّذِينَ اتخذوا العجلَ ليسوا هَؤُلَاءِ، لكِنَّ هَؤُلَاءِ راضونَ. ففِعل القوم أو فِعل بعضِ القومِ أو القبيلة إذا رَضِيَه الآخرونَ فَهُوَ للجميعِ، والعِبرة بالأشرافِ ومَن لهم الكَلِمَة، وإلَّا بعض النَّاس قد يَكْرَه هَذَا الشَّيْءَ ولا يريده.