الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (25)
قَالَ اللهُ عز وجل: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} أي: أن يسجدوا له، فزِيدَتْ (لا) وأدغم فيها نون (أن)؛ كما فِي قوله تَعَالَى:{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29]، والجملة فِي محل مَفْعُول {يَهْتَدُونَ} بإسقاط إلى]، لِأَنَّ معنى قوله:{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29]؛ لِأَن يعلم أهل الكتاب، فزيدتِ اللامُ توكيداً، فالمُفَسِّر رحمه الله يرى أن قوله:{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} مثل الآيَة الَّتِي ذكرها شاهداً لها من حيثُ زيادة (لا)، وَيرَى آخرونَ من المفسرين خلاف ما رآه المُفَسِّر وَيقُولُونَ: إن الجملة انتهت بِقَوْلِهِ: {فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: 24]، وإن قوله:{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} بمعنى: هلا يسجدوا، وَأَنَّهُ للتحضيضِ، ولكِن هَذَا التَّقْدير فِيهِ إشكال أيضاً، وَهُوَ حذف النون من الأفعال الخمسة بدون ناصب ولا جازم؛ لِأَنَّ {أَلَّا} لا تنصب ولا تجزم، وإذا قُلْنَا: إن {أَلَّا} للتحضيض وهي لا تنصب ولا تَجْزِم، ونظرنا إِلَى {يَسْجُدُوا} وجدنا أن فيها حذف النون نصبًا أو جزماً، وهنا لَيْسَ ناصبٌ ولا جازمٌ، فَهُوَ محل إشكال.
ولكِنَّ الجوابَ عن هَذَا قد يَكُون سهلًا؛ لِأَنَّ حذف نون الأفعال الخمسة
لغيرِ ناصبٍ ولا جازمٍ جائزٌ ووارد فِي اللُّغة العَربِيَّة، ومنه قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"وَاللهِ لَا تَدْخُلوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا"
(1)
لا تدخلوا (لا) نافية، لا تنصبُ ولا تَجزِم، ومع ذلك حُذِفَتِ النونُ، ولم يقل:(لا تدخلونَ الجَنَّة)، فالجواب عَن هَذَا أن يقال: إن نون الأفعال الخمسة قد تحذف بدون ناصب ولا جازم، لا سيما فِي مثل هَذَا التعبير {أَلَّا يَسْجُدُوا} الدالّ عَلَى التحضيضِ، فإنَّ حَذْفَ النونِ هنا يُسَهِّلُه وجودُ هَذَا الحرفِ السابقِ للفعلِ.
وعَلَى كُلِّ حَالٍ: إذا كانت عَلَى تقديرِ المُفَسِّر، فإن هَذِهِ الجملة بالنِّسْبَة لما قبلها كالمؤكِّدة؛ لأَنَّهُ لما قَالَ:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [النمل: 24]، هَذَا يَقتضِي أن لا يهتدوا إِلَى الْحَقّ وإلى أنْ يسجدوا لله سبحانه وتعالى. وَأَمَّا عَلَى القَوْلِ الثاني أن {أَلَّا} للتحضيضِ بمعنى (هلا) فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أنَّ الهُدْهُد انتقدهم بهَذَا الفِعْل، وبَيَّن أن الأَولى، بل الأوجب أن يَكُون السجود لله عز وجل، وتكون الجملة منفصِلة عما قبلها.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: قوله سبحانه وتعالى: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل: 24]، مَعَ قوله:{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} ألا يقتضي أن مَناط الذمِّ كونهم لا يسجدون لله، وَلَيْسَ كونهم يشركون فِي السجودِ.
الجواب: لا؛ لِأَنَّ معنى قوله: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} يَجِب أن يُفرِدوا الله تَعَالَى بالسجودِ، فيَكُون مَناط الذمّ كونهم يخصصون الشَّمْس بالسجودِ، وكذلك أيضاً لو أشركوا بها مَعَ الله؛ لِأَنَّهُ لا يمكن أن يزولَ الذنبُ إِلَّا إذا خُصِّصَ السجودُ لله وحدَه.
(1)
رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب في إفشاء السلام، حديث رقم (5193)؛ والترمذي، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في إفشاء السلام، حديث رقم (2688)؛ وابن ماجه، كتاب المقدمة، باب في الإيمان، حديث رقم (68)؛ وأحمد (2/ 477)(10180)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الآيَة قراءة ثانية: (أَلا يا اسجدوا لله) وتكون (ألا) استفتاحية و (يا) حرف نداء، والنداء محذوف، والتَّقْدير: ألا يا قوم اسجدوا لله، أو تكون (يا) للتنبيه، نظيره قوله تَعَالَى:{يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس: 26]، وقوله تَعَالَى:{يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ} [النِّسَاء: 73]، فإن (يا) هَذهِ إمَّا أن تكون للتنبيهِ؛ لِأَنَّهَا لا تدخلُ عَلَى الأفعالِ ولا عَلَى الحروفِ، وَإمَّا أن تكون للنداء والمنادى محذوف.
قوله: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [مَصْدر بمعنى المخبوء مِنَ المطرِ والنباتِ {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ} فِي قُلُوبِهِم {وَمَا تُعْلِنُونَ} بِألسِنَتِهِم]، قوله:{الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} الخَبْء بمعنى المخبوءِ؛ كما قَالَ المُفَسِّر، فَهُوَ مصدر بمعنى اسمِ المَفْعُول، والمصدرُ بمعنى اسمِ المَفْعُول واردٌ فِي اللُّغة العربيَّة كثيرًا، ومنه قوله تَعَالَى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: 6]، أي: محمولٍ؛ لِأَنَّ الحملَ فِعل المَرْأَةِ، وَأَمَّا المحمولُ فَهُوَ الجنينُ، وكذلك قوله:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
ومنه قولُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"
(1)
أي: مردود، ومنه أيضًا قول الله تبارك وتعالى:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11]، {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} أي: مخلوقه وَلَيْسَ فِعْلَه.
قوله رحمه الله: [مِنَ المطرِ]، هَذَا باعتبارِ المخبوءِ فِي السَّمَاء، [والنبات]، هَذَا المخبوء فِي الْأَرْض، فاللهُ سبحانه وتعالى هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ ما فِي هَذَا وما فِي هَذَا، {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ} فِي قلوبهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} بألسنتهم].
ولم يُشِرِ المُفَسِّر رحمه الله إِلَى القراءةِ الثَّانِيَةِ وهي سبعيَّة فِي قوله: "يخفون"
(1)
سبق تخريجه.